نشرنا في العدد الماضي كلمة الإتحاد في المجلس الأعلى للتنمية وكان قد ألقاها الأخ محمد السحيمي الذي شارك أيضا في النقاش الذي دار حول الميزان الاقتصادي وبشأنه أبدى الملاحظات التالية: 1) ملاحظات تهم منوال التنمية: مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2010 وقع صياغته في ظلّ أزمة اقتصادية حادّة، كانت مناسبة في البلدان المصنعة للوقوف وإعادة التفكير في عدّة مسلمات واختيارات خاصة منها تلك التي تخصّ: دور الدولة الذي ظهرت مجددا أهميته من خلال إنقاضها عديد المؤسسات واللجوء الى إعادة تأميم العديد منها من جهة ومن خلال برامج تنشيط الاقتصاد حتى يقع تطويقها زمنيا. ضرورة مراجعة السياسات التحررية المشطة وخاصة تلك التي شملت القطاع المالي والبنكي الذي هيمن عليه منطق الاحتكار والمجازفة المفرطة وسوء تقدير المخاطر في غياب المراقبة والتقنين. ضرورة النهوض بالطلب الداخلي عبر سياسات جبائية وعبر الاستثمارات العمومية وعبر دور نشيط للدولة في مجال إعادة التوزيع وذلك قصد خلق أرضية صلبة للنمو. لكن مع قراءة الميزان الاقتصادي لسنة 2010 لم نجد أثرا للدروس التي كان من الضروري استخلاصها من الأزمة قصد مراجعة بعض الاختيارات بل بالعكس ركزت الوثيقة على »صواب الخيارات وسلامة التوجهات« (ص5) دون التعرض لأي تعديلات حتى على ضوء ما وقع الاشارة اليه من طرف التقرير الذي تحدث عن »تسجيل بعض الهشاشات« (ص5). والهشاشات المشار إليها في الصفحة 5 من التقرير متعلقة بالاساس: »بتنامي ارتباط نسق النموّ على الصعيد الوطني بتطور النشاط الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي وتأثره بعدد محدود نسبيا من الانشطة التقليدية« وإذ نسجل صحة هاته الملاحظة إلا أنّ الحلول المذكورة في الوثيقة لمعالجة هذا الوضع تقتصر على »مزيد تنويع الاسواق الخارجية من جهة ودعم الانشطة الواعدة ذات المحتوى المعرفي المرتفع من جهة أخرى. والاتحاد يعتبر أن الحلول الناجعة للتقليص من هشاشة النسيج الاقتصادي وحمايته من المتغيرات والهزات والأزمات المتكررة والمتصاعدة الحدّة في ظلّ العولمة يجب ان تمرّ عبر التعديل في بعض الاختيارات وإعادة النظر في البعض الآخر. أما التعديل فيجب ان يشمل إعادة التوازن بين الصادرات والطلب الداخلي في اتجاه تدعيم التصدير الذي من شأنه ان يزيد من هشاشة النسيج الاقتصادي ويجعله عرضة للصدمات الخارجية المتكررة ولو وقع الحرص على تنويع الاسواق الخارجية. اما اعادة النظر يجب ان يشمل المفهوم الليبيرالي لحياد الدولة والذي قاد الى التخلي عن ضبط سياسة صناعية من شأنها ان تساعد على تمتين وتنويع النسيج الاقتصادي وخاصة الجانب الصناعي منه وخصوصا الصناعات المعملية، ذلك ان الوثيقة تشير الى ضرورة دعم الانشطة الواعدة ذات المحتوى المعرفي المرتفع بالخصوص. الا انها توكل ذلك الى القطاع الخاص وبالخصوص الى الاستثمار الاجنبي على غرار مشروع مكونات الطائرات »AIRBUS« الخ... والملاحظ ان هذا التمشي الذي يعتمد تقديم الامتيازات والتشجيعات وتكثيف البنية التحية من طرف الدولة