أحدث خبر "محاولة تسميم رئيس الجمهورية قيس سعيّد"، "عبر طرد مشبوه"، ليلة أمس، ضجّة كُبرى بلغ صداها إقليميّا ودوليّا، دون أن تؤكد رئاسة الجمهورية الخبر أو تنفيه، وهو ما يطرح عديد نقاط الاستفهام حول سبب إشاعة هذا الخبر وما الغاية من وراء ذلك. بخصوص هذا الموضوع، قال الأكاديمي والمحلّل السياسي، عبد اللطيف الحناشي في تصريح لحقائق أون لاين، اليوم الخميس 28 جانفي 2021، إنه تعامل مع هذا الخبر بحذر شديد جدا في انتظار بيان رسمي من رئاسة الجمهورية إمّا بالتأكيد أو النفي، خاصة في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد على المستوى السياسي والعلاقات المتأزمة بين الأحزاب في داخلها وفي ما بينها، مشددا على أن توقيت هذا الخبر تزامن مع أكبر اشكال يميز الوضع السياسي وهو الخلاف العميق جدا بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان.
وتابع في ذات السياق، بالقول: "إن هناك هدفان وراء هذا الخبر، إمّا أن هناك جهة تسعى لكسب التعاطف والدعم لرئيس الجمهورية على أساس أنه ضحيّة، وإمّا وجود جهة أخرى تهدف لمزيد تعميق الأزمة بين الرئاسات الثلاث وتوجيه التهم لأطراف بعينها، ونحن رأينا اتهامات عديدة موجهة لأطراف بعينها في هذا الخصوص.
وشدد الحناشي على أن هناك جهات لديها مصلحة في اشاعة مثل هذا الخبر، وتهدف من خلاله إلى حشد التعاطف مع رئيس الجمهورية، خاصة بعد اجتماع مجلس الأمن القومي الأخير، مبينا أنه كان يُفترض برئيس الجمهورية معالجة قضايا مصيريّة ورئيسية خلال هذا الاجتماع مثل الوضع الصحي، الذي يعتبر من أمننا القومي.
ووصف الحناشي خطاب رئيس الجمهورية في مجلس الأمن القومي بالفضيحة، مُعتبرا "أن القضايا التي أثارها كان من الأفضل أن تُحلّ بشكل مُغلق لأنها قضايا أمنية تهمّ الدولة، وإن كان لديه خلافات مع رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان فلا بدّ من أن تُحلّ في اجتماعات مُغلقة، وهو من ثوابت الادارة والسياسة، وليس من الحكمة الزيادة من هموم الشعب بمثل المواضيع التي أثارها رئيس الجمهورية في مجلس الأمن القومي".
وبخصوص الوضع العام للبلاد، أفاد عبد اللطيف الحناشي بأن تونس تعيش ظرفية صعبة جدا وأزمة مركّبة ومعقدة، ذات طابع اقتصادي واجتماعي وسياسي وحزبي وخاصة صحّي.
وقال الحناشي: "للأسف فإن هذه الحكومة والحكومات التي جاءت من قبل لم تتمكن من معالجة أي من هذه الأزمات، باستثناء مسألة انجاز الدستور، والتعددية، والحرية التي تعتبر مقدمة يمكن أن تساهم في دعم التحولات التي تشهدها البلاد.
واستدرك محدثنا بالقول: "لكن رغم هذه المكتسبات (الدستور والتعددية والحرية) عجزنا عن تحقيق أمر مهم جدا وهو انتخاب ما تبقى من أعضاء المحكمة الدستورية لأنه لا معنى لأي نظام ديمقراطي دون محكمة دستورية".
واعتبر عبد اللطيف الحناشي أن الأحزاب الموجودة في البرلمان هي من تعطّل ارساء المحكمة الدستورية، إذ أن هناك خوفا من قبل أغلب النخب السياسية والأحزاب الموجودة في البرلمان والتي لها الكلمة الأخيرة، من المحكمة الدستورية، و"ها إننا اليوم نُعاني من العديد من الصعوبات نظرا لغيابها"، وهو ما من شأنه أن يساهم في تلبّد الحياة السياسية بشكل عام، وفق قوله.
كما لاحظ الحناشي أن جميع الأحزاب تُعاني من مشاكل داخلها، منها ماهو مرتبط بالهيكلة ومنها ماهو مرتبط بالمصالح الذاتية، وحتى التحالفات الموجودة فهي هشة وليست قائمة على مبادئ صلبة أو برامج واضحة، وهذا من شأنه أن يسمّم الوضع السياسي والعام، وأن يجعل السلوك السياسي مرتعشا.
يشار إلى أن رئاسة الجمهورية إلى حدّ اللحظة لم تُصدر أي توضيح بخصوص "خبر محاولة تسميم قيس سعيد عبر طرد بريدي مشبوه"، كما أن غياب مكلف بالاعلام أو ناطق رسمي باسم الرئاسة صعّب عملية الحصول على المعلومة.