شوقي الطبيب يعلق اعتصامه    غدا.. هذه المناطق في منوبة دون ماء    يستقطب الفتيات و يقوم بتسفيرهن إلى الخارج لجلب 'الهيروين'    القصر: شاحنة ثقيلة تدهس تلميذتين وتودي بحياتهما    اختفى منذ 1996: العثور على كهل داخل حفرة في منزل جاره!!    عاجل : مطار القاهرة يمنع هذه الفنانة من السفر الى دبي    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    دراسة : المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    إزالة أكشاك فوضوية بمنطقتي سيدي علي المكي وشاطئ الميناء بغار الملح    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    عاجل/ فرنسا: قتلى وجرحى في كمين مسلّح لتحرير سجين    كميات الأمطار المسجلة بعدة ولايات خلال ال24 ساعة الماضية    سليانة: القبض على عنصر تكفيري    الكاف: إخماد حريق بمعمل الطماطم    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    نبيل عمار يشارك في الاجتماع التحضيري للقمة العربية بالبحرين    صفاقس: وزير الفلاحة يفتتح غدا صالون الفلاحة والصناعات الغذائية    الكاف: يوم تحسيسي حول التغيرات المناخية ودعوة إلى تغيير الأنماط الزراعية    أعوان أمن ملثمين و سيارة غير أمنية بدار المحامي : الداخلية توضح    تأجيل النظر في قضية ''انستالينغو''    الخميس القادم.. اضراب عام للمحامين ووقفة احتجاجية امام قصر العدالة    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    بعد تغيير موعد دربي العاصمة.. الكشف عن التعيينات الكاملة للجولة الثالثة إياب من مرحلة التتويج    ستشمل هذه المنطقة: تركيز نقاط بيع للمواد الاستهلاكية المدعمة    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    فتح تحقيق ضد خلية تنشط في تهريب المخدرات على الحدود الغربية مالقصة ؟    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المضامين العروبية الإسلامية في الحركة النقابية التونسية المستقلة ونضال الشيخ الفاضل بن عاشور
نشر في الشعب يوم 31 - 10 - 2009

أولا: السياق العام لنشأة الحركة النقابية التونسية المستقلة:
إذ أدرجنا الحركة النقابية في تونس ضمن الحركات الجماهيرية والاجتماعية من منظور انخراطها في مسار البناء القومي التحرري وعلى خلاف ما درج إلى حد الآن من الالتزام بالمنظور الاجتماعي طبقيا كان أو غير طبقي فإن الكثير من المغالطات تاريخية والإسقاطات السياسية الخطيرة تفقد أساسها الزائف في حين يبرز جليا الأساس العروبي الإسلامي للحركة النقابية العمالية في تونس.
1-1-جامعة عموم العملة التونسيين الأولى:
فقد كانت جامعة عموم العملة التونسيين «الأولى» (1924-1925) تجربة رائدة لأنها بنت قاعدة نضالية ثمينة مفادها أن العمل النقابي هو أساسا عمل وطني مقاوم للاستعمار. وقد تأكد ذلك من اتجاه قادتها وجمهورها إلى تكوين النقابات الوطنية التونسية خارج الأطر النقابية الاستعمارية أي الكنفدرالية العامة للشغل(س.ج.ت) والتي كانت ترسم استراتيجيتها على أساس الحفاظ على التمييز القومي الذي كان قائما بين العمال والمستخدمين في الانتداب والأجور والامتيازات المهنية وغير المهنية.قال محمد علي الحامي( 1894-1928) في خطاب له(14-01-1925):» أسس الفرنسيون وانضم إليهم عامة الأوروبيين في تونس نقابات ثم اتحادا لها أيد ربطها بجامعة العمل بفرنسا ولم يستنكف العمال التونسيون من الانخراط في نقاباتهم التي يمنع انتخاب غيرهم فيها... ثم كان أن انفصلوا عن هذه النقابات إما إلى أغلال أو تأسيس مستقل...رأيت بعيني أن بعض عملة الرصيف بالعاصمة لم يقع الالتفاف حولهم إلا بعد انتظامهم في هيئة مستقلة عن الاتحاد الفرنسي... إن العامل في الوطن التونسي لا حرمة له ويظهر أن مستقبله سيزداد غبنا...ولاتقاء هذا الشر المسيطر أسسنا نظاما اجتماعيا نقابيا هو جامعة عموم العملة التونسية.» ( الطاهر الحداد، العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية، نشر أول مرة سنة 1927). وقد أكد محمد علي الحامي ذلك في مسيرته النضالية التي استندت على خط عروبي إسلامي كان هو من المبادرين إلى تكريسه منذ أن انخرط في صفوف المتطوعين للحرب الطرابلسية الإيطالية في مقاومة الغزو الإيطالي لليبيا( 1911) وهجرته السابقة لذلك خارج البلاد (1909)، ومحاولاته للانتقال من إيطاليا التي نفي إليها إلى الريف المغربي للمشاركة في ثورته الكبرى ضد القوات الاستعمارية الإسبانية أولا (1921-1924) ثم القوات الاستعمارية الفرنسية ثانيا (1925-1926)، واتجاهه، بعد المحاكمة، إلى مصر ثم إلى الحجاز حيث توفي.
