عاجل/ وزارة الداخلية تعلن ملاحقة هؤلاء..    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..    عاجل: العثور على جثة شاب تحمل اثار عنف في مكان مهجور بهذه المنطقة..#خبر_عاجل    الاحتلال يشن سلسلة من الغارات العنيفة على جنوب لبنان    مستقبل القصرين: انهاء مهام المدرب ماهر القيزاني    فاز أمس على الولايات المتحدة الامريكية: منتخب الأصاغر لكرة اليد يواجه تشيكيا من أجل الدور الثاني    اجتماع وزاري لوضع خطة لتطوير السياحة العلاجية وتصدير الخدمات الصحية    سياحة: تونس تسجل أرقاما قياسية في عدد الوافدين والإيرادات خلال النصف الأول من عام 2025    الكريديف يعلن عن المتوجات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية بعنوان 2024 ويحتفي بثلاثينية الجائزة    المهرجان الصيفي «مرايا الفنون» بالقلعة الكبرى .. عبد الرحمان العيادي في الإفتتاح وسنيا بن عبد الله في الإختتام    تاريخ الخيانات السياسية (38): قتل باغر التركي    ماكرون يأمر بتعليق إعفاء التأشيرة للجوازات الجزائرية الرسمية    إيقاعات إفريقية في قلب العاصمة: ديان آدامز يحيي سهرة استثنائية بساحة النصر    20 ألف هكتار مهددة: سليانة تتحرك لمواجهة آفة 'الهندي'    بنزرت الجنوبية: وفاة مسترابة لإمرأة مسنة    مدير جديد لوكالة التحكم في الطاقة    604 تبليغ بشأن امدادات مياه الشرب    مبادرة لتنظيم "الفرنشيز"    حسّان الدوس في مهرجان ليالي المهدية: فلسطين في القلب... ولمسة وفاء لزياد الرحباني    الدكتور خالد محمد علي إبراهيم الوزير المفوض بسفارة جمهورية السودان بتونس ل«الشروق»: حرب إقليمية كبرى... إذا    مكانة الوطن في الإسلام    بوتين يجتمع إلى مبعوث ترامب في الكرملين على مدى 3 ساعات    بطولة الرابطة المحترفة الاولى: الاولمبي الباجي يعلن عن تسوية كل النزاعات والمشاركة في البطولة    قفصة : برمجة 18 مهرجانا صيفيّا خلال هذه الصائفة    مصر تشن حملة واسعة ضد محتوى ''تيك توك''    عاجل/ مقتل وزيرين في تحطم مروحية بهذه الدولة..    السالمي: إلغاء جلسات التفاوض حاجة خطيرة وبرشة حاجات صارت اليوم تفوق الخطورة    عاجل: لقاء الترجي مهدّد بالتأجيل... وهذا هو السبب !    فتح باب الترشح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية بالمغرب وبالجزائر    توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    بعد 14 عاما من الغياب : أصالة نصري في زيارة مرتقبة لسوريا    اعتقال شقيق الممثلة أسماء بن عثمان في أمريكا : زوجته تكشف هذه المعطيات    نابل: محضنة المشاريع الناشئة "حمامات فالي هاب" تنظم لقاء التواصل بين رواد الاعمال المقيمين في تونس وفي الخارج    نجم المتلوي يعزز صفوفه بالمهاجم مهدي القشوري    ماتش الإفريقي والمرسى: هذا هو عدد الجمهور الي باش يحضر !    