القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    عاجل : ترامب يدعو إلى الإجلاء الفوري من طهران    كاس العالم للاندية 2025: تشلسي يفوز على لوس انجلس بثنائية نظيفة    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يفوز وديا على المنتخب الايطالي الرديف 3 - 1    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    طقس الليلة    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة المصرية الثانية..هل تسقط حكم المرشد في تونس؟
نشر في حقائق أون لاين يوم 12 - 07 - 2013

أدانت حكومة النهضة الإسلامية في تونس، ما اعتبرته إقدام الجيش على عزل الرئيس الاخواني محمد مرسي، الذي لم تتأخر في وصفه ب "الانقلاب العسكري". وهو موقف أقل ما يقال فيه أنه جاء غير متطابق مع الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المتعارف عليها، وخاصة التي تميز العلاقات بين الحكومات العربية، التي عرف عنها التزامها بمبدأ التضامن، وعدم التدخل في الشأن الداخلي. غير أن موقف حكام تونس قد خضع ل "التضامن" الآلي مع الإخوان. على قاعدة "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما".
وهو أيضا موقف لم تراع فيه مصلحة تونس وثوابت سياستها الخارجية. إضافة إلى كونه كشف مرة أخري عن نقص التجربة والخبرة والكفاءة في التعاطي مع الأحداث الدولية والإقليمية، لدي حكومة تونس الإسلامية. ما جعلها تعيد سيناريو التدخل "المتسرع"، الذي سبق أن تعاطت به مع الوضع في سوريا. وكان محل رفض شعبي وأيضا لدي النخب والفاعلين في الحقل السياسي.
النهضة التونسية و "الصدمة" المصرية
موقف الحكومة الإسلامية في تونس، وإن كان يختفي وراء شعارات فضفاضة من قبيل رفض "حكم العسكر" والدفاع عن "الشرعية القانونية والانتخابية"، فإن لهجته الحادة وغير الدبلوماسية، جعلت من تونس طرفا في الشأن المصري. كما أنه عبر بالأساس وفي المقام الأول عن وجود "صدمة" بسبب سقوط حكم جماعة الإخوان، الذين تربطهم بالنهضة التونسية الحاكمة علاقات تنظيمية وإيديولوجية مشتركة وواحدة.
كما أن حكومة الإسلاميين في تونس، وإن كانت تصر على وجود تباين كبير في المشهدين. فإن ما حصل في القاهرة، ستكون له تداعيات وانعكاسات مباشرة على المشهد التونسي، وعلى مستقبل العمل السياسي لحركات الإسلام السياسي في المنطقة ككل.
وهذا ما يفسر غياب التعاطي السياسي مع الحدث المصري، ليبرز مرة أخري عن وجود عجز بنيوي لدي الإسلاميين، في إدارة الشأن العام وفي العلاقات الدولية وفي تحديد الأولويات وضبط الأهداف. ما يعمق استمرارية الفشل ويعجل برحيلهم من سدة الحكم. ولعل الأمر اللافت هو حصول تراجع في شعبيتهم، من خلال بروز مظاهر رفض مجتمعي واسع لهم. برهنت عليه الأمواج البشرية التي خرجت في مصر يوم 30 جوان ، والأيام التي تلته والتي تجاوزت أعداد الذين ثاروا على حكم مبارك، مفارقة في حاجة إلى البحث والدراسة، في علاقة بمستقبل التيار الإسلامي.
إن حجم ما وقع في القاهرة، والنتائج التي فرضها على الميدان. يفسر حالة "الذعر" التي أصابت حكام تونس من الإسلاميين. من ذلك أن حركة النهضة الحاكمة بعثت "خلية أزمة" لمتابعة تفاعلات الأزمة المصرية، وتداعياتها على الوضع التونسي المتسم بغياب الاستقرار وارتفاع منسوب الاحتقان على سياسات الإسلاميين. تحت إشراف مباشر من رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي. وفي هذا السياق جاءت ردود راشد الغنوشي "متشنجة" وتفتقد ل "لشروط الحكم". فكان موقفه خاضعا للانفعالات لا لمقتضيات السياسة، باعتبارها "فن الممكن". من ذلك أنه حشر تونس في الشأن المصري الداخلي، حيث أقدم على توجيه رسالة إلى "الشعب المصري الثائر بالملايين ضد الانقلاب العسكري والمرابط بالساحات والشوارع في المحافظات المصرية".