كما كان الطاهر الحداد من بين مساعدي محمد علي الأقربين وعضوا بلجنة الدعاية بالجامعة وهو الذي حفظ لنا هذه الأقوال المأثورة عنه وأرخ للحركة النقابية الوطنية التونسية الأولى. وقد كان رجلا مجددا للفكر الديني الإسلامي ويمثل أحد المدافعين عن الخط العروبي الإسلامي الذي بدأ ببنائه الشيخ عبد العزيز الثعالبي في حركة الشباب التونسي ثم في الحزب الحر الدستوري التونسي( أنظر كتابي الشعب الجزائري التونسي وفرنسا لمحمد باش حامبة، جينيف، 1916، و تونس الشهيدة لعبد العزيز الثعالبي، باريس، 1920) بل ائتمنه عليه إثر اضطراره إلى مغادرة التراب التونسي منفيا سنة 1923( أحمد بن ميلاد ومحمد مسعود إدريس، الشيخ عبد العزيز الثعالبي والحركة الوطنية 1892-1940، بيت الحكمة، تونس، 1991). وهذا هو الخط الذي يظهر من خلال كتاب العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية(1927) وكتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع (1930) وكتب أخرى تبين كلها المقومات التعليمية والتربوية والاجتماعية لحركة النهضة العربية الإسلامية الحديثة التي كان يشترك فيها بكل قوة وكانت جامعة عموم العملة التونسية من بين مكوناتها الأكثر تأثيرا في المجال الاجتماعي والسياسي رغم عمرها القصير.
1-2- جامعة عموم العملة التونسيين الثانية:
وعلى الرغم من أن تجربة التأسيس الثانية التي تزعمها بلقاسم القناوي( من 27-04-1937 إلى أفريل 1938 ) لم تتمكن من رسم خط نضالي واضح فإنها كانت تحمل في طياتها الدفاع عن نفس المبدأ ألا وهو استقلالية العمل النقابي الوطني ، خاصة أن رجوع الشيخ عبد العزيز الثعالبي إلى تونس في صائفة 1937 أحيى العديد من المبادرات السياسية الوطنية ذات التوجه القومي والإسلامي ودفعت جديا في اتجاه إعادة توحيد شقي الحزب الحر الدستوري وإن لم تنجح في ذلك. ولقد كان التوجه الأساس هو إيجاد التنظيم النقابي الوطني المستقل عن النقابات الاستعمارية ولذلك سمي على غرار ما بناه محمد علي الحامي وإخوانه جامعة عموم العملة التونسيين «الثانية».
ومن بين قادة هذه الجامعة الثانية الذين من كرسوا أولوية النضال الوطني في ممارسة الحركة النقابية الشهيد المناضل النقابي والدستوري الجزائري المولد والتونسي النشأة حسن النوري الذي نفته السلطات الاستعمارية إلى الجزائر ثم عاد منها في موفى سنة 1936 ليؤسس اتحادا نقابيا جهويا ببنزرت تابعا للجامعة ومستقلا عن الس- ج - ت ويتحمل مسؤولية كتابته العامة. فلقد قاده على درب المواجهة المباشرة مع أرباب الشركات الاستعمارية القائمة في بلادنا متحديا القمع والتنكيل الوحشي الذي طال العمال والإطارات النقابية في واقعة الماتلين(02-08-1937) التي استشهد فيها مناضلون نقابيون ورد عليها الاتحاد بإضراب عام ومظاهرات عارمة قادها حسن النوري نفسه. وقد كان في ذلك يتعاون مع قادة الحزب الدستوري ببنزرت مما أدى إلى نفيه مجددا إلى الجزائر فردت جماهير النقابيين وكل فئات الشعب بانتفاضة عارمة(08-01-1938) واجهتها القوات الاستعمارية بالتقتيل الذي أدى إلى سقوط ستة شهداء من العمال والنقابيين وجرح عديد الآخرين وحل الاتحاد الجهوي في شهر أفريل 1938 أياما قليلة قبل مواجهات 09 أفريل 1938 بتونس.
