تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ رئاسة الحكومة: جلسة عمل للنظر في تسريع إتمام هذه المشاريع    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    وزير الرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    قسم طب وجراحة العيون بالمستشفى الجامعي بدر الدين العلوي بالقصرين سينطلق قريبًا في تأمين عمليات زرع القرنية (رئيس القسم)    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    تونس.. زيادة في عدد السياح وعائدات القطاع بنسبة 8 بالمائة    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    القيروان: انتشال جثة طفل جازف بالسباحة في بحيرة جبلية    عاجل/ العريّض خلال محاكمته في قضية التسفير: "هذه المحاكمة ستعاد أمام الله"    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    "نائبة بالبرلمان تحرّض ضد الاعلامي زهير الجيس": نقابة الصحفيين تردّ.. #خبر_عاجل    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    تعزيز مخزون السدود وتحسين موسم الحبوب والزيتون في تونس بفضل الأمطار الأخيرة    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    البنك المركزي : معدل نسبة الفائدة يستقر في حدود 7،50 بالمائة خلال أفريل 2025    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ حوثي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقَّفُ الإمبريالي الصهيوني الغربي وتابعُهُ تقنيّ المعرفة العربي!
نشر في حقائق أون لاين يوم 06 - 11 - 2013

1-رُبّما أمْعَنْتُ مُقارَنَةً بغَيْري مِن المعنيّين بالشأنِ العامّ في تدوينِ "شَهادَتي الحبْريّة شِعْراً وفكْراً" على المرحَلةِ الرّاهِنَة التي انْعَطَفَتْ بمنطِقَتِنا دُوَلاً وَشُعُوباً وَمُجْتَمَعاتٍ وأفراداً انعِطافاً دامِياً منْذ "الحرب الصليبيّة " الجديدة على أفغانسان والعراق ، كما زَلَّ لِسانُ جورج بوش الإبن ذات خِطابٍ حَربيّ، وفي ذلكَ الحِين دَوَّنْتُ مَقالاتٍ عديدة نشرتُها في عدَّةِ صُحُفٍ ومجلاتٍ بشأنِ غَزْوِ واحْتِلالِ كابولَ وبَغْدادَ ، تَضَمَّنَ كِتابِيَ "حُرُوبُ المصالحِ الصهيوأمريكيّة:محرقة البشَرِيّة " مختاراتٍ منها . ولكنّني استأنَفْتُ هذه الشهادة الحِبْريّة بَعْدَ أحْداثِ 14جانفي/كانون الثاني2011لِتَحْتَلَّ على مَدَى قُرابَة الثلاث سَنَوات مَجْمُوعَتَيْن شِعْرِيَّتَيْن هُما "خَريفٌ مِن أجْلِ حَطّابيّ السّماء – 2012″ و"عندما البلاد في الضّباب والذّئاب – 2013″ وأربعة كُتُب في مَجالِ الفكرِ السياسيّ أسَّسَتْ مَشرُوعيَ الخاصّ لِمُقاوَمَةِ مؤامَرَة "الربيع العربي" الصهيو أمريكيّة ، وعَنْوَنْتُ هذه الكتُب على التوالي "ثوراتُ الفوضى الخلاقة:سِلالٌ فارِغَة – 2011″ ، "الربيعُ العربي يتَمَخَّضُ عَن خريفٍ إسلامِيّ بغُيُومٍ صُهْيُونِيّة – 2012″ ، "أوهامُ الربيعِ العربيّ : الوَعيُ القطيعيّ – 2013″ و"سوريا التي غَيَّرَتْ وجْهَ العالم – 2013 أيضاً " . وَجميعُها صَدَرَتْ في تونس ، ثانيها عن "دار بَيْرَم" والبقيّة عن دار نقوش عربية". وبما أنّ هذه الكتُب جميعُها مُتَوَفِّرَة في هذا المعرض الدي نجتمعُ ونتحدَّثُ على هامِشِهِ ، مِمّا يُعْفيني إلى جانبِ الحيِّزِ الزَّمَنِيّ الضيّق المُخَصَّص لهذهِ المُداخَلَة مِن عَرْْضٍ مُوجَزٍ وافٍ لهذه الكتُب الأربَعَة ، فسأحصر حديثيَ في كيفيّةِ وَضْع ثالوث ثقافي إمبرياليّ صهيونيّ غربيّ خطّة هذه المؤامَرَة وبرامج أدَوات تنفيذها وقيادَة وقائعها مَيْدانياً ، وَمِن ثَمَّ انْخِراط تقنِييّ المعرفة العرب في تسويقِها مَحلّياً.
