بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هادي دانيال: سوريا صخرة الصمود ضد مشروع وهم الربيع العربي!
نشر في حقائق أون لاين يوم 24 - 09 - 2013

منذ اندلاع الحريق الكبير أو ما يسمى ب"الربيع العربي" تميَّز الكاتب و الشاعر السوري هادي دانيال بموقف خاص و غريب وقتها من هذا الربيع ،موقف لخصه في ثلاثة كتب صدرت تباعا ،انتهى فيها إلى اعتبار كل ما وقع و يقع حاليا في الوطن العربي من صنيعة " القوى الاستعمارية التي تحركها شهوتها التوسعية في المنطقة و الهادفة إلى إعادة تقسيم المقسم على أسس عرقية و مذهبية" .
كان دانيال يقف وحيدا في معسكر الرفض و التصدي لمقولات الربيع العربي "الرومانسية".اليوم و ربيعنا يوشك أن يطفئ شمعته الثالثة ،امتلأ معسكر الرافضين ،و انتهينا إلى فكرة أن دانيال كان رؤيويا و طليعيا في نظرته للواقع و اكتشفنا أننا خدعنا أو لنقل أننا تعَجَّلنا الفرح.
و في كل هذا الخضم مازالت سورية تعيش ويلات "الربيع المزعوم"، فالحرب لم تضع أوزارها بعد و التهديدات الأجنبية بالغزو أو ب"الضربات التأديبية" تتصاعد يوما بعد يوم و حزام الحلفاء و الأنصار يسعى بقوة لتفادي الحريق الكبير في المنطقة .
في الحوار التالي ،يطرح لنا هادي دانيال رؤيته لواقع الصراع في سورية على المستوى الميداني و السياسي ،معرجا كعادته على نقد مواقف النخب العربية من كل ما يجري.
اليوم و التهديدات الغربية ،الأمريكية منها على وجه الخصوص، تتصاعد بضرب سورية ،لدواعي استخدامها للأسلحة الكيمائية،كيف تنظر لمشهد الصراع بوجه عام و الأطراف الفاعلة فيه : النظام،المعارضة بشقَّيها الوطني واللاوطني،القوى الدولية الداعمة لسورية و على رأسها روسيا و القوى المعادية و في مقدمتها الولايات المتحدة ؟
- كما تعلم يا صديقي مِن الحواراتِ السابقة التي جَرَتْ بيننا ، ومِن الكتُبِ الثلاثة ِ التي أصدَرْتُها تِباعاً على خلفيّةِ مؤامرةِ ما يُسَمّى "الربيع العربي" ، وهي ثوراتُ الفوضى الخلّاقة : سِلالٌ فارغة – 2011) ، (الربيعُ العربيُّ يتمَخَّضُ عن خريفٍ إسلاميٍّ بغُيُومٍ صهيونيّة – 2012) و (أوهام الربيعِ العربيّ : الوعيُ القطيعيّ)، فإنّ رؤيتي إلى مَشْهَدِ الصّراع في سوريا والمنطقة تقومُ على أنَّ الدوائر الصهيو – أمريكيّة تُنَفِّذُ مُنذ حَرْبَيْها على أفغانستان والعراق خِطّة تهدف إلى إقامةِ الشرقِ الأوسط الكبير مِن الباكستان إلى مراكش مِن خلالِ تقسيمِ الدُّوَل القائمة حالياً في هذا الحيِّز الجغرافيّ على أسُسٍ دينيّة وطائفيّة وعرقيّة ، إلى كياناتٍ أوْ دُوَيلاتٍ فاشلة تدور في فلكِ "دولة إسرائيل اليهوديّة الكبرى" ، وفي سِياقِ ذلك يجري وَضْعُ اليدِ الأمريكيّة الصهيونية على ترسانة الباكستان النوويّة ويتمّ الحؤولُ دُون امتِلاكِ إيران السلاح النووي، وتدميرُ الجيوش العربية الأربعة الكبرى : العراقي والمصري والسوري والجزائري ، والوُصولُ إلى تحقيقِ الأهداف الصهيو -أمريكيّة الأهمّ : وَضْعُ يَدِ الشركاتِ الإحتِكاريّة الإمبرياليّة الأمريكيّة خاصّة على ثرواتِ المنطقة كافّة (النفط،الغاز،الفوسفات،اليورانيوم، الذهب، وغيرها…) وطَرْد الصّين مِن أفريقيا والحدّ من طمُوحاتِ روسيا الجيوبوليتيكيّة وتعويض الغاز الروسي إلى أوربا بالقطَري وتفكيك الإتحاد الروسي والصين لاحقاً، وبالتالي تأبيد سيطرة القطب الأمريكي الواحد على السياسة الدوليّة.
وفي هذا السّياق يتمّ استخدامُ تَطَيُّراتِ الكيانات الخليجيّة وأطماع تركيا الأطلسيّة ضدّ إيران وحلفائها في المنطقة وشَيْطَنَتهم وتسويق صورتهم مُجتَمِعين كعدوّ بدِيل للعَدُوّ التقليديّ "إسرائيل" في الأوساطِ العربيّة والإسلاميّة ، وكذلك إضرام الصراع الطائفي السنّي – الشّيعي وإفراغ المنطقة مِن مُكَوِّنِها المسيحي التاريخي ، وتوظيف أوهام الإخوان المسلمين والتنظيمات السلفيّة "الجهاديّة" بإقامةِ دَولة الخلافة انطِلاقاً مِن إقامةِ الإماراتِ الإسلاميّة المُرْتَجَلَة كطُعْمٍ مَسمُوم لِتَغْذِيَةِ هذه الأوهام ، بدْءاً بإمارة غزّة الحمساويّة.
وإذا كانت هذه الخطّة قد حَقَّقَتْ نجاحات مؤقّتة بإشاعة "الفوضى الخلّاقة" في دُوَل كالصومال وأفغانستان والعراق والسودان وتونس وليبيا ومصر ، إلا أنّ سوريا كانت و لاتزال صخرةَ الصّمود الهائلة التي انكسَر عليها هذا المَدّ الوحشيّ ليبدأ جزْرُهُ و الإنعِطافُ التاريخيّ باتّجاهٍ مُعاكِسٍ تماماً للإرادةِ الصهيو أمريكيّة.
فَبَعْد أكثر مِن عامَيْن ونصْف العام تمَكَّنَ الجيشُ العربيُّ السوريّ وحَوْلَه مؤسّسات الدّولة وأغلبيّة الشّعْبِ في سوريا بقيادة الرئيس بشّار الأسد مِن قَلْبِ المُعادَلة رأساً على عقب في سوريا والمنطقة والعالم. فلَقَد خاضَ جيشُنا الباسل ملاحِمَ معركةِ وجُودٍ وطنيّ متواصِلة ضدَّ حَرْبِ عصاباتٍ إرهابيّة مُتَعَدِّدَةِ الجنسيّات ، تدعمُها عَلَناً الولاياتُ المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والكيانات الخليجيّة الأعرابيّة وتركيا والأردن والمغرب والكيان الصهيوني وأنظمة ما يسمّى "الربيع العربي" المؤقّتة دَعْماً مُطلَقاً سياسياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً.
وعلى أسُسِ هذا الصّمود والتضحيات والإنجازات الوطنيّة السوريّة في أعقَد وأقسى لحظة تاريخيّة مَرَّت بها بلادُنا نَهَضَتْ إرادَةٌ دوليّة مضادّة للإرادةِ الصهيو-أمريكيّة ، راهَنَتْ على سوريا – الوطن الثاني لكُلِّ إنسانٍ على هذا الكوكب – كساحَةِ صِراع كان أوّل تداعياتِ مُعطَياتِهِ صُعُود روسيا والصين ودُوَل البريكس ومنظومة شنغهاي ودول أمريكا البوليفاريّة ، إضافةً إلى تَحالُفِ المُمانَعَة والمُقاوَمة كمُجتَمَعٍ دوليّ جديد يتكئ إلى المواثيق والقوانين الدولية والمنظومةِ القِيَمِيّة الإنسانيّة في مُسانَدَة ودَعْم ونَصْرَة سوريا أيقونة النضال دفاعاً عن الإستقلال والسيادة الوطنيّين وحريّة الشعوبِ وتقدُّمِها في مُواجَهةِ الإستِبدادِ والغَطْرَسَةِ الإستِعماريّة الصهيونيّة الإمبريالية المُتوَحِّشة والإرهاب الدّوليّ الظلاميّ الرجعيّ المُنَظَّم.