وقد جسم الشهيد حسن النوري هذا الخط النضالي الذي اختلطت فيه الدماء التونسية الجزائرية مستندا إلى التجربة النقابية الرائدة التي خاضها النقابيون في جهة بنزرت في نطاق جامعة عموم العملة التونسيين الأولى التي ألهمته وألهمت إخوة له من أمثال مصطفى القاسمي جزائري الأصل أيضا مبرزين بذلك جوهر الحركة النقابية ونضالها في ظرف الاستعمار بوصفه نضالا وطنيا مما عرضهما للسجن والنفي إلى الجزائر أين توفي حسن النوري بعد مسيرة نضالية زاخرة بالعطاء على الواجهتين النقابية والحزبية حيث كان يتولى مسؤوليات سياسية بارزة في جامعة الحزب الحر الدستوري ببنزرت إلى جانب الشهيد الحبيب بوقطفة.
1-3- تأسي الاتحاد العام التونسي للشغل:
أما تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل فقد تم على أساس القطع مع النقابات الاستعمارية حيث تواصلت مرحلة تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل من 1945 إلى سنة 1952 سنة اغتيال فرحات حشاد( 1914-1952).وقد بدأت كما هو معلوم بإنشاء اتحاد للنقابات التونسية المستقلة بالجنوب (أكتوبر 1944) ثم اتحاد للنقابات التونسية المستقلة بالشمال( ماي 1945) الذين توحدا وانضمت إليهما الجامعة العامة للموظفين التونسيين. وقد كانت حركة النقابيين الوطنيين في قطاعات الموظفين ابتدأت بانسلاخ نقابات البريد والتعليم و العدلية من س.ج.ت وتأسيس الجامعة في مؤتمر توحيدي يوم 16-12-1936 انعقد بقاعة الجمعية الخلدونية. ثم أكد نفس الحركة بعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمرها الذي عقدته بنفس القاعة(01-04-1945) وجودها المستقل عن النقابات الاستعمارية. وقد كانت تعد عند مشاركتها في تأسيس الاتحاد العام 18 نقابة وواصلت احتلال موقع مركزي فيه إلى تاريخ طويل بعد ذلك. وقد حضر المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل (20-01-1946) 55 نقابة منها 26 تنتمي إلى النقابات المستقلة بالجنوب و11 نقابة تنتمي لاتحاد النقابات المستقلة بالشمال بالإضافة إلى الجامعة العامة للموظفين التونسيين وبعض نقابات أخرى لم تكن قد انضمت بعد إلى هياكل نقابية جامعة. وسرعان ما ارتفع عدد المنخرطين من 12 ألف عند التأسيس إلى 74 ألفا سنة 1947 و100 ألف سنة 1950. وقد تم المؤتمر التأسيسي بقاعة الجمعية الخلدونية التي كانت تمثل واجهة الخط العروبي الإسلامي وانتخب الشيخ الفاضل بن عاشور رئيس الجمعية والمدرس بالجامعة الزيتونية رئيسا للاتحاد وفرحات حشاد كاتبا عاما وقد واصل الاضطلاع بالكتابة العامة إلى يوم استشهاده( 05-12-1952).
وقد مثلت تلك الفترة إطارا لتطور الكفاح العربي ضد الاستعمار والصهيونية التي تمكنت في ماي 1948 من زرع الكيان الصهيوني في فلسطين. فقد كان الشيخ الفاضل بن عاشور قد ألقى سلسلة محاضرات على منبر الجمعية الخلدونية تحت عنوان فلسطين الوطن القومي للعرب (صدرت عن الجمعية الخلدونية ومعهد البحوث الإسلامية ونشرها علي الجندوبي، تونس،1947). وتصاعدت الفعاليات السياسية الوطنية والقومية في مختلف الأقطار العربية ومن ذلك تأسيس الجامعة العربية(1945) وإحراز سوريا ولبنان على استقلالهما وصولا إلى استقلال ليبيا (1949). وتحمس التونسيون للدفاع عن فلسطين وتطوع المئات منهم وتحولوا إلى جبهة القتال مرورا بليبيا ومصر (1947-1948) كما أنشأت لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة والتي ترأسها الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي في أواخر سنة 1947 ثم تحولت إلى مكتب تحرير المغرب العربي. وأنشأ مكتب تحرير المغرب العربي في دمشق أيضا، وصدر من القاهرة(1948) كتاب بعنوان سبعة وستون عاما على الاحتلال الفرنسي لتونس للشيخ الخضر حسين الداعية الإسلامي التونسي والذي كان منفيا منذ 1913 وتحمل مسؤوليات عليا في الدفاع عن انتماء تونس العربي الإسلامي في تركيا وسوريا ومصر وكان حينها مدرسا بالجامع الأزهر وبعد ذلك شيخه الأكبر بداية من سنة 1952 أثناء الحكم القومي الناصري.
