بنزرت: حجز اكثر من 12 طنّا من الفرينة بمخبزة في رفراف من معتمديّة رأس الجبل من أجل الاخلال بتراتيب الدعم    وزارة التربية: توجيه 2683 تلميذا وتلميذة إلى المدارس الإعدادية النموذجية ( نتائج السيزيام)    الإمام في بلاد المهجر: ناصر بن عمارة... صوت تونسي معتدل في قلب فرنسا    دراسة تكشف وجود علاقة بين تناول الجبن ورؤية الكوابيس!!    عاجل/ تعيين مدير عام جديد للبنك الوطني للجينات    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار يجدد الالتزام بمواصلة دعم تونس في جهودها الإصلاحية    عاجل/ السيسي: لا سلام في المنطقة دون دولة فلسطينية    وزير المالية الإسرائيلي: سوريا التي حلمت بإزالة إسرائيل أرسلت لنا مبعوثين للحديث عن التطبيع والسلام    غوارديولا يخشى "تدمير" مانشستر سيتي بسبب كأس العالم للأندية    بطولة فرنسا: الأمريكية كانغ تتولى رئاسة أولمبيك ليون بعد سقوطه إلى الدرجة الثانية    لجنة إسناد الإمتيازات بوكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصادق على عمليات استثمار بقيمة 3ر3 مليون دينار    التوقيت الصيفي.. مكاتب وقباضات الصوناد مفتوحة بداية من السابعة صباحا    المنستير: فوز أسماء الصيد بالجائزة الأولى للمسة العصامية في اختتام الدورة 21 للملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي    المجمع المهني المشترك للغلال يمدد شهرا في آجال الترشح لمسابقة "كاكتيس " للتجديد المتعلقة بتثمين التين الشوكي    رئيسة الحكومة تتحادث مع رئيس الوزراء الفلسطيني    أوروبا تواجه موجة حر مبكّرة خلال هذا الأسبوع.. #خبر_عاجل    نفاد تذاكر عرض الفنان الشامي في مهرجان الحمامات الدولي    مكملات غذائية مضادة للشيخوخة قد تكون سبب وفاة نجمة بوليوود شيفالي جاريوالا    بطولة ويمبلدون للتنس: سبالينكا تهزم برانستاين في مستهل مشوارها بالمسابقة    صفاقس: خلال حملة رقابية مشتركة بشاطئ الشفار..رفع 10 مخالفات اقتصادية    اعتداء عنيف على مستشفى القصرين: 4 إيقافات وخسائر فادحة ب500 مليون في قسم الاستعجالي    معز تريعة: عملية البحث عن الطفلة المفقودة في شاطئ قليبية مستمرة    غار الدماء: إمرأة تُخفي أكثر من 3 آلاف ''حربوشة'' مخدّرة داخل ملابسها    عاجل/ البكالوريا: تسجيل 5 حالات غش بهذا المعهد في أول يوم من دورة المراقبة    تسجيل اضطراب وانقطاع في توزيع الماء الصالح للشراب بالمناطق العليا من منطقة وادي الخياط (ولاية اريانة)    تأجيل محاكمة العياشي زمال ومساعدته في الحملة الانتخابية إلى 27 أكتوبر    بايرن ميونيخ يتصدر قائمة أقوى هجوم بين أندية المونديال    إختتام فعاليات المهرجان الوطني الثقافي والرياضي لشباب التكوين المهني    بطولة افريقيا للمبارزة بنيجيريا: تونس تختتم مشاركتها برصيد فضيتين وبرونزيتين    بشرى سارة للتونسيين بخصوص الزيت المدعم..    عاجل/ انفجار ناقلة نفط قبالة هذه السواحل..    يوسف سنانة يودع النادي الإفريقي برسالة مؤثرة    في فضاء ريدار بمنزل تميم.. تقديم المجموعة القصصية " بأجنحة الحرف أحلق"    سامسونج تفتتح متجرها الجديد في حدائق قرطاج لتعزيز تجربة التكنولوجيا اليومية    النجم الساحلي: تأجيل تربص حمام بورقيبة .. وهذا موعد إمضاء العقد مع "إتصالات تونس"    تحذير من الأطعمة المغلّفة بالبلاستيك !    