بعد حوالي عامين مما اصطلح على تسميتها بثورة الحرية والكرامة التي قام فيها الشباب التونسي باجبار أحد اعتى الرؤساء المتسلطين على الهروب من البلاد , أصبحت تونس تنعت في وسائل الاعلام وفي المنتديات العالمية على كونها خزان للارهابيين ومصدرة لهم. نخشى ان نصل الى مرحلة نخجل فيها من تونسيتنا عند نقاط العبور في المطارات الدولية والنقاط الحدودية فنخفي جوازاتنا عن عيون المنتظرين في الطوابير! في نهاية التسعينات وأوائل سنوات الالفين عاش جيراننا على حدودنا الغربية الوضع نفسه تقريبا. كان الجزائريون المسالمون يكرهون جزائريتهم بسبب شرذمة منهم تحصنوا بالجبال وارتكبوا عمليات القتل والتفجير والذبح فاصبحت صورة البلد كله رهينة في أيديهم وأصبح كثير من الجزائرين منبوذين في المطارات وينظر اليهم بشك وريبة وعدائية. اعتقد جازما أننا نسير في الطريق نفسه الذي سار عليه الجزائريون من قبل. أصبحت تونس اليوم أحد أبرز خزانات الارهاب في منطقة المغرب العربي. أصبحت الجزائر البلد التي نشأ فيها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي تراقب حدودها الشرقية وتتوجس خوفا من تسرب ارهابينا اليها ! وصلنا الى الحد الذي اغلقت فيه ليبيا جنوبا حدودها في يوم عيد ثورتها خوفا من التونسيين! أصبحنا بالمكشوف نصدر الجهاديين الى سوريا والى الجزائر والى مالي والى اليمن والقائمة تطول. لن ندخل في لغة الأرقام فهي عديمة الجدوى وبعض من تلك الارقام يقع توظيفها في التجاذبات السياسية الحاصلة في البلاد. هناك حقيقة يقر به الجميع أننا أصبحنا فعلا أحد البلدان التي تنتج الارهاب وتصدره. ننتج الارهاب بدءا من بعض رياض أطفالنا التي اصبحت فيها الطفولة تتغنى بالملا عمر وبحركة طالبان! وننتج الارهاب عندما يفتحون حدودنا على مصرعيها لمشايخ الشرق الاكثر تزمتا وتطرفا من قبيل القرني والعوضي وغنيم و القائمة تطول ! ننتج الارهاب عندما يلقي مشايخ الكراهية الدينية دروسهم على منابر جامع الزيتونة و جامع عقبة بن نافع في القيروان بتواطئ مكشوف من وزير شؤون دينية لا يخفي بدوره ميوله الاصولية ! ننتج الارهاب عندما يقع ترويج وبيع كتب التكفيرين من قبيل أبو بصير الطرطوسي و أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وغيرهم على قارعة الطريق و في مداخل المساجد! ننتج الارهاب عندما يتاح باسم الحرية الدينية اقامة حلقات شرح كتب التكفير في الحلقات المسجدية ! ننتج الارهاب عندما تصبح مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا مرتعا للجماعات المتشددة توزع فيها مطويات تفسر للمراهقين نواقض الاسلام وفضائل النقاب. يتم كل هذه بتواطئ عنوانه دعه يعمل دعه يمر وتحت يافطة الحرية التي جاءت بها الثورة. شاهدنا كيف استقبل أحد مستشاري رئاسة الجمهورية أحد شيوخ التحريم والتكفير في الصالون الشرفي لمطار تونسقرطاج. تابعنا بكل دهشة كيف قامت وزيرة المرأة بتحويل وجهة الحديث عن اجبار الاطفال على لبس الحجاب واكتشفنا معها كيف ان حجاب الصغيرات اقل ضررا من استهلاك المخدرات! يتم اليوم في تونس تفريخ الارهاب في السجون ذاتها حيث فتح وزير العدل السابق أبواب السجون مشرعة في اتفاقية غريبة مع بعض الجمعيات الدينية المتطرفة ليقع تحويل تجار المخدرات والمجرمين واللصوص الى ارهابيين تكفيرين وكأن الخيار المتاح للذين زلت بهم القدم في السجون يكون اما المواصلة في انحرافهم الاجتماعي أو توبتهم الدينية بتبنيهم أكثر الرؤى الدينية تشددا وانغلاقا! عندما يواجه وزراء الدولة ومسؤوليها بالحجج والارقام حول حجم الكارثة التي تسير اليها البلاد وخطر عمليات انتاج الارهاب وغسيل الادمغة التي تقع في شوارعنا ومساجدنا ومؤسساتنا يردون عليك باجابة جاهزة متواطئة "بأن لا سبيل لاعادة وسائل الماضي الامنية في التعامل مع هذه الظاهرة"! .. عجبا ! وكأن الخيار هو بين استعمال اساليب دهاليز التعذيب والاعتقالات على اللحية والقميص التي كان بن علي يقوم بها سابقا وبين استباحة مؤسساتنا التربوية والدينية واستعمال اجهزة الدولة وامكانياتها من أجل انتاج افكار الارهاب والكراهية والتي رأينا اولى نتائجها صبيحة 6 فيفري حينما افاقت تونس على اغتيال الشهيد شكري بالعيد بعد أن أهدر دمه من فوق منابر مساجد البلاد.. كانوا كلهم يعلمون بحدوث الجريمة ولكنهم انتظروا فقط موعدها وميقاتها ! لكل ذلك فان كل السلطات السياسية للبلاد بمقتضى بنود الدستور الصغير مسؤولة عن الجريمة التي تقع في البلاد. نعم انهم مسؤولون جميعا من رئيس الجمهورية المؤقت مرروا بوزير الحكومة في القصبة ومن يقف وراءه ووصولا الى رئيس المجلس التأسيسي . كلهم يتحملون المسؤولية الاخلاقية والسياسيةوالتاريخية في الوضعية التي وصلت اليها البلاد. نعم يتحمل كل هؤلاء مسؤولية انتشار الفكر التكفيري بصمتهم وتساهلهم وبحساباتهم السياسيوية والوصولبة. انهم متهمون بقيادة البلاد الى المجهول ولم يعد تنفع تبريراتهم بان ما يقع هو من نتاج الحريات والمرحلة الانتقاليةالتي جاءت بها الثورة. اذا اكملنا نهاية الطريق في هذه المرحلة الانتقالية التي يزعمون سننتهي الى بلاد يكسوها السواد. لم يعد الامر يحتاج الى تأجيل أكثر أمام فيروس الكراهية والتكفير الذي ضرب انحاء البلاد بتواطئ أو بصمت لا يهم. المهم ان المارد خرج من القمقم بفعل هؤلاء. فمن يستطيع بعد اليوم اعادة هذا المارد الهائج المائج الى قمقمه ؟! بكل اختصار يتحمل هؤلاء مسؤولية تشويه صورة بلادنا في المحافل ووسائل الاعلام الدولية بالشكل الذي اصبحنا ننعت فيه باننا بلد أخطار منتج ومصدر للاهاب.