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    عاجل: ماهي حقيقة تنحي الطبوبي؟ تصريحات رسمية تكشف كل شيء!    50 درجة حرارة؟ البلاد هاذي سكّرت كل شي نهار كامل!    عاجل: دولة عربيّة تعلن الحرب عالكاش وتدخل بقوّة في الدفع الإلكتروني!    عاجل : الحرس الوطني يكشف معطيات حول فاجعة اشتعال النّار في يخت سياحي بسوسة    عاجل- سوسة : غرفة القواعد البحرية للتنشيط السياحي تنفي و توضح رواية السائحة البريطانية    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    علامات في رجلك رد بالك تلّفهم ...مؤشر لمشاكل صحية خطيرة    كيلي ماك.. نجمة The Walking Dead تخسر معركتها مع المرض    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    لبنان يغيّر اسم شارع حافظ الأسد إلى زياد الرحباني    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    كتب ولدك للسنة الثامنة أساسي (2025-2026): شوف القائمة الرسمية    إحداث قنصلية عامة للجمهورية التونسية بمدينة بنغازي شرق ليبيا    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    جريمة مروعة تهز هذه الولاية..والسبب صادم..#خبر_عاجل    أوساكا تتأهل إلى قبل نهائي بطولة كندا المفتوحة للتنس وشيلتون يُسقط دي مينو    فرنسا: حريق ضخم يلتهم آلاف الهكتارات بجنوب البلاد    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باريسُ عاجزةٌ عَن إخفاءِ رائحةِ الاستعمارِ القديمِ المُتَجَدِّد في سياستِها الخارجيّة
نشر في حقائق أون لاين يوم 26 - 03 - 2018

هادي دانيال- قَبْلَ مائة وخمسةٍ وأربعينَ عاماً أطْلَقَ " آرتور رامبو" أيْقُونَةُ الشِّعْرِ الفَرَنسيّ عبْرَ كتابهِ الخالد "فَصْلٌ في الجحيم" صَرْخَتَهُ الشِّعْريّةَ السّاخِرَة : " أَطْلِقُوا !أطْلِقُوا النارَ عَلَيَّ !هُنا !وَإلّا لاستسلمْتُ.- جُبَناء !إنّي أقْتلُنِي !على قَوَائمِ الأحْصِنَةِ أرْتَمِي! أوّاه!... -سأتَعَوَّدُ هذا. ستكونُ هذه هِيَ الحياة الفرنسيّة ، جادّة الشَّرَف!". و" الشَّرَفُ الفرنسيّ" لم يبدأ بخذلانِ عُمّال كومونة باريس ، بَل بالمُقايضة والسمسرة بَدْءاً مِن الامبراطور(الذي خَصَّهُ آرتور رامبو في قصائده باحتِقار شديد وهجائيات مُقذِعة ، فهذا الامبراطور "نابليون بونابرت" الذي ارتَدَّ خائباً عنْدَ أسوار عكّا أخَذَ يحكُّ على جَرَبِ اليهوديّة الصهيونيّة بِدَعْوَةِ "آل روتشيلد" إلى تمويلِ حَمْلَتِهِ العسكريّة المتجهة إلى الشّرق مُقابِل مُساعدَةِ اليهود " في إقامَةِ وَطَنٍ قوميٍّ لهم في فلسطين" وتحقيقِ آمالِهِم في التّمَرْكُزِ بينَ عَكّا والاسكندريّة. كانَ ذلكَ سنة 1799ميلاديّة ، أي قبْل وَعْد الانكليزيّ بلفور بمائة وثماني عشرة سنة . وما بناء الفرنسيين لمفاعل ديمونة الإسرائيلي وصُولاً إلى تهديد الرئيس الحالي "إيمانويل ماكرون" بأنَّ كُلّ إساءة إلى "الصهيونيّة" ستُسَلَّط على مُرتكبيها عقوبة العداء للساميّة ، الأمْر الذي استفَزَّ المُؤرّخ اليهودي الشهير "شلومو ساند" فنشر مقالا في الصحافة الفرنسيّة متحدّيا ماكرون وصارخاً في ختام مقاله:" أنا ضدّ الصهيونيّة" ، ما هذا وغيره إلا تأكيد على مَسار فرنسي رسمي قديم مُتَجَدِّد يتبنّى في العُمْق المشروع الصهيوني وإنْ أبْدى بَعضَ التّعاطُف الشكلي مع ضحيّة هذا المَشروع الأولى/الشعب الفلسطيني (لأنّ ضحايا المشروع الصهيوني كثُر) على سبيل تذكُّر شعارات الثورة الفرنسيّة نفاقاً وَتَثَعْلُباً ليس إلاّ . وعلى الرّغْمِ مِن ذلك ثمّة مَن يُصَدِّق أنّ فرنسا يُمكِنُ أن تتخذَ مَوقِفاً مبدئيّاً وتسعى بقوّة مِن أجْل فَرْضِ حلٍّ عادل للمسألةِ الفلسطينيّة!. إنّ الحكومات الفرنسيّة (باستثناءات طفيفة كموقف الشاعر دومينيك دوفيلبان وزير داخليّة وخارجيّة فرنسا الأسبق الذي حذّر مِن أن أمريكا التي تلتهم الخرافَ والعشْبَ مِن أفغانستان إلى العراق لن تكونَ راعياً أوّل للسلام في الشرق الأوسط ، وكموقف رولان دوما وزير الخارجيّة الفرنسية الأسبق الذي رَفْضَ قبْلَ سنة 2011عَرْضاً بريطانيّا للمشاركة في خطّة غربيّة صهيونيّة لإسقاطِ الرئيس بشار الأسد لأنّه مُعادٍ لإسرائيل التي تحتلّ جزْءاً عزيزاً مِن بلادِه، كما أنّ رولان دوما رَفَعَ دعوى قضائيّةً ضدّ الرئيس الأسبق ساركوزي وأعضاء حلف الناتو بتهمةِ قَتْلِ المدنيّين وتدمير البنيةِ التحتيّة في ليبيا )، فَضْلاً عن التّذيُّلِ للمَوقِفِ الأمريكي في العقودِ الخمسة الأخيرة الذي جَعَلَ الرئيس "جاك شيراك" يَصْرَخُ مُتألِّماً مِن الضّغوطِ الأمريكيّة لِدَسِّ تركيا الانكشاريّة في جسدِ الاتحاد الأوربي :" نَحْنُ أصدقاء لأمريكا وَلَسْنا خَدَماً" – ولكن مَن سَيُقْنِعُ أمريكا بذلك؟ . إنّ الحكومات الفرنسيّة لم تتخلّ عن سياساتِها الاستِعماريّة وخاصّةً في أفريقيا ، على الرغم مِن تَعَهُّدِ الجنرال "شارل ديغول" سنة 1958 بمنح 14بلداً أفريقيا استقلالهم بحلول عام 1966، لكنّ ديغول هذا كان في ذات الوقت يُخَطِّطُ لإبقاء هذه الدول تحت سيطرة فرنسا غير المباشرة ، أي من خلال حكومات محليّة عميلة لباريس، كما باتَ مَعروفاً بَعْدَ فضيحة شركة "إلف أكتين" النفطية التي صُفِّيَتْ في تسعينات القرن الماضي وَتَمَّ إدماجُها مع نظيرتها الأصْغَر "توتال". كلّفَ شارل ديغول وزير المحروقات "بيير غيوما" وأمين عام الأليزيه "جاك فوكار" بتشكيل شبكات فرنسا- أفريقيا لامتصاص أفريقيا وإعادة استعمارها اقتصاديّاً وتأمين موارد الطاقة والمواد الخام كاليورانيوم وضمان شبكة تصويت مُوالية لباريس في المؤسساتِ الدّوليّة ولاحقاً لوضْع حَدّ للتوسُّعِ الشيوعي في أفريقيا إبّان الحرب الباردة ، ولهذا الغَرَض كانت هذه الشبكات بقيادة "جاك فوكار" تدبّر الانقلابات أو تُفشِلُها ، وتُنشئ حركات التمرُّد أو تُجْهِضُها وتقوم بالاغتيالات السياسيّة أو تمنعها ، ففي "غينيا" حرّكوا "موريس روبير" للإطاحة بأحمد سيكوتوري لكنهم فشلوا، وفي "الكامرون" اغتالوا "فيليكس مونييه" ليصل عميلهم " أحمدو أحجو" إلى سدّةِ الحكْم ، وفي نيجيريا تسببت فرنسا بحربٍ أهليّة ذَهَبَ ضحيّتها مليون إنسان كي تسيطر باريس على النفط في إقليم "بيافارا" الذي كان مُستعمَرَةً إنكليزيّة سابقة ، وفي "البينين" استعانت فرنسا بمرتزقة دَرَّبَتْهُم في القابون يقودهم كلب الحرب "بوب دينار" للإطاحة بماثيو كريكو ، وفي "القابون" نَصَّبوا عُنْوَةً "ليون إمبا" رئيساً وَعَدَّلوا الدستور في سفارة فرنسا لتنصيبِ "عمر بنغوا" خَلَفاً له، أمّا في "أفريقيا الوسطى" التي مَنَحَتهم أكبر قاعدة عسكريّة فرنسيّة في القارّة السمراء ، فقد دَعَموا انقلاباً قادَهُ "جان بيدل بوكاسا" الذي نَصَّبَ نَفْسَهُ إمبراطوراً تَيَمُّناً بنابليون بونابرت، وبسبب سلوكات بوكاسا الغرائبيّة التي أثارتْ احتجاجَ حُكّام أفريقيين آخَرين دَبّرَتْ له باريس ماسُمِّيَ عمليّة "باراكودا" ، فأطاحتْ بهِ وأعادت إلى كرسيّ الحكم سَلَفَهُ "دافيد داكو". ومِن خلال شبكات فرنسا – أفريقيا والشركات الفرنسية النفطية في أفريقيا نشأتْ شبكة مصالح خاصّة ورشاوي ماليّة ضحمة تهمّ زعماء أفارقة مُوالين لفرنسا ، ووصَلَ جزء كبير منها إلى جيوب وأرصدة زعماء فرنسيين مثل : جيسكار ديستان ، فرانسوا ميتران، وجاك شيراك. وَبَعْدَ الضربة القاسية التي تلقّتْها فرنسا في ساحل العاج سنة 2004، صَعَدَ نَجْمُ الصناعي الفرنسي "فنسون بلورييه" الذي أسَّسَ امبراطوريّة غير مسبوقة في دُوَل حليج غينيا، ومع وُصول "فرانسوا ساركوزي" إلى قصر الإليزيه ، دَشَّنَ ساركوزي حقبة جديدة في مسار الاستعمار الاقتصادي الفرنسي لأفريقيا فأعلَنَ نفْسَهُ حامي مصالح أباطرة الصناعة الفرنسيّة (بلورييه، بويج ، وتوتال) ، حيثُ توسَّطَ في أنغولا لمَنْحِ "توتال" امتيازات التنقيب عن النفط ، وتدَخَّلَ في النيجر لاحتكار اليورانيوم لتغذية محطات الطاقة النوويّة في فرنسا. وبالتوازي واصَلَتْ فرنسا تدَخّلاتها العسكريّة في 35مناسبة في عهد "ساركوزي" وفي عهد "هولاند" الذي تَعَهّدَ بإنهاء نشاطات شبكات فرانس – أفريك . ولعلّ أفظع التدخلات العسكريّة الفرنسيّة في شؤون الدول الأفريقيّة كان في ليبيا لإطاحةِ نظام العقيد معمّر القذّافي في سياق "ثورات الفوضى الخلّاقة" ، فقد اعترَفَ "ساركوزي" في تصريحات صحفيّة العام الماضي 2017بأنّ "ما حَدَثَ في ليبيا لم يكن ثورة وإنّ الليبيين لم يقوموا بأيّ ثورة على الإطلاق" مُسْتَدْرِكاً بأنّ ما حَدَثَ في ليبيا هُوَ "ثورة قامَتْ بِها فرنسا". كيف؟. يُجيبُ ساركوزي واضِعاً النقاطَ على الحروف:" نَحْنُ مَنْ حَدَّدَ تاريخ 17فيفري كيوم للانطلاق، بل الاستخبارات الفرنسيّة هي مَنْ وَضَعَتْ هذا اليوم لتسهيلِ التَّدَخُّلِ في ليبيا عسكريّاً . نَحْنُ مَنْ أوْقَفَ رَتْلَ الجيش الليبي تجاه بنغازي ، وطائرات فرنسا دافَعَتْ عن مصراتة ثمانية أشهُر وكانَ بإمكانِ الجيش الليبي السيطرة عليها مِنَ الشَّهْر الأوّل . طائرات فرنسا هِيَ التي دَمَّرَتْ تسعين بالمائةِ مِن قُوَّةِ القذّافي العسكريّةِ وطائراتنا هِيَ التي قَصَفَتْ رَتْلَ القذّافي في سرْت وألقَتْ القَبْضَ عليه عندما اختَفى عَن كتائب مصراتة ، وَبَعْدَ تخديرهِ سَلّمناه لهم . دَوْر الثّوّار كانَ لوجستيّاً وكانوا يتقدّمون بَعْدَ أن يقوم طيراننا بالمَسْحِ أمامَهم". هذه رواية ساركوزي قبْلَ أن يقبَعَ مُؤخَّراً في السجون الفرنسيّة للتحقيق معه بتهمةِ تَلَقِّي خمسين مليون يورو لتمويل حملته الرئاسيّة مِن العقيد معمّر القذّافي مُقابل أن يُساعد ساركوزي القذافي في إقامة "الولايات المتحدة الإفريقيّة" نظرا لنفوذ فرنسا في أفريقيا. وقد سَبَقَ للرئيس صدّام حسين أن مَوّل حملة "جاك شيراك" في حملته الانتخابية للوصول إلى منصب رئيس بلدية باريس في سبعينات القرن المنصرم. لكنّ دَوْرَ فرنسا كان جليّاً في تمكين الكيان الصهيوني مِن ضَرْبِ مفاعل تموز النووي العراقي الذي بنتْهُ فرنسا ، كما سَبَقَ لفرانسوا ميتران أنْ تَذَيَّلَ لواشنطن في حَرْبها على العراق في تسعينات القرْن الماضي مُضَحِّياً بالمصالح الاقتصاديّة الفرنسيّة بَل ومُنافساً ، على مستوى الانحطاط الأخلاقي ، الممارسات الأمريكيّة في سجن "أبوغريب" عندما قدَّمَ للجيش الأمريكي أسرار الملاجئ العراقية الواقية من الأسلحة النوويّة ومنها "ملجأ العامريّة" الذي يُمَثِّلُ وَصْمَةَ عار في جبين الغَرْب بعامّة وواشنطن وباريس بخاصّة ، فَتَسَبَّبَ قَصْفُهُ في تَبَخُّرِ أرواح وأجساد مئات الأطفال والنساء والشيوخ العراقيين المدنيين الذين شاهَدْتُ شخصيّاً مِزَقاً مِن جلودِهِم وفروات رُؤوسهِم لاصِقةً بجدران الملجأ. ومُقابل ذلكَ ماذا حَصَدَتْ فرنسا مِن هذا السلوك الحضيضيّ ضدَّ الزعيم العراقيّ الذي مَنَحَها ثِقَتَه وعَوَّلَ عليها في الجانب الأدقّ مِن أمنِ بلاده الاستراتيجي؟ . لا شيء. لكن يبدو أنَّه علاوَةً التذيُّل فإنّ باريس قانِعَةٌ بفتات تلقي به واشنطن إليها عبْر أدواتها ، فَتَتَصَرَّف فَرنسا إزاء قَطَر مَثلاً كأيّ دَولة وظيفيّة مِن طراز الأردن أو المغرب مَثلاً ، فمقابل المال لم تحصل قطَر على الفنادق الكبرى وفريق سان جرمان الرياضي فقط ، بل حَصَلَتْ أيضاً على تأييد باريس لمَوقف الدّوحة مِن المسألة السوريّة . ولم تَحِدْ باريس عن هذا الموقف إلا بَعْدَ أن دَفَعَتْ الرياض ثمناً أعْلى. وبَعْدَ أنْ أطْلَقَ الرئيس ماكرون تصريحات إيجابيّة تجاه دمشق والرئيس الأسد