وبأسْفارِ البُطُولاتِ التي سَطَّرَها جَيْشُنا وشَعْبُنا بالدِّماءِ الزكيّة واللهَبِ السّاطِع والتضحيات التي أسْقَطَتْ أقنِعَةَ "السلميّة" و"الحريّة" و"الديمقراطيّة" و"حقُوق الإنسان" عن الوجوهِ الذِّئبيّة للإرهابيّين المُتَوَحّشين وَمَن يَحْدُوهم مِن فُقَهاءِ الظّلام والفِتنَةِ بفتاوى القتْلِ والذّبْحِ والسَّحْلِ ناهيكَ عن الإختِطافِ والسَّبْيِ والإغتِصاب ، استَيْقَظَ الوَعْيُ الشعبيُّ مِن خَدَرِ "الثّوراتِ" المزعومة في دُوَلِ ما يُسَمّى "الربيع العربي" خاصّة . وَمِن استِبسالِ الجيشِ العربيّ السوريّ الأوّل في الذّودِ عن البلادِ والعِباد انطِلاقاً مِن عقيدتِهِ الوطنيّة القوميّة ، اسْتَلْهَمَ الجيشُ الوطنيّ المصريّ الثاني والثالِثُ حَرَكةَ ضبّاطِهِ الأحرار الثانية – بعد حركة عبد الناصر – والحاسِمَة في تخليصِ أرْضِ الكنانة مِن قبضَةِ الإخوان المُسلِمين التي كادَتْ تُجَرِّد مِصْرَ مِن إرْثِها الوَطَنيّ الحَضاريّ وَدَورِها القوميّ والإقليميّ والدّوليّ ، وتُلحِقها نِهائياً بأوهامِ المَشروعِ الإخوانيّ المُدَمِّر .
وَما أن بدَأ جيشُنا العربيُّ السوريُّ المارِدُ يَبسطُ سَيْطَرَته على مُخْتَلَفِ جِهاتِ الوطَن ويُطَهِّرُها مِن دَنَسِ قطْعانِ المارِقين والإرهابيّين التكفيريّين والمُرتَزِقة الأجانب الذين تَسَلّلُوا إلى بلادنا مِن كلِّ أنحاء الكوكب الأرضيّ ، حتى سارَعَ الإرهابيّون بإيعازٍ مِن كَهَنَةِ الدُّولار في واشنطن ونستولوجيا لندن وباريس إلى الصِّبا الإستعماري ودونْمَا أنقرة ووهّابيّي الدّوحةِ والرّياض وصهاينة تل أبيب لاخْتِلاقِ ذريعَةٍ شيطانيّة مِن أجْلِ شَنِّ حَرْبٍ أمريكيّة على سوريا تُفْضي إلى عَرْقَنَتِها، فاقْتَرَفَ إرهابيّو "جبهة النصرة" و"الجيش الحر" جرائمَهم الكيميائيّة في الغوطة الشرقيّة بعدَ خان العَسَل، وسعوا جاهِدِينَ إلى إلصاقِ تهمةِ ارتِكابها بالجيشِ العربيّ السوريّ. وكانت هذه الجرائم التي ذَهَبَ ضحيّتها المئاتُ مِن أطفالِ ونساءِ ورِجالِ العائلات السوريّة الوطنيّة المَعروفة بولائها للجيشِ والدّولة ، ذَريعَةً وحشيّةً حاوَلَ "جون كيري" ورئيسُه "باراك أوباما" اعتِمادَها للإقدامِ على ما سُمِّيَ "توجيه ضربة أمريكية مُحتمَلَة" إلى سوريا، ليسَ فقط بدُونِ تأمينِ غِطاءٍ قانونيٍّ لها مِن مَجلِسِ الأمْن الدّولي ، بل أيْضاً وبدُونِ تقديمِ أدِلَّة تُثْبتُ مِن قريبٍ أو بَعيد مسؤوليّة َ الجيشِ العربيّ السوريّ عَن هذه الجرائم ، بينما كانت روسيا تمتلِك مِن الأدِلّة المنطقيّة والمادّيّة ما يؤكّد ضُلُوعَ الإرهابيّين في ارتِكاب هذه الجرائم ، ممّا دَفَعَ الرئيسَ فلاديمير بوتين إلى وصف الوزير جون كيري بالكاذِب.
وعلى الرغم مِن ذلك استَنْفَرَ "باراك أوباما" جيشَه مُعْلِناً أنّ ضربَته سَتُنَفَّذُ في أقربِ وَقْت ، مُرسِلاً بارجاتِهِ الحربيّة إلى البحر المتوسّط ، لكنّ الأساطيل الحربيّة الروسيّة وقطعةً حربيّة صينيّة كانت قد سبَقَتْ بارجات أوباما إلى المياه الإقليميّة السورية .وكما باتَ مؤكَّداً فقد باشَرَ الجيشُ الأمريكيُّ بإطلاقِ صاروخين بالستيّين من قاعدة حربية أمريكية في أسبانيا ، فاصطادَهُما لسلاحُ الروسيّ المَعْنِيّ "الصّاحي" مُفَجِّراً أحدَهما في الجّوّ وحارِفاً الآخَر عن مسارِهِ إلى هَدَفِهِ ليسقطَ في البحر. حَدَثَ ذلك بينما كان "أوباما" يحاوِل -على أساسِ أنّ الحرب خدْعة – التّمويه على ضربَتِهِ المؤكَّدَة بالإعلان عن أنّه طلبَ مِن الكونغرس الموافقة على الضربة ليقتَسِمَ مع البيت الأبيض كالكَفَنِ تداعياتها. لكن عمليّا بدأتْ الضّرْبَةُ وانتهَتْ بإسقاطِ الصاروخين البالستيّين ، كما أشرنا آنفاً.
هكذا أيْقَنَ "أوباما" وإدارتُه أنّ روسيا وبقيّة حلفاء سوريا المُتَرَبِّص بصَمْت أو مُطْلِق التصريحات المُحَذِّرَة ، لن يسمحوا لواشنطن وحلفائها بأن يفعلوا في سوريا مافعَلوه في العراق وليبيا.أمّا سوريا شعباً وجيشاً ودَوْلَةً وقيادَةً فقد عبّر "وليد المعلّم" وزير خارجيّتنا عن موقفها بإيجاز بليغ حاسم :مادامتْ أمريكا قد تُخَيّرنا بين الإستسلام والمُقاوَمة فإنّ خيارَنا هُو أن نُقاوِم.