ثانيا: الشيخ محمد الفاضل بن عاشور مناضلا نقابيا:
2-1- رئاسة الاتحاد والمسؤوليات النقابية:
تحمل الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور( 16/10/1909- 20/04/1970) مسؤولية رئاسة الاتحاد العام التونسي للشغل منذ مؤتمره التأسيسي الذي انعقد في 20/01/1946 بقاعة الجمعية الخلدونية التي كان يترأسها آنذاك. وقد كانت رئاسته للاتحاد مكونا آخر من بين مكونات مسار نضالي زاخر بالعطاء الفكري والاجتماعي والتربوي والنقابي. وامتد نضال الشيخ من موقع رئاسة الاتحاد ثلاثة وعشرين شهرا أي إلى حدود المؤتمر الثاني للاتحاد الذي انعقد يوم 19/12/1947 بصفاقس والذي ألغى منصب رئيس الاتحاد من هيكلته.
وكانت بداية نضالات الشيخ في إطار الاتحاد ما أشرف عليه من خلال الجمعية الخلدونية لتيسير عقد المؤتمر التأسيسي ثم رئاسته لأشغاله ثم رئاسته للاتحاد نفسه. لقد كانت الجمعية الخلدونية بذلك تواصل ما دأبت عليه منذ تولي الشيخ العلامة رئاستها(1945-1949)،من تيسير عقد المؤتمرات النقابية والسياسية والفكرية لفائدة العديد من الجمعيات والشخصيات. ولم يكن ترأس الشيخ المناضل للاتحاد مهمة تشريفية أو «تكتيكا» بل كان في نطاق تكثيف قادة النضال الوطني التحرري عملهم القاعدي من أجل بناء أكبر عدد ممكن من المنظمات و الهيئات لمجابهة سياسات المستعمر. وقد كان ذلك على الرغم من سريان الدعاية لدى الأوساط اليسارية والاشتراكية المتحالفة مع الاستعمار الفرنسي أن الشيخ برجوازي لا يصح أن يكون على رأس اتحاد عمالي. وإذ كان الشيخ من بين منخرطي نقابة مدرسي الجامع الأعظم ومسؤوليها فقد تمسكت قيادة الاتحاد بخيارها وثبتت على موقفها كما أن حضور ممثل عن جمعية «الشبان المسلمين» التونسية وإلقائه خطابا وتنظيمه حفل استقبال على شرف المؤتمرين كان يدل على أن ذلك كان خيارا واعيا ومقصودا لما يمكن أن يضيفه للمنظمة النقابية المستقلة الناشئة من عمق وطني وقومي و ديني يرسخها في وجدان الجماهير.
وبعد مضي أقل من ثلاثة أشهر على تأسيس الاتحاد أي في مارس 1946 تحول الشيخ إلى مدينة صفاقس حيث عاين التقدم الحاصل في استكمال بناء هياكل الاتحاد في تلك الجهة وألقى بالمناسبة خطابا تحريضيا وتعبويا هاما. وفي غرة ماي 1946 وكان أول عيد للعمال يحيه الشغالون التونسيون في إطار الاتحاد العام التونسي للشغل شارك الشيخ المناضل في المسيرة العمالية الضخمة التي انتظمت بالمناسبة بمدية تونس وكان في طليعتها إلى جانب قادة الاتحاد الآخرين وهو ما خلدته صور عديدة نشرت الصحف الصادرة في تلك الأيام البعض منها.
ونشطت الحركة الوطنية في اتجاه توحيد الجهود وتفعيل ما كانت بدأته من بناء الجبهة الوطنية المتحدة في ما بين فيفري وماي 1945، واندلعت حركة مقاومة مسلحة بمنطقة زرمدين وامتدت من 1945 إلى أفريل 1948. وفي نفس الوقت الذي كان يتحمل فيه الشيخ مسؤولية رئاسة الاتحاد شارك في المؤتمر الوطني المعروف بمؤتمر ليلة القدر (23/08/1946) الذي جمع العديد من التيارات الوطنية والمنظمات والجمعيات والشخصيات التي تولت بناء الجبهة الوطنية التونسية للمطالبة بالاستقلال. وقد تولى الشيخ المناضل تحرير فصول العريضة التي أمضى عليها الحاضرون مطالبين بالاستقلال التام وانضمام تونس إلى الجامعة العربية وإلى منظمة الأمم المتحدة وذلك قبل أن تداهم الشرطة الاستعمارية المكان وتقبض على العديد من المؤتمرين ومن بينهم الشيخ بتهمة التآمر على أمن الدولة. ولم يفرج عن الشيخ مع بقية الموقوفين إلا يوم 31/08/1946 بعد الإضراب العام الذي شنه العمال والصناعيون والتجار والموظفون وتخلي عموم المواطنين عن مظاهر الزينة يوم عيد الفطر المبارك وإلغاء الباي الموكب الرسمي التقليدي لتقبل التهاني بالعيد.
