أتوجه إليكم من القيروان مدينة الأغالبة وعاصمة الثقافة الإسلامية وإحدى أكبر وأهم رموزنا الحضارية والتاريخية بأحر التحيات واصدق الأماني والتهاني بمناسبة انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية والتشريعية اللتين سيقع أجراؤهما يوم 25 أكتوبر الجاري. وإنني أتقدم إلى الانتخابات الرئاسية لهذه السنة مما يمثل الترشح الثالث على التوالي لحزبنا في الانتخابات الرئاسية والثانية على التوالي بالنسبة إلي شخصيا . كما نتقدم في 23 دائرة انتخابية بعدما قدمنا قائمات في كافة الدوائر الستة والعشرين ، وان كافة قوائمنا مكونة من مناضلات الحزب ومناضليه وهم جميعا من خيرة بنات تونس وأبنائه إشعاعا ونضالا وتضحية وعطاء وصدقا وإخلاصا وتحمسا لخدمة الشأن العام والمساهمة في تنمية الوطن وتطور المجتمع ورقي الشعب وازدهاره. وحزب الوحدة الشعبية يؤمن أن المواعيد الانتخابية هي مواعيد مقدسة لأنها المناسبة المثلى للتعبير عن الإرادة الشعبية التي تمثل أساس النظام الديمقراطي. وهذا الإيمان هو الذي جعلنا نخوض الانتخابات منذ عقود وهو الذي يجعلنا نؤكد أننا سنتواجد في كل الاستحقاقات الانتخابية، ولا نخفي في هذا الصدد ارتياحنا لأن إصرارنا على المشاركة قد ساهم في تغيير مواقف كل أحزاب المعارضة التي تخلت عن مواقف المقاطعة وسايرتنا في تمشينا وهو ما يمثل في حد ذاته إشارة إلى مكانة حزب الوحدة الشعبية في ساحة الفعل الديمقراطي ، ونشعر بارتياح أعمق لأن حرصنا على المشاركة قد لعب دورا في تطوير الحياة السياسية وأوجد مناخا سياسيا نعتبره ايجابيا لأنه سمح بتحقيق مكاسب نعتبر أن تعدد الترشحات لمنصب رئاسة الجمهورية واحدا من أهمها ، حيث كان مجرد التفكير في منافسة الرئيس السابق يجر على صاحبه الويلات ويجعله عرضة للمحاصرة. ولا يجب أن ننسى أيضا أن المجتمعات العربية لا تقبل إخضاع منصب رئاسة الجمهورية للتنافس الانتخابي ، وإذا كنت لا أريد التوقف كثيرا عند دور حزب الوحدة الشعبية فاني أجد نفسي مضطرا للإشارة إلى أننا كنا من المبادرين للترشح في أول انتخابات رئاسية تعددية في الوقت الذي كان فيه البعض من الذين يدعون اليوم قيادة المعارضة يرفض مجرد التفكير في مساندتنا ويعتبر أن المنطق يفرض المساندة الدائمة للرئيس زين العابدين بن علي . ولا شك أن التفكير الاستراتيجي هو شرط الممارسة السياسية السليمة وهو ما غاب عن الذين رفضوا مساندتنا في 1999 ليخوضوا في السنوات الأخيرة حربا خاسرة سياسيا ومبدئيا وقانونيا من اجل ترشح غير قانوني للانتخابات الرئاسية . إن مشاركتنا تندرج في إطار إيماننا بان الحياة السياسية المتطورة تمثل مؤشرا هاما من مؤشرات تحديد مدى تطور الشعوب وبأنه لا يمكن تطوير الحياة السياسية دون وجود معارضة قوية تحاور الحزب الحاكم وتنافسه في ظل الخضوع للقانون ومقتضياته ، وما دمنا في مفتتح الحملة الانتخابية فإننا نشير إلى ايجابية المناخ الذي تدور فيه الانتخابات الحالية. إن حزب الوحدة الشعبية هو مكون أساسي من مكونات الحياة السياسية والاجتماعية وهو ما يجعله متمسكا بدوره حتى وان كان أقليا لان الديمقراطية بقدر ما تقر بدور الأغلبية ومكانتها فإنها تنظر بايجابية لإسهام الأقليات العددية مادام ما هو مهم هو الأفكار والمقترحات التي تقدمها الأحزاب السياسية ، وحزب الوحدة الشعبية هو حزب أفكار وتصورات وهو قوة