مفزع: 1380 نُقطة بيع عشوائي للدجاج بهذه الولاية..!    ترامب: لم أقدم أي عرض لإيران ولم نتواصل منذ دمرنا منشآتها النووية    كأس العالم للأندية : بايرن ميونيخ الألماني يتأهل لربع النهائي بفوزه على فلامنغو البرازيلي    26 سنة سجنا لأفارقة تخصصوا في الاتجار بالبشر وتبييض الأموال..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 543 تدخلا منها 133 لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية    منظمة إرشاد المستهلك تدعو لقانون يضمن للتونسي حقّه في السياحة داخل بلاده بأسعار عادلة    التونسي يستهلك 170 كلغ من القمح ومشتقاته سنويّا...غيره في دولة أخرى ما يفوتش 70 كلغ!    باكالوريا 2025: اليوم انطلاق دورة المراقبة    عاجل/ حادثة غرق الطفلة مريم بشاطئ قليبية: تفاصيل جديدة تقلب الموازين..    ستشهد مشاركة منتخبنا..البرنامج الكامل لمباريات كأس أمم إفريقيا للسيدات 2025    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مدارس ونقطة طبية ومراكز إيواء بغزة    اليوم: طقس صاف والحرارة تتراوح بين 29 و40 درجة    فرنسا: منع التدخين في الحدائق ومحطات الحافلات والشواطئ يدخل حيز التنفيذ    اية دغنوج تفتتح مهرجان دقة الدولي بسهرة "فى حضرة الطرب التونسي" .    الكشف عن العروض المبرمجة في الدورة 59 لمهرجان الحمامات ومفاجآت في انتظار الجماهير..    فرنسا تفرض حظرا على التدخين في الشواطئ والحدائق العامة    أخصائية أغذية للتونسين : الحوت المربّى في تونس ما يخوّفش.. والسردينة من أنفع الأسماك    استبدال كسوة الكعبة مع بداية العام الهجري    خطبة الجمعة... الهجرة النبوية... دروس وعبر    ملف الأسبوع... كَرِهَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَطَلَبَ الدِّينَ فِي الْآفَاقِ.. وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ... أوّل المؤمنين بعد خديجة    ما هي الأشهر الهجريَّة؟...وهذا ترتيبها    مطرزا بالذهب والفضة والحرير.. السعودية تكسي الكعبة ثوبها السنوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فرحة" دارين سلّام.. زمن النكبة من زاوية أخرى
نشر في حقائق أون لاين يوم 13 - 12 - 2021


يسرى الشيخاوي- جدّة/ السعودية
فتيات تزين الابتسامات وجوههن المشرقة، يتراشقن بقطرات المياه وتتناثر قهقهاتهن لترتطم بصفحات رواية تهرب إليها فتاة تبوّأت مكانا بعيدا عن قريناتها.
فتاة تتقد عيناها حماسة وتتوشح تعبيرات وجهها بالأمل والبراءة، اسمها "فرحة" ولا أحد بإمكانه الجزم إن كان لها من اسمها نصيب أو لا، ولكن الأكيد أن هذا الإسم صار عنوانا لفيلم يروي زمن النكبة من زاوية أخرى.
"فرحة" الفيلم الروائي الاول للمخرجة الأردنية من أصول فلسطينية دارين سلّام، فيلم مشحون بالمشاعر تقحمك تفاصيله في دوامة من الوجع وأنت تواجه قصة مستوحاة من الواقع.
على إيقاع طفولة مترامية في قرية فلسطينية بهيّة، تتشكّل ملامح السيناريو الذي يتدفّق بنسق لا تستشعر معه الملل، لكن في المقابل يتعمّق داخلك إحساس القهر والخيبة.
