«عيد بأيّ حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد»، أبيات نطقها المتنبي وقرأها الجميع وهاهي تعود هذه الأيّام لتقرع أذاننا كالرنين الشديد، ففي اليوم الذي يحتفل فيه العرب والمسلمون أجمعين بعيد الاضحى المبارك وفي نفس الوقت الذي تعلو فيه كلمات التلبية والتهليل وتنحر فيه الخرفان وتُرمى فيه الجمرات يحيي المسلمون ذكرى اعدام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين. بصرف النظر ما إذا كان الحكم بحقّ صدّام حسين منصفا أم ظالما فالقرار نُفّذ وووري جثمان القائد البعثي التراب ولا فائدة من الكلام فكلّ العرب والعجم أعطت رأيها وتكلّمت وعارضت وأيّدت الحدث وهم الذين اشتهروا بالتعليق واستمالة القلوب بحلو الكلام، إلاّ أنّنا نناشد في مثل هذه الأيّام فتح ملف التحقيق والعمل الجاد فمنذ صبيحة عيد الاضحى لسنة 2007 عُكّرت صفوة فرحة المسلمين خاصة وأنّ اعدام صدّام وفي هذا الوقت كان رسالة الى العالم الاسلامي ككلّ وإذا ما صدّقنا بتورّط صدّام في اعدام 148 قرويّا في الدّخيل وارتكاب ابادة جماعية في الأنفال ضدّ الأكراد فلنا أن نسأل لما التعجيل في تطبيق حكم الإعدام فيه والذي تزامن مع يوم عيد ديني وأكثر من ذلك في الساعة السادسة صباحا وقبل أن ينحر المسلمون خرافهم في أغلب أصقاع المعمورة؟ هل في هذا انتهاك واضح للإسلام والعرب والقانون العراقيّ ذاته حرّم تنفيذ حكم الاعدام في أيّام العيد إذ قال القاضي زركار أمين الرئيس السابق للمحكمة التي حاكمت صدام «إنّ تنفيذ الاعدام غير قانوني كونه تزامن مع عطلة رسميّة حسب نصّ المادّة رقم 290 من قانون المحاكمات العراقيّة»، أليس هذا خرق للقانون؟ أليس من حقّنا كعرب أن نقرر مصيرنا بأيديا فكلّ الأدلّة في عمليّة الاعدام تكشف تورّط الولاياتالمتحدة وحدها في العمليّة من بابها إلى محرابها وضاربة بالعرب والإسلام عرض الحائط من خلال اعدام صدام يوم الحج الأكبر وفي الأشهر الحرم وحرمان محاميه من حضور عمليّة اعدامه ومن قبلها المعاملة التي لقيها صدام حسين كأسير حرب والمنافية لأحكام معاهدة جينيف التي تحرّم تسليم أسرى الحرب إلى اعدائهم. ومن حقّ عاقل هنا أن يسأل لماذا غيّرت أمريكا رأيها بين عشيّة وضُحاها من رافضة لاعدامه إلى قابلة به تاركة الشعب العراقي يقرّر مصير ابنه بنفسه راكبة تلك التعلّة لتأجيج الطائفية والعرقية والانقسام في بلاد الرّافدين أحد مقوّمات الحضارة العربيّة الاسلاميّة ولتغذية الصراع بين مؤيد ورافض؟ هل لنا أن نعرف أيّ قانون في العالم يسمح بتنفيذ حكم الاعدام على مجرم مهما كانت نوعية الجريمة في يوم عيد ديني؟ ولماذا اعدم صدّام قبل أقلّ من شهرين من بلوغه سنّ السبعين؟ هل لأنّهم يعلمون أنّ القوانين الدّولية تحرّم اعدام من هو في السبعين؟ أم لاستثمار فرصة عيد رأس السنة الميلاديّة فتبقى مناسبة سارّة وانتصارا للولايات المتحدة لتشرب فيها نخْب اعدام أحد الرموز العربيّة وليردّد فيه الغرب أبياتا نحن كتبناها لكن السحر انقلب على الساحر فطُبّقت علينا: «إنّي رأيت رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإنّي لقاطفها» ولذلك يبقى عيد الاضحى بالنسبة للعرب والمسلمين غصّة في القلب تأبى النسيان؟ لا يعتقد أحد أنّ الاحتلال يترك الرأي والقرار إلى المستعمر فهو الذي يقرّر ويصادق والأخير يطبّق. فأين الوعود التي انتظرها الجميع بعد اعدام صدّام؟ لازالت بغداد على حالها وأكثر حدّة على أهاليها؟ لازالت أصوات الرصاص تلعلع في سماء العراق الذي يتجه بخريطته السياسيّة والجغرافيّة من سيء إلى أسوأ في ظلّ غياب أمل قريب لتوقف التفجيرات والقنابل والمفخخات التي طالما ارتبطت بصدّام؟ وبها نجحت ادارة بوش آنذك في شقّ الاسلام الى اسلام سنّي وآخر شيعي فحصد العرب مأساة العراق اليوم وتشبّثوا باتفاقيات انسحاب مع أوباما تبدو واهية واعتنقوا أحلاما منشودة فتغدو بذلك الأمّة العربية و»الاسلامية» أمّة ضحكت من جهلها الأمم فواشنطن كانت اليد اليمنى لصدّام في حرب الخليج الأولى ضدّ ايران ثمّ انقلبت الآية خدمة لمصالحها وألقت القبض عليه بتاريخ 13 ديسمبر 2003 وأعدمته بتاريخ ووقت لن يمحى من ذاكرة عربي مهما كانت انتماءاته وأفكاره. لعلّ كلّ تلك المقوّمات تعني كلّ عربي مسلم يفكّر في ما وراء الحدث وان اتفق العرب على أن لا يتفقوا فهنا وفي العيد الثالث بعد اعدام صدّام على الجميع اعادة قراءة الحدث وما وراءه وإذا ما صدّقوا بأنّ الاعدام كان بتخطيط وصنع أمريكي فسيتأكدون من عروبتهم المهدورة وسيطالبون جميعا آنذاك بحق جبر الضرر المعنوي والإنتكاسة التي خلفتها رسالة الولاياتالمتحدة إليهم جميعا ومثلما عُوقت صدّام لإرتكابه جرائم مشينة على كلّ عربي أينما كان أن يطالبوا بمحاكمة رابيين وأولمرت وشارون وغيرهم ممّن مزّقوا أواصل الشعب الفلسطيني وقاموا بمذابح صبر وشاتيلا وقانا وجينين وغزّة وغيرها كُثر... إنّ على العالم العربيّ أن يقف وقفة حاسمة لتأخذ العدالة مجراها وليعوّض الضرر المعنوي الكبير الذي خلفه ما وراء اعدام صدّام حسين حتى لا يأتي عيد الاضحى المبارك القادم فيعكّر كالعادة فرحة المسلمين، وهذا طبعا لن يكون إلاّ بمحاكمة مجرمي الحرب بحق العرب وتطبيق الحكم في نفس العيد واعادة بناء ما اقترفته أيادي الاحتلال من خراب ودمار وهي الطريقة المثلى لردّ الاعتبار. لكن هل سيأتي ذلك اليوم حقّا؟