تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الفلسطينية هي مهمة شعرية بالدرجة الأولى...
بعد سنة أولى على رحيله: حديث مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش قبيل رحيله : المتنبي أسس بالشعر سلطة أدبية معادلة أو متجاوزة للسلطة السياسية في الزمن الذي عاشه
نشر في الشعب يوم 22 - 08 - 2009

محمود درويش... شاعر توغّل في حدائق.. عانق قضاياه وهمومه... أخذته العبارة الى الأقاصي.. خير الناس والأهل والاصدقاء والامكنة فغدا طائرا محلقا في السماء الصافية لم تنسه الرحلة المفتوحة جراح ذاته.. لقاءات عديدة جمعتنا ولكن هذه المرة كان محمود شخصا آخر ممتلئا بالحيرة..
«يا شمس.. أعطينا حياتنا للشعر.. هذا أمر محيّر» هكذا خاطيني في أوج هذا الحوار الذي اخذنا حيث كان لنا حديث آخر. على هامش الحوار الذي قال لي إنّه حميمي بيننا ولا يصلح للنشر... «فأنت تعرف أحوال هذه الأمة»... ننشر هذا الحوار للذكرى...
مرة اخرى تعود لتونس لتقرأ شعرك.. كيف تقبلت هذا الحضور الاستثنائي من قبل جمهور الشعر؟
أهم شيء احدثته الزيارة هو تعميق احساسي بان الشعر بالفعل لم يصبح هامشيا، قراء الشعر في تونس يمثلون قاعدة عريضة وهذا شيء مفاجئ حقيقة، فالاقبال على الشعر والتفاعل مع الحساسية الفردية والجمعية (معا) يدلان على انه غير صحيح، هذا الزعم بان الشعر العربي يعيش في عزلة كما يدعي بعضهم او كما يخشى الكثير من النقاد والشعراء، فهو موجود في نسيج التكوين الاجتماعي للمجتمع التونسي وهذا فعلا شجعني على ان اجدد ايماني بجدوى العملية الشعرية وبإمكانية تطويرها لقد اعادوا هنا تشكيل الوعي بمسؤولية الشاعر تجاه شعره وقراءة شعره ايضا. فاستطيع ان اقول انني فوجئت بأن الشعر والشاعر مازالا حيين على مستوى المجموع، طبعا هناك افراد ونخبة محبة للشعر ولكن القاعدة كانت عريضة والنخبة واسعة وليست ضيقة انا مدين للشعب التونسي بتجديد ثقتي بشعري وبنفسي وبالشعر بشكل عام.
الرحلة طويلة .. ومحمود درويش.. كيف تنظر الى ذلك من خلال نصف استدارة الى الخلف؟
انظر بكثير من القلق، فأنا لست مطمئنا الى صواب هذه المسيرة بالمعنى الجمالي وواثق من صوابها بمعنى التزامها بقضية الحرية والانسان بالمعنى الواسع لكلمة الالتزام واستجابتها لمتطلبات لحظات تاريخية شديدة التأثير، بهذا المعنى ربطت شعري منذ البداية بالتعبير عن ذاتي الخاصة وعن ذات جماعية ولكن المراجعة تتم على المستوى الجمالي اكثر منها المستوى الفكري.