وخلال شهر ماي من سنة 1947 استقبل الشغالون والنقابيون بجهة قفصة الشيخ المناضل بصفته رئيسا للاتحاد في نادي الاتحاد الجهوي والكائن بمقر جمعية شباب ابن منظور القفصي وذلك بمناسبة احتفال الشغالين بمرور سنة على تأسيس الاتحاد الجهوي(05/05/1947). وقد كانت هذه الزيارة مثل تلك التي كان أداها الشيخ إلى صفاقس قبل أكثر من سنة من تاريخها، وأثبت من خلالهما أن طول المسافات ومشقة السفر لا تثنيه عن تحمل مسؤولياته كاملة في تفقد أحوال الاتحادات الجهوية وخاصة منها ما برز بنضالاته وتجذر أثره في الحياة السياسية العامة وعزم رجاله على مقارعة الاستعمار وأعوانه. وقد تم في الاجتماعات التي انعقدت أثناء تلك الزيارة تركيز العديد من النقابات وتكوين هيئاتها كما ألقى الشيخ المناضل كعادته خطابا تعبويا تحريضيا كانت له أصداؤه في منطقة بدأت تبرز فيها بوادر الالتحام النضالي بين إخوة الكفاح الوطني التحريري في كل من الجزائر وتونس وكانت فيها الروح القومية العربية والدعوة إلى وحدة النضال الوطني في المغرب العربي متقدة.

2-2- نضالات كبيرة في مجالات أخرى:
وفي مارس 1947 نظم الشيخ المناضل في نطاق أنشطة الخلدونية وبالتعاون مع العديد من الإطارات النقابية والشخصيات السياسية مهرجان عيد العروبة الأول الذي انتظم بالملعب البلدي بالبلفيدير (الشاذلي زويتن) يوم 22/03/1947، إحياء لذكرى تأسيس الجامعة العربية في 22/03/1945.وحيكت أعلام الأقطار العربية وحفظت أناشيدها الوطنية للأطفال من الكشافة وانتظمت حركة المجموعات الممثلة للجمعيات الرياضية والفرق الكشفية والطواقم الموسيقية في الاستعراض الذي تم في ذلك اليوم. وقد ألقى الشيخ المناضل في الجمهور الغفير من المواطنين والنقابيين والشخصيات السياسية الحاضرة خطابا حماسيا تداول على إثره على منبر الخطابة والشعر عديدون من بينهم صالح بن يوسف وعلى البلهوان وأحمد توفيق المدني والطاهر القصار. وقد تحول عيد العروبة خلال السنوات اللاحقة إلى يوم تحتفل به المدن والقرى التونسية وتشارك فيه الشبيبة الدستورية والشبيبة العمالية وفرق الكشافة باستعراضات كبرى تجوب المدن حيث تقام الاجتماعات العامة يتداول فيها الشعراء والخطباء من القادة السياسيين والنقابيين والأئمة على الكلمة وتزدان فيها الساحات العامة والمآذن والبنايات والأشجار بأعلام الأقطار العربية.
ومنذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بتاريخ 29/11/1947 بادر المناضلون في مختلف المنظمات الوطنية التونسية بالتحرك من أجل مساندة النضالات العربية والفلسطينية للتصدي للخطر المحدق بفلسطين. وقد كان الاتجاه العام هو التركيز على معاضدة المجهود الحربي العربي الرسمي عامة والتطوعي بصفة خاصة وذلك بتنظيم إرسال المتطوعين وتيسير توجههم إلى جبهة القتال وتنظيم حملات التبرع. ومنذ شهر ديسمبر من سنة 1947، شارك الاتحاد العام التونسي للشغل وأعضاء من الحزب الحر الدستوري التونسي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد العام للفلاحين في تكوين لجنة لتنظيم عمليات المساندة للمقاومين العرب الفلسطينيين في تصديهم لقوات الغزو الصهيوني وهو ما أثمر تكوين العديد من اللجان الجهوية كان الاتحاد العام التونسي للشغل يحتضن أغلبها. فقد كون عدد من المناضلين «لجنة جهوية لمساعدة فلسطين» في قفصة مثلا خلال شهر جوان 1948 كان من بين مكونيها العديد من المسؤولين النقابيين ومنهم أحمد تليلي، وتولت طبع مقتطعات تبرع ونظمت جمع الأموال. وقد تبرع أحد المواطنين ويدعى عبد الرحمان تاج بخمسين ألف فرنك كانت ثمن بيع منزل له قدمها كاملة لأمين مال اللجنة، كما أن العديد من النسوة كن يجمعن قطعا من الحلي في حملات جماعية منظمة فضلا عن توديع أبنائهن المتطوعين بالزغاريد لحثهم على الاستبسال في القتال على الجبهة ضد الصهاينة الغاصبين ودفاعا عن فلسطين.