وبما أنّ روسيا بخبرتها أدرَكَتْ أنّ الأمريكيّ الجريح قد يهرب إلى الأمام بكبرياءِ "الدولة الأعظَم" التي وَجَدَتْ نَفْسَها على حافّةِ هاوية مُظلِمَة ، فقد رأتْ أنّه مِن الحِكْمَة والحرْص على عدَمِ جَرِّ المنطقةِ والعالم ربّما إلى حَرْبٍ ضَروسٍ ، أن تجدَ للرئيسِ الأمريكيّ "باراك أوباما" مَخْرَجاً مِن الورطة التي وضَعَ نَفْسَه وبلادَه فيها ، فاقتَرَحَ عليه القيصَرُ بوتين على مائدةِ عشاءٍ في قمّةِ العشرين بمدينة بطرسبورغ التاريخيّة المبادرةَ التي تقضي بوضْعِ الأسلحة الكيميائيّة السوريّة المُفترَضَة تحْتَ الرّقابةِ الدَّوليّة مُقابل عَدَم تَعريض سوريا الآن ومُستقبلاً لأيّ ضَربة أمريكيّة أو غير أمريكيّة . وهكذا طلبَ أوباما التأجيلَ المفتُوح لتصويتِ الكونغرس على "الضربة المُحتَمَلة" مع إبقاء الجيش الأمريكي جاهزا لتنفيذِها في حال عدَم التزام سوريا بتنفيذ المُبادَرَة الروسيّة.وكان طبيعياً أن توافقَ حكومةٌ مسؤولة كالحكومة السورية على مبادَرةِ الصديق الروسي الذي لم يبخلْ منذ بدأتْ الأزمة على بلادنا بأقصى إمكانات الدّعم المُتوَفّرة عنده سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً ومالياً واقتصاديا وأمنياً وعسكريا، خاصّة وأنّ المُبادَرَة لاتُجَنِّبُ سوريا "الضربةَ" التي لا يُمكن لأحَدٍ التنبُّؤ بتداعياتِها وما ستُلْحِقُهُ بمواطنينا وجيشنا وبنيتنا التحتية مِن أضرارٍ كارثيّة وحسْب ، بل بات مؤكّداً أنّ هذه المُبادرة ستدفَعُ شبَحَ الحرب التي كانت ستُفضي إليها "الضربةُ المحتمَلَة" ، وتضَع سوريا تحت المظلّة النوويّة الروسيّة ، وفي الوقت نفسه تُمكِّن جيشَنا مِن التفرُّغِ لتطهير البلاد مِن فلولِ قطعانِ تنظيم "القاعدة" وغيرهم مِن الإرهابيين التكفيريين والمُرْتَزِقَة.ذلك مايُمكِن أن يُفْضي إليهِ مؤتمَرُ "جنيف2″ المزمَع عَقْدُه غداة تنفيذِ المُبادَرَة أو بالتوازي مع تنفيذِها ، حتى في حالِ حضُور مُمَثِّليّ المُعارضة الوطنيّة واللاوطنية في الداخلِ والخارج وتَوَقُّفِ الولايات المتّحدة وحُلفائها عن مَدِّ العصاباتِ المُسلَّحَة بالمال والسلاح ، لأنّ "المُعارَضَة اللاوطنيّة"لا سلطة لها على عصابات "القاعدة" ومثيلاتها ، ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة التي وضعت "جبهة النصرة" مثلاً على قائمة المنظّمات الإرهابية أن تُدافِعَ بأيّ شكل عن استمرار وجودها على الأراضي السورية كي تقاتل "نظامَ الأسد" التي ستنفّذ الإدارةُ الأمريكيّة معه المبادرة الروسية التي تُقرُّ الفقرة جيم من النقطة الثامنة منها المتعلقة ب"المواعيد المستهدَفَة " بأنّ " القضاء الكامل على كلّ موادّ الأسلحة الكيميائيّة ومعدّاتها في النصف الأوّل مِن عام 2014″. وهذا يعني التخلي الأمريكي عن شعار إسقاط "النظام" مبدئياً وواقعياً .
أما موقف المعارضة بشقّيْها الوطني واللاوطني -كما يعبِّرُ سؤالُكَ – فالمُعارَضة الوطنيّة مُمَثَّلَةً عندي بالجبهة الشعبية للتغيير والتحرير عبَّرَتْ عن وطنيّتِها مُبكّراً نسبيّاً بمشاركتها في الحكومة انطلاقا من وعيها بأنّ الأولويّة تكون في هذه المرحلة الإستثنائيّة لدَفْع الخطَر الإرهابي الداخلي والخارجي والدفاع عن وجود الدولة الوطنيّة المُهَدَّد انطلاقاً مِن أنّ التناقُض الرئيس الآن مع الإرهابيين المتآمِرين على سوريا تنظيماتٍ ودولاً إمبريالية وأطلسية وأوليغارشية يفرض تأجيلَ التناقُضَ الثانويّ مع النظام الوطني المستهدَف في سِياق استهدافِ الدولة السورية بأسرها. وبالتالي هو مُساندٌ للمبادَرَة الروسية ولِموافقة الحكومة عليها حيث جاء في بيان للجبهة بهذا الصدد : إنّ "أهمية المبادرة الروسية ليس على صعيد لجْم العدوان فقط، بل على صعيد فتح الطريق أمام مؤتمر «جنيف2» والذي من أهمّ شروط انعقادِه وقْف التدخل الخارجي عند الحدود السورية والبدء بإطلاق العملية السياسية والحوار السوري السوري والذي سيقرر نتائجه النهائية الشعبُ السوري أولاً وأخيراً على أساس وحدة سورية أرضاً وشعباً".
أمّا المعارضة اللاوطنيّة مُمَثَّلةً بما يُسمى "إئتِلاف" الدوحة سابقاً والرياض لاحقاً ، فقد أصيبَ رموزُها الخَوَنة من اليسار واليمين مدنييّن وعسكريين بذُعْر وهستيريا عبَّر عنهما ما أطلقوه من تصريحاتٍ بعضُها يعوي مُتَفَجِّعاً ومُحذّراً الولايات المتحدة من أنّ المبادرة الروسية ستجعل الكونغرس لا يوافق على توجيه ضربة أمريكية إلى سورية كما هو موقف العلْج اليساري سابقاً "ميشيل كيلو" ، وبعضُها ينعَق بأنّه يجب وضع أسلحة الجيش العربي السوري جميعها تحت الرقابة الدولية وليس الأسلحة الكيماوية فقط . كما هو موقف الصحفي اليساري سابقا البترودولاري لاحقاً "فايز سارة" ، وبعضها ينبحُ على الغيوم مُهدّدا "أصدقاءه الأمريكيين المخدوعين " بأنه سيواصل القتال حتى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد كما هو موقف اللواء المنشقّ"سليم إدريس " رئيس أركان عصابات "الجيش الحر" الذي وصلَ به العتْهُ درجَةَ أن يتّهم الرئيس بوتين والوزير لافروف بأنهما يتقاضيان رشاوى من "رامزمخلوف" صاحب شركة الإتصالات السورية "سيرياتيل"مقابل مساندة سوريا ! بعد أن رفضا رشاوي بندر بن سلطان طبعاً!. وهؤلاء وغيرهم من "الإئتلافيين" الخوَنَة يعبّرون عن ما يُمليه عليهم أسيادُهُم في الرياض وأنقرة اللتين مازالتا تتحركان في هامِشٍ تركَتْهُ لهما سيدتهما واشنطن بانتِظار تنفيذ المُبادَرة وبالتالي إلغاء هامش معاتبة السياسة الأمريكية.
أمّا الطّرف الحربائيّ بين شقّيّ المُعارَضَة آنفيّ الذّكر ، وأعني هنا "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي" فلم يُوافِق رموزها على المُبادَرة فقط بل ادّعوا أنّها مبادَرَتَهُم ، حيث زعَمَ الحيزبون الطائفي "حسن عبد العظيم" المنسّق العام للهيئة في تصريح ليونايتد برس انترناشونال، عبر الهاتف من القاهرة " إن المبادرة الروسية استندت إلى مبادرة قدمتها الهيئة في اجتماع مكتبها التنفيذي، وعرضتها على السفير الروسي في لبنان، ألكسندر زاسبيكين، الذي اهتمَّ بها كثيرا ،وأنّ الخارجية الروسية أدخلتْ تعديلاتٍ على مبادرة هيئة التنسيق واعتمدتها كمبادرة روسية لمنعِ الضربة الصاروخية من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها ضد سورية" ، وعندما نقرأ بقيّة تصريح "عبد العظيم" يتبيّن لنا أنّ "التعديلات" الروسية على مبادرته المزعومة لم تُبْقِ منها غير تجريد سورية من أسلحتها الكيميائية . وهذا يؤكّد حقيقة موقف هيئة التنسيق المُعادي للجيش العربي السوري قوام الدولة الوطنية السورية ، خاصة حين نتذكّر طلب هذه الهيئة التي يُفْتَرَض أنّها "وطنيّة سورية" من "الأخضر الإبراهيمي " بحْث موضوع تخفيض عدد جنود وضباط صفّ وضباط الجيش العربي السوري ، وهو طلب لا يُمكن "تَفَّهُمَه" إلا مِن عدوّ كالكيان الصهيونيّ مثلاً ، وزاد يقيني في موقف هذه "الهيئة" ما رمى به أحد رموزها "حسين العودات" في بدايةِ الأزمةِ الجيشَ العربي السوري من نُعوت وشتائم أترفّع عن ذكرها حين تشاركْنا هو والإعلامي "غالب قنديل" وأنا في برنامج مباشر بثّته الإذاعَةُ التونسية ،أنا من الاستديو وهُما على الهاتف من دمشق وبيروت ، ردّاً على دعوتي المعارضة الوطنيّة -كما يُصنّفون أنفسهم – إلى الوقوف وراء الجيش العربي السوري لِدَحْر قطعان الإرهابيين الظلاميين ومن ثمّ الدخول مع النظام في حوار ندّي لإرساء أسس تغيير شامل في أفق وطني ديمقراطي.وفي هذا السياق – ولو بلهجةٍ أخفّ – يندرج تصريح "هيثم منّاع"رئيس فرع المهجر لهذه "الهيئة" ليونايتد برس ، حيث قال "هناك قناعة اليوم لمسناها حتى لدى العديد من الأوروبيّين عندما نتحدث معهم في الأروقة الخاصة ترى أن سوريا لن تتخلص من القاعدة والمتطرفين إلا إذا تحالفت ثلاثة أطراف لإعادةِ هيكلة الجيش من شرفاء المنشقّين والجيش السوري ولِجان الوحدات الشعبية الكردية" ، وهنا طبعا لفَتَتْني عبارةُ "شرفاء المُنْشَقّين" هل المقصود بهم مثلا الذين كانوا يقتلون مواطنينا المدنيين والعسكريين بدون أن يأكلوا أكبادَهم ويشووا رؤوسَهُم ، أم ذلك المجنّد الذي ادّعى "مناع" في بداية الأزمة أنّه يخفيه في مكان ما داخل سوريا كأوّل حالة يتمّ بها تدشين العمل على شقّ الجيش العربي السوري الذي ادّعى "منّاع " في تصريحات متأخّرة أنّه حريص على وحدته وتقويته لمواجهة الإرهابيين وأي تدخُّل خارجي مُحتَمَل ، والآن يعود على خلفيّةِ المبادرة الروسية لوضع أسلحتنا الكيميائية تحت الرقابة الدوليّة إلى الدعوة لإعادة "هيكلة الجيش " الذي وحْدَه صان الدولة السورية حتى الآن مِن الغُزاة و العلقميّين الجدد.