الغنوشي يحرض المصريين
من أبرز ما جاء في هذه الرسالة: " أيها المصريون, يا أحفاد الفاتحين العظام ابن العاص وصلاح الدين … مرة أخرى يقف التاريخ (تاريخ الإسلام و الحرية) و مصير الربيع العربي ينتظر قراركم وفعلكم.. هل تصمدون في مواجهة أشتات المتآمرين الكارهين الرافضين للحرية والديمقراطية؟ هل ستصمدون كما فعل أجدادكم العظماء وراء رئيسكم البطل و الجسور.. وقوفا في صف القيم والمبادئ، صف الحرية و الإسلام و الديمقراطية و الحداثة؟".
ويقول الغنوشي مخاطبا المصريين "أيها المصريون الأبطال لئن انطلقت شرارة الربيع العربي من تونس فإنها تحولت في مصر حريقا لعروش الطغاة والآن مصير هذا الربيع يضعه القدر بأيديكم ، فأي شرف وأية مسؤولية؟". وطالب الغنوشي أنصار مرسي بالاستمرار في الاحتجاج، قائلا: " أناشدكم أن تثبتوا كما عهدناكم ولا تعودوا لبيوتكم حتى تنجزوا ما وعدتم، حتى تعيدوا الحق إلى نصابه، وتعيدوا قطار الحرية و الديمقراطية إلى السكة و تُرجعوا الشرعية إلى أصلها فيستمر الرئيس المنتخب الرئيس مرسي إلى ما انتدبه له الشعب المصري. فيكون بذلك ليس نصرا للإرادة المصرية فقط بل أيضاً نصرا للمبادئ، للديمقراطية، وللحرية و للإسلام".
يروج أنصار الغنوشي، إلى أن مواقفه لا تلزم الحكومة وهي مواقف حزبية بالأساس، إلا أن مثل هذا القول فيه افتراء، بالنظر لأهمية الدور الذي يقوم به الرجل. فهو الحاكم الفعلي لتونس اليوم. إذ أن كل القرارات تتخذ بإشرافه وتدبيره. ويقتصر دور الحكومة على التنفيذ وفق ثنائية "السمع والطاعة". وهو ذات الدور الذي كان يلعبه المرشد في عهد حكم الرئيس المعزول محمد مرسي. وبالتالي فإن تصريحات الغنوشي تلزم الحكومة التونسية بل تعبر عنها، ولا يمكن لها التنصل منها.
فقد بينت فترة حكم الإسلاميين في مصر وتونس، وجود قرار سياسي برأسين، واحد مصدره القصر الحكومي والآخر مصدره المرشد، بديع في مصر والغنوشي في تونس. فمرسي والعريض مجرد واجهة لحكم التنظيم العالمي للإخوان. وهذا ما برز من خلال الأداء السياسي لحكومة النهضة في تونس. فرئيس الحكومة الحالي علي العريض ، نلاحظ أنه ما زال أسيرا لنفس المكبلات التي أعاقت سلفه في الحكومة وفي النهضة حمادي الجبالي، وجعلت يديه مغلولتين. وبهذا فان استعادة المبادرة السياسية لرئيس الحكومة لابد أن تسبق أولا بأخذ مسافة عن حكم "المرشد" في مونبليزير/مقر حركة النهضة/. ولعل المؤشرات الحالية لا تدل على ذلك، وإن كانت النية متوفرة، وفي السياسة الحكم على الأفعال لا علي النوايا.
الرئيس المرزوقي .. موقف غير حيادي
في تناسق مع موقف راشد الغنوشي، أعاد الرئيس التونسي المؤقت التأكيد على موقف الحكومة الرافض لإسقاط "الشرعية". بل أنه تجاوز ذلك إلى عزمه التقدم "بمبادرة" لحلحلة الوضع الحالي، خاصة بعد حادثة القصر الجمهوري والتي نجم عنها سقوط حوالي خمسين ضحية. قال الناطق الرسمي للرئاسة التونسية أنها تمت "بأيادي مصرية"، وهو بذلك لا يستبعد تورط الجيش فيها. مشيرا إلى "أن التطور السريع للأحداث في مصر يؤكد صواب الموقف التونسي الرافض لتدخل المؤسسة العسكرية في الشأن المدني في هذا البلد الشقيق". وكانت "الأعراف الدبلوماسية" تقتضي التزام أكثر درجات الحياد، وهو ما غاب عن الموقف التونسي الرسمي، الذي ظهر متحيزا للإخوان، وأظهرهم بمظهر الضحية والمنقلب عليهم. ومثل هذا الموقف لا يساعد على الدعوة لمبادرة تفترض فتح قنوات اتصال مع كل الأطراف وخاصة المؤسسة العسكرية، التي تدير شؤون مصر الآن. وهذا ما يفسر احتجاج الخارجية المصرية، التي رأت أن: "هذه الأصوات والمحاولات، لا تعكس فقط فهماً مغلوطاً لما مرت به ولا زالت الساحة السياسية في مصر، وإنما تعكس أيضاً تدخلاً في الشأن الداخلي المصري."