وعلى إثر تأسيسه لمعهد البحوث الإسلامية التابع للجمعية الخلدونية يوم 04/11/1947 افتتح الشيخ المناضل سلسلة الدروس فيه بسلسلة من المحاضرات وضعها تحت عنوان «فلسطين الوطن القومي للعرب « وكانت الأولى بتاريخ 19/11/1947، والثانية بتاريخ 03/12/1947، والثالثة بتاريخ 17/12/1947، والرابعة بتاريخ 29/12/1947، و الخامسة بتاريخ 18/02/1948، والسادسة بتاريخ 07/04/1948.
وبذلك لم يكن الشيخ يفصل بين نضاله النقابي ونضاله السياسي ونضاله التربوي وهو ما وضعه تحت نفس الشعارات وقاده على نفس المبادئ.
ثالثا: في بعض أسس الفكر الذي قاده:
كان الشيخ عالما ومدرسا وباحثا ومفكرا وخطيبا وقائدا سياسيا ومحرضا ومنظما امعا للطاقات والمناضلين مصمما على أن يكون نضاله في الآن نفسه فكريا وسياسيا ونقابيا واجتماعيا وتربويا.وقد ظهر توجهه الفكري السياسي منذ مشاركته المبكرة في مؤتمر منظمة طلبة شمال إفريقيا(1931) مؤكدا على ضرورة إصلاح مناهج تدريس اللغة العربية وتطويرها واقتحام تدريس العلوم العصرية والصحيحة بها. وفي دراساته الحضارية والتاريخية التي كان يعدها ويلقيها على شكل محاضرات في الجمعية الخلدونية كان يركز على التاريخ الحضاري العربي الإسلامي مؤرخا للأعلام وللحركات الثقافية العربية ناشرا نتائج بحوثه على أعمدة المجلة الزيتونية والعديد من الصحف والدوريات الأخرى ومنها الثريا والمباحث وغيرها فضلا عن إلقائه أسمارا في نفس المواضيع بالإذاعة التونسية منذ تأسيسها سنة 1938.
وقد تأكد هذا التوجه بجلاء لدى تسلمه المسؤولية الأولى بالجمعية الخلدونية سنة 1945 فكانت إطارا نضاليا ملائما فتح مجالا خصبا للدفاع عن العروبة وعن الإسلام.وبالفعل فقد ساهم ومن موقع المخطط والمنظم والدافع والمتابع في مختلف تظاهرات الحركة الأدبية والفكرية والنقابية والسياسية والخيرية والشبابية، فكان له السهم الأكبر في تأسيس معهد البحوث الإسلامية(1946) وبعث معهد الحقوق العربي(1946) وإحداث شهادة الباكالوريا العربية(1947) وتنظيم مهرجان عيد العروبة ( بداية من سنة 1947) وعقد مؤتمر الثقافة الإسلامية (1949) وغير ذلك من الإنجازات العظيمة.
وفي الخطاب الذي ألقاه الشيخ بمناسبة المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل بين أن الشغالين في تونس عزموا على بعث الاتحاد العام «منظمة قومية تنضوي تحتها النقابات المستقلة التي بادر النقابي فرحات حشاد بتكوينها بصفاقس والجامعة العامة للموظفين التونسيين المنفصلة عن جامعة الموظفين التي كانت تجمع التونسيين وغيرهم على أصول اشتراكية غير قومية «. وقد أوضح الشيخ المناضل في مناسبة نقابية أخرى أن بعث الاتحاد كان يندرج في سياق « سد الطريق أمام الدعوة الاشتراكية والشيوعية التي كانت تتسرب إلى العمال عن طريق الحركة النقابية «. وكان تأسيس الاتحاد مساعدا للعمال على « نفض أيديهم من تلك المبادئ وإيمانهم بأن لا سبيل إلى تدعيم كيانهم الاجتماعي إلا بمنظمات مستمدة أصولها من روحهم القومية ومبادئهم الملية «.
