الذين يعتقدون ان السلفيين والجهاديين فئة غريبة عن المجتمع التونسي والعربي عموما، واهمون. هؤلاء مبثوثون في نصوصنا ومنبعثون من ثنايا تأويلات خاصة للقرآن واحاديث لم تخضع طوال خمسة عشر قرنا للنقد والتمحيص والتدقيق. هؤلاء تجدهم في ايات القتال التي تحث على قطع الرقاب وضرب البنان. هؤلاء خرجوا علينا من مدونات الفقه المنسية و من مقولة "ثوابت الاسلام" التي يزخرف بها اليوم دستورنا القادم. الجهاديون والسلفيون وكل الحركات الاسلامية هي نتاج لواقع ثقافي مازال فيه النص يمثل بوصلة التقدم في نظر المعتقدين فيه. الذين يلغمون جبال الشعانبي ويستهدفون رجال الامن ويسمونهم طاغوتا يعتمدون على آيات قرآنية مازال حتى عتاة المجددين في الفكر الاسلامي من قادة الحركات الاسلامية يؤولونها حسب الظرف والمصلحة والسياق. فالجهاد واجب شرعي بالنسبة للشيخ القرضاوي ضد بشار الاسد وهو الذي زار دمشق واكرم من قبل الرئيس الذي كان قبل سنتين مؤمنا صالحا ! ضيفنا الشيخ محمد حسان الذي احتفل به الالاف في مساجد البلاد استقبل في خيمة معمر القذافي في طرابلس قبل سنتين. كان القذافي وقتها مؤمنا مسلما في نظر حسان و تحول بعد سنتين انطلاقا من نفس النص الى كافر وجب الخروج عليه وقتله رميا بالرصاص. في ظل صمت النص و قبوله لكل التأويلات يصبح التفسير ونقيضه مبررين وترتكب باسمهما كل الفظاعات. صدق الامام علي عندما قال يوما عن القرآن " هذا النص لا ينطق وانما ينطق به الرجال". نحن امام نص حمال وجوه ويجد فيه كل مريد بغيته. نص انتج لنا نصر حامد أبو زيد وانتج لنا فرج فودة وجاء لنا بالاخوان والسلفيين والجهاديين والذين يكبرون عندما يجزون رقاب الارواح البشرية! صحيح ان الحلول العاجلة لارهاب الجهاديين تتطلب خطة امنية محكمة يقتضيها الظرف واستقرار البلد ولكن الابعد من تفكيك الغام الشعانبي هو تفكيك الغام منظومة تربوية وفقهية كاملة مازالت سلفية و جهادية مع تأجيل التنفيذ. الامر المؤكد ايضا اننا امام مسار تاريخي وجغرافي اقليمي يحدد المسار التونسي. التغيير الاعمق هو الذي يمس المنطقة بأكملها والذي تنتفض فيه القوى التحررية العربية على تركة ثقافية جعلتنا مسخرة الامم.