2-إنَّ الثقافةَ فَضاءٌ غيْر مَحْدُود مِن الحقولِ المَعْرِفيَّةِ التي تُشَكِّلُ مُجْتَمِعَةً البُنْيَةَ الفَوْقِيَّةَ للدَّولةِ والمُجْتَمَع ، وتتعامَلُ جَدَلِيَّاً مع بُنْيَتِهِما التحتيَّةِ بوسائلِ وعلاقاتِ الإنتاجِ فيهما. ومثْلَما تُخَيِّمُ على الدَّولةِ والمجتمَعِ الإمبرياليّينِ اللذين تُحَدِّدُ مصائرَهُما شركاتٌ إحتِكاريَّةٌ صناعيَّةٌ (عسكريّة ومدَنيَّة) وماليّةٌ وإعلامِيَّةٌ ، بٌنْيَةٌ فَوْقِيَّةٌ تُنْتِجُ مَنْظُوماتٍ فكريّةً سياسيَّةً وفلسفيَّةً وتأريخيّةً يتمُّ تَوظِيفُها في خدمَةِ المشروعَيْن الإمبرياليّ و الصهيونيِّ القائمَيْنِ على الغَزْوِ والإحتِلالِ والنَّهبِ لِتَدْعيمِ مصالِحِ الشّرِكاتِ الإحتِكاريَّةِ الكَونِيَّةِ ، يتمُّ أيضاً تَوظيفُ شَرائح ثقافيّة في الدُّوَل والمُجتمَعاتِ المُسْتَهْدَفَةِ ، تكوَّنَتْ باستِهْلاكِ وتَسْوِيقِ – لأنَّ إعادَةَ الإنتاجِ هُنا ليستْ عِبارةً دقيقةً – النتاجِ الثقافيّ الإمبريالِيّ الصهيونيّ. مِن هذا المَنْظُورِ نرى الدَّوْرَ الذي قامَ بهِ المُثَقَّفُ الإمبريالِيّ الصهيونيّ الغَرْبيّ في مؤامَرَةِ "الربيعِ العرَبيّ" التي اقتَصَرَ دَورُ "المُثَقَّف " العربيّ فيها على تَسْوِيقِ الأضاليلِ بغْيَةَ تَمْريرِ المؤامَرَةِ في لِباسٍ فولوكلوريّ وشِعاراتٍ كاذِبَة لِهذهِ "الثوراتِ" مُسْبَقَةِ الصّنْع في دوائر الإستِخباراتِ الإمبريالية الصهيونيّةِ وتَوابِعِها الخليجيّةِ الأعرابيّةِ والتركيّةِ السَّلجوقيَّةِ -كما باتَ يُدرِكُ بالمَلموسِ كُلُّ مُواطِنٍ عَربيّ ولو بَعْدَ خَرابِ حاضِرِهِ ومُسْتَقْبَلِهِ المَنْظُور -وذلكَ مُقابل استِمرارِ إقامَةِ هذا "المثقَّفِ" العرَبيّ السابقة واللاحِقَة في العَواصِمِ الغَرْبيّة ،ونَفْخِ جُيُوبِهِ بأجْرٍ نُقُودِيٍّ مُقْتَطَعٍ مِنَ الرَّيعِ النَّفْطِيّ – الغازيّ الخليجيّ الذي أخَذَ على عاتِقِهِ تمْويلَ تنفيذِ هذه المُؤامَرَةِ . وإذا كانَ دَوْرُ المُثَقَّفِ الإمبريالِيِّ الصهيُونِيّ "عُضْوِيَّاً" (ونستخدم هنا مصطلح غرامشي بتصرُّف ونُخرجُه عن سياقه التاريخي محتفظين فقط بكونه يُعبّر عن المثقف الذي يعبّر قولاً وفعْلاً عن مشروعٍ فكريٍّ ثقافيٍّ يخدِم طبقةً أو كتلةً تاريخيةً ما ويتعامَلُ مع هذا الشأن العام كأنه شأنٌ ذاتيّ) وقائداً لأنَّهُ دَوْرٌ مُنْسَجِمٌ مَع مَسارِهِ التاريخيّ المعرِفِيّ، فقد كانَ ومابَرَحَ دَوْرُ "المُثَقَّفِ" العَرَبيّ الإستِهلاكِيّ تقنيَّاً تَسْوِيقِيَّاً تابعاً ، برَصِيدِهِ الزَّائفِ ومَسارِهِ التاريخيّ المُتَقَلِّبِ مِن المارِكْسيّةِِ والقوميّةِ إلى الليبراليّةِِ إلى السَّلَفِيَّةِ السافِرَةِ أوالمُقَنَّعَةِ.