وتوافقا مع هذا التمشي الذي كان ينطلق من ضرورة تأسيس النضال النقابي على قاعدة فكرية وسياسية عروبية إسلامية، ألقى الشيخ بصفته رئيسا للاتحاد في مارس 1946 بمدينة صفاقس خطابا بدأه بالتأكيد على أن ترأس شيخ زيتوني منظمة نقابية وممارسته للنضال النقابي ليس غريبا إلا بالنسبة إلى الذين كانوا يواصلون اعتماد المبادئ التي كانت تنشرها التيارات الفكرية والسياسية ذات الأصول غير القومية. وقد بين أن الأمر يبدو غير مألوف داخل الأوساط الزيتونية الرجعية أيضا لأنها كانت تعزل الفكر العربي الإسلامي عن حركة المجتمع ونضالات فئات الشعب المختلفة. وقد أكد في نفس الخطاب أن «الشريعة الإسلامية أزالت كل معنى من معاني التفريق... فالحروب والفتن التي تقوم بين الطبقات الاجتماعية إنما ناشئة من مبادئ غير إسلامية «.
أما في الخطاب الذي ألقاه في مهرجان عيد العروبة الأول بتاريخ 22/03/1947 فقد استعرض أطوار تقدم أمة العرب نحو تحقيق وحدتها وحرض فيه الحاضرين على المساهمة في ذلك النضال لتأكيد انتماء تونس إلى الأمة العربية تاريخا وروحا وثقافة ومصيرا وهو ما لخصت معانيه النشرية الخاصة الصادرة بالمناسبة عن مطبعة الشريف بتونس بنفس تاريخ يوم المهرجان. أما بعث معهد البحوث الإسلامية فكان تحت شعار» للحق وللعروبة «، وكتب الشيخ المناضل في الافتتاحية التي صدر بها إصدارات المعهد وهي محاضراته عن فلسطين « لنجعل كل ذلك عملا محررا ورمزا موجها إلى تحية صفوف المجاهدين المرصوصة حول حرم الله الأقدس بفلسطين نستوهب لهم به عزما وحكمة ونستمطر نصرا وعصمة ومددا من الله ...». ومما ورد في بداية أولى المحاضرات «... وهنا يحق لنا أن لا نصيخ إلا إلى دعوة واحدة هي تلك الصرخة المدوية الصادرة عن اللجنة العربية العليا فكان صداها حشد الجيوش والتمرين ... إن حد النزاع على الوطن القومي يدور حول صبغة الوطن القومي، فينبغي أن نقدم للكفاح كلمة فلسطين الوطن القومي للعرب... إن كلمتنا فلسطين الوطن القومي للعرب صالحة للرد على دعوى اليهود «.
خاتمة:
يحتاج نفض الغبار عن النضال المبدئي والجاد الذي خاضه الشيخ على رأس الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التخلي عن بعض الأطروحات التي تتجنى عليه هو ذاته أولا وعلى فرحات حشاد ثانيا وعلى تاريخ الاتحاد ثالثا. إن السعي إلى تقزيم مساهمة الشيخ في النضال النقابي وتقديمه على أنه لم يكن إلا مرورا عابرا يحمَل من يدعي ذلك وزر كتابة تاريخ للاتحاد ولرجالاته بروح تتنكر للحقيقة التاريخية.
فليس التلميح إلى أن الشهيد فرحات حشاد استقدم الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور لمجرد إسكات الأصوات التي كانت تتهم النقابيين بالكفر، وأنه بذلك استعمله استعمالا بوصفه رجل دين متنفذ مراوغا بذلك «عتاة الفكر الديني»، إلا طمسا لأساس من أسس بناء العمل النقابي الوطني المستقل في تونس والذي تعاقبت عليه أجيال بروح عربية إسلامية مناضلة ظهرت بوادرها منذ تأسيس محمد على الحامي ومرافقيه لجامعة عموم العملة التونسيين الأولى (1924-1925). ولئن سعى بعض من يدعون كتابة تاريخ الاتحاد إلى التأكيد على أن حضور الشيخ المناضل كان شكليا فإن ما تورده نفس هذه الأقلام وغيرها من خبر مبادرته بكتابة رسالة استقالة في بداية شهر أوت 1947، وذلك احتجاجا على تسلم الاتحاد العام التونسي للشغل إعانة تقدر بمائة ألف فرنك من الباي يفند هذه الادعاءات ويثبت أن الشيخ كان يتحمل مسؤولياته على رأس الاتحاد بروح نضالية صادقة ومبدئية. وباعتبار أن تلك الرسالة ظلت في محفوظات الشيخ ولم تصل مطلقا إلى مسؤولي الاتحاد فإن التأكيد المبالغ فيه على أنها مثلت ما كان ينتظره الشهيد فرحات حشاد بالذات للتخلص من الشيخ لا يقدم قراءة نزيهة لتلك الفترة من تاريخ الاتحاد فضلا عن أنه يقدم الزعيم الشهيد في صورة المتآمر الوضيع. لقد عبر الشيخ المناضل فعلا عن عدم رضاه عن قبول الاتحاد وحشاد شخصيا لإعانة قدمها الباي إلى الاتحاد على إثر معركة 05/08/1947، وقد كان الباي المتبرع هو نفس من نصبه الاستعماريون الفرنسيون بعد إقالة محمد المنصف باي ونفيه خارج البلاد وهو ما ألقى ضلالا من الشك على موقف القيادة النقابية وجعلها عرضة للتشويه في فترة مشحونة بآثار المعركة واتجاه الإدارة الاستعمارية الفرنسية لتصعيد القمع والتنكيل بالحركة الوطنية. إن الاختلاف في قراءة مسار الأحداث هو الذي أوجد حالة تباينت فيها السبل بالرجلين حيث عبر الشيخ المناضل عن موقفه الذي لم يوافق موقف الزعيم الشهيد وتوترت العلاقة بينهما بعض الشيء.