ويذكر أن راشد الغنوشي، كان قد صرح لجريدة "لوموند" الفرنسية، بأنه وبناء على طلب من "جبهة الإنقاذ المصرية"، فإنه توسط لدي مرسي، وعرض عليه مطالب المعارضة لكنه رفض التفاعل معها، ولم يجد منه تجاوبا كبيرا. ومثل هذا التصريح يتناقض مع موقف الغنوشي وحكومة النهضة الإسلامية في تونس. على اعتبار وأن رفض مرسي الإنصات لمعارضيه وتمسكه بتنفيذ سياسة المرشد، هي التي أخرت الحل ودفعت الشباب للاحتجاج، وهي كلها مقدمات جعلت الجيش يتدخل. لكن الغنوشي، اختار التضامن الآلي مع الإخوان، عوضا عن تقديم رؤية وموقف سياسي يساعد على الحل ولا يدفع نحو التصعيد والتحريض.
كان على الرئيس التونسي عدم تجاوز السقف الداخلي المصري. غير أنه اختار وبصفة مستعجلة، إعطاء بعد إقليمي/افريقي وحتى دولي لما حصل في ميادين القاهرة، في تماه مع الموقف التركي، وهذا ليس صدفة. ويذكر هنا أن الاتحاد الإفريقي كان أول من تحرك باتجاه "عزل" الحكم الجديد في مصر، عندما قرر تجميد عضوية مصر. وبحسب الرئاسة التونسية، فإن الرئيس محمد المنصف المرزوقي، أجرى مكالمة هاتفية مع رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي نكوساز انا دلاميني زوما تركزت حول الوضع في مصر. حيث دعا الرئيس المرزوقي إلى "تكوين مجموعة عمل افريقية حول الأزمة المصرية وعقد قمة إفريقية طارئة لبحث سبل إيجاد بوادر مخرج لها خاصة وأن مصر تمثل مركز القارة الإفريقية والعالم العربي". وأكد الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أنه تم إطلاع بعض الأطراف المصرية عن استعداد رئيس الجمهورية السيد محمد المنصف المرزوقي للعب دور الوساطة بين الأطراف المصرية لحقن دماء أبناء الشعب المصري.
لعل عدم حيادية الموقف الرسمي التونسي سواء الحكومة أو الرئاسة، تجاه ما يجري في مصر( حيث أعلنت جماعة الخروج عن الإجماع الوطني وتجاوزته إلى تهديد الاستقرار المجتمعي واستمرارية الدولة) تأكد من خلال استنكار الرئاسة التونسية لموقف الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي رأت فيه أنه منحاز لطرف دون آخر وفق قول الناطق الرسمي باسمها، الذي اعتبر أن ذلك «لا يلزم تونس ولا الجامعة العربية لأنه موقف لم يتم التشاور بشأنه». و أضاف «إن الأمين العام لجامعة الدول العربية خرج عن دوره كأمين عام للبيت العربي وفقد بالتالي القوة الأخلاقية للعب هذا الدور".