3- ويَتَمَثَّلُ عنْدي الثالُوثُ الثّقافيّ الإمبرياليّ الصهيونيّ الغَربيّ في : أولاً الصهيونيّ "برنارد لويس" المولود بلندن من أمٍّ يهوديّة بتاريخ 31 ماي/أيار 1916، وهو أستاذٌ فخريٌّ بريطانيٌّ أمريكيٌّ لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون، ومُتَخصِّص في تاريخِ الإسلامِ والتفاعُلِ بين الأخيرِ والغَرْب. فهو الذي وضَعَ خطَّةَ مؤامَرَةِ "الربيع العربيّ" قبل أن يُخْلَعَ عليها هذا الإسم ، وذلكَ مُباشَرَةً غبَّ أحداثِ 11سبتمبر/أيلول2001في نيويورك وواشنطن،مِن أجْلِ إقامَةِ "الشّرْقِ الأوسَطِ الكبيرِمِن إسلام آباد حتى مرّاكش" وذلكَ على أنقاضِ الدُّوَلِ الوطنيّةِ القائمةِ في هذا الحيِّزِ الجّغرافيّ الشاسِع ،بَعْدَ تدميرِ قُدراتِها العسكريّة و الإقتصاديّة والعلْميّة وَتُراثِها الحضاريّ وتَمزيقِ نسيجِها الإجتِماعيّ ، وإشاعَةِ الفوضى"الخلّاقة صهيوأمريكيَّاً" لِتَقْسيمِها وفْقَاً لخرائط جغراسياسيّة جديدة وَضَعَها "برنارد لويس" إلى دُوَيْلاتٍ فاشِلَة تقومُ على أسُسٍ دِينِيَّةٍ وطائفيَّةٍ وعِرْقيَّةٍ تَدُورُ جميعها في فَلَكِ "دَوْلَةِ إسرائيل اليهوديّة الكُبرى" المركزيّةِ للمنطقةِ بأسْرِها. والهَدَفُ مِن ذلكَ وَضْع اليدِ الإمبرياليّةِ نِهائيَّاً وبشكْلٍ مُطْلَقٍ على ثَرَواتِ المنطقة الطبيعيّة بدْءاً مِن النّفْط والغاز ، وحمايةُ أمْن "الدولة اليهوديّة" الإستراتيجيّ ، وتصفيةُ القضيّة الفلسطينيّة بإقامَة دولة غزَّة الوهابيّة بَعْدَ أن يُضافَ إليها مُرَبَّعٌ جغرافيٌّ واسِعٌ مِن سيناء حسْب صفْقَةٍ أبرمَها الإخوانُ المسلِمون في مِصر مع الإدارةِ الأمريكيّةِ.
وفي هذا السِّياقِ تتمُّ السيطَرَةُ الصهيوأمريكيّةُ على الترسانةِ النوويّةِ الإسلاميّةِ الباكستانيّة ومَنْعُ إيران مِن إنجاز ترسانةٍ نوويّة مُشابهة ، وتفكيكُ الجّيُوش العربيّة الأربعة التي يَعدُّها العدوُّ الصهيونيُّ خَطَراً استراتيجيَّاً على كيانهِ (جيوش العراق سابقاً ، ومصر وسوريا والجزائر حاليَّاً).
والثاني في هذا الثالوث الثقافيّ الغَرْبيّ هُو ""جين شارب"" الذي وُلِدَ بولايةِ أوهايو الأمريكية في (21 جانفي/كانون ثاني 1928) لأب يهوديٍّ و أمٍّ مسيحيّة ، و هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستس في دارتموث ومرشح للحصول على جائزة نوبل للسلام ويعيش الآن في بوسطن، وارتبط اسمُهُ بالكتابة والتأليف في الموضوعات الخاصة بما يُسَمّى "الكفاح السلمي"وقد اتّكأتْ إلى كتاباتهِ العديدُ من التحرُّكات المناهِضة للحكومات في أوربّا الشرقيّةِِ ببرامِجَها الميدانيّة. وخاصّةً وصاياه ال198التي أبرزها شَيْطَنَة قوى الأمْنِ وتحييد الجيش في الدولةِ المُسْتَهْدَفَة ، كما حَصَلَ في تونسَ ومِصْرَ ، واستِخْدام شبكة الأنترنيت مِن قِبَلِ شبابٍ تَمَّ تدريبُهُم مُسْبَقاً على ذلك . وأبرز رموزِهِم "القياديّة" على هذا الصعيد التونسي "سليم عمامو" والمصريّ"وائل غنيم" اللذان جَرى تغْييبُهُما مع حلُولِ الدَّوْر "الإخوانيّ" في تنفيذ خطّةِ"برنارد لويس"، كما عَرَضَتْ قناةٌ أعرابيّة فضائيّة وقائعَ استِقبالَ جين شارب شباباً سوريّين لهذا الغَرَض عشيّةَ اندِلاع الأزمة السوريّة ، لكنّ عَدَم تمكُّن اختِراق الجيش العربيّ السوريّ بغيَةَ تحييدِهِ حالَ دُون فعاليّة وصايا "شارب" هناك.