وبالمناسَبَة ثمّة مَن يَدّعي أيضاً كما ردَّدَ نُجُومُ الفضائيّات "المُمانِعون اللبنانيّون خاصّة" أنّ إيران هي التي اقترحَتْ على روسيا المُبادَرَة وطلبت أنْ تُقَدَّم باسم مُوسكو نَظَراً لحَساسيّة واشنطن تجاه أي مبادَرة تصدُر عن طَهران ، فكما يُريد البَعْض أن يُجَرِّد بطولات وتضحيات وإنجازات الجيش العربي السوري وينسبها بصفاقة إلى هذا الطَّرَف أو ذاك تجْري مُحاوَلَة لِسرقَةِ الجهود الروسية النبيلة في الأزمة السورية ونسبها أيضاً لهذا الطرَف أو ذاك!.
ولإشباعِ جوابنا على سؤالكم ، نُشير إلى أنّ منظمة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة "أيباك" كانت ضدّ الضربة الأمريكية المُحْتَمَلة تَخَوُّفاً مِنّ أنّ تداعياتها قد تُهدّد وُجود الكيان الصهيوني ، على الرّغم مِن أنّ القيادة الإسرائيلية كانت تجد في الحرب على سورية الآن لحظة تاريخية لا تتكرر للتخلُّص من الجيش العربي السوري والنظام الوطني بقيادة الرئيس الأسد، أعني بهذه اللحظة أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والكيانات الخليجية وتركيا والأردن ومئات الآلاف مِن التكفيريين عبر العالم بما فيهم تنظيم القاعدة مُحتَشِدونَ جميعاً في خندَقٍ واحد ضدّ سوريا آخِر قلعة صامِدَة باقتِدار في مُواجَهةِ المَشروع الصهيوني. ولذلك طلب "أوباما" مِن "نتنياهو" رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية أن يضغطَ على "أيباك" كي تضغطَ بدوْرِها على أعضاء الكونغرس لتأمين الأصوات اللازمة للمُوافقة على الضربة . هذا طبعاً قبْل أن يُوقِظَه إسقاطُ الصاروخَيْن البالستيّيْن مِن أوهامِه.
أمّا بريطانيا فقد أخرجها برلمانُها -كما تعلم- مِن هذا الخندق مؤقتاً عندما صوّتَ برفْض المُشاركة في الضربة ، والأردن انسحَبَ بَعْد مُوافقة واشنطن على المبادرة الروسية واتجه ملكُه شَرْقاً يطلب مِن الصين "العلْمَ" الذي قد يساعده على اتخاذ موقف واضحٍ وصريحٍ مِن الأزمة السورية ، وفرنسا التي كانت صهيو أمريكيّة أكثر مِن أوباما ونتنياهو بدأت تُخَفِّف مِن حدّة خطابها السفيه إزاء سوريا، ولم يبْق في هذا الخندق غير الكيانات الخليجية وتركيا وبعض "طراطير" أنظمة "الربيع العربي" الذين يتحوّلون إلى ظاهرة صوتيّة عابرة تتلاشى تدريجياً، بعد أن يدفعَ الخليجيون صاغِرين تكاليف الاستعدادات الأمريكيّة لتلك "الضربة المُحتَمَلة" حتى لو لم تُنَفَّذ.
هكذا إذَنْ غَيَّرَ الجيشُ العربيُّ السوريُّ وَجْهَ العالَم ، وباتَتْ التَّعَدُّدِيّة القطبيّة في السياسة الدّوليّة أمْراً واقِعاً لا يُمكِنُ بَعْدَ الآن لِواشنطن ولا لِغَيْرِها القفْز عليه أو الخروج على مَشيئتِهِ بدون دَفْع الثّمَن الباهِظ المُناسِب.
عشيّة الحرب على العراق سنة 2003 كان الشارع العربي يغصّ بالتحركات الشعبية التي كانت القوى الوطنية و القومية في طليعتها،اليوم و بعد مرور عقد من الزمن تحضّر القوى نفسها لضرب سوريا بذات الذرائع التي كانت تسوّقها في حربها على العراق ،لماذا لا نرى ذات التحركات الشعبية في الوطن العربي دعما لسورية ؟ هل استطاعت قوة الدعاية المضادة أن تغيّر من بوصلة الشارع العربي أم أنّ القوى الوطنية و القومية فشلت الآن في التعبئة ؟
- المؤكَّد أنّ العدوان مُتَعَدِّد الجنسيّات والأشكال والذرائع الكاذبة على سوريا ، والدّائرة رحاه منذ آذار / مارس 2011 وبالقُوى التي خطّطتْ له كما أسلَفْنا ، وتلك التي تُمَوِّلُه وتحشد وتسلّح الأدوات التي تُنفّذه ، وبقَسْوَتِهِ ووحشيّتِهِ ونقمَتِهِ الصادِرَة عن مُركَّب نقص حضاري تاريخي، وبمَرامِيهِ وأهدافِهِ الإستراتيجيّة السياسية والعسكرية والإقتصاديّة،هُوَ استِكْمالٌ للعدوانِ على العراق ، ويَفْتَرِضُ مِن حَيث المبدأ ذات رَدّ الفِعْل الذي وُوجِهَ بهِ العدوانُ على العِراق مِن الجماهير والنُّخَبِ العربيّة والإسلاميّة. ولكنّ "الفارِق" النسبيّ هُنا ، هو أنّ التمهيدَ لِغَزْوِ العِراقِ واحتِلالِهِ سنة 2003 بعُدْوانِ حَفْرِ الباطِن والحِصار الجائر الذي دامَ ثلاثَ عشرَةَ سنة ونيِّف قابَلَهُ تَمْهِيدٌ مُكَثَّفٌ لِغَزْوِ سوريا واحتِلالِها ، والذي كان سَيَبْدأ بالضّربةِ الأمريكيّةِ ، استَمَرَّ سنَتَيْن ونصف السنة ونيّف بحَرْبٍ إرهابيّة شَرِسَة ، ناهيكَ عن الظُّروفِ الدّوليّةِ المُختلفة ، ذلك أنَّ "حُلَفاءَ" العِراق الذين اصطُلِحَ على تسميتِهِم "دُوَل الضّدّ" تراخوا وتغيَّرَتْ مَواقِفُهم مِن عدوان 1990 إلى عدوان2003، بينما حُلفاء سوريا إقليميين ودَوليّين – باستثناء "حركة حماس" التي التحقَتْ بخندَقِ الإرهابيين المُعتَدِين – كانوا حازِمِينَ في وُقُوفِهِم إلى جانب دمشق.
