"كله كذب وهزل، لكنّ كلاً منا يسمع ما يرغب فيه فقط ، ويتجاهل الباقي" *بول سايمون حقائق أون لاين أحمد النظيف جاء قرار الحكومة بتصنيف أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي ليعيد إلى واجهة الأحداث صراعا "جهاديا -اخوانيا" دفينا يخفت و يشتعل بين الحين و الاخر،ليشهد اليوم نقطة القطيعة أو اللاعودة كما يقال ،بعد محطات ساخنة ليس أقلها أحداث السفارة الأمريكية , خريف العام الماضي , تلته حوادث القتل التي راح ضحيتها نشطاء جهاديون برصاص الأمن و وفاة سجناء من التيار داخل أسوار سجن المرناقية متأثرين بإضراب جوع وحشي على عهد وزير العدل النهضاوي نور الدين البحيري. السؤل المركزي،و الذي يطرح نفسه بشدة اليوم،لماذا و في هذا التوقيت بالذات تعمد حكومة علي العريض المهددة بالإقالة،إلى تصنيف جماعة أنصار الشريعة ،تنظيما إرهابيا ؟ المنطق الاخواني في التعامل مع الأحداث و الملفات دائما يغرد خارج المنطق.السؤل الآخر ،هل كان القرار وطنيا صرفا ؟ أم أن الأجنبي ،و كعادته قد دخل على الخط ؟ *** كانت مراكز الأبحاث الأمريكية القريبة من الإدارة الأمريكية تراقب تنظيم أنصار الشريعة في تونس منذ نشأته ربيع العام 2011 في إشارة ذات دلالة ،القناة التلفزية الوحيدة التي غطت المؤتمر التأسيسي للجماعة في ضاحية سكرة ،هي قناة الحرة الأمريكية ،وقتها كانت الأطراف السياسية في تونس تتقاسم كعكة الحكم في ما سمي بال"هيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي"،و ظلت هذه المراكز تطعم إدارتها بالأبحاث و الدراسات حول التنظيم السلفي الجهادي التونسي،حتى أن "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"،قد قام بأكثر من 7 دراسات حول التنظيم خلال سنة واحدة،حرر أكثرها الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية بشمال إفريقيا ،هارون ي. زيلين. و زيلين هذا ،هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن، حيث يتركز بحثه على كيفية تكيف الجماعات الجهادية مع البيئة السياسية الجديدة في عصر الانتفاضات العربية وعلى السياسة السلفية في البلدان التي تنتقل إلى الديمقراطية، وسابقاً كان زيلين يعمل زميل أبحاث مع الدكتور جايت كلاوزن في "مشروع الجهادية الغربية في جامعة برانديز"، حيث كان مسؤولاً عن تجميع وتحليل مجموعة واسعة من المواد الرئيسية من الجهاديين والشبكات الغربية، بما في ذلك وثائق باللغة العربية. كما أعدّ مكتبة تفصيلية عن كافة العمليات الجهادية ضد الغرب منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي والأفراد الرئيسيين المسؤولين عنها.وزيلين غزير المساهمة في صحف فورين پوليسي و فورين آفيرز و أتلانتيك، وهو مؤلف الدراسة القادمة "وضع الجهاد العالمي على الإنترنت" ل «مؤسسة أمريكا الجديدة». وهو يدير بشكل مستقل الموقع الإلكتروني ذائع الصيت "جهاديولوجي.نت" ويشارك في تحرير مدونة الوسط.، بحسب سيرته الذاتية المنشورة على موقع المعهد على شبكة الانترنت. و اللافت في الأمر ما نشره في الأيام الماضية ، و قبل اندلاع المواجهات بين الحكومة و التنظيم ،معهد واشنطن في دراسة كتبها زلين ذاته : "إنه من غير المحتمل أن تعود الحكومة مرةً أخرى إلى الطريقة القديمة المتمثلة ب "التربيت على الكتف"، وقد تصبح المزيد من المواجهات أمراً طبيعياً. لذا، على الحكومة الأمريكية مراقبة الموقف عن كثب، وخصوصاً منذ ضلوع أعضاء "جماعة أنصار الشريعة في تونس" في الهجوم على السفارة العام الماضي. وهذا يعني مواصلة العمل ومشاركة المعلومات الاستخبارية مع الحكومة التونسية التي تجابه العناصر الجهادية السلفية العنيفة داخل حدودها". و أضاف المعهد في دراسته انه : "يجب على واشنطن دفع تونس إلى المضي قدماً في إصلاحاتها الأمنية وتغيير قانون مكافحة الإرهاب لعام 2003 المثير للجدل، الذي