قد تكون الصدفة،وقد يكون فضل الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة الذي جعلني أحضا في لحظات نادرة بالجلوس إلى مناضل نقابي سبق له أن كان اليد اليمنى للزعيم الوطني والنقابي الفذ فرحات حشاد. نعم هي لحظات لا تنسى علمتني أن الناس معادن، وان النقابي لو خيروه بين ثروات الدنيا وبين أمنية يفضلها بنفسه لاختار دون تردد وصرخ بالصوت العالي وكله ثقة واعتداد بالنفس إنني اختار الاتحاد العام التونسي للشغل. وفي الحقيقة فانا لم استغرب هذا التمني من مناضل نقابي يحمل حتى الآن رائحة حشاد،وتصورات حشاد،ومبادئ حشاد،وسبق له وهذا أكثر ما يهمنا أن خاض الكفاح إلى جانب حشاد الزعيم وتحمل في سبيله العذاب والقهر والحرمان ومع ذلك رفض أن يبيع رفيق دربه في سوق الخيانة والعمالة وظل حتى اللحظة التي قابلته فيها وفيا لحشاد حافظا لأسراره وناطقا ببطولاته ومعجزاته في زمن انعدمت فيه البطولات والمعجزات. ضيفنا اليوم الذي حدثنا عن حشاد ،ووجه بالمناسبة رسالة نادرة إلى المشرفين على جريدة الشعب هو المناضل الشافعي المخلوفي أصيل مدينة سبيطلة والذي سبق ونؤكد على ذلك أن خاض معترك الحياة النقابية والوطنية منذ بذورها الأولى إلى جانب الشهيد فرحات حشاد وكان إحدى العلامات المضيئة التي أضاءت درب العمل النقابي في تونس. ضيفنا هذا لم يكن من الممكن إخضاعه ونحن نحاوره إلى أسلوب السؤال والجواب، فالرجل قبل كل شئ هو شاهد على عصر نقابي بأكمله، وعلى بطولات وانجازات ومكاسب، وغصرات ومواجع وهزات، لذلك رأينا من الصالح أن نستمع وندقق في كلام هذا المناضل النقابي دون مقاطعة وان نترك له حرية اختراق المراحل والأحداث من اجل أن نخرج بشهادات واستنتاجات تثري سجل الباحثين في تاريخية الشأن النقابي وخصوصا مناضلي ومناضلات الاتحاد العام التونسي للشغل. وهذا أهم ما صرح به رفيق حشاد المناضل الشافعي المخلوفي إلى جريدة الشعب التي بالمناسبة فضل أن ينطلق في حديثه عن نشأتها وتطورها حتى وصولها إلى ما هي عليه وبعد توجيهه تحية نقابية خالصة إلى المشرفين على الجريدة وكل الصحفيين والتقنيين والعاملين فيها قال أن الشعب كانت ولا تزال تمثل له النفس الإعلامي الحر والناطق النزيه باسم الغلابى والمضطهدين وضحايا الأعراف المتجبرين والمستكرشين. وتوقف عند حلم حشاد بان يكون للشغالين صوتهم الإعلامي المسموع ، واستحضر وهو يحدثنا التاريخ الحافل للشعب يوم كانت تستنفد من الأكشاك منذ الساعات الأولى للصباح وأحيانا عديدة يتم منع توزيعها وتداولها في السوق لجرأة المواضيع التي كانت تطرحها وانغماسها اللذيذ في الشأن الوطني ومناداتها باتحاد عام تونسي للشغل مستقل على الدوام. وأكد لنا أن من الأشياء التي ما زالت راسخة في ذهنه نجاحه في توفير 480 منخرطا للشعب في شهر واحد ووجه ورسالة إلى المشرفين على جريدة الشعب مفادها أن الوقت قد حان لتتحول الشعب إلى جريدة يومية تواكب عن كثب الهم اليومي للعمال والنقابيين ورحلة عذابهم مع بعض الأعراف وتمنى أن تتحقق أمنيته ويطالع الشعب اليومية وهو على قيد الحياة. الاخ الشافعي المخلوفي خصص الجزء المتبقي كله من حد حديثه لشهيد الكفاح الوطني والنقابي فرحات حشاد فقال أن كل الصفات الحسنة لو اجتمعت لما أوفت حق حشاد المقاوم الزعيم،والمفكر والمناضل والكادح، والمحب للخير والكاره