للتاريخ رجالاته وأعلامه ورموزه، يُشيدون أحداثه حدثا تلو الآخر، وملحمة تلو الملحمة، سيرتهم النضالية تشهد على انخراطهم الواعي والتزامهم المبدئي بقضايا شعبهم ووطنهم، ومن بين اعلام تاريخ الحركة الوطنية التونسية وتحديدا الحركة النقابية التي ساهمت بشكل كبير في الذود عن حرمة تونس وضحت بأنبائها من اجل استقلال البلاد ومن اجل بناء دولة الحرية والتقدم ودولة العدالة الاجتماعية، المناضل النقابي والوطني احمد بن حميدة الذي وافاه الاجل المحتوم يوم 10 سبتمبر 2009. ولد أحمد بن حميدة يوم 18 أوت 1921، وبدأ حياته المهنية بالعمل في ترسخانة سيدي عبد الله بمدينة منزل بورقيبة مسقط رأسه، وكان يشغل خطة ادارية محترمة، وقد كان عدد العمال التونسيين بورشات الترسخانة يبلغ نحو 3500 عامل جلهم منضوين تحت النقابة الفرنسية (USTT). سنة 1946 كانت سنة مفصلية في حياة المرحوم أحمد بن حميدة ذلك انه كُلف بتكوين هيئة نقابية تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل داخل الترسخانة الفرنسية، وقد تدخّل لدى السلط الفرنسية باعتبار موقعه الاداري وباعتبار قوة شخصيته ونجح في مهمته تلك، فكان المرحوم احمد بن حميدة أول كاتب عام لنقابة الترسخانة وكان ضمن مكتبها الاخوة محمد بوفحجة وعمر بودن ومحمد مديمغ والهادي الصانع والحبيب بوهاها، وقد نجحت النقابة التونسية في اقناع كافة العمال بالترسخانة للانسلاخ عن النقابة الفرنسية والانخراط بالاتحاد العام التونسي للشغل وافتكاك حقوقهم المهضومة والمسلوبة من المستعمر الفرنسي، وقد كان المرحوم أحمد بن حميدة على اتصال دائم بالزعيم فرحات حشاد. وقد سُجن المرحوم بسجن برج بورقيبة أواخر الاربعينيات وأوائل الخمسينيات وكذلك في سجن المحتشد وسجن زعرور مع ثلة من النقابيين والسياسيين. كما ذكر لنا ابنه، عماد بن حميدة، أن والده كان يُشرف على مجموعة من المقاومين في منطقة منزل بورقيبة حيث كان يعطي أوامره للقائد محجوب بن علي وكان يموّلهم بالمال والسلاح، كما اشرف على مظاهرات منزل بورقيبة في حوادث 1961 وحرب الجلاء ببنزرت وقد أرسله الزعيم فرحات حشاد الى كل من الهند والباكستان للتعريف بالقضية الوطنية، وكان نائبا في مجلس الأمة في أول دورة له ثم شغل خطة رئيس بلدية منزل بورقيبة حتى عام 1963 لينعزل اثر ذلك عن العمل السياسي والنقابي ويبتعد عن التجاذبات والصراعات التي بدأت تسم انذاك الحركتين الوطنية والنقابية حفاظا على نزاهته التي عُرف بها.