أمّا هَيَجان الجماهير والنُّخَب العربيّة الإسلاميّة الغاضب الذي تمَّ التعبيرُ عنه بنزُولِ مئاتِ الآلاف إلى الشّوارع فقد نَجَمَ عن عَدَمِ نَجاعَتِهِ ليسَ فقط يأساً مُطْبقاً حوَّلَه غَزْوُ العراق واحتِلالُه إلى ضَرْبٍ مِن الإستِسلامِ الجَّمْعِيّ القَدَريّ ، خلال السنوات العشْر التي تفصل بين غزْو العاصمة العبّاسيّة ومُحاوَلَة غَزْو العاصِمة الأمويّة، بل تمَّتْ مَساعٍ إلى "استثمار" انهِيارِ الجيش العراقيّ غيْر المُتَوَقَّع بالشكلِ والسُّرعَة اللتيْن تمَّ بهما ، استثماراً وتَوْظِيفاً إعلاميّا ، بِبَثِّ خِطابٍ يزعمُ أنَّ أداءَ الجيش العربيّ السوريّ لن يكون أفضلَ مَردُوداً مِن أداء الجيشِ العراقيّ (الذي تمَّ حَلُّهُ لاحِقاً) ، وأنّ جيشَنا " ليس أكثر مِن بقايا جيش مُرْهَق بأسلحة أقرب إلى الخرْدَة ، وعاجزة عن مُواجَهَة السلاح الأمريكيّ ، وما تهديدات الإعلام السوري إلا نسخة أخرى مما كان يتبجح به الصحّاف قُبَيْلَ سقوط بغداد"كما "اجْتَهَدَ عَبَثاً " أن يُرَوِّجَ أمثالُ الإعلاميّ اللبنانيّ العميل "هشام مُلْحِم" مدير مكتب قناة "العربية" السعوديّة بواشنطن ، وهُو أيضاً مراسل صحيفتيّ "النهار" اللبنانية و"القبَس" الكويتيّة ، وإذاعة "مونتيكارلو" الناطقة باسمِ الخارجيّة الفرنسيّة – مِن العاصمة الأمريكيّة .
ويجبُ أن لا نتجاهَل هُنا أنَّ العدوانَ على العِراق وبَعْدَه العدوان على الجماهيريّة الليبية وتداعياتهما ، وكذلك انهِيار الإتحاد السوفياتي ، وجَّهَتْ جميعها ضَرْبةً قاصِمةَ إلى ما كان يُسَمّى قُوى وطنيّة وقَومِيّة وتقدُّميّة ، لِتتركَ فراغاً واسِعاً عميقاً حاوَلَتْ أنْ تملأه قوى الإسلام السياسي وقُوى ليبراليّة في تحالُف بينها "فَرَضَتْه" الإرادة الغَربيّة المُملاة على هذه القوى "البديلة" التي استَقْطْبَتْ الكثيرَ مِن فلولِ قوى الوطنيين والقوميين والتقدّميين المتفكّكة بجماهيرها ونُخَبِها.
وزِدْ على ذلكَ أنَّ وسائلَ الإعلام التي كانت تُخادِع العراقَ وجمهور مُسانِدِيهِ ، كقناة "الجزيرة" التي شدّدَت "رغْد صدّام حسين" على أنّ أحَد صحفيّيها التونسيين ويدعى "محمد كريشان" قامَ بدَوْرٍ تَجَسُّسِيّ على القيادة العراقية لِصالِحِ العدُوّ الأمريكيّ وحلفائه ، هذه المنابر الإعلاميّة وخاصة القنوات الفضائيّة منها ، خَلَعَتْ أقنِعَتَها "المِهَنيّة" المزعومة ، وانْبَرَتْ تُفَبْرِكُ وَتُضَلِّلُ وَتُحَرِّضُ على سوريا في حماسةٍ مسعورة بغيَة شَيطَنَة دولتنا وجيشنا وقيادتنا ، وتُسَوِّق أوهامَ "الربيع العربي" لِتَصويرِ العدوانِ الإرهابيّ المُنَظَّم على بلادِنا وكأنّه "ثورة شعبيّة" بل "وسلميّة" كذلك!.
وقد تأثَّرَ بذلكَ سَلْباً – للأسف – ليس فقط "تقنيّي المَعرفة" والعامّة ، إنّما أيضاً بعض رموز النُّخَب المُستنيرة والمُنيرة كالبروفيسور التونسي المؤرّخ "هشام جعيّط" الذي كانَ مُتَحَمِّساً بمرجعيّة قوميّة للعراق فطالبَ الجمهورَ التونسي الذي غصَّت به بورصة الشّغل حينَها ، أن " يُبقي الأضواء مُشْتَعِلَةً إحْتِفاءً بهذا النور القادِم مِن بغداد" ، بل كان "جعيّط" على رأس اللجنة الوطنية التونسيّة العُليا لمساندة العراق ، لكنّه بعد عدوان حَفْر الباطن شَعَرَ بالإحباط وهو الذي كان يعتقد أنّ العراق سيُحَرّك التاريخَ العربي ، على حَدّ تعبيره ، وقال لي ذات صباح زرْتُه خلاله في منزله في "كورنيش الشاطئ" بضاحية المرسى "لقد كذبوا علينا" في إشارة إلى القيادة العراقية ، مُستغربا بالأخصّ عَدَم ظهور الطيران العراقي ولو في معركة واحدة مع طيران التحالف !. رُبّما تحْت تأثير هذه الصّدمة صَمَتَ تماماً إزاء المؤامرة على سوريا والعُدوان المُحْتَمَل عليها.
ولكن على كُلِّ حال إذا كان نظام الرئيس صدّام حسين الوطنيّ قد عَوَّلَ كثيراً على الرأي العام العربي والدّوَلي الرافض للعدوان على أرضِ السَّواد ، فإنّ مُعْطَيات الصِّراع تُشير إلى أنّ سوريا دَولةً وَشَعْباً وقيادَةً راهَنَتْ في معركتها المفروضة عليها على تماسُكِ الدولة والشّعْب حول القيادةِ والجيشِ الوطنيّين ، بدُونِ تَعْويلٍ على الرأى العام العربي والدّولي ، وَعَدّه مُجَرَّد رافدٍ تكميليٍّ وغيْر حاسِم أو مؤثِّر على قُوى الإستبداد الدُّولي التي لا تأبه عمليّا بالرأي العام داخل بلدَانِها فما بالكَ برأي شُعُوبٍ تنظرُ إليها دوائرُ القرارِ الغربيّة الصهيونيّة مِن مَنظُورِ قانُونِ الغاب باحتِقارٍ عُنْصُرِيّ وَغَطْرَسَةٍ لا مُبالية .
إذَنْ في معركةٍ مصيريّة وُجُودِيةٍ كالتي نَخُوضُها ، نَسْتَنِدُ أساساً إلى تَماسُكِ ووطنيّةِ وعقيدَةِ جيشِنا العربيّ السوريّ ، وإلى صُمُودِ شَعْبنا الذي يحسّ و يَعي جيّدا أنَّه إذا خَسرَ دَوْلَتَه وَجَيْشَه سيَخْسَرُ وطنَهُ وبقاءَهُ على وَجْهِ البسيطة ، كما نتكئ بثِقةٍ إلى حُلَفائنا الذين نتقاسَمُ مَعَهُم المبادئ والمَصالِحَ والوعي العميق بأنّ خَطَرَ المَشْرُوع الإمبريالي الصهيوني يَدْهَمُنا جميعاً وَدَفْعَةً واحِدَة … وهذا رهانُ رابحٌ نسبياً حتى الآن كما تؤشِّرُ سُوحُ الوغى العسكريّة والسياسية.
في ذات سياق المقارنة بحرب العراق،نلاحظ اليوم انقساماً كبيرا في معسكر النخب العربية في موقفها من ضرْب سوريا: مثقفون و فنانون و أدباء واصلوا في نفس النهج الرافض للتدخلات الامبريالية، على حد تعبيرهم ، مهما كانت أسبابها و ذرائعها ،و آخرون حاولوا إيجاد مبررات لهذا التدخل . هل إلى هذا الحد يبدو المشهد ضبابيا و غامضا حتى تفشل النخب العربية في توحيد موقفها من غزو أجنبي واضح المعالم ؟
- كما تعلم ياصديقي ، وكما كُنّا قد فَصّلناه تقريباً في حوارنا السابق الذي ضمَّهُ كتابي "أوهامُ الربيعِ العربي : الوعيُ القطيعي" ، فإنَّ تقنيّي الثقافة والكتابة والفنّ ومجالات المعرفة بعامّة ، الذين كانَ يربطُهُم بخِطابَيّ نظامَيّ الزعيمَيْن الشهيدَيْن صدّام حسين ومعمّر القذافي رابطُ "البترودولار القومي" إنْ جازَ التعبير ، سُرْعان ما انقَلَبُوا على النّظامَيْن المذكورين عندما جَفَّتْ أثداؤهُما وباتتْ تفْرزُ دَماً بَدَلاً مِن الأوراقِ الخضراء ، فانتَقَلَ تقنيّو المعرفة مِن النُّخَبِ التي ذكرْتُها إلى رضاعَةِ أثْداءِ أعْراب الخليج التي ما تزال قادِرةً على نَفْخِ جيُوبِ تقنيي المعرفة الذين أشرنا إليهم آنِفاً ، كما هُو حال "مُطاع صَفَدِي" ، وإبراهيم الكوني، وصلاح فضل وغيرهم ، بزينةِ "حياتِهِم الدُّنيا".