أمّا ثالثهُم : فهُوَ "برنار هنري ليفي" الذي وُلِدَ لِعائلة سفاردية يهودية ثرية في الجزائر في5 نوفمبر/كانون الأول 1948 بمدينةِ بني صاف الجزائرية إبان الاحتلال الفرنسيّ للجزائر، وقد انتقلتْ عائلتُه إلى باريس بعد أشهُرٍ مِن ميلادِه. وقد درَسَ الفلسفةَ في جامعة فرنسيّة راقيةٍ وعلَّمهَا فيما بعد، واشتهر كأحد "الفلاسفة الجدد"، وهم جماعة انتقدت الإشتراكيةَ بلا هوادة واعتبرتها "فاسدةً أخلاقياً"، وهو ما عبَّرَ عنه في كتابهِ الذي تُرجِم إلى عدَّةِ لُغاتٍ تحت عنوان: "البربريَّةُ بوجهٍ إنسانيّ". كما أنَّهُ مِن أبرَزِ رُمُوزِ اليهودِ المُحافِظِين الجُّدُد على غِرارِ المسيحيّين المُحافِظين الجُّدُد ، وهُو الذي قادَ المعركة ميدانيّاً في ليبيا ضدَّ نظام الشهيد معمَّر القذّافي تمهيداً لِتَدَخُّلِ "الناتو" نَظَراً لافتِقادِ الحالة الليبيّة الشَّرْط الأبْرَز بين وصايا"جين شارب" ، أعْني وجُود الجيش الذي يجب "تحييدُه" أو بالأحرى الإستِقواء به عَمَليَّاً ، وقد حَمَلَ "برنار ليفي" هذا رسالةً شهيرةً مِن قادَةِ "ثوّار الناتو" الليبيين إلى القيادَةِ الإسرائيليّة ، وتبَاهى في لِقاءٍ تلفزيونيٍّ عَلَنِيّ في تل أبيب مع وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة السابقة"تسيبي ليفني" (رائدة جهاد النّكاح اليهودي حسب اعتِرافاتِها المعروفة) بأنّه بعْدَ ما حَقَّقَه في ليبيا عازِمٌ على فِعْلِ الشيء نَفْسِه في سوريا . ولذلك كما صرَّحَ مِراراً فقد التَقى نُخَباً ثقافيّة وسياسيّة سوريّة لهذا الغَرَض في العاصمة الفرنسيّة قَبْلَ أن تُوكَلَ هذه المهمّة إلى "عزمي بشارة" عضو الكنيست الإسرائيلي لستِّ دَوراتٍ برلمانيّةٍ سابقة قبْلَ أن يختَرِقَ مِن خِلالِ "عبد الحليم خدّام" الدّولةََ السوريّة و"حزبَ الله" ويصبح زميلاً للقومي "مَعْن بشّور" والإسلامي "راشد الغنّوشي" في مايُسمّى "المؤتمر القومي العربي"ومِن ثَمَّ يستأنِف مهمّتَه التآمُريّة مِن دَوْحَةِ حَمَدَيِّ آل ثاني سابقاً وتميمِهما لاحِقاً.
وقد تَحَرَّكَ هذا الثالوث الثقافي الغَرْبي الصهيوني بناءً على مَعْرِفَةٍ وإدْراكٍ وثيقَيْن ، واعتِماداً على تَقَصِّي مراكز بُحُوثٍ ودراساتٍ مُخْتَصَّة ، لواقِع المَنطِقةِ السياسيّ والإقتِصاديّ والإجتِماعيّ والثقافيّ ، وبالتالي لحقيقةِ أنَّ جميعَ الدُّوَلِ المُسْتَهْدَفَة تتوفَّر فيها الشروطُ الموضوعيّةُ لِقِيامِ ثوراتٍ إجتِماعيّة في أفُقٍ وطنيٍّ ديمُقراطيّ على أنظِمَةِ الحكم فيها ، وهذا ماكان يخشاه الغرْبُ الإمبرياليّ والكيانُ الصهيونيّ وأنظمةُ الخليجِ الأعرابيّة ومثيلاتُهاالأوليغارشيّة في الأردن والمغرب، لكنّ الظّرف الذاتي أي القوّة السياسيّة الثوريّة المُنَظَّمَة والتي تمتلِكُ نَظَريّةً وبرنامَجاً ثوريّين واضحين ، كانَ شَرْطاً غائباً.
ولذلكَ أخَذَ هذا الثالوث الشيطانيّ على عاتِقِهِ مَدْعُوماً بالإستخباراتِ الأمريكيّةِ تَعْويض هذا الشرط الثوريّ الذاتيّ بحراكات الربيع العربيّ المسرحيّة ، وهذا ما يُفَسِّرُ عَدَم تَنَطُّع أيّ قوّة سياسيّة للإدّعاء بأنّها مَن فَجَّرَ "الثورةَ" المزعومة في هذه الدولة أوتلك بدْءاً مِن تونس وصولاً إلى السودان حالياً مروراً بمصر واليمن . أمّا في ليبيا فَتَدَخُّل "الناتو" الخارجيّ كانَ فَظَّ الوُضُوح، وفي سوريا تَمَّ الرِّهانُ الخاسِر بعَونِ الله وإرادَة شعبنا وجيشِهِ الباسِل ، على المجموعات الإرهابيّة التكفيريّة التي تمَّ استِقْدَامُها مِن القاراتِ الخَمْس بما في ذلكَ ماخُور البحر المُتَوَسِّط المُسَمّى "مالطة"!.