لم ينتج عنه الى حد الان نهضة حقيقية للصناعات المعملية كما يشير الى ذلك التراجع المستمر لنسب الاستثمار في هذا القطاع من مجمل الاستثمارات بجانب مواصلة القطاع الخاص المحلي على الاكتفاء بالاستثمار في الانشطة التقليدية والانشطة التي تحضى بدعم كبير من طرف الدولة (برنامج التأهيل مجلة الاستثمارإلخ...). إلا أنّ وضع التشغيل ونسبة العاطلين من حاملي الشهادات العليا التي هي في ازدياد متواصل تفترض تمش إرادي يعتمد على سن سياسة صناعية تعطي الأولوية لتكثيف الانشطة الواعدة ويساهم في تحقيقها القطاع العام في إطار شراكة مع القطاع الخاص وبرمجة زمنية وآليات واضحة وفاعلة. وذلك ان التحديات المطروحة في ميدان التشغيل تجعلنا لا نعتقد أن السوق قادر لوحده على توظيف الموارد الكافية وتوجيهها بالحجم المطلوب نحو الانشطة الواعدة كما ان القطاع الخاص المحلي في ظل غياب رأي واضحة وأولويات مبرمجة ودور تنشيط للقطاع العام لا يمكن له النهوض بالحجم الضروري بالانشطة الواعدة. 2) ملاحظات تهم التشغيل: في ما يخص المحتوى التشغيلي للنمو نلاحظ تراجع هذا المحتوى أثناء العشرية الماضية وقد أشار مشروع الميزان الاقتصادي الى ضرورة »تعزيز المحتوى التشغيلي للنمو بهدف إحداث أكبر عدد ممكن من مواطن الشغل«. إلا أن التقرير اقتصر لتحقيق هذا الهدف على التأكيد على ضرورة تعزيز وتصويب السياسة النشيطة للتشغيل من خلال تجسيم الهيكلة الجديدة لبرامج التشغيل وعلى ذكر التشجيعات المبرمجة. والاتحاد يعتبر أن مثل هاته الاجراءات تبقى غير كافية للرفع من المحتوى التشغيلي للنمو ذلك ان تراجع هذا المحتوى منذ سنوات هو بالاساس ناتج عن تغير الهيكلة النسبية لاسعار عناصر الانتاج لفائدة استخدام رأس المال (الالات والتقنيات..) على حساب العمال وذلك من جراء الامتيازات الجبائية المتنوعة والاعتمادات المالية والسهولة في التحصل على القروض دون حرص جدي على تسديد الديون لعدد هام منهم الخ... وهذا الوضع يتطلب مراجعة هاته السياسة والحرص على مراقبة تطور الهيكلة النسبية لاسعار الانتاج حتى نضمن التوازن بين استعمال عناصر الانتاج في إطار ضبط اهداف وأولويات قطاعية وسياسات تقنية تضمن التطور التكنولوجي دون اضعاف المحتوى التشغيلي للنمو. 3) ملاحظات تهم الجباية: في ما يخص ميدان الجباية أكد التقرير على الإجراءات المتنوعة الهادفة لمزيد تحسين مناخ الاعمال والنهوض بالاستثمار الخاص من خلال اسناد أكثر امتيازات وتشجيعات لرأس المال دون ذكر اي اجراء يهدف لتقليص الضغط الجبائي على العمال قصد تشجيعهم على الإنتاج والرفع من الانتاجية، وتنافسية الاقتصاد. فكل السياسة المالية العمومية سواء كان ذلك من جهة الموارد أو من جهة النفقات العمومية تهدف الى تشجيع رأس المال دون اجراءات جبائية تذكر لتشجيع العمال وكأن التنمية والنموّ ترتكز على عنصر إنتاج فقط، وحتى الاجراءات الاخيرة التي وقع الاعلان عنها من طرف رئيس الدولة ورغم محدوديتها فإنها غير مذكورة في مشروع الميزانية مما يدل ان هذا الجانب لم يكن محل اهتمام عند صياغة مشروع الميزانية.