للحقد،والمتشبث بالوطن والحرية والثورة، والرافض لدبلوماسية المفاوضات في القاعات الفخمة، وهنا انفعل فجأة محدثنا واشتد به الحماس فإذا به يطير بنا إلى سنوات خلت قال عنها أنها سنوات المجد والعزة والإباء وحين سألته ماذا تقصد أجاب فورا إنها سنوات حشاد يا ولدي. هذا سر عبارة " احبك يا شعب " وهو يبدي إعجابه بكلمة الاخ علي رمضان الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل على ضوء إشرافه على ذكرى 5 ديسمبر بسوسة توقف الاخ المناضل الشافعي المخلوفي عند عبارة حشاد الخالدة : احبك يا شعب " والتي ترددت أكثر من مرة على لسان الاخ علي رمضان. لذلك أصر الاخ الشافعي المخلوفي على إفرادها بتحليل عميق، ومن أهم ما لاحظه هو تحول هذه العبارة إلى مفهوم عالمي يتداول في كل قارات العالم ويرمز إلى وجدانية النضال وانطلاق الرصاصة ضد المستعمر والعدو والظالم من قلب الرجال. وقال للاسف الشديد مازلنا في تونس لم نستوعب بعد المدلول الحقيقي لعبارة حشاد العظيم التي تم إغراقها في الأدب والعاطفة في حين أنها عبارة إضافة إلى مدلولاتها الأدبية والعاطفية والوجدانية تحمل مدلولا آخر أعمق واهم واخطر وهو المدلول الإنساني الانعتاقي بما فيه من رفض للاستلاب وهدر للروح التحررية، وصرح لنا بالمعنى الحقيقي للعبارة كما جاء على لسان الشهيد البطل الرمز فرحات حشاد فقال أن عبارة احبك يا شعب تعني حرفيا عبارة احبك يا ثورة وقال أن حشاد من خلال احبك يا شعب كان يوجه خطابا تعبويا ثوريا مفاده انه لا سيادة في ظل العبودية ، ولا تحرر في ظل الاستعمار، ومضى يشرح لنا أن عبارة احبك ياشعب كانت كلمة السر التي جعلتنا يوم اصدح حشاد بها نؤمن بان سيادتنا هي رهينة امتلاكنا لمصيرنا وان هذا الهدف السامي لا يمكن أن يكون إلا بالثورة والمقاومة والنضال، نعم عندها يقول المناضل الشافعي المخلوفي أحببنا بعضنا وعرفنا أن عبارة احبك يا شعب أقوى من سلاح المستعمر والمضطهد والظالم. الاستقطاب قبل النضال " حشاد قوة بشرية جبارة، ومقاوم متفرد بحجم وطن بأكمله، بهذه الكلمات واصل المناضل الشافعي المخلوفي حديثه عن رفيقه حشاد الزعيم مبرزا هذه المرة خصالا من شخصية حشاد الشهيد واستراتيجيته في تصور العمل النقابي الناجح والفاعل والمؤثر فقال أن أهم ما شدني في الزعيم حشاد وتعلمته منه وتأثرت به عدم الفصل بين النقابي والوطني فحشاد كان ينادي بنقابة حرة في وطن حر، وكان يؤكد على دورنا كنقابيين في وضع أسس التحرر الوطني وعدم تغليب الهم النقابي على الهم الوطني. هنا تحديدا طلبت من محدثي لمحة عن التوجهات الحشادية النقابية باعتبارنا ملمون جيدا بدوره الريادي في التحرر الوطني. فقال أن توجهات الزعيم النقابي كانت مبنية على دحض الظلم والجور عن العمال لذلك أول ما فكر فيه حشاد هو الاستقطاب استقطاب العمال وتوحيدهم وتحسيسهم بقدرتهم على التغيير والخروج من قمقم التسلط المفروض عليهم. واكد بان حشاد كان محقا في ذلك لان التاريخ اثبت لنا أن قوة النقابات في العالم وحتى قوة الاتحاد العام التونسي للشغل مرتبط أساسا بكثافة منخرطيه وتحولهم إلى قوة يستعصى على الأعراف وكل أعداء الاتحاد تجاوزها، منهيا بالقول إن الانتساب للاتحاد يا ولدي هو عندي مثلما هو عند حشاد واجب مقدس مثلما هي حقوق العمال ومصالحهم عند المسؤول النقابي حق مقدس.