لن تمر الأحداث التي عاشتها مصر في الفترة الأخيرة التي انتهت بتعطيل الدستور وازاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي من كرسي الرئاسة والتمهيد لانتخابات رئاسية مبكرة..دون ان تكون لها تداعيات على الشأن الوطني التونسي. لعدة اسباب منها تشابه المسارين الثوريين في البلدين وصعود الإسلاميين في كليهما الى الحكم خلال الفترة الانتقالية.. يجب ان يتم النظر الى احداث مصر بعين ناقدة بعيدا عن شطحات التهليل والابتهاج بسقوط حكم الاسلاميين فلا احد يضمن تواصل الحكم المدني والمسار الديمقراطي في ظل هيمنة المؤسسة العسكرية..ورغم ان ما حدث في مصر يعكس غضب جزءا كبيرا من الشعب المصري على الأداء المهزوز للرئيس مرسي وحكومة قنديل.. خلاصة الدرس من الأزمة المصرية ان تعي النخبة السياسية في تونس جيدا نبض الشارع التونسي وان تفهم ان الحراك الثوري ما يزال له نفس، وأن تقرأ بحكمة وتبصر رغم اختلاف الوقائع والمسببات، الدرس المصري وذلك بمواجهة واقعية للحقائق ومعالجتها فورا ودون تردد بشكل ايجابي، فالوقاية خير من العلاج. ونعني بالوقاية ليس التمسك بالشرعية (شق من المعارضة ترى انها انتهت منذ 23 أكتوبر 2012 بعد مرور عام على انتخابات أكتوبر 2011 )، او التهديد بضرب كل من يتجرأ على المساس بها او ينذر بنهايتها (من خلال الايحاء باللجوء الى روابط حماية الثورة)،..بل المفيد الآن الحسم في عديد النقاط الخلافية العالقة والبؤر السوداء التي شابت المسار الانتقالي في بلادنا كالعنف السياسي والارهاب وتعطل مشاريع التنمية..والإسراع بنزع العوائق المبكلة لكتابة دستور جامع يؤسس لدولة ديمقراطية مدنية دون القطع مع جذورها العربية الإسلامية.. يوحد التونسيين ولا يفرقهم من خلال تضمين التوافقات الوطنية المنبثقة عن الحوار الوطني في الدستور، دون شروط مسبقة، واستكمال تشيكل هيئة مستقلة فعليا للانتخابات لا تشوبها اية شائبة تضمن انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، والأهم من ذلك التزام المجلس التأسيسي بوضع حد لنهاية اعماله في اقرب وقت ممكن وعدم شغل نفسه باعمال تبعده عن مهامه الأصلية. دون شك تابع التونسيون بمختلف فئاتهم وخاصة النخبة السياسية حكومة ومعارضة بانتباه شديد فصول ما جرى في مصر منذ 30 جوان التاريخ الذي وضعته حركة تمرد المصرية للخروج الى الشارع احتجاجا على حكم الاخوانّ المسلمين، الى حدود تدخل الجيش المصري لحسم المسالة بدعم من قوى المعارضة وتحت غطاء ديني (مؤسسة الأزهر، والكنيسة،..) وانقسم السياسيون والمحللون والمتابعون للشان المصري بين واصف لما حدث بالانقلاب العسكري-المدني، او بانقلاب شعبي بدعم عسكري.. مهما كانت التوصيفات فإن حل الأزمة المصرية كان يمكن ان يكون عبر مخارج اخرى تضمن الحد الأدنى من الوفاق دون مساس بما يسمى "الشرعية الانتخابية"..وبالمسار الانتقالي الديمقراطي وهو ما كان يفترض تقديم تنازلات من هذا الفريق او ذاك خاصة من الرئيس مرسي الذي رفض في النهاية التنازل والخروج من المأزق السياسي من خلال اقرار انتخابات رئاسية سابقة لأوانها؟؟ الأكيد ان ردود افعال النخب السياسية التونسية كانت بطبعها متناقضة بحكم موقعها من اللعبة السياسية في البلاد، وقراءتها لمسار الأحداث..لكن المهم في الأمر ان نستخلص الدروس وتقرأ الرسالة واضحة، وعدم الاستهانة ببعض التحركات الشبابية السلمية التي انبثقت مؤخرا على غرار حركة تمرد تونس التي من الواضح انها استلهمت من تجربة التمرد المصرية.. بالنسبة لأحزاب "الترويكا" كان لحركة النهضة موقف واضح ومبكر من الأزمة المصرية حين دعت الحركة في بيان لها اصدرته بداية الأسبوع الجاري الى احترام الشرعية في مصر مع دعوتها انتهاج طريق الحوار للخروج من الأزمة، وبعد سقوط الرئيس مرسي وصفت قيادات الحركة على غرار الصحبي عتيق ما حصل في مصر بالانقلاب العسكري.. وبارتداد عن ارادة الشعب. في حين أدان حزب المؤتمر ما اسماه ب"الانقلاب العسكري على المسار الديمقراطي" واعتبر ما قامت به قيادة الجيش انتكاسة في مسار الثورة المصرية ومحاولة لإعادة تثبيت النظام القديم. وحمّل الحزب "مسؤولية الانقلاب لكل النخبة السياسية المصرية، الاسلامية والعلمانية، في الحكم وفي المعارضة، لعجزها عن ايجاد التوافقات الضرورية لعبور المرحلة الانتقالية الصعبة بأكبر قدر ممكن من الإجماع الوطني والعمل على تحقيق المشاركة الواسعة في تحمل أعباء الحكم." لكن مصطفى بن جعفر قال ان "تونس لا تعيش في معزل عما يحدث في مصر وأنه لا بدّ من التفاعل أكثر من أي وقت مضى مع قوة المجتمع المدني التونسي." واكد على "ضرورة التعجيل بتركيز الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حتى تقترح موعدا لإجرائها يؤمن التداول السلمي على السلطة ويكون انطلاقة حقيقية لوضع روزنامة محددة لما تبقى من هذه المرحلة." علما ان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة قال امس في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط "إن بعض الشباب الحالم يظن أنه يستطيع أن ينقل ما يقع في مصر لتونس ولكن هذا إضاعة للجهود"، على حدّ تعبيره. وعلل الغنوشي موقفه بأنّ مصر تأثرت بالثورة التونسية عندما انطلقت وذلك لتشابه الواقع وقتها ولكن حاليا الوضع والواقع مختلف، فحركة النهضة قدّمت لتونس تنازلات في مجال الدستور حتى يمثل جميع التونسيين إلى جانب حكومة ائتلافية تضمّ ثلاثة أحزاب كبيرة على حدّ تعبيره. لكن رموز المعارضة التونسية كان معظمها مشيدا بنجاح الشارع المصري في انقاذ ثورته، وحذر البعض الآخر الحكومة والمعارضة على حد سواء من مغبة تجاهل احتمال تكرر السيناريو المصري في تونس بحكم تشابه المشاكل التي تعاني منها الفئات الضعيفة والمهمشة، وتعطل كتابة دستور وفاقي..