لا يميز بما فيه الكفاية في عمومه. وفيما يتعلق ب "جماعة أنصار الشريعة في تونس"، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين توجيه النصح للحكومة التونسية بتحري الدقة عند التحقيق مع الجماعة، لأن أغلب أعضائها ليسوا إرهابيين. كما يمكن لواشنطن أيضاً مساعدة الحكومة التونسية في تقديم سبل تنظيم المشاريع لإشراك الشباب وتوجيههم تجاه تحسين مجتمعهم بطرق لا تنطوي على صلات بالمتطرفين الممارسين للعنف ". *** مؤشر آخر يوحي بأن قرار حكومة العريض بتصنيف أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي لم يكن قرارا وطنيا خالصا وهو ما أعلن عنه قائد القوات الأمريكية بإفريقيا الجنرال كارتر هام الذي دعا خلال لقاء له مع رئيس الحكومة علي العريض في أواخر شهر مارس الماضي إلى القضاء على التيار الجهادي شرطا لبقاء التعاون الامريكي التونسي و ضمنيا يعني بقاء الدعم الأمريكي لحركة النهضة . وفي السياق نفسه ، أكد الجنرال الأمريكي خلال زيارته إلى تونس "أن التنظيمات الإرهابية لاسيما تنظيم القاعدة التي تهدد الأمن والاستقرار بإفريقيا في ضوء الأحداث الجارية بمالي وغينيا بيساو بعد تسرب كميات كبيرة من الأسلحة من ليبيا".وقال الجنرال "كارتر هام" في هذا الإطار، أنّ "عمليات التهريب قد تفاقمت مع اندلاع الثورة الليبية مؤكدا أن حل هذه المعضلة التي تشكل "بالفعل خطرا حقيقيا" لا يمكن أن يكون إلاّ بتضافر الجهود الإقليمية والدولية". كما لا يمكن أبدا النظر إلى قرار حكومة العريض بتصنيف أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي ،خارج سياق ما تعيشه البلاد من أزمة سياسية بين قوى المعارضة من جهة و حركة النهضة من جهة أخرى و الانسداد الذي وصلت إليه البلاد على كل المستويات الاقتصادية و السياسية ،فالنهضة تخشى من تكرار النموذج المصري،ما استوجب على الحليف الألماني أن يلقي بثقله كي ينقذ الحركة مع فرض بعض شروطه التي بدأت تعطي أكلها في مسائل عدة كالتقارب مع حركة نداء تونس و تغير مواقف النهضة من قانون التحصين السياسي للثورة و اخرها وضع أنصار الشريعة على قائمة الإرهاب،تكفي الإشارة هنا الى أن وزير الخارجية الألماني قد زار تونس خلال سنة واحدة أكثر من 3 مرات ، و تكفي الإشارة إلى أن أكبر قاعدة عسكرية و استخباراتية أمريكية في الخارج توجد في ألمانيا،كما لابد من إشارة أخرى إلى أن القيادة الأفريقية الأمريكية (USAFRICOM) توجد في مدينة شتوتغارت الألمانية. إشارة أخيرة لا يمكن المرور عليها مرورا الكرام ،و هي ما كان صرح به سابقا القيادي في حركة النهضة الصادق شورو حول شروط كان البنك الدولي قد فرضها على حكومة النهضة في سبيل دعمها بالقروض المالية بينها القضاء على أنصار الشريعة ،و بغض النظر عن مدى مصداقية تصريحات شورو فان بوادر موافقة تونس على الارتهان لدوائر النهب الدولي واضحة المعالم ،فلا يمكن النظر إلى الرفع من سعر "مصبر معجون الطماطم" بهذا القدر المرتفع،إلا في سياق برنامج الإصلاح الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد الدولي على تونس من أجل منحها بعض القروض ،و الذي يقضي برفع الدعم عن السلع الأساسية،و نعتقد أن الترفيع في سعر بعض المواد التموينية الأساسية الأخرى قادم في الطريق،كالخبز و الغاز والمحروقات ،وهذا يثبت ما تسرب في السابق من وثائق تؤكد موافقة الحكومة على شروط الصندوق المجحفة والاستعمارية ،بالرغم من إنكارها ذلك،غير أن الوقائع اسطع من كل شيء .الآن و هنا،لسنا بصدد نقاش مسألة ما إذ كان تنظيم أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا أم لا ،بل بصدد نقاش مسألة أهم وأعمق ، هل كان قرار التصنيف قرارا وطنيا ؟ نعتقد أن الأمن القومي كما المهام الديمقراطية و الاجتماعية للدولة أو للثورة لا يمكن أن يكون إلا في أفق السيادة الوطنية.