هي قصّة حقيقية، سمعتها دارين سلام من والدتها وكبرت وهي تكتب أحداثها في ذهنها، وكلما تعتّقت التفاصيل في مخيلتها ازداد داخلها الخوف من الأماكن المغلقة والمظلمة.
ملحمة عايشتها "رضيّة" الفتاة الفلسطينية التي واراها والدها في غرفة مظلمة كي لا يطال جنود الاحتلال جسدها ويغتصبوه كما اغتصبوا الأرض، ملحمة استبطنتها المخرجة وصاحبة فكرة السيناريو ونفخت فيها من تجربتها وروحها وصفاتها.
وعلى عكس "رضية" التي كانت مخطوبة، بدا ل"فرحة" مسار آخر مختلف يحمل الكثير من شخصية المخرجة، فآوت داخلها براءة الطفولة وشقاوتها وكثيرا من التمرّد والبحث عن التغيير.
فالفتاة القروية التي تعيش في مجتمع ذكوري لم تئد رغبتها في مواصلة تعليمها وتشبثت بحلمها وحينما لان والدها واقترب الحلم من عتبات الحقيقة، امتدت يد الاحتلال لتسرق فرحة تمتد من الذات إلى الوطن.
هو الاستعمار، يدمر كل جميل دون إيذان ويصوب رصاصاتها إلى كل فرحة ويستدر الدموع والدماء ويزرع الوجع في كل الزوايا والأركان لكنه يحاول عبثا أن يطمس الذاكرة.
وفيلم "فرحة" ليس الا استنطاقا للذاكرة برؤية اخرى، ودعوة إلى التفكر في أحداث النكبة وفيما خلفته من وجع ورسالة مفادها أن الشتات لا يلتئم بالتقادم وان السنين لا تخفي آثار ندبات التهجير قسرا، وأن كل التغييرات التي أتت منها والتي ستأتي مستقبلا لن تحجب أثر الدماء ولن تداوي الأرواح المشرّدة.
وأنت تلاحق الأحداث المستلهمة من الواقع والموغلة في تفاصيل التاريخ، يتلبس عليك الأمر في بعض المشاهد ويبدو لك الفيلم وثائقيا تسجيليا مغرقا في الصدق، خاصة وان المخرجة وفريق الإنتاج (ديما عزّار وآية جردانه) لم يتركوا أي شيء للصدفة.
والمتأمل في الأزياء والديكور واللهجة وكل العناصر المكونة للفيلم، سيلاحظ ان الثلاثي ديما وآية ودارين كن أمينات على التاريخ وموغلات في الدقة التي جعلت مشاهدة الفيلم أشبه بسفر في الذاكرة.
وإن كان الفيلم على عكس عنوانه يحمل الكثير من الوجع والحزن في تفاصيله لا سيما مشاهد الهروب في كل الاتجاهات على وقع القصف، ليختلط صوت المدافع بالعويل والصراخ وهمسات الوداع الأخير، فإن كاميرا المخرجة أظهرت جمال القرى الفلسطينية وجمال المرأة الفلسطينية وجمال العادات والأغنيات التي لا تهاب صوت المدافع.
ما جعل مشاهد الهروب تبدو واقعية جدا، حضور لاجئين فلسطينيين بالأردن في الفيلم ولا احد بإمكانه أن يصف المشهد كما فعلوا وهم يعيدون صياغة التاريخ عبر السينما.
على وقع النكبة، يغدو الحلم كابوسا، وتنتقل كل الأحداث بما تحويه من جمالية أو قبح إلى ركن مظلم جدا ينبعث داخله نور مصباح لكنه لا يقوى على مقاومة السواد عكس عيني "فرحة" اللتان وان خفتا فيهما بريق الحماسة إلا انها ظلتا تتقدان في رحلة الخلاص.
