تصاعدت وتيرة الأعمال الارهابية خلال الفترة الأخيرة بشكل طرح عديد التساؤلات حول تشخيص طبيعة المرحلة التي دخلت في أتونها البلاد، ولاسميا ضرورة تحديد المسؤوليات من أجل البحث عن سبل حلحلة هذا الاشكال الذي بات يمثّل تهديدا صريحا، لا فقط على الأفراد و المجتمع، بل أضحى أيضا يشكّل خطرا متعاظما من شأنه تقويض اركان الدولة برمّتها. الصحفي المختص في شؤون الجماعات الارهابية أحمد النظيف اعتبر أن تونس تعيش هذه الايام مرحلة "شوكة النكاية" اعتمادا على أدبيات المجموعات الجهادية التي ترنو حسب قوله إلى استهداف الأجهزة الامنية و العسكرية بهدف انهاكها و اضعافها وذلك من خلال شنّ حرب نفسية تعتمد أساسا على تسريب معلومات تفيد بامكانية اغتيال زعامات سياسية و الهجوم على مؤسسات سيادية كمراكز الأمن وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تكثيف الجهود الميدانية و الاستعلاماتية التي ستفرز حالة من التشتيت و الوهن. وشدّد محدثنا على أن الارهاب شهد مؤخرا تطورا نوعيا بعد اعتماده اسلوب نصب الكمائن في اماكن تتميّز بخصائص جغرافية وعرة و تحتوي على أحراش جبلية قريبة من مناطق حدودية تساعد على الفرار غداة تنفيذ العمليات المسلحة. وبخصوص دلالات اختيار التوقيت، قال أحمد النظيف ان المسالة ليست بالاعتباطية التي يظنّها البعض ، مؤكدا أن التواريخ كانت مدروسة بطريقة محكمة يراد منها تحويل الاعياد الدينية وخاصة الوطنية إلى مناسبات للحداد. وحذّر من امكانية تواصل هذه العمليات و اشتداد عودها من خلال استهداف مراكز سيادية من قبيل مقرات الوزارت و السفارات الاجنبية بتونس او بالانتقال إلى مناطق أخرى مثل جبال عرباطة بولاية قفصة المحاذية للقطر الجزائري، مؤكدا أن المشكل سياسي بالاساس وهو ما تسبّب في تأخر معالجة هذا الملف الذي يحتاج إلى وضع استراتيجية وطنية واضحة المعالم و الأهداف. على صعيد آخر، حمّل أحمد النظيف حركة النهضة المسؤولية السياسية الكاملة لتصاعد حمى الارهاب ، موضحا أن الفترة التي اشرف خلالها علي العريض على وزارة الداخلية عمّقت الاشكال حينما تمّ خلق ازدواجية صلب الاجهزة الامنية بهدف تفكيكها و التمكّن منها فضلا عن تعمّد رفع المراقبة على العناصر الجهادية الخطيرة التي شرعت منذ خروجها من السجن في مارس 2011 في التخطيط لتنفيذ مشروعها القائم على ارساء امارة اسلامية في تونس. وأضاف أنّ النهضة أخطأت حينما عوّلت على استقطاب الجهاديين للعمل السياسي المدني على غرار ما حدث في مصر مع الاخوان المسلمين وذلك وفقا لاجندا دولية تهدف إلى ترويض "المارد الجهادي" عبر الأحزاب الأسلامية "المعتدلة" مؤكدا وجود جناح كبير داخل الحركة يضمّ قيادات و قواعد يمكن اعتبارها حليفا للجهاديين الذين تمّ توظيفهم في معارك سياسية بغية تخويف الخصوم و اخراجهم في شكل أطراف تعادي الاسلام. من جهة اخرى، قال المؤرخ الجامعي و المحلّل السياسي عبد الواحد المكني ان الارهاب في تونس انتقل إلى طور ثان من العمليات النوعية التي يراد منها بالاساس فكّ الحصار على المجموعة المتحصنة بجبال الشعانبي ، معتبرا أن سيناريو الحرب الاهلية بات واردا في حال استفحال هذه الأزمة التي تتحمّل مسؤوليتها بدرجة أولى الحكومة ومن خلفها الترويكا و حركة النهضة بدرجة ثانية و لاسيما الخط المتصلب داخلها الذي يقوده الحبيب اللوز حسب رأيه. واضاف أنه من المتوقّع أن تزداد العمليات الارهابية في الايام القادمة لتأخذ منحى آخر من خلال الانتقال إلى المدن بعد أن كانت منحصرة في المناطق الجبلية و ربّما قد تستهدف السجون و الاماكن العمومية. ودعا المكني إلى تخصيص ورشة أولى داخل المجلس الوطني تعنى بالشأن الامني الذي يحتاج إلى تشكيل خلية أزمة وطنية الهدف منها مكافحة الارهاب علاوة على ضرورة احداث مجلس أمني أعلى لنفس الغرض. وحول سبل الخروج من عنق الزجاجة و تجنب الانحدار نحو الاسوأ، شدّد عبد الواحد المكني على ضرورة رحيل الحكومة الحالية بصفة عاجلة ودون اضاعة للوقت وذلك عبر اعلان علي العريض عن استقالته بشكل واضح و صريح ، بعيدا عن لغة التهديد و الوعيد التي قال انها قد استعملت في خطابه الليلة البارحة الذي عكس حسب قوله حالة من الارتباك و الريبة و الارتجال على نفس الشاكلة التي مار س بها الحكم ، معتبرا أن كلمة رئيس الحكومة تؤكد وجود انقسامات و تصدّعات عميقة صلب حركة النهضة التي أضحت تضمّ نهضتين : واحدة يقودها راشد الغنو شي و ثانية يتزعمها علي العريض.