المستوى الجمالي يستحق التطوير والنقد والانقلاب على اسلوبية كانت تبدو لي ملائمة ولكن هذه الاسلوبية محتاجة الى تغيير لان الحساسية الشعرية في تغيير دائم، وسرعة ايقاع العصر لا تترك الشاعر ينجو منها بسهولة، ويجب الانتباه الى تغير الاذواق وتغير الشاعر نفسه، فانا لم اجلس واقرر الاستجابة للتغيرات، انا بنفسي تغيرت، وعيي الشعري تغير وليس بمعنى الارتداد على النفس بل اني اتطور ولي حرص قوي على تخليص شعري مما هو ليس بالشعر اي عدم ربطه بما هو احداث الراهن على الشاعر ان يكون أكثر مكرا في رؤيته للتطورات التاريخية ولزم أن يعرف كيف يسكن القصيدة امكانية حياة في ظرف تاريخي اخر كما ان للقراءة تاريخيتها وامكانية ان تؤول بطريقة مختلفة، في لحظة تاريخية مختلفة كذلك النص الشعري يجب ان يكون حريصا كل الحرص على ان يحمل في ذاته تجاوزا لزمن الكتابة الى زمن قراءة مختلف اي ان يحمل حياة اخرى للنص الشعري بمعنى ان يكون يملك ذكاء الاستقلال النسبي عن شرط كتابته انا شديد الانتباه لهذه المسألة والى الالتفات الى صوت الذات صوت الانا وليس بمعنى الانا الضيقة فالانا تحتوي في داخلها أكثر من انا فهي تتشظى وتصبح كاتبة للتاريخ، بهذا المعنى على الشعر ان ينطلق في اصغاء دقيق للانا في تفاعلها مع الانوات الاخرى وهنا يكمن حرصي على الانتباه للجوانب الانسانية في الحياة الفلسطينية وليس فقط لجانب القضية، علينا ان نعلن ان الفلسطيني ليس مهنة، اولا هو كائن بشري وهوية وطنية وقومية وهو صاحب مشروع في التحرر والحرية ولكن اولا واخيرا هو انسان وأهداف اي حركة او ثورة هي مساعدة الانسان في ان يتغلب على ظروف قاسية تحرمة من التعبير عن انسانيته لما فيها من انتباه ولما يحمله الانسان من هموم وجودية صغيرة واحيانا ميتافيزيقية وعاطفية.
القضية الفلسطينية هي مهمة شعرية بالدرجة الاولى ويجب ان تخفف من النظرة الى الفلسطيني كحالة نمطية مطالبة بكتابة شيء محدد سلفا مطارد بالموت وبالاستشهاد الدائم، يجب الانتباه الى ان للفلسطيني حياة اخرى فهو يفرح بتفتح الزهور الاولى في الربيع المبكر، يفرح بالحب وبجماليات الحياة وهذا يعني ان الاحتلال لم ينجح في كسر روحه الانسانية المتفتحة على روح الحياة. هذا هو شاغلي الكبير الذي يجعل الشعر منطقة تقاطع بين كل الهويات ويتجاوز اطاره الوطني الى اطار انساني اوسع، والشعر ليس وطنيا الا عند التعبير عن جغرافيا معينة او قضية محددة لكنه اوسع في مجمله فهو صوت وايقاع الاسئلة الاولى في الحياة للانسان حول وجوده وكيانه وهو رحلة متشابكة من الثقافات والحضارات ومن هنا يتحول الى ما نسميه بالشعر الانساني هذا الشعر هو مجموع تجارب لشعوب مختلفة ويجب ان نكون شركاء في التعبير عن الجانب الانساني من ادبنا وليس فقط ان نكون محاصرين بنمطية كتابية واحدة.
ادوارد سعيد.. الفكرة.. القضية والعلاقة؟
تعرفت على ادوارد سعيد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1974 عندما ذهبت مع المرحوم ياسر عرفات ليلقي خطابه الشهير في الأمم المتحدة، هناك قيل لي بوجود نابغة فلسطيني وتعرفت عليه لنصبح منذ ذلك الوقت اصدقاء.
لم تنقطع علاقتنا منذ 1974 حتى وفاة ادوارد سعيد فهو من مفاخر الامتياز الفلسطيني على المستوى العالمي، وهو ليس كما صور العرب نتاج ثقافة عربية استطاعت ان تجد ندية في حوارها مع الثقافة العالمية، لا. ادوارد سعيد نتاج الثقافة الغربية واحد كبار نقادها في نفس الوقت وارتباطه بالقضية العربية والفلسطينية هو ارتباط حر بحكم موقعه كمثقف يشعر بالمسؤولية تجاه الضحية لقد كان صوت الضحية، الفلسطينية بهذا المعنى، ليس لانه من اصل فلسطيني فلو لم يكن فلسطينيا لاتخذ نفس الموقف بحكم وعيه بدور المثقف النقدي الذي لا يرضى بالمركزية الثقافية والهيمنة السياسية الدولية.