الاقتراح الوحيدة في تونس لأنه لا يخوض المواعيد الانتخابية إلا وقد أعد برنامجا وتصورا كاملا وهو ما جعلنا في منأى عن الصراعات الشخصية وسلبياتها. إننا حزب اشتراكي منحاز للفئات الضعيفة وللطبقات الكادحة ولا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن نكون من المتمسكين بحق كل التونسيين والتونسيات في الحصول على موطن شغل تتوفر فيه كل مقومات الكرامة وهو ما يجعلنا من الرافضين للمناولة وللتشغيل الهش ومن الداعمين للحق النقابي ولكل أشكال الحريات الفردية والعمومية لأننا نعتبر أن توفر الحريات أفضل حصانة في وجه المشاريع الرجعية والتصورات السلفية ولا يمكن أن نتصور مجتمعنا متطورا دون مكانة متطورة للمرأة وهو ما يجعلنا نتمسك بضرورة مواصلة النضال من اجل تكريس المساواة التامة والناجزة بين المرأة والرجل ، وهذا النضال هدفه تطوير مكانة المرأة من ناحية ودعم إنسانية الرجل لان العلاقات اللامتكافئة بين الجنسين لها تداعياتها السلبية على الرجل والمرأة والمجتمع ولها تبعاتها المستقبلية ما دامت تعيق التطور المتوازن للطفل . إن حزب الوحدة الشعبية يؤمن بان تونس قادرة على أن تقطع خطوات لافتة على درب التقدم وبان التقدم لا معنى له إذا ما لم يكرس العدالة بين الفئات والجهات . وهذا الإيمان هو الذي جعلنا نتمسك بدور القطاع العمومي و بالتأكيد على أهمية العدالة الجبائية بوصفها أداة من أدوات ضمان التوزيع المتكافئ للثروات، إن العدالة الجبائية بما تكرسه من مقاومة للتهرب الضريبي ومن تلازم بين تطور المداخيل وبين الإقرار بدور المجموعة الوطنية في تشكيل الرأسمالية الوطنية تساهم في تطور مجتمعنا، ونحن في حزب الوحدة الشعبية من اشد المؤمنين بان التنمية الشاملة لا بد من أن تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الأجيال القادمة وهو ما يجعلنا نؤكد على ضرورة حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية ونتمسك بالدور المركزي للمؤسسة التربوية بوصفها دعامة تطور مجتمعنا الذي لا يمتلك الموارد الطبيعية لكنه يتمسك بالثروة الإنسانية والبشرية بوصفها مصدر ثروته الأساسية . إن هذا الإيمان يجعلنا نشدد على أهمية المنظومة التربوية وعلى المكانة المحورية لرجال التعليم والتربية ويجعلنا ندعو للتصدي لهجرة الأدمغة ولمزيد دعم سياسات البحث العلمي ولدور العلوم الإنسانية بوصفها رافدا للعلوم الطبيعية وبوصفها دافعا للتصدي لكل أشكال هدر الإمكانيات والطاقات البشرية . إننا نرفض الإرهاب وكل أشكال الاغتراب ونشدد على ضرورة مواصلة الحوار مع الشباب لان الشباب هو المستقبل . إننا نتوجه من هذا المنبر بتحية لكل مناضلينا وأصدقائنا من أبناء جهة القيروان سواء كانوا في المعارضة أو في غيرها من المواقع لان ما يجمعنا هو تونس ولأن القيروان هي امتداد للقدس ولبغداد ولكل المدن العربية التي تتصدى للمشاريع الاستعمارية الجديدة ومن هذا المنبر نعاهد الجميع على أن نبقى منبرا للتقدم والعدالة ولمواجهة المشاريع الاستعمارية ولدعم التطور والتقدم ونجدد التأكيد على أن جهودنا جميعا هي التي تبني تونس العدالة والتقدم. لقد اختار حزبنا سنة 2009 سنة فلسطين تأكيدا منا على التزامنا بالدفاع عن الحقوق الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني وتمسكنا بشرعية قضيته وعدالتها وبنهج المقاومة بجميع أشكالها في