سقوط حكم الإخوان..من مصر إلى تونس
تفجر الأوضاع في مصر، وانتقاله بسرعة إلى ثورة ثانية، جاء ليكشف عن فشل حكم الحركات الإسلامية، التي وصلت للحكم بعد انتفاضات الربيع العربي، التي حصلت منذ ثلاث سنوات. وترجم هذا الفشل من خلال الغضب نزول أنهار بشرية لميدان التحرير، وغيره من ساحات وميادين مصر. وفي مشهد غير مسبوق تاريخيا استطاع الشعب المصري سحب الشرعية التي كان أعطاها للرئيس المعزول محمد مرسي. وبالتالي إنهاء تجربة قصيرة لكنها مؤلمة من حكم "المرشد". ما يجري في القاهرة سيكون له رجع الصدى في تونس، البلد الذي انطلقت منه ثورات "الربيع العربي"، برغم وجود تباينات كبيرة في المشهدين. وخاصة ما يتصل بمكانة المؤسسة العسكرية في البلدين. فإن كانت "مهمشة" في تونس، فإن لها دورا مركزيا في النسيج الاجتماعي والاقتصادي المصري. وهي حاضرة بقوة في المشهد السياسي وفي الحكم منذ سنة 1954 وحتى بعد سقوط حكم حسني مبارك. لكن ردة فعل الرسمية التونسية بينت وجود خشية كبيرة من انتقال السيناريو الى تونس.
الزلزال الذي حصل في القاهرة، جعل الحكومة والرئاسة في تونس تختاران مواقف استباقية لدرء ما قد يقع. وهي مواقف بنيت بالأساس على رفض ما حصل واعتباره "انقلابا" على "الشرعية". كما مثل ما حصل مناسبة لحكام تونس للتأكيد على صواب التمشي الانتقالي الذي سلكوه. فقد أشار الناطق الرسمي باسم الرئاسة إلى أن "ما يشهده الوضع في مصر من تنام للعنف وانقسام للمصريين يؤكد أن المسار الذي تسير عليه تونس لتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود هو المسار الممكن الوحيد، معربا عن إدانته للدعوات التي يطلقها البعض في تونس لتحطيم المسار الانتقالي دون أن تكون لهم القدرة على اقتراح مسار اخر قائلا في هذا الصدد «نحن لا نعتقد في وجود مسار آخر يحفظ وحدة شعب واحد سوى المسار الديمقراطي الذي يتفق عليه الفرقاء." .
تشابه المشهدين في ظل حكم الإسلاميين
بعد سنة من حكم مرسي في مصر، وسنة ونصف من حكم النهضة في تونس. هناك شبه اجماع على فشل الإخوان في حكم البلدين. وبرز ذلك بالخصوص من خلال تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ما نجم عنه تراجع كبير في المقدرة الشرائية، ومزيد تفقير لشرائح واسعة من المجتمع، بما في ذلك الطبقة الوسطي. أما في المستوي السياسي، فقد ظهر لديهم "نهم" و "جوع" الى السلطة، تمثل عبر التسريع ب"غزو" مفاصل الدولة، والسعي لتأبيد وجودهم في السلطة، من خلال عدم ضبط خارطة انتخابية لإنهاء المرحلة الانتقالية في تونس.
و كذلك اتجاههم نحو إرساء ديكتاتورية دينية، في بلدين لهما تقاليد عريقة في الإصلاح والتحديث تعود إلى أكثر من 200 سنة. هذا بالإضافة إلى تواصل الانفلات الأمني وكل مظاهر عدم الاستقرار التي ترافقت مع مظاهر العنف وحتى الإرهاب، بسبب "التسامح" مع الجماعات السلفية المتشددة. الأمر الذي أصبح يهدد استمرار الدولة و وحدة المجتمع. كل هذه السمات ميزت حكم الإسلاميين في كل من مصر وتونس مما عجل بتصعيد الحركة الاحتجاجية في مصر. وهو سيناريو مرشح للانتقال لتونس، خاصة اذا ما أصر الإسلاميون على الاستمرار في نهجهم السياسي المغلق ولم يسرعوا بإنهاء المرحلة الانتقالية، التي سبق أن وعدوا بأنها لن تتجاوز سنة واحدة.
مثل خروج ملايين المصريين للساحات- من ذلك أن كل التقديرات تشير إلى أن المحتجين والرافضين لحكم المرشد، تجاوز بكثير الجماهير التي "خلعت" في 25 جانفي 2011 حسني مبارك- إشارة دالة على حالة الإجماع الشعبي على رفض حكم "الجماعة" التي تبين أنها تعيش عزلة شعبية وسياسية، وهو ما ينسحب أيضا على "موقع" إسلاميي تونس، وأن مشروعها قد سقط أخلاقيا قبل أن يسقط سياسيا. وأيا كانت مآلات ما بعد 30 جوان ، فإن الشعب المصري قد "خلع" مرسي في الميادين والساحات. فالشرعية القانونية أو الانتخابية تصبح لا معنى لها أمام الرفض الشعبي الواسع. فأساس الحكم هو القبول والرضي، وهذا ما فقده الإخوان الذين فشلوا في إدارة البلاد، بقدر ما نجحوا في تقسيم المجتمع. ومثل هذه النتيجة تنسحب أيضا على أدائهم في حكم تونس، برغم كل مظاهر "الليونة" التي يبدونها، والتي هي في الأصل مجرد مناورة لربح الوقت وتأجيل التصادم مع المجتمع والنخبة.