ادوارد سعيد ليس معروفا لدى الكثيرين من العرب بماهيته الحقيقية، وهو مفكر ادبي كبير وليس معروفا فقط بمقالاته السياسية. ودوره في النقد الثقافي وفي تطوير النظرية الادبية الغربية، اساسي ولا يمكن ان تنجح كتابة لا يكون فيها ادوارد سعيد احد المراجع في النقد الثقافي. بدرجة كبيرة نفخر به لانه يدافع بشكل انتمائي حر وعن اختياراته الثقافية الحرة المعبرة عن توتر وانتباه الضمير المثقف لديه وليس لانه من اصل فلسطيني فحسب.
لهذا كان ادوارد سعيد محاربا على جبهة صعبة جدا، خصومه كثيرون ولكنه انتصر بسلاح الفكر لثقافته الموسوعية والتزامه بقضايا التحرر في العالم الثالث وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يبدو ان العرب قد تموقعوا بين حالتين.. حالة شعرية واخرى تنبئ بالهامش.. ما رأيك؟
الحاضر العربي لا يسمح لنا برؤية امكانية امل قريب على المستوى المرئي واذا نظرنا على المستوى القريب والمستقبلي من منظور الحاضر والملموس فالصورة سوداء وبخاصة اننا منذ وعى جيلنا بالحياة وبالعالم نعتقد بأن الاحوال سيئة ولكن هذا السوء يتطور باستمرار ونجد حالنا اليوم فيه. ومن المؤكد في تاريخ جيلنا ان كل امس كان افضل من اليوم، فمنذ نكبة 1948 وما تلاها الى تدمير واحتلال العراق واعادة احتلال فلسطين عدة مرات والوعي العربي يتشتت ولا وجود لمصطلح يجمع العرب في مفهوم واحد. نجد أنفسنا في هذا الوضع الصعب فنحن ننقسم بين عبادة الماضي وتيار اخر وهو عبادة امريكا اي ان من لا يعبد الامريكان لا مكان له على المنصة، طبعا التاريخ لا يتجمد ولا يصل الى اية نهاية ، لا نهاية للتاريخ، بل الامر يتوقف على مدى وعي العرب بمشكلاتهم ومتى حصل وعي العرب بهزيمتهم وانتبهوا الى قدراتهم الكامنة والتي لم يستعملوها، واهم شيء كيف يقاربون الحداثة؟ اي كيف نخرج من النظر الى أن الاجابة عن الاسئلة الحالية والقادمة موجودة في النصوص القديمة؟ ونذهب للبحث عنها في النصوص الجديدة؟ وكيف ننظر للمستقبل من خلال ان نكون منتجين في الحضارة والثقافة الانسانيتين وليس فقط ان نكون مستهلكين؟ اي ان نأخذ المنتج الغربي ونتخلى عن منظومة الفكر التي انتجته، يعني ان الحضارة الغربية لم تتطور الا من خلال منظومة افكار وقيم محددة انتجت هذا التفوق الحضاري، نحن نستهلك التلفزيون والكمبيوتر ولكننا لا نساهم في الانتاج، واي انسان لا يساهم في الانتاج سيبقى مستهلكا لذلك على العرب ان يفكروا بشكل اعمق في ازمتهم دون ان يكون الماضي هو المرجع، فنسبة المتعلمين والنخبة بدأت تتوسع في العالم العربي والعولمة كشفت عوراتنا فلم يعد النظام العربي يستطيع ان يمارس ما كان يمارسه في الخفاء فنحن نستفيد ولن ينجو احد من العولمة، وشتمها لا يحل المشكلة فيجب ان نشارك في الانتاج الى حد ما نستطيع واعتقد اننا لن ننجو من اثر ما يحدث في العالم فنحن لسنا مشاركين فيه ولكننا معاصرون له، الهوة صعبة ولا يمكن للارادة ان تبقى الى هذا الحد مهانة. والعرب محتاجون الى وعي وارادة جديدين ولكن في اللحظة الحالية لا نجد وصفا لهذا الوضع فكل واحد يعمل على تعميق اقليميته والحل الوحيد عنده هو ارضاء امريكا ولا طريق لارضائها الا بالعبور عبر بلاده، وهو ما اصبح المقدس السياسي العربي الرسمي الحالي.