4- إذَنْ ليسَ مُسْتَغْرَباً أن تَفْتَقِدَ دُوَلُنا ومُجْتَمَعَاتُنا المُثَقَّفَ العضويَّ الوطنيّ الذي يَرى ويَعْرف ويُدْرك ويَحْدسُ ويقودُ حَرَكَةَ وَعيٍ استشْرافيّ عندَما تلتَقِطُ راداراتُهُ المَعْرفيّة بحسّها الوطنيّ الإنسانيّ العالي ما يُدَبَّرُ لشعبه ودولتهِ الوطنيّة ليس فقط مِن مكائد تستهدفُ مصالِحَها القوميّة أوالوطنيّة بل أيضاً مِن مؤامرة كونيّة إباديّة وجوديّة ترْمي بوحشيّةٍ وحقْدٍ غيْر مَسبُوقيْن إلى مَقاتِل الدولة الوطنيّة ومُكوِّنات شعبها ، فيُنَبِّهُ هذا المُثَقَّفُ ويُحَذِّرُ بل يَقُودُ بوَعْيهِ المُقاوِم مَعْرَكَةَ الوجُود الوطنيّ مؤجِّلاً كلَّ ما يستدعيه التناقُضُ الثانويّ مع هذه القوّة الوطنيّة أو تلك في النظام والمُعارَضَة ، لتوحيد كُلّ شَعْبه في خَنْدَقٍ واحدٍ لِحَسْمِ التناقُضِ الرئيس مع الخطَرِ الخارجيّ المُحدق بكُلِّ شبْرٍ مِن الوطَن وبكُلِّ مَجْمُوعَةٍ أو فَرْدٍ مِن المُواطنين.
ليس مُسْتَغْرَباً افتِقادنا هذا الطِّراز مِن المُثَقَّفِين ، لأنّ مُجْتَمَعاتنا الإستِهلاكيّة عاجزةٌ عن إنتاج ماتستهلكُهُ حتى في المجال الثقافيّ ، لذا مُثَقَّفنا لايُنتِج لمُجْتَمَعِهِ خبْزَ رُوحِه بَلْ يستَوْردُ له الفكرةَ وآليّةََ التفكير والإيقاعَ وآلَتَه واللون والفرشاةَ والخطّ واللحن وطريقةَ أداء الصَّوْت ، لذلكَ هُو تقنيّ وعارِضُ مَعْرِفَة مُسْتَوْرَدَةٍ في سوق المجتمَع الإستِهلاكيّ وفي أحْسَنِ الأحوالِ وكيلُ اخْتِراعٍ علميّ أوإبداعٍ فكريّ أو أدبيّ أوفنّي مُسَجَّلٍَ في سجلّاتِ التّراكُمِ المعرِفيّ الغَربيّ ، لذا نراه تارة قوميَّاً وأخرى ماركسيّا وثالِثة ليبراليّا ، يلبسُ الأيديولوجيا مُوْدَةً ويزهو بها مِعْطَفاً مِن ماركةٍ عريقةٍ وموديل حديثٍ ، وحينَ تَنهارُ في الغَرْب وتَنْهَضُ على أنقاضِها أيديولوجيا غَرْبيّة جديدة يَخْلَع سابقتَها كأنّها حِذاءٌ بالٍ وينحازُ إلى الحادِثَةِ بتَطَرُّفٍ أخْرَق . وعندَما وجدَ نفسَه في لحظةٍ تاريخيّة فارقة في الدركِ الأسْفَلِ مِن سُلَّمِ الحضارَةِ البشريّة ، عاجِزاً حتى عن مُواكبَةِ الحضارَةِ الغربيّة استِهلاكاً نَكَصَ إلى ماضي الأسلاف السحيق ليس بغيةَ اسْتِلهام إرادَة الخَلْق والإنتاج مِن أجْلِ خَلْقٍ وإنتاجٍ مُعاصِرَيْن ، بل لِاستِهلاك أفكارٍ عَطِنَة وخَنْقِ أرواح الأجيال الصّاعدة بأرغِفَةِ الرَّمادِ والغُبار.
هؤلاء هُم رُمُوز ثقافَتِنا مِن "برهان غليون" صاحبُ كتاب "بيان من أجل الدّيمقراطيّة" في سبعينات القرن الماضي الذي يُقَدّم أوراق اعتِمادِه لشيخ الإرهابيّين يوسف القرضاوي في الدّوحة كناشِطٍ سياسيّ في العقد الثاني من القرن الواحدِ و العشرين ، إلى "فَضْل شاكر" المُغَنّي الرّومانسيّ الذي بَعْثَرَ روحَهُ الغُولُ الطائفيّ الوهابيّ فأطلَقَ لحْيَتَهُ والرصاصَ مِن بندقيّته وتحوَّلَ إلى طريد العدالة. ومن "صادق جلال العظم " صاحب كتاب"نَقْد الفكْر الدّيني" في ستّينات القرْن الماضي الذي يتحَوَّل من واشنطن على صفحات نشرةٍ خليجيّة إلى مُحَرِّضٍ طائفيّ يَحْدو أهْل َالسنَّةِ في سوريا كي يتَمَرّدوا على "علويّةٍ سياسيّةٍ " مَزْعُومَة – في محاكاةٍ مَرَضيّة للمارونيّة السياسيّة سيّئة السّمْعة التي عرفَها لبنان في حربه الأهلية خاصة – حاكّاً بذلكَ على الجَّرَبِ الوهابيّ التكفيريّ ، إلى "ميشيل كيلو" الكاتب اليساري الذي يُتَوِّج نضاله الدّيمُقراطيّ بأمْرٍ من الأجهزة الإستخباراتيّة الفرنسيّة مَثْنيّ الركْبَتَيْن يتلقّى وصايا النّضال من أجل الحريّة والدّيمقراطيّة من رئيس المخابرات السعوديّة "بندر بن سلطان" ويردّد في جَوْقَتِهِ مُريّلاً طَمَعاً في ريالاتِه عباراتٍ تلُومُ أمريكا لأنّها تراجَعَتْ عن قصْفِ ما لم يصلْ إليهِ عُنْفُ الإرهابيّين التكفيريينَ من مُدُنِ سوريا وقُراها.
