قبلت تونس مؤخرا بمجموعة من التوصيات التي قدمها مجلس حقوق الإنسان و جملتها 189 توصية ، من أصل 248 قدمت لها ، وشملت خاصة توصية هامة وهي التوقف الفوري عن إجراء الفحص الشرجي الإكراهي الذي كان يعتبر إجباريا لإثبات تهمة ممارسة المثلية الجنسية على المتهمين بها ، وتتم محاكمتهم وفق الفصل 230 الذي تنادي عديد المنظمات الحقوقية الوطنية والعالمية بإلغائه منذ سنوات، حيث اعتبرت الجمعية الفرنسية "ايداهو" أن الفحص الشرجي القسري هو عمل من أعمال التعذيب وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرمة وكرامة الجسد ، كما أدانت منظمات فرنسية أخرى ، التصرفات المقلقة للسلطات التونسية و تجاهلها التام لتنامي رهاب المثلية في المجتمع التونسي. هذه الخطوة جاءت متأخرة نوعا ما، إلا أنها تعتبر تحسنا ملحوظا في مجال الخروج من تدخل السلطة في الحياة الخاصة للأفراد و تضع حدا للانتهاكات التي تمارس على عديد الأشخاص بتعلة الاشتباه في أنهم مثليو الجنس ، هذه التهمة التي تكاد تتحول إلى رهاب لدى المجتمع ورجال السلطة ويتم وفقها الاعتداء على حريات وكرامة مواطنين لا ذنب لهم سوى ان بلادهم لا تزال تصنف حقوق الإنسان حسب التقاليد والأعراف المجتمعية و الدينية ، وتقبل منها ما يلائمها فيما ترفض الباقي . الفصل 230 لا يزال قائما وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في تونس طبقا الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية، تصل عقوبة المثلية الجنسية إلى حدّ ثلاث سنوات من السجن بتجريم علاقات تدخل ضمن لإطار الحياة الخاصة للأفراد يكون هذا النص مخالفا لمقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المنطبق في تونس منذ سنة 1976 والذي يقتضي في المادة 17 فقرة أولى منه انه "لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته". فيما جاء الفصل 21 من الدستور التونسي ليضمن المساواة التامة للتونسيين بمقتضى "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز". أي أن الدولة من واجبها ودورها الحقوق و الحريات الفردية والعامة، والسهر على عدم المساس بحرماتهم الجسدية والنفسية أو التدخل في خصوصياتهم فما بالك بتعذيبهم جسديا و نفسيا باسم القانون والزج بهم سنوات في السجن . إلا ان الواقع مخالف تماما للتشريعات و الدستور ، فقد شهد شهر سبتمبر وحده حوالي 10 إيقافات لمواطنين بتهمة المثلية الجنسية فيما وصل عدد القضايا بنفس التهمة إلى 50 قضية سنة 2017 في انتظار البث فيها بالحكم وهو السجن . هذه الممارسات المهينة والعنيفة تجاه الاخر والمغلفة بإطار قانوني يعطي لنفسه الحق في الإلقاء بالأشخاص في السجن لمجرد انهم مختلفون هي ما يعزز انتشار رهاب المثلية في تونس وإقصاء الأخر ما يؤدي لانتشار أعمال العنف و الكراهية الموجهة لا ضد المثليين و حدهم بل ضد كل من يعتبر مختلفا أو أقلية . كان من المنتظر من المناخ السياسي و القانوني في تونس أن يشهد تغيرا و يتواءم مع المفاهيم الدولية لحقوق الإنسان إلا أن السياسات بقيت مكبلة بحسابات أقل ما يقال أنها ضيقة و لا تستجيب للمعاهدات و المواثيق الدولية التي سبق و أن أمضت تونس عليها بالموافقة حيث لا يزال رفض إلغاء تجريم المثلية حاجزا بين التشريعات التونسية والتطبيق الفعلي لحقوق الإنسان ، وان يكن منع الفحص الشرجي خطوة في الاتجاه الصحيح كما وصفتها منظمة العفو الدولية في بيانها و الذي أبدت فيه أسفها أيضا من استمرار تفعيل الفصل 230 و تجريم العلاقات الجنسية المثلية بين التونسيين .