الشاعر لن يبقى متفرجا مهما كانت اداة القمع القوية لدى السلطة هناك تغييرات ستحدث رغم الادعاء الامريكي بالديمقراطية وغيرها حتى وان كانت كذبة، هناك اشياء سوف تحدث لانهم سيتورطون في امتحان صدقية لعبتهم.
كيف احسست لحظة سقوط بغداد؟
سقوط بغداد كان مشهدا جميلا في عيون الذين فقدوا ضمائرهم، هناك العديد من المثقفين الذين صفقوا لذلك ليس هناك اي وصف لهذا الامر اخلاقيا كما لا يمكن ان ننسى ان بغداد لم تسقط فقط بالعدوان الامريكي الذي لا مبرر له اصلا والذي فيه بعد اسرائيلي يتمثل في القضاء على القوة الكامنة في العراق التي قد تهدد في نظرالامريكان والاسرائيليين الاسترخاء والهيمنة الاسرائيليين في المنطقة ومن هذا المنظور كان هناك بعد اسرائيلي في الحرب على العراق.
ولكن النظام السياسي في بغداد ايضا ساهم في اسقاط القلعة من الداخل، فالديكتاتورية لا يمكن ان تكون جوابا أو تحد لعدوان امريكي بهذه القوة، لا نريد ان نحاكم الاشياء فاي تلمس صادق قد يوقعنا في تهمة «مع بوش ام مع صدام..» مع اني لست مع بوش ولست مع صدام.. ولكن محصلة سقوط بغداد طرحت اشكالا حول قدرة الهزيمة العربية على التناسل، وهذا حدث مؤلم تاريخيا وان كان بعض المثقفين قد صفقوا لهذا وصدقوا ان الامريكيين قادمون لكي ينشروا الحرية والديمقراطية على الدبابات، هناك تصديق لهذه المسألة.. لكن لا الامريكان انتصروا حتى الان ولا العراق، القوة الكامنة هزمت.. هذاك الكثير من الضحايا والمقاومة بعضها حقيقي ولكن تدخل فيها اختراقات فتعريف المقاومة في الدفاع عن نفسها، مسألة تخص المقاومة العراقية، فهنا تختلط، وفي هذه المسألة الجريمة المنظمة والمافيات والمقاومة الصادقة ولكن تبقى المقاومة حقا مشروعا للعراقيين ضد الاحتلال.
كتّاب تونسيون اشتغلوا على تجربتك منهم اليوسفي وبكار وصمود والمزغني والمنصف الوهايبي ورؤوف الخنيس وآمال موسى .. وكان الكتاب هدية تونس اليك كيف تقبلت؟
بصراحة حين دعوني الى تونس قالوا ان هناك مفاجأة (يضحك) ولم اكن اتصور ان المفاجأة كانت جميلة الى هذا الحدّ، يعني احسن تحية وهدية تقدم الى الشاعر هي ان يدرس شعره، ان ينقد فرحت كثيرا خاصة ان هذا العمل شارك فيه تقريبا معظم الشعراء والكتاب في تونس وكانوا كرماء واعطوني اكثر مما استحق من تشجيع ولا شيء يفرح الشاعر اكثر من ان يجد اهتماما ما سواء كان ايجابيا ام سلبيا ويحس ان كلامه ليس صرخة في واد بل يجد استقبالا له واهتماما به.
اعتبر هذا الكتاب تكريما يفيض عن حاجتي وهو تكريم من اخوة لشخص اصبحوا يعتبرونه واحدا منهم.
المتنبي.. هذا الزمن.. وسر الفتنة والافتتان الدرويشي معه وبه؟
اعتقد ان اي قارئ للشعر العربي يصاب بالافتتان الذي اصبت به لقوته الشعرية وقدرته على ان يكون عابرا للزمن فنحن نريد ان نجد وصفا لحالتنا في كل لحظة، ولا نجد اصدق من المتنبي في وصف حالتنا الراهنة، قدرته في انه يحمل تعبيرا عن المستقبل، وان تسبق وتخترق اللغة عنده حاضرها وتأتي هذا الحاضر من المستقبل فهذه عظمة لا يتمتع بها كثير من الشعراء.
