يعدّ الأمن الغذائي من أولويات المقاربة التونسية والذي كان محور الندوة الدراسية البرلمانية حول «الأمن الغذائي والتحديات الجديدة في ظلّ العولمة» التي انتضمت بمجلس المستشارين وحرصا على إستدامة هذا المكسب تسعى تونس الى تطوير الإنتاج الفلاحي الذي يبلغ حجمه ٪60 منذ سنة1987 وهو ما يترجم عدم التزام تونس الى توجهات البنك العالمي الداعية الى الحدّ من النشاط الفلاحي بإعتبار رخص المواد الفلاحية في السوق العالمية ولولا حفاظ بلادنا على إستدامة أمنها الغذائي لتضرّرنا من تداعيات الأزمة العالمية حيث أصبحنا اليوم في مأمن من سوء التغذية إن أبرز ما يشهده العالم من أزمات متواصلة يحفزنا على مزيد قطع أشواط إضافية ومزيد تكثيف جهود الجميع لتحقيق المزيد من النتائج الإيجابية واستغلال كل الإمكانيات المتاحة حفاظا على أمننا الغذائي ورفع كل التحديات الجديدة في ظلّ العولمة الراجعة بالأساس الى التطورات الحاصلة على مستوى السوق العالمية والإنفتاح على العالم الخارحي، قلنا ان العالم يعيش اليوم ظروفا اقتصادية ومالية شديدة التقلّب وجملة من التحديات غير المسبوقة ولنا أن نسوق على سبيل المثال أسعار الطاقة وما مدى تأثيرها على تكلفة الإنتاج خاصة في المواد الغذائية مما أدى الى حصول أزمة عالمية للغذاء هذه الأزمة زعزعت كيان المجتمع الدولي ولعلّ هذا الظرف يحفزنا على التذكير بما جاء على لسان سيادة رئيس الجمهورية في المؤتمر الأممي المنعقد بمدينة روما في مطلع شهر جوان 2008 حيث اعتبر أن «الأمن الغذائي من أهم الرهانات التي يتحتّم علينا كسبها بإعتبار أن الحق في الغذاء هو من صميم الحق في الحياة اذ لا كرامة ولا استقرار بدون توفيره للجميع».. هذه المقولة تجعلنا نفهم أن الأمن الغذائي لم يعد هدفا وطنيا فقط بقدرما تحوّل الى هدف عالمي ولنا في هذا السياق أن نستحضر التعريف الذي جاء على لسان أحد الإختصاصيين والمحللين للأمن الغذائي وهو «قدرة الدولة أوالمجتمع على توفير المواد الغذائية كليا أو جزئيا بصفة يكون فيها وضع المواطنين الغذائي غير معرّض لحدوث أزمات غذائية تحت أي ظرف كان أو في أي زمن» وهو ما جعل بلادنا ترتكز في تحقيق أمنها الغذائي على ثلاثة مرتكزات حددتها منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة ألا وهي وفرة الغذاء بالكمية اللازمة والنوعية المطلوبة وتواجد المنتوجات الغذائية بشكل دائم وأن تكون أسعار المنتوجات الغذائية في متناول المقدرة الشرائية للمواطنين».. كل هذه المرتكزات والمقاييس تتطلب منّا مزيد التعمق في هذا الموضوع ودراسة مختلف هذه التحديات الجديدة خاصة في ظلّ العولمة والراجعة بالأساس الى المستجدات الحاصلة على مستوى السوق العالمية ولا يمكن تحقيق هذا التحدي سوى بالعمل ورسم خطط واستراتيجيات متكاملة من أجل تأهيل القطاع الفلاحي عبر النهوض بهذا القطاع من خلال إرساء منظومات البحث والإرشاد والتكوين علما وأن الأرقام القياسية التي بلغتها بلادنا في إنتاجات العديد من المواد الفلاحية مثل تطوّر معدل الإنتاج الفلاحي الوطني بين المخططين السادس والعاشر للتنمية بنسبة 60٪ في إنتاج الحبوب و134٪ في إنتاج البطاطا و137٪ في إنتاج الطماطم و216٪ في إنتاج الألبان.. كل هذه التطورات تدفعنا الى المزيد من العمل على المحافظة على مكانة هذا