لقد كانت بين الرجلين علاقة نضالية بين رمزين تحررين قوميين اتفقا على الأساس الفكري السياسي للحركة النقابية وعلى الأهداف الاستراتيجية للحركة الوطنية الاستقلالية وعلى العمق العربي الإسلامي لنضالات الشعب من أجل عزته القومية وكرامته الوطنية. وقد أثبت الشيخ المناضل في ختام فترة ترؤسه للاتحاد العام التونسي للشغل أنه ينسحب متجردا من أية أطماع شخصية متبرئا من أية انتهازية سياسية متنزها عن أية فئوية فكرية مخلفا أثرا ناصعا على صفحات تاريخ الاتحاد زادها تألقا ما أبداه الزعيم الشهيد من عزم وروح كفاحية عالية، وليس من واجب على النقابيين والمؤرخين إلا أن يبرزوه ويعتزوا به.

------------------------------------------------------------------------
المصادر:
أولا: الكتب:
1- المختار بن أحمد عمار، الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور: حياته وأثره الفكري، الدار التونسية للنشر، 1985.
2- محمد علي المؤدب، الزعيم النقابي أحمد تليلي كفاح ومواقف في سبيل الحركة النقابية والتحريرية بتونس و إفريقيا، دار النشر غير مذكورة، تونس 1997.
3- محمد الفاضل ابن عاشور، فلسطين الوطن القومي للعرب، نشر علي الجندوبي عن معهد البحوث الإسلامية والجمعية الخلدونية، تونس، ماي 1948.
4- محمد باش حامبة، الشعب الجزائري التونسي وفرنسا، جينيف، 1916.
5- عبد العزيز الثعالبي تونس الشهيدة ، باريس، 1920
6- أحمد بن ميلاد ومحمد مسعود إدريس، الشيخ عبد العزيز الثعالبي والحركة الوطنية 1892-1940، بيت الحكمة، تونس، 1991.
7- الطاهر الحداد، العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية، 1927.
8- الطاهر الحداد، امرأتنا في الشريعة والمجتمع، تونس 1930.
ثانيا: الدوريات:
1- جريدة النهضة، عدد الثلاثاء 30/04/1946.
2- جريدة الزهرة، أعداد 0130/04/1946،/05/1946، 25/03/1947.
3- جريدة لسان العرب ، السنة الثانية، العدد 66، الصفحة الثانية، بتاريخ 07/01/1947.
4- مجلة جوهر الإسلام ( العدد 4، 1970، المجلد/السنة2 ،الجزء/العدد 8، صص 4-7).
5- محمد قاسم، جهاد الشيخ الفاضل العمالي، مجلة جوهر الإسلام ( العدد 5،1970، المجلد/السنة 2، الجزء/ العدد9، صص 56-61).
6- محمد مزالي، تأبين الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، جريدة العمل ( الخميس 23/04/1970).
7- عثمان اليحياوي، حشاد والتخطيط الاستراتيجي،جريدة الشعب (العدد 772 السبت 31/04/2004، ص4).
8- منير السعيداني، الشيخ محمد الفاضل بن عاشور مناضلا نقابيا، الشعب،(العدد 850، السبت 28/01/2006، ص9).

------------------------------------------------------------------------
أرسل هذا النص من طرف أحمد الكحلاوي يوم 19-10-2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.