المتنبي أسس بالشعر سلطة ادبية معادلة او متجاوزة للسلطة السياسية في الزمن الذي عاشه، نحن لا تعنينا كثيرا اخبار بني حمدان ولكن الشيء الذي يثير دهشتنا هو لماذا لم يكتف المتنبي بهذه السطة الادبية ولماذا كان مسكونا بهاجس الحصول على اي سلطة خارج هذه السلطة وهي سلطة سياسية ومدح الكثيرين بشكل مذل لماء الوجه طبعا نحن ننسى الان الجانب المذل وننظرالى الجانب المضيء والمشرق في هذا الشعر. اذن يبدو ان الشعراء تغفر لهم خطاياهم اذا كان شعرهم جميلا فاحيانا نجد تناقضا بين الاخلاق والجمال فكيف تكون جمالية هذا الشعر سببا في مغفرة تجاه سلوك المتنبي ومدحه، اذن ربما كان الممدوحون كلهم عبارة عن ذريعة لدى المتنبي الذي كان مسكونا بارادة الحصول على سلطتين السلطة السياسية والسلطة الشعرية وقبل هذا وذاك انك تقرأ في شعر المتنبي تلخيصا لتاريخ الشعر العربي.
فأنا مفتون به.. مثلي مثل كل القراء.. اي قارئ حقيقي للشعر العربي لا يستطيع القفز على ذلك.. «على فكرة» فكلما كثرت قدرات وامكانات المتنبي الشعرية، كلما ازداد اعداؤه، يقال ان (الفا) من الشعراء قد هجوه ولكن لا نعرف اين هم.. كان حوتا مثل سمك القرش يبتلع كل الحيتان.
النقد العربي والشعر.. هل حظيت الحالة الشعرية الدرويشية بما يكفيه ا نقديا؟
للاسف، انا قرأت العشرات.. من الدراسات الجامعية وكنت أشعر بالحرج لان فيها شرحا لمعاني الكلمات وتبويبا للاغراض الشعرية وهي دراسات لا تقترب من جوهر الشعر ولا تشكل مقاربة له او لجماليته او للغير مرئي من الشعر. هناك كيمياء للشعر ارى ان النقد مطالب بالبحث فيها ولكن النقد العربي للاسف مع بعض الاستثناءات مازال نقدا شارحا، يشرح المعني ويعرب الالفاظ والمعاني ولا يقترب من روح وسر العملية الشعرية، طبعا هناك بعض النقاد الجادين الذين يشكلون مقاربات مفيدة ليس مطلوبا من الناقد ان يشرح او يهجو او يمجد الشعر بل عليه ان يكون قادرا على ان يعلم الشاعر او ان يرى فيه جوانب لم يرها قبل ان يضيء له الناقد ذلك الجانب لكن ليس لي حق الشكوى والامر في اوروبا مختلف لان الشعر عندهم جزء من الحركة الثقافية الكبرى والفكر والفلسفة متقدمان بينما نحن لدينا وضع آخر، ليس لدينا فلسفة او فكرا ادبيا كبيرا العمل الادبي دائما يسبق الحركة النقدية ومن رأيي فانّ الابداع الادبي متقدم على الحركة النقدية في الثقافة العربية هناك تقصير قد ننسبه للجامعات وللمثقفين انفسهم او الى غياب استخدام مجمل المناهج النقدية في النقد العربي نقدنا مدرسي وليس بمتشرب من النظريات النقدية عند قدماء العرب، هو نقد انطباعي او تجريح او مديح كما قلت، ونحن نتعرض الى عمليات تجريح كبيرة تصدر عن بعض الكتب وهي فظيعة وتقول انني لست شاعرا بل اكذوبة.
الوجدان الفلسطيني ودرويش وآراء الآخرين؟
انا متهم بالتخلي عن القضية الفلسطينية ومتهم الى حدّ ما بخيانة جلدي عند بعض الناس، أما القراء فهم ابرياء فلسطين ليست وظيفة وهي ليست شيئا.