مواجهة الاحتلال والعدوان والغطرسة والإجرام والإرهاب الذي ما فتئ يمارسه الكيان الصهيوني المغتصب بدعم من الامبريالية العالمية وفي مقدمتها الامبريالية الأمريكية. وان حزب الوحدة الشعبية ذي التوجه الوحدوي العربي الذي لا تشوبه شائبة والمعروف لدى القاصي والداني يحذر من الصمت العربي الرسمي المريب تجاه ما يحاك من مؤامرات وما يمارس من عدوان ضد الشعب الفلسطيني وما يدبر من مخططات صهيونية لاقتحام المسجد الأقصى ومواصلة ومحاصرة الشعب الفلسطيني وتجويعه إلى جانب ما ارتكب من جرائم ومجازر ضد أهلنا في غزة بعد سلاسل الجرائم المرتكبة في جنين والخليل وقلقيلية وغيرها من مدن الضفة والقطاع . ومقابل حماس الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه وإصراره على التصدي للمخططات والاعتداءات الصهيونية بمباركات أمريكية مفضوحة يفاجأ شعبنا الفلسطيني الصامد والمقاوم بالتأمر عليه من خلال تأجيل التصويت على تقرير غولدستون المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان تنفيذا لاملاءات امريكا واسرائيل . وكما تصدى الشعب العربي الفلسطيني للاعتداءات السابقة ولكافة الجرائم الصهيونية الإرهابية فانه يستعد لانتفاضة ثالثة دفاعا عن الأقصى وتمسكا بالحقوق والتزاما بالمقاومة ورفضا لسياسات الخضوع والاستسلام والتواطؤ. ومن ناحية أخرى أعلن حزبنا ويعلن دوما عن دعمه المطلق ومساندته الكاملة للمقاومة في العراق وفي لبنان وفي السودان وفي الصومال واستنكاره لما يمارس من عدوان وما يحاك من تأمر ضد البلدان العربية في سياق المخططات الامبريالية والصهيونية لضرب طموحات وحقوق الشعوب العربية وتركيعها لتنخرط في مسارات التصفية والخضوع والاستسلام ...وهو أمر لن يتم أبدا ولن يظفر به الأعداء مهما خططوا ومهما اعتدوا فالنصر دوما حليف الشعوب المقاومة والحق يعلو ولا يعلى عليه وما ضاع حق وراءه طالب وكما قال الشاعر الفلسطيني الكبير توفيق زياد لن نركع أبدا لن نركع ما دام لنا طفل يرضع . اليوم انطلقنا في حملتنا الانتخابية من عاصمتنا الثقافية الإسلامية القيروان المجيدة على أن تتواصل باقي أيام الحملة في باقي مدن وولايات الجمهورية شعارنا : «جميعا نبني تونس التقدم والعدالة» وسلاحنا إيماننا بالديمقراطية ودعمنا للمسار الديمقراطي وثقتنا في شعبنا وحبنا لتونس وللتونسيين جميعا أينما كانوا والتزامنا بقيم المواطنة والمدنية والحرية والمساواة وبمبادئ المشاركة والتعددية والمجتمع المدني وقناعتنا التي لا تتزحزح في الدفاع عن مبادئ الهوية والعقلانية والتفتح والحداثة والمعاصرة ورفضنا لكافة أشكال التعصب والتحجر والانغلاق والأفكار الظلامية . ولقد تطرق برنامج حزبنا بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية إلى كافة مشاغل المواطنين والى جميع محاور التنمية مقدما بالمناسبة 1000 اقتراح لتحقيق المزيد من التطوير والإصلاح ودعم المكاسب . وحزب الوحدة الشعبية اليوم يعتز بما أصبح عليه من إشعاع ومن انتشار في مختلف ربوع الوطن ويفتخر باستقطابه للعديد من الطاقات الشابة رجالا ونساء. كلهم يعجون بدماء الشباب وطاقات النبل والعطاء وروح التضحية والنضال وكلهم منخرطون في مسيرة البناء والتنمية لصالح شعبنا ووطننا بلا حسابات فئوية ضيقة وبلا مصالح ذاتية شعارهم المصلحة الوطنية العليا وغايتهم الفضلى خدمة الوطن والمواطنين.