وإليكَ هذا النموذَج الآخَر من الجيل الجديد أيضاً لِتَقنيي المعرفة : فَقَدْ قدَّمَ لي صديقٌ عزيزٌ منذ سنواتٍ "فيلسوفاً" تونسياً شاباً دَرَسَ في سوريا ويعدّ نَفْسَه مُحاصَراً مَعْزولاً في بلادِهِ بسبب تصنيفِهِ "سوريَّ الولاء!" ، وطلبَ منّي صديقي مساعدةَ هذا الشاب في نَشْر نصوصِهِ في مجلة "أوغاريت" الألكترونيّة التي كان يُديرها الشاعر نديم الوزة قبل أن تتوقّفَ لاحقا عن الصّدور بعدَ الأزمة وبسببها ، فلم أساعده فقط في ذلك بل أقنَعْتُ صديقي صاحب دار فرقد للنشر بدمشق بأن يطبعَ له كتابه الأوّل . وفي واقع الأمْر لم يكن يَحْدوني إلى ذلك كونَه دَرَسَ في سوريا أو ادّعى ولاءه لها، بل كنتُ مَعنِيّاً وما زلتُ في إطلاقِ الطاقاتِ الفكريّة عندَ أي كاتبٍ أو مُبْدِعٍ شابّ بدُونِ قيْدٍ أو شَرْط ، مادامَ بمَقدُوري ذلك.وعندَما كُلِّفْتُ مِن جهةٍ صحفيّة في بلادي بإعدادِ ملفٍّ في شأنٍ عربيٍّ سوريٍّ ، دَعَوتُهُ إلى المُشارَكَةِ فيهِ فانْدَفَع في مُطَوَّلَةٍ حبريّةٍ بِكَيْلِ مديحٍ لم أنتظرْهُ أو أشَجِّع عليه للحزب الحاكم عندَنا . ولكن بَعْدَ سَنواتٍ ، ومع بداياتِ الأزمة السوريّة تَوَقَّعْتُ مِن وَعْيِهِ السياسيّ المُفْتَرَض أن يَتَّخِذَ موقِفاً نقدِيّاً مِن مؤامَرَةِ "الربيع العربي" عندَما بدَأتْ يَدُها السوداءُ تدقّ البوّابةَ السوريّة ، لكنّه فاجأني قائلاً بصَوْتٍ مُرتَجِفٍ على الهاتف إنّه "في لحظةِ تَرَقُّبٍ كي يحسمَ في شأنِ اختِيارِ الطّرَفِ الذي سيقف إلى جانبهِ في الأزمة السورية". ثُمَّ بدأ يُنْشِئ نصُوصاً تُشيد بما عَدَّهُ "ثورةَ حريّة وكرامة " في تونس ، بل انْدَفَعَ إلى ترْشيحِ نفسِهِ لانتخاباتِ المجلس التأسيسي التونسي ، لكنّ "الحظّ؟" لم يُسعِفْه بالفوز .
ومُؤخَّراً عندما انقَشَعَتْ "أوهامُ الربيعِ العربيّ" حتى في وَعْيِ العامّة ، اقتَرَبَ منّي حين كنْتُ واقِفاً أمامَ مَقرّ الإتحاد العام التونسي للشغل أنتظر اكتمال الحشد الجماهيري لانطلاقِ مسيرةٍ جماهيريّة رفضاً للضربة الأمريكية المحتمَلة ضدّ سوريا، اقْتَرَبَ مُحيِّياً وكأنّه يقول لي "ها أنا اخترْتُ بعدَ عامَين ونصف العامِ مِن الحرب الإرهابية على سوريا" ، فَشَعَرْتُ بوَخْزٍ في معدتي وأنا أصافِحُهُ على عَجَلٍ قبْلَ أن أدِيرَ له ظَهْري.
ولكنّ المشْهَدْ لم يَخْلُ بل هُو عامِرٌ نسبيّاً بالمُفكّرين السياسيين والمُبْدِعِين شعراءً وكتّاباً وفنّانين ، مِن الذين وقَفُوا في خَنْدَقِ سوريا الوطنيّ ذات الوِقْفَة المبدئيّة الصادِرة عن وَعْيٍ وطنيٍّ وقوميّ وتقدُّميّ إنسانيّ ومَعْرِفيّ مُقاوِم ، التي وقفُوها في خندق العراق قبل غزوِهِ واحْتِلالِه ، إنّها الأسماء ذاتها ، مِن المفكّرين السياسيين كالمصري محمد حسنين هيكل و البريطاني جورج غالاوي و الأمريكي رمزي كلارك إلى الشعراء الفلسطينيين كخالد أبوخالد ، مُراد السوداني وخالد درويش ، والفنانة السورية رغدا… تمثيلاً لا حَصْراً.
أمّا الذين اختاروا خندَقَ أعداء الوطن والمُواطن على غرار ذلك القطيع مِن ذكور النِّعامِ الثقافيّة السوريّة وإناثها الذي أصدر بياناً بعد عامين ونصف مِن تدمير البلاد وقتْل العِبادِ على أيدي إرهابيين سلفيين ومرتِزقة مُتعدديّ الأعراق والجنسيات والولاءات تسللوا إلى الأراضي السورية ، يتحدّث فيه مُوقِّعُوه عن "تمسكهم بالمبادئ التي انطلقت منها الثورة الشعبية في آذار 2011، و التي لخصتها شعارات الحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية و الوحدة الوطنية" وعن "دعمهم القوى الثورية الحية المناضلة من أجل قيام نظام ديمقراطي تعددي يحرص على استقلال سورية و أمنها و وحدة ترابها الوطني، و يكفل الحريات العامة و الفردية و المساواة بين جميع المواطنين دون أي شكل من أشكال التمييز بينهم ". وكأنّ كلّ هذه المجازر التي يرتكبها الإرهابيون الذين يُمَوّلُهُم ويُسلِّحُهُم ويرسلهم إلى القتل والتخريب في سوريا ذات الجهات التي تُمَوِّل موقّعيّ البيان إيّاه ، أعني أجهزة مخابرات قطر والسعودية والإمارات وتركيا والسي آي إي ،كأنّ المجازر وقطع الرؤوس وشيّها وسَحل الجثث تجري في مكانٍ ما مِن المرّيخ. أمّا هؤلاء الذين لم يجدْ بعضُهُم حَرَجاً في الترحيب عَلَناً بالضربةِ الأمريكيّةِ المُحْتَمَلَة ، فَهُم على الأغلب كَتَبَةُ الصُّحُف الخليجيّة ، وأولئكَ الذينَ اخْتاروا الإرتباطَ بأجهزةِ المُخابراتِ الأجنبيّة مُقابلَ إقاماتِهِم القديمة والحادِثة في العَواصِمِ الغَرْبيّة.
وعلى كُلِّ حال ، إنَّ الذينَ "يتَمَعَّشُون" ناعِقِينَ على خرائبِ "وطَنِهِم" أوهكذا كان افتِراضاً ، ووالِغِينَ في دِماءِ "مُواطِنيهِم " افتِراضاً أيضاً ، ضَحايا إرهاب "الجهاديين"الأتراك والليبيين والتونسيين والسعوديين والأردنيين والشيشانيين والبريطانيين والبلجيكيين وغيرهم مِن التكفيريين والمُرتزِقة ، فإنّ إناثَ وذكُور قطيع النِّعام الثّقافيّ هذا لن يجدُوا لهُم مَكاناً ليسَ فقط في مُستَقبَلِ ثقافتِنا الوطنيّة ، بل ولا حتى في الهوامِشِ الضيِّقة المؤقّتة للثقافة الإنسانيّة الرّحبة. ولن يَعْلَقَ أحَدٌ مِنْهُم في غربالِ التاريخِ ذي الثُّقُوب الواسِعَة والحاسِمة ، التي سَيَخرُّ مِنها صَرِيعاً في مَزابلِ التاريخِ كُلُّ من عَجزَ عَن تَمَثُّلِ مَقُولَةِ الشاعرِ الدّاغستانيّ السوفياتيّ الخالد رسول حمزاتوف : " يحقُّ للإنسان أن يُقاتِلَ مِن أجْلِ أمْرَيْنِ فقط : مِن أجلِ وطَنِه ، ومِن أجلِ امرأة" ، فَمَن يخون وطَنَه لن يكونَ أعْلى مِن دَيُّوثٍ ازاءَ أيِّ امرأةٍ شاءَ حَظُّها العاثِرُ أن تُبْتَلى به.