أين ريتا.. او بالاحرى حدثنا عن الحب عند درويش؟
لا وجود لقصة أو مغامرة، اولا انا لست مجنون ليلى ولا اراغون الزنا، ليست هناك امرأة تشكل لي مرجعية عاطفية او مرجعية ذكريات ليس هناك شعر الحب، أنا أزور الحب (يضحك)، الحب لا يحتلني، بل تحتلني حاجتي اليه وليست هناك امرأة محددة هي ليلاي او لبناي او عزتي لا املك اسطورة حب بل أتذكر الحب بما هو حالة متنقلة ومترحلة ولا وجود لامرأة أبدية.. هي ذريعة.
وأخيرا، نذهب مع حديثك الذي نعرف بعضه عن قصيدة النثر؟
كنت اتصور أو اتمنى ان ينتهي هذا البحث بخصوص قصيدة النثر وشرعيتها وصراعها مع ما ليس بقصيدة نثر. قصيدة النثر هي احد انجازات الشعر العربي في العقود الاخيرة وهي قد اصبحت الجزء العضوي من حركة الشعر العربي وفيها مبدعون كبار وعدة شعراء استمتع بالكثير منهم وارى انهم يقدمون شعرية جديدة بقصيدة النثر.
هناك التباس، كأن بيني وبينها مشكلة وخلافا، انا خلافي مع ادعاءاتها النظرية، فالكثيرون يولدون وقد اكتملت نظريتهم الادبية عن الشعر بمعنى انه لا يكون موزونا وان يخلو من العواطف وان لا يأتي الايقاع الشعري على خارج النثر وان الحداثة لا يمكن ان تعرف الا عبر قصيدة النثر، وبها هذه الادعاءات النظرية لا استطيع ان اقبلها، قصيدة النثر شرعيتها في مدى ما قدمت من شعرية جدية وذائقة مختلفة وبالتالي ليس من حقها ان تنفي غيرها ربما كانت حاجتها للدفاع عن نفسها وعن شرعيتها قد منحت شعراءها هذا النفس العدواني باقصاء الاخرين اي بمنطق من ليس منا فهو خصمنا، عليهم ان يرتاحوا فقد انشؤوا دولتهم المستقلة ويجب ان يبحثوا عن مسألة المركز والضواحي والاطراف، عليهم ان يرتاحوا ويعملوا اكثر على تطوير تجربتهم الشعرية وعلى تقديم مبرر جمالي اكبر لاختيار هذا الشعر وان يعترفوا باننا معاصرون لهم ومن حقنا ان نكتب بطريقة مختلفة. عليهم ان يكفوا عن احساسهم بالاضطهاد وان لا يتحولوا الى (مضطهدين، لنقم بمصالحة في هذا يضحك).
انا لا مشكلة لي معها بل مشكلتي الوحيدة انني لا أكتبها، اعرف شعريتها العالية.. النثر عمل راق وجنس ادبي نبيل اكتبه ولا اسميه شعرا، ولا ننسى ان القرآن نثر ويعجبني قول ابو حيان التوحيدي في تعريفه للشعر حين قال: احسن الكلام ما قامت صورته على نظم كأنه نثر وعلى نثر كأنه نظم، والوزن ايضا لا يحمي اللاشعر فهناك الكثير من الكلام الموزون وهو عبارة عن نظم ما احبه في الشعر هو ذاك الصراع مع الصعوبة ومهارة التغلب على صعوبة النظم جزء من العملية الشعرية مثل النحات الذي يتغلب على صعوبة الحجراذن البحث عن السهولة ليس بالعمل الشعري، ولا بالفن فإذا ازلنا عقبة اسمها قافية وبقيت العقبات ماذا تقول؟ هل قلنا كلاما لا يقال الا بهذه الطريقة؟
هذا هو امتحان قصيدة النثر، هل تقول بتحررها من كل هذه الاعباء، قولا لا يقال الا هكذا؟ بعضها نعم ولكن كثيرا منها لا، كما ان الكثير من الشعر الموزون ليس بالشعر، يجب ان لا نستبع
د التغلب على قيود الكتابة فهي بالعكس شكل من اشكال تجليات جدارتنا بالحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.