تَبيّنَ لاحِقاً أنَّه كان يعدّ مع نظيره الأمريكيّ "ترامب" لضربة عسكريّة ضدّ أهداف عسكريّة "حسّاسة" في دمشق يوم 6آذار/مارس2018 الغرَضُ مِنْها إجلاء مستشارين عسكريين أمريكيين وبريطانيين وإسرائيليين وفرنسيين مِن الغوطة الشرقيّة يتواجدونَ في صفوف الجماعات الإرهابيّة التكفيريّة المسلّحة إلى جانب قوات خاصة فرنسيّة وأمريكيّة وبريطانيّة تقاتل ضدّ الجيش العربي السوري ، وكانت صحيفة "الواشنطن بوست" قد أماطت اللثام عن تفاصيل تلك الضربة الأمريكيّة- الفرنسيّة قبْلَ أن تئدها في مهدِها تهديدات سيّد العالم الجديد "فلاديمير بوتين" الذي لا تغمضُ له عين عن خدع الغرْب ومُناوراته وألاعيبه. وعلى الرّغْمِ مِن تصريحات الرئيس الفرنسي الحالي "إيمانويل ماكرون" المُوَجَّهَة إلى الأفارِقَة بأنّ " زَمَنَ الاستعمار وَلّى" ، مُحاضِراً عن عزْمِهِ على تجاوُزِ آثار الاستعمار وأنّه بصددِ فتح صفحة جديدة مع القارّة السمراء فإنّ شركات الاستعمار الاقتصادي الفرنسي مثل " إنجي" ، "توتال" ، " سباي" ، "بولونيز" و "سوغيا ساتوم" تتمركز في ثمانية دوَل أفريقيّة على الأقل للسيطرة على ثروات شعوب الدُّوَلِ الناطِقة بالفرنسيّة ، بل إنّ ماكرون الذي ينحدرُ مِن جحْر الأفاعي الرأسماليّة نفسه الذي انحَدَرَ مِنْه ترامب ، مثله مثل أسلافه على استعدادٍ لإزاحَةِ أيّ زعيم أفريقي يَتَخيّلُ أنّ بإمكانه مُغادَرَة منطقة الفرنك الأفريقي، وَهُو ، أي الرئيس ماكرون ، يسعى إلى استعادة الدور الاستعماري ليس فقط بما يُسَمّى في آسيا وأفريقيا "المناطِق الفرنكفونيّة" ، بل وفي ليبيا أيضاً. إنّهُ لا يأتي إلى تونس مَثلاً لِيُؤكِّد على ضرورةِ أن تبقى فرنسا شريكها الاقتصاديّ الأوّل ، وأن و أن إلخ... بل للبحثِ عن أداةٍ له في ليبيا . فعلى الرغم مِن دَوْر فرنسا الأساس في إسقاط نظام العقيد الشهيد معمّر القذّافي إلا أنّ باريس خرَجَتْ مِن هذا "المولد الدّامي" في ليبيا بدون حُمُّص ، وكأيّ عاجزٍ أرْعَن يُوَظِّفُ ماكرون في الدُّوَل المُجاوِرَة لليبيا صحفيّاتٍ وراقصات فرنكوفونيات ومراكز دراسات وتظاهرات ثقافيّة وعالم اجتماع كان يزعم أنّه قومي عَرَبي (؟!) لاكتشاف الثقافة والمجتمع الليبيين "بَعْدَ خَراب البَصْرَة" ، وفي الوقتِ نَفْسِهِ يُقاطِعُ "إيمانويل ماكرون" الجناحَ الرّوسي في مَعرض باريس الدولي
للكتاب خلال زيارتِهِ بصفتِهِ رئيس فرنسا إلى المَعْرض المذكور في دَورَته التي تحظى روسيا فيها بصفةِ الضّيف الرسمي . لقد باتتْ الثقافة في "عاصمةِ النّور" المَزعُومة أحذيةً إضافيّةً لأقدامِ الاستِعمار السوداء. هذه صورة فرنسا التي باتت عَصيّةً على التجميل وتلك رائحة فرنسا التي تعجز عُطُور باريس عن طردها مِن أنوف شُعُوبِ أفريقيا وغيرها مِن شُعُوبِ العالَم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.