اليوم و سورية على مفترق طرُق،و سيناريو ضياع الدولة و الوطن غير بعيد ،كيف ينظر هادي دانيال إلى مستقبل بلده؟ هل تسير الأمور إلى عراق جديد ؟ أم أنّ سورية ستعود من بعيد،من تحت الركام ، لتتزعم المنطقة بأسرها ؟
- لا أخْفيكَ أنّني بمُراجَعَةِ مُعْطَياتِ التاريخ المُعاصِر لِصِراعِنا مع العدوّ الإمبريالي الصهيوني الرجعي ، لا يُمكنني أن أستَبْعِدَ نِهائيّاً احتِمالَ سيناريو جديد ل"ضَرْبَةٍ" يتُوقُ إلى تنفيذِها أعداؤنا الإقليمِيُّونَ : الكيان الصهيوني ، حكومة أردوغان، و الحاكِمُون بأمْرِ واشنطُن مِن أعرابِ الخليج. وستجرّ هذه "الضربة" المنطقةَ إلى ذاتِ الفوضى الإرهابيّة العنيفة التي كانت ستُفْضي إليها "الضربةُ" الأمريكيّة التي كانت مُحتَمَلة . ولكن مايبعَثُ الأمَلَ ، إلى جانبِ ازدِيادِ جَيْشِنا العربيّ السوريّ تَماسُكاً وصَلابَةً وقُوَّةً في العدَّةِ والعَتادِ والخبرة القِتاليّةِ ، ذلكَ المَوقِف الرّوسيّ الذي أزدادُ اقتِناعاً يَوْماً بعْدَ يوم بأنَّه يُشَكِّلُ مِظَلَّةَ أمان تَقِي بلادَنا مِن شَرِّ "ضَياعِ الدَّولةِ والوَطَن" و"العَرْقَنَة" كما عَبَّرَ سؤالُكَ.
فاحتِمال "الضّرْبة" بذريعَةٍ جديدة كأنْ تُقْدِم العصاباتُ الإرهابيّةُ على "اسْتِفْزازِ" الكيان الصهيونيّ – ربّما بالتنسيق مع الموساد نفسه – عبْرَ استِهدافِ أمكنةٍ مُعَيَّنَة مِن فلسطين المحتلّة بأسلحةٍ كيماويّة مُصَنَّعَة ربّما في "إسرائيل" ومُسَلَّمَة إليهم لهذا الغَرَض ، فيشتعلُ بذلكَ فتيلُ الحربِ الإقليميّة ، مازالَ احتِمالاً قائماً. بل إنَّ المعلومات التي يتمُّ تداوُلُها بشأنِ تحضيرات تقوم بها " جبهة النصرة" و "دولة العراق والشام الإسلامية" التابعتان لتنظيم القاعدة لتفجير سدَّيّ الفرات و البعث في الرقة، ممّا يُحَتِّمُ ، في حال تنفيذه، حصُول كارثة إنسانية في سوريا والعراق بإغراق آلاف القرى ، وبالتالي تدمير مساحات واسعة من سوريا جراء غمرها بالمياه، ووفاة آلاف المواطنين في كارثة إنسانية واقتصادية يصعب تحديد نتائجها.أي كارثة لم يسبق لتاريخ العالم أن شهدَ لها مثيلا. فهذه مَعْلُومات لا يُمْكِنُ أن تُهْمَل ، فالعقلُ الإجراميّ للتخطيط لهكذا جريمة ضدّ الإنسانيّة مُتَوَفِّرٌ في تركيا والسعودية والكيان الصهيوني كما أنّ أداة التنفيذ "البشريّة" متوفِّرة بكَثْرَة عند التنظيمات والفصائل التكفيرية.
إلا أنّ جَيشَنا وحلفاءنا – روسيا وحزب الله خاصَّة – يفتَحُون عُيُونَهم جيّداً على هكذا احتمالات للإستيعاب ولَجْم رَدِّ الفعل الإسرائيلي بخصوص الإحتمال الأول ، وبغية اتّخاذ التدابير الكفيلة حتماً بعَرْقَلَة وتعطيل تنفيذِ الإحتِمال الثاني.وعندما يُصَرِّحُ القادة الرُّوس بأنَّ أيّ ضَربة يتمّ توجيهها إلى سوريا تَجْعلَ مِن مُبادَرَة وَضْعِ السلاحِ الكيميائي السوريّ المُفْتَرَض تحتَ الرقابةِ الدَّولية تمهيداً لإتلافهِ مُبادَرةً مُلْغاةً ، فَمَعنى ذلكَ أنَّ موسكو تأخذ هذه الإحتِمالات وغيرها في حُسْبانِها .
لذلكَ لا تَعْني المُوافَقَةُ المبدئيّة على المُبادَرةِ الرُّوسيّة الإسراعَ في تنْفيذها وكأنّ أسلحتنا المُراد تجريدَنا مِنها عبءٌ فولاذيٌّ نتحيَّن الفُرَصَ المؤاتية للتَّخَلُّصِ منه ، كما فَعَلَ القذافي بأسلحته الإستراتيجيّة التي سَلَّمَها إلى الغَرْبِ الذي فوجئ أصلاً بامتِلاكِ الجماهيريّة لهكذا أسلحة. إنَّ كُلَّ سلاحٍ سوريّ ثمينٌ عندَ شَعْبنا لأنه ابتِيعَ أو صُنِعَ بِعَرَقِه وجهْدِه ، ولذلكَ لايُمكِنُ التّفْريطُ بهِ إلا بمُقابِلٍ يوازِيهِ على الأقلّ في أداء الوظيفة الأمنيّة المأمولةِ منْه ، لذلك لن تُسَلَّمَ الأسلحة الكيميائية المُفْتَرَضَة إلا بَعْدَ تَوفُّر الضمانات الكافية والملموسة بأنّ هذه الأسلحة لن تُقَدَّم قرباناً مجّانياً ، بل ستَرْفَع عن عنُقِ سوريا ليس فقط سَيْفَ "الضَّربة" المُتَوَقَّعَة وإنّما أيضاً ترفع سَيْفَ الإرهاب الذي مازال مُمْعِناً في تقطيعِ رؤوسِ وأوصالِ البلاد والعباد.
هكذا أفهم تصريحَ وزير خارجيّتنا وليد المعلّم المعلم:"أعلن ترحيب الجمهورية العربية السورية باقتراح القيادة الروسية انطلاقا من حرْص القيادة السورية على أرواح مواطنينا وأمْن بلدنا وانطلاقاً من ثقتنا بحكمة القيادة الروسية الساعية لمنع العدوان الأمريكي على شعبنا".
إذَنْ لا بُدَّ لهذهِ المبادرة التي سنُضَحِّي بمُوجَبِها بسلاحِ تَوازُنٍ استراتيجيٍّ ثمين – بغَضِّ النّظر عن الأطروحاتِ الإعلاميّة البائسة بخفّتها وادّعاءاتها والتي تزعمُ أنّ سلاحَنا المطلوب للرقابة الدّولية والإتلاف كان زائداً ، وأنّ "إسرائيلَ" خِلافاً لِما يُشاع (؟!) لا تمتَلِكُ سِلاحاً نوَوِيّا وكيميائيّا يُوجِبُ امتِلاكَ سِلاحٍ لتحقيقِ تَوازُنِ الرُّعبِ معه – لابدّ لهذه المُبادرة إذَنْ أنْ تُرْسِي أسساً تَحمي بلادَنا مِن خَطَرِ الزّوال كَكَيانٍ تاريخيّ وجغراسياسي وطني ، وأن تُعيدَ إلى دمشقَ دَوْرَها الإقليميّ الفاعل والحاضِنَ للقضيّةِ الفلسطينيّة التي بدُون إيجاد حلٍّ عادِلٍ لَها يُمَكِّن الشعب الفلسطيني مِن استِعادَةِ حقوقِهِ المَشروعَة في العَودَة وتقرير المصير وإقامة دولته الوطنيّة المُسْتَقِلّة ذات السيادة ضمن حدود 4حزيران/ جوان 1967وعاصمتها القدس ، لن تَشهَدَ منطقتنا استقرارا، ناهيكَ عن حقّنا الوطني كسوريّين في استِعادَة جولاننا المحْتَلّ وحقّنا التاريخيّ في لواء اسكندرون السّليب و الإطمئنان على حقوقِ أكثر مِن عشرين مليون سوري يتعرّضونَ مثلهم مثل الأكراد وبقيّةِ الأقليّات لِحَيْفِ الحكومة التركية العنصرية الإرهابيّة.