لكل هذا لا يستبعد أن يعاد سيناريو 30 جوان في ساحات وميادين تونس، خصوصا اذا استمر حزب النهضة الإخواني في سياساته الحالية وفي طريقة إدارته للشأن العام وتواصل اختطاف الحكم من قبل راشد الغنوشي، وهي كلها مقدمات لثورة ثانية .. وإن كان هذا لا يعني إعادة استنساخ المثال المصري، على اعتبار وأن لكل بلد خصوصياته. كما أن هناك أوضاعا سياسية في تونس مختلفة، فحركة النهضة –وان كانت لها الأغلبية- فإنها تحكم في إطار تحالف مع حزبين، يحسبان على يسار الوسط.
خطأ الهيمنة الحزبية
تجدر الإشارة في الأخير، إلى أن الأداء السياسي لحركة النهضة في جوهره غير بعيد عن إخوان مصر. خاصة في ما يتصل برغبة الهيمنة على الحياة السياسية وعلى الإدارة. فحركة النهضة وبرغم أنها تحكم في إطار تحالف ثلاثي، إلا أن هذا لم يمنعها من الاستفراد بالشرعية والأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي ما جعلها تعمد لاختطاف المرحلة الانتقالية الثانية. مثلما تؤكده كل مداولات وأشغال الجلسات العامة للتأسيسي. والتي تجلت من خلال إعداد الدستور ما يخفي وجود رغبة جامحة في الانفراد بالسلطة، زادت الأداء والممارسة السياسية للحكم في تثبيتها، خاصة من خلال التعيينات التي كانت خاضعة للولاء الحزبي وليس للكفاءة. كما تبين من خلال رفضها لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات. و رفضها لمقترح أمينها العام حمادي الجبالي تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، عن تمسك حزب النهضة بالحكم وعدم الاستعداد للتفريط فيه. وهنا تلتقي مع الإخوان في مصر، الذين كرسوا ومن خلال رئاسة مرسي حكما فرديا بامتياز، اختطفت فيه جماعة دولة مركزية في حجم مصر. وهنا أساءت التقدير والحساب، وهذا ما عجل بإسقاطها.
و نشير إلى أن الأوضاع في تونس ومصر، البلدين اللذين أنجزت فيهما ثورة ، يحتوي على عناصر تشابه والتقاء كبيرين، سواء في ما يتعلق بسلمية الثورة، أو التطورات والسياقات التي ميزت مسار الانتقال الديمقراطي، بعد سقوط نظامي مبارك وبن علي. حيث حرص الفاعلون في الحراك السياسي في البلدين، على الاحتكام للانتخابات، وإعطاء الفرصة للشعب لاختيار من يحكمه، مع التأكيد على ضرورة تكريس "الوفاق الوطنى" حول المكتسبات، وعدم المس ب "النمط المجتمعي"، الذي يحظى بقبول وإجماع كبير، وأيضا بمساندة قوية من قبل النخب والطبقة الوسطى.
وهو ما أكدت عليه كل الأطراف والقوي السياسية، الوطنية أو الديمقراطية وكذلك الإسلامية انطلاقا من كونها كانت جميعها مدركة بأن طبيعة "المرحلة الانتقالية" التي تتصف ب "الهشاشة" وخاصة الأمنية، ما جعل الجميع يدركون بأن اختيار المرور إلى الانتخابات، لا يعني تفويضا مطلقا لأن هذا يصح في "الديمقراطيات المستقرة"، والتي لها تقاليد وثقافة ديمقراطية، ما تزال غير متوفرة في مجتمعاتنا، وهذا ما لم يدركه أو يستوعبه الإسلاميون.
نشر المقال بموقع العربية للدراسات تحت عنوان : الثورة المصرية الثانية .. ومخاوف حركة النهضة في تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.