هؤلاء وغيرهم مِن المَحْسُوبين على الثقافةِ السورية سَبَقَ وأن لبُّوا دعوةَ "عَزْمي بشارة" إلى "دَوحَةِ الرّبيع العربي" كي يُنَسِّقوا مع "حَمَد جيفارا الثاني" لشَنِّ حَربِ العصاباتِ الفكريّة والثقافيّة والإعلاميّة ضدّ النظام الوطنيّ في دمشق.
والمُفارَقة الكوميدراميّة هُنا أنّ "عزمي بشارة" وَجَوْقَتَه لا يَروْنَ حَرَجاً في قَرْعِ طُبُول الحَرْب على النظام الوطنيّ في سوريا بذريعةِ أنّه ديكتاتوريّ وفي الوَقْتِ نَفْسِهِ لايجدونَ أنْفُسَهُم مَعنيّين بزجّ نظامِ الدَّوْحَةِ شاعراً قطَريّاً في غياهب الزنازين والحكم عليه بالسجنِ النافذ خمْسَ عشَرَةَ سَنة لأنّه انتَقَدَ بقصيدةٍ نبطيّة الأميرَ وتمنّى أحداثاً في الدّوحَةِ مُسْتَلْهَمَةً من الأحداث التي افتتحَتْ تونُس بها ما يُسمّى"ثورات الربيع العربي".
فإذا كانَ "عزمي بشارة" مَثلاً يعتقدُ بينَهُ وبينَ نَفْسِهِ أنّ المُسمّاة "قَطَر" دَولة وأنّ القَطَريّينَ شَعْبٌ يحقّ له و بمَقْدُورِهِ أن "يُريد" ، أليسَ مِنَ الأولى بأن يعقدَ هذا المثقَّف العربيّ الديمقراطيّ النّحرير العَزْمَ ويُبَشِّرَ بمَشروعٍ وطَنيٍّ ديمُقراطيّ ينقل قَطَرَ وشَعْبَها مِن هذا النِّظام الأوليغارشيّ القائم منذ عقود إلى نظامِ مؤسسات ديمقراطي مَدَنيٍّ عادِل ؟، فما الذي يَمْنَع "بشارة" وجَوْقَتُه مِن الإهتِمامِ بحريّةِ وديمقراطيّةِ الشعب القطَريّ المُفْتَرَض في دولتِهِ القطَريَّة المُفْتَرَضَة؟. ألا يحقّ لنا مُطالَبَة هؤلاء المُثقّفين والإعلاميين العرب في قطَر أن يبدأوا بكَنْسِ الطُّغيانَ مِن حَوْلِهِم قبل أنْ يُوهِمونا بأنّهُم مَعْنيّونَ بكَنْسِ الطّغيان في أقطارٍ وقارَّاتٍ أخرى؟.
إذَنْ هُم يتَصَرَّفُونَ على أساسِ أنَّ قطَرَهُم هذه قاعدتان أمريكيّتان حَوْلَ ينابيع نَفْطٍ وغاز ، تحكمُها شكْلاً عائلةٌ أوليغارشيّة وتُوظِّفُ ستوديو المونتاج التلفزيوني للفبركة والتزوير المُسَمّى "قناة الجزيرة" وريْعَ النفْطِ والغاز في مشروعٍ صهيوأمريكي للتدخُّلِ في شؤون شُعُوب ودُوَلِ المنطِقة تنفيذاً لإملاءاتِ واشنطن وتل أبيب ، وبالتالي اختاروا أنْ يكونُوا خَدَماً بأجْرٍ مَعْلُوم في هذا المَشروع.
ولكنّ فجورَ تقنيّي المعرفة العرَب جاوزَ ماتقترفه المُومِساتُ المُحترفات تحت وطأة الحاجّة الماديّة التي قد تسدّها المبالغُ المتواضعة التي يتلقّينها مقابل بَيْعِ أجسادِهنّ ، فهؤلاء المُنافِقون العرَب ذَهَبُوا إلى هذا الخيار ربّما تحت وطأة حاجة أخرى إلى جانب المَبالِغ الطائلة من المال ، أعني حاجتهم إلى البقاء في المشهد بغضّ النظر عن التغيُّر الحادّ للمُعطيات أحياناً ، كما هو حال الأفّاق "عزمي بشارة" الذي بَزَّ يهوذا الأسخريوطي والعلقمي تنكُّّراً وخيانةً مقابل الدراهم القطَريّة ، لكنّه الآن بعد أن تَمَّ وَخْز البالون القطَري وافرَنْقعَ نافثاً أوهامَه ذات الرائحة الكريهة ، يتشاطَر مُحاوِلاً أن يُقدِّمَ نفسَه "مؤرِّخاً موضوعياً" للأزمة السورية… فَيُصْدِرُ عن المركز العربي للأبحاثِ ودراسةِ السياسات الذي يُديرُهُ في العاصمة القطَريّة كتاباً بعنوان"سورية ودرب الآلام نحو الحرّية: محاولة في التاريخ الراهن" ، تخاله فيه يُسَوِّق نفسَه على طريق التوبة المستحيلة ، لأنّه كما يقول الكاتب الأمريكي فوكنر في"الصخب والعنف" روايته الشهيرة :"عاهرةٌ يوماً عاهرةٌ دَوماً" .
ففي هذا الكتاب ، وخلافاً لِما كان "عزمي بشارة" يزعمه على قناة "الجزيرة" السوداء الذي كان من بين مهامه الصهيو قطَريّة "تبييضها" يكشف عن أن "بوادر التسلح لدى المعارضة السورية بدأت تظهر منذ الأسابيع الأولى للثورة وليس بعد شهور حيث دار الكلامُ على أن التسلّح لم يظهرْ إلّا بعد ستّة أشهر من اندلاعِ الاحتجاجات (ص 9). وقد ظهر التسلّح، أول مرّة، غداة اقتحام الجامع العمري في درعا في 23 مارس/آذار 2011 حين ظهر بعض الشبّان وهم يحملون السلاح. وفي أفريل / نيسان 2011 بدأت عمليات تهريب السلاح من لبنان إلى حمص (ص 192).
ونواصِلُ هُنا نقل ما اقتَطَفَهُ الصديق "صقر أبو فخر" في عَرْضٍ لهذا الكتاب بدا لنا محاولة لإعادَةِ تسويقِ "بشارة" ،فيشير أبو فخر إلى أنَّ عزمي بشارة يُفَنِّدُ في كتابه الذريعةَ القائلة إنَّ التسلّح كان يهدفُ إلى حمايةِ المتظاهرين السلميين، لأنّ السلاحَ، بحسبِ رأي بشارة، لا يحمي التظاهرة السلميّة من إطلاقِ النار عليها، بل يزيد الحدّة والقسوة، ويحوّل التظاهرة السّلمية إلى تظاهرةٍ مسلّحة (ص 198). وقد كان للتسلّحِ آثار سلبية جدًا؛فالمعارَضَةُ السوريّة جرى تهميشُها بأسلحةِ العملِ العسكري في الداخل، وأصبحت أوساطٌ واسعة منها أسيرة التشاور مع الدول الداعمة لها (ص 404). وفي هذا السياق يدين بشارة قيامَ مجموعات من المعارضة بعمليات "سلبطة وتشليح وخطف" للحصول على الأموال بحجّةِ شراءِ السلاح أو دَعْم الجماعات المسلّحة، وإرغام التجار على التبرُّع بالمال كما حصَلَ في حلب ودمشق حيث تقيم شريحةٌ كبيرة من البرجوازية السورية، أو كما وقع في مدينة مسكنة في ريف حلب (ص 371). ويضيف بشارة : أصبح للثورة "شبّيحة'"يعتدون على الناس وعلى من يخالفهم الرأي، ولهم أيضًا شبيحة إعلاميونِ . وظهَر هؤلاء الشبيحة في البرامج الإعلامية، وقاموا بضرب خصومهم وشتْمهم بطريقةٍ رثّة ورديئة (ص 270). وقد اشتهر في أعمال السرقة في حلب "حركةُ غرباءِ الشام'"وقائدُها حسن جزرة، وكذلك الجيشُ السوري الحرّ نفسُه (ص 210). لذلك كان إقدام المسلّحين على إرغام الصناعيين والتجّار على دَفْعِ الأموال لحماية مصانعهم، وعلى الخطف للحصول على الفدية، وسرقة السيارات واغتيال الأثرياء وأبنائهم، ظواهر دفعت الجميع إلى التمسّك بالاستقرار (ص 206)، ما جعل هؤلاء يظهرون كأنّهم أقربَ في مواقفِهم السياسيةِ إلى النظام.