كل شيء انهار من حولها ولا صوت يعلو على صوت القصف في قريتها، ووالدها الذي وعدها بالعودة بعد أن أوصد الباب من خلفه تلاشى كما تلاشت أحلام كثيرة، وهي وحيدة تبحث عن منفذ.
ومع تواصل المشهد في الفضاء المغلق المظلم، تتساءل عن مدى قدرة المخرجة على مجاراة هذه الوضعية التي لا تأخذ حيزا زمنيا كبيرا لتأتي الإجابة على دفعات لتفاجئك دارين سلام في كل مرة بعنصر جديد يكسر سيرورة العتمة.
فيما "فرحة" تبحث عن سبيل للنجاة، تتواتر الأحداث لتنتقل الكاميرا في فضاءات خارجية تطالع فيها الأعين ألوانا أخرى من المقاومة ومن الخيانة أيضا.
وعلى نسق هذه المراوحة بين داخل الغرفة المغلقة وخارجها، تتهاطل عليك الاسئلة وانت تحاول أن تستوعب كيف لشخص يشجع فعل الكثير من اجل أن تحقق "فرحة" حلمها في الدراسة أن يكون سببا في كل الخراب الذي طال روحها.
وأنت قطعا لن تجد إجابات مقنعة لما حصل، وهو ما تعيه المخرجة، التي تحوّل زاوية النظر إلى حكاية أخرى ترشح مقاومة نسجت ملامحها من مشهد ولادة صرخ فيه الوليد صرخته الأولى حذو قذيفة، لتراقص المخرجة خيوط الأمل في أكثر من تفصيل.
طيلة بقائها في الغرفة، لن يعنيك عدد الأيام التي أمضتها هناك بقدر انغماسك في التفكير في طريقة الخلاص ومع كل صوت يصدر من الخارج تبتسم ظنا بأن الكابوس انجلى ولكنك تعود إلى نفس حالة التجهم لتيقن في النهاية إلى أن المخرجة دارين سلام لا تريد لأحد ان يساعد "فرحة" لان لا أحد غيرها سينهي الأمر.
طفلة دخلت إلى الغرفة المظلمة لتخرج إمرأة بكي رحمها لوجعها وتوشح فستانها الوردي بقطرات دم حملتها معها وهي تولي وجهها شطر أرجوحة تؤوي ذكرياتها مع صديقة روحها "فريدة"، حيث عانقت أسنانها التين مرة اخرى وصرخت نظراتها بأنها ستبقى "فرحة" وإن جردوها من كل أحلامها، تماما كما فلسطين.
وفي "فرحة" كان الصدق القاسم المشترك بين كل العناصر المكونة ومنها أداء الممثلين الذين أجادت دارين سلام اختيارهم فبدوا كأنهم قادمين من زمن النكبة بملابسهم التي تحمل بهاء الماضي الجميل ولهجتهم التي تحمل في طياتها رائحة تراب فلسطين .
الممثلون والممثلات، كرم الطاهر وأشرف برهوم وعلي سليمان وتالا قموه وسميرة الأسير ومجد عيد وفراس الطيبة وسامويل كاتسوروزكي وسلطان الخيل وبتول ابراهيم، كل منهم أعطى للدور من روحه واعتنى بأدق التفاصيل وإن اختلفت مساحة الأدوار.
لكل ممثل وممثلة في الفيلم بصمة لافتة تكشف قدرة المخرجة دارين سلام على إدارة الممثل واستنطاق جوانب خفية داخله، ولكن تبقى الممثلة كرم طاهر اكتشاف الفيلم إذ انها تواجه الكاميرا للمرة الأولى.
هي مغامرة خاضتها المخرجة باختيارها لكرم ولكنها في النهاية أفضت إلى أداء تعالى له تصفيق الجمهور في العرض العالمي الأول للفيلم غذ تقمصت كرم فرح الشخصية دون مبالغة في الأداء ولا تعقيدات، هي فقط طوعت كل الاحاسيس الكامنة داخلها كأنثى لترسم ملامح الملحمة في عينيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.