وبِمُوازاةِ ذلكَ وعلى ذاتِ القدر مِن الأهميّة ينبغي أن نستعيدَ قدراتنا الاقتصادية التي كانت نموذجيّةً نسبياً وقياسا إلى بقيّة دُوَل المنطقة مما كان يُؤرِّق بعضَها كتركيا التي عبّرتْ عن حقْدٍ كامِنٍ في هذا المجال أيضاً عندما دفَعَتْ بإرهابييها ومرتزقتها إلى تفكيكِ المصانع السورية ونقلها أجزاء وبيْعها في تركيا كضَرْب من سَحْل وسائل الإنتاج السورية والتمثيل بها.
كما أننا حريصون على تمكيننا مِن الحفاظ على نَمَطِ حياةِ المُواطن السوري ، فإذا كان "جورج دبليو بوش" قد أعلنَ أنّه يُرسِلُ الجيوشَ الجرّارةََ إلى الشرق الأوسط وغيره مِن أنحاء العالم من أجْلِ الحِفاظِ على "نَمَطِ حياة المُواطنِ الأمريكي" التي تقومُ على نَهْب خَيْراتِ الشّعوب المُسْتَهْدَفَة بالقوّة العسكريّة ، فإنه مِن الأولى بنا كشَعْبٍ تستَهْدِفُهُ قوىً أجنبيّة ٌ غاشِمَةٌ أن نُدافِعَ بكُلِّ ما أوتِينا مِن قُوَّة عن " نَمَطِ حياةِ المُواطِن السوريّ" أيضاً ، بَعْدَ أن نُعيدَ إعْمار ماتَهَدَّمَ مِن البُنى التحتيّة والفوقيّة عندنا ، أي ما تهَدَّمَ داخلَ المُواطِن السوريّ وحَوْلَه ، هذا الإعمار الذي سيكون بكفاءاتٍ وسواعد سورية كما أكدتْ القيادة السورية بلسان رئيس الحكومة "وائل الحلقي" مؤخّراً ، فعَلى سماسرة الشركات الأجنبيّة التي تُغَذّي الحربَ والخرابَ لتستثمرهما تحت عنوان "إعادة الإعمار" ، أن "يُمَضْمِضوا".
ولذلكَ ياصديقي ، لا أجدنا معنيّين بأطرُوحاتٍ كالتي طلعَ بها علينا المفكّر اللبناني "أنيس النقّاش" عندما دعا من قناة فضائية سورية رسميّة إلى "كونفدراليّة مشرقيّة " تضمّ إيران وتركيا ومصر والعراق وسوريا ، وتكون مرجعيّتها شعبيّة . فهذه الأطروحة التي اعتمدَت على مُقدّمات عامّة لا نختلف فيها معه كتشكيكه بالثورة العربية الكبرى وأهدافها وبولادة "جامعة الدّول العربية" مِن رحم مؤامرة إنكليزية على المنطقة ومِن أنّ هذه الجامعة تشهد الآنَ مَوتاً سريرياً ، إلا أن ذلك لا يعني عندنا الوصول إلى نتائج فوق واقعيّة كالدعوة إلى إقامة "الكونفدرالية المشرقيّة" على أنقاض "جامعة الدول العربية" غير المأسوف عليها بالتأكيد.
إنّ هذه الأطروحة تُشَوِّشُ على مَشروعِنا الوطنيّ الذي وإنْ كانَ يَفيد مِن علاقات خاصّة ٍ مع مِصر والعراق مثلاً ، لكنّ الأطماعَ التوسُّعِيّة لِتركيا وكونها عضواً في الحلف الأطلسي وتحالفها التقليدي مع الكيان الصهيوني إضافةً إلى دَورِها الحالي في العدوان على سوريا منذ بداية الأزمة تجعل هذه الأطروحة استفزازيّة ، أما إيران التي تُضَحِّي سوريا مِن أجل استِمرار العلاقة معها في إطار السياسة السورية الحريصة على حسْن الجوار الإقليمي – والتي لا أستبعِد أن تكون ،أعني طهران ، وراء أطروحة "أنيس النقاش" – فإنّها تؤكّد أنّها ذات مَشْروعٍ مُخالِفٍ لتطَلُّعاتِ شعبنا إلى مَشروعٍ وطنيّ علمانيّ في أفُق قوميّ وإنسانيّ ، يجعلنا غير مَعنيّين بالإستئناس بتهويمات "النقّاش" حتى وإن أطلقَها من وسيلة إعلاميّة سورية ورسميّة، خاصة وأنه في الوقت الذي كان يُفْتَرَض أنّها مَعنِيّة بمقاوَمَةِ العدوان على سوريا الحليفة موضوعيا لها ، أوهكذا سوريا تفكّر وتتصرَّف ، كانت طهران في إطار الترويج لما يُسَمّى مَشروع الصحوة الإسلامية تدعَم نظام راشد الغنوشي الذي أغلق سفارة سوريا في تونس واستضاف أول مؤتمر لما يُسمّى "أصدقاء سوريا" وحاربَنا – ولايزال – إعلاميا ، ودبلوماسيا في الجامعة العربية والأمم المتحدة وغيرها ، وأرسل آلاف الإرهابيين السلفيين التونسيين للقتال الوحشي ضد الشعب والدولة والجيش في سوريا، كما تدعم طهران حركة حماس على الرغم من إعلانها مروقها على تحالف المقاومة والممانعة وانحيازها للمعسكر الإخواني الخليجي التركي الصهيوني الغربي ، وتدعم كذلك نظام محمد مرسي السابق الإخواني الذي أعلن "الجهاد" رسميا كرئيس لجمهورية مصر العربية على سوريا ، وقد يكون هذا الأمر من أسباب ثورة الثلاثة وثلاثين مليون مصري الذي أطاحت بنظام الإخوان في مصر والتي حاولت طهران في البداية عدّها غير شرعيّة لأنّها أطاحت بحليفِها الإخواني! . وأنا بالمُناسَبَة لا أتطَيَّر فقط مِن هذا البعد الديني للمشروع الإيراني ، بل أيضا من إمكانية توظيف هشاشَةِ وَضْعِ بلادِنا بعدَ خروجِها من الأزمة – بعَوْن الله وعزيمةِ جيشِنا الباسل وشعبنا الصّامِد – في مَشْرُوع مايُسَمّى "مُعَسْكَر روحاني-رفسنجاني"ذي النزوعِ الغَرْبيّ في عُمْقِهِ خاصَّةً بَعْد خطاب رفسنجاني الذي لم يكن فقط غير ودّيّ بل كان أكثر عدائيّةً تجاه القيادة الوطنية في سوريا مِن مِن خطاب باراك أوباما نفسه.
لقد قال "هاشمي رفسنجاني" الذي يشغل حالياً منصبَ رئيس "مجلس تشخيص النظام" الإيراني في خطاب ألقاه قي مطلع شهر سبتمبر /أيلول2013 " نحن نُواجه العَزْلَ والعقوبات والمُقاطَعَة … ولكننا شهدْنا في الآوِنةِ الأخيرة خَطَراً أكبر . فاليوم تدقّ أمريكا والعالمُ الغربيّ وبعضُ الدول العربية طبولَ الحرب تقريباً …لقد عانى الشعبُ السوري كثيراً في العامين الماضيين . فقد قُتِلَ أكثر من مئةِ ألف شخص وتشرّد حوالي ثمانية ملايين مُواطن ، وامتلأت السجُونُ بالناس ، وجَرى تحويلُ الملاعب إلى سجون ،فَمِن ناحية تعرَّضَ الناسُ للهجومِ بالأسلحةِ الكيميائيّةِ مِن قِبَلِ حكومتِهِم ، ومِن ناحية أخرى يتوقّعونَ القنابلَ الأمريكيّة" وقد نشرَتْ