القطاع في الحياة الإقتصادية والإجتماعية بإعتباره يساهم ب12٪ من الناتج المحلي الإجمالي و10٪ من المجهود الوطني للتصدير وبين 16 و18٪ من اليد العاملة النشيطة.. ولئن كان للتحوّلات السريعة وما يشهده الوضع الإقتصادي العالمي من أزمات كإزدياد الطلب على المواد الأساسية وإشتداد المنافسة الخارجية وتواصل ارتفاع أسعار المدخلات ومستلزمات الإنتاج من محروقات وأعلاف وأسمدة وتأثيراته على كلفة الإنتاج التي شهدت منذ سنة 2000 الى سنة 2008 تطورا بنسبة 34٪ في القمح الصلب وب41٪ في الحليب و33٪ في الطماطم و48٪ في لحوم الأبقار.. كل هذه التحولات العالمية كان لها انعكاسات مباشرة على مردودية القطاع الفلاحي وعلى الوضعية الإقتصادية للمنتجين وذلك لعدة اعتبارات لعل أبرزها عدم بلوغ القطاع الفلاحي في بلادنا مرحلة التأهيل الشامل التي تمكنه من الصمود بالنجاعة المطلوبة أمام التغيّرات الخارجية كذلك عدم وجود قاعدة صلبة ومتطوّرة للنشاط الفلاحي في ظلّ تواصل بعض النقائص علىمستوى العناصر الأساسية للإنتاج التي تتمثل في الأرض والعنصر البشري ورأس المال إضافة الى التشتت والتجزئة المفرطة للأوضاع العقارية الفلاحية حيث أن 75٪ من المستغلات لا تتجاوز مساحتها 10 هكتارات و54٪ من المستغلات لا تتجاوز مساحتها 5 هكتارات إضافة الى تراجع إقبال الشباب على التوجه نحو العمل الفلاحي حيث أن 50٪ من مساحة المستغلات الفلاحية يتصرف فيها فلاحون تبلغ أعمارهم 60 سنة فأكثر، كذلك محدودية مساهمة القطاع البنكي في تمويل الإستثمارات الفلاحية وإرتفاع كلفة القرض الفلاحي والنقائص المطروحة على مستوى العناصر الأساسية للإنتاج ولعل الأهم من ذلك هو مدى ارتباط القطاع الفلاحي ببلادنا حيث أن هذا القطاع يرتبط بنسبة 93٪ بالعوامل الطبيعية وتأثره الشديد بالتقلبات المناخية التي أصبحت عاملا متواترا خلال السنوات الأخيرة. اذا كل هذه النقائص لابدّ من تداركها ولعلّ ما يجعلنا نتساءل ضمن هذاالسياق هو : هل أن السلبيّات العديدة للأزمة الإقتصادية والمالية تعيد الإعتبار للفلاحة؟ لعلّ هذا السؤال الذي طرحناه نجد له إجابة خاصة اذا قرأنا آخر تقارير البنك الدولي وآراء خبراء الإقتصاد الداعية الى أهمية الميدان الفلاحي وضرورة الإعتناء به وهو ما نلاحظه حاليا في توجهات الدول الكبرى وخاصة مجموعة الثماني التي أصبحت تولي إهتماما فائقا للفلاحين ولا سيّما الصغار منهم.. ولا يزال العمل جاريا في إطار التبادل اللامتكافئ للمنتجات الفلاحية من خلال ما توصلت إليه المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي حول تحرير تجارة المنتجات الفلاحية من نتائج خاصة بالنسبة الى بلادنا حيث تمّ في هذا الإطار الإتفاق على عدة مبادئ متعلقة بتحرير تجارة المنتجات الفلاحية ولازالت بعض المبادئ الأخرى تتطلب تقريب المواقف قبل الشروع في التفاوض الفعلي بشأن قائمات المنتجات وطرق تحرير تجارتها.. ان هذا الحدث يحفزنا على القول بأن تونس استفادت فعلا من تداعيات الأزمة العالمية لأن هذه الأزمة أعادت حقا الإعتبار للفلاحة ومكّنتها من استرجاع موقعها الحقيقي والمحوري في حركة التنمية وهو ما دعا بالمنظمة الفلاحية التونسية الى مزيد التأكيد والحرص على تأطير المنتجين وتطوير الفلاحة والصيد البحري وكسب مواقع جديدة في الأسواق الخارجية.