ويتابع أبو فخر "يدين الكاتبُ – بشارة – العمليات التفجيرية والإعدامات التي قامت بها الجماعات التكفيرية (ص 350). فمع إطالة أمَد الثورة ظهَرتْ المجموعاتُ الجنائية المسلّحة والعناصرُ الجهادية السلفية، ووقعتْ، في هذا السياق، مذابحُ وجرائم الكراهية على خلفيَّةٍ طائفية، الأمْر الذي زادَ حدّةَ الإستقطاب في المجتمعِ السوريّ، وجعَل الثورةَ تسيرُ على حافّة التحوُّل إلى حرْبٍ أهلية.
ويلاحظ"أن أي منطقة تحرّرت (من النظام) تحرّرت من سكّانها أيضًا "(ص 205)، و "أدّى تمركز مجموعات الجيش الحر في المدن (...) إلى حالات نزوح خوفًا من الآتي").
و"في هذا المقام بادَرَ عزمي بشارة إلى كشْفِ الحقائق ودَحْضِ الأباطيل فسَخرَ من "شهودِ العيان" الذين كانوا يتكلّمون من باريس على حوادث كانت تجري في دمشق مثلًا (ص 14)، ومن بعض الضباط الذين كانوا يتحدّثون إلى وسائل الإعلام من اسطنبول عن أمور سمعوا بها مِن وسائل الإعلامِ نفسها (ص 197). وانتقد إعلامَ المعارضة لأنّه ضلل الجمهورَ في شأنِ معاركٍ حاسمة، وهزئ من بعض المعارضين والقادة العسكريين في اسطنبول الذين كانوا يصدرون بياناتٍ مِن دون أن يكون لهم أي اتّصال بالواقع على الأرض (ص 176). وفي الميدان نفسه فنّد بشارة في كِتابهِ اتّهامََ المعارضةِ للنظام بقتل 120 من جنود الجيش النظامي في جسر الشغور (ص 195)، وقال إن مثل هذه الاتّهامات التي تكرّرتْ أوقعَ الإعلامَ المُعارِضَ في خطيئتين: التضليلُ وفقدانُ الصدقية. وكانت المعارضة اتّهمت النظام السوري بإعدام 120 جنديًا في جسر الشغور لأنّهم كانوا على وشك الانشقاق، وتبيّن أن المعارضة هي التي أعْدَمَتْهُم في هجومِها على المراكز الأمنيّة في تلك المنطقة (ص 440). ولمزيد من كشف الحقائق ذكرَ بشارة أن المعارضة اتّهمت النظامَ السوريَّ بقتل الصحافي الفرنسي جيل جاكيه في 11نوفمبر/كانون الثاني 2012، وحقيقةُ الأمر أن مسلّحي المعارضة أطلقوا قذائف آر بي جي على مسيرةٍ مؤيّدة للنظام فقُتل جاكيه الذي كان يتابع هذه المسيرة (ص 441). واتّهمت المعارضةُ النظامَ السوريَّ بقتْلِ رئيس قِسْم جراحةِ الصدر في المستشفى الوطني في حمص الدكتور حسن عيد في 24أوت/آب 2011، واغتيال العميد الركن نائل الدخيل نائب مدير كلّية الكيمياء العسكرية في حمص، واغتيالِ محمد علي عقيل نائب عميد كلية هندسة العمارة في جامعة حمص، واغتيالِ المهندس النووي أوس عبدالكريم خليل في حمص أيضًا، وتبيَّن أن المعارضة هي من قتلتْهُم جميعًا (ص 440)".
إذَن يعترف "عزمي بشارة" الآن بأنّ "الثورة" المزعومة لم تكن سلميّةً منذ انطلاقتها في درعا بدون أن يُعَرِّج على أكذوبةِ الأطفال الذين تمَّ نزع أظافرهم ، وبأنّ "شهودَ العيان" كانوا يختلقون أكاذيب لا أساس لها (لكنّه كان يعتمدها في تحليلاته التضليلية على قناة الجزيرة) وأنّ "الثوار السلميين" و"شبيحة الثورة" و"الجيش الحرّ" هم الذين كانوا يعدمونَ المدَنيينَ والجنودَ الذين يرفضون الإنشقاق والكفاءات السوريّة العلميّة والصحفيينَ الأجانب ، و أنّ أولئكَ"السلمييّن ينْهبُون ويدمِّرون ويَعتدُون على الجيش العربي السوري وعلى بقيّةِِ المواطنين ، وهم الذين تسببوا في حركة النزوح الداخلية والخارجية.
حسناً ، لاعترافات هذا المُرْتَزِق فائدة واحدة وهي أنّه كانَ كَتَقني مَعْرفة بامتِياز لسانَ الثوّار العملاء ومُموّليهم القطريين ، وهكذا بلسانهم ندينهم، أمّا ماتبقّى مِن خطاب هذا "المُفكّر " الضليع في الغَدْر والخيانة ، فهو مَحْض هُراء.
—————————————-
*شهادةُ الشاعر والكاتب السوري هادي دانيال في ندوة "المثقَّف شاهداً على المرحلة"التي انتَظَمَتْ في قصر المعارض بالكرم شماليّ العاصمة التونسية ضمن النشاطات التي تنظّمها إدارةُ معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الثلاثين من 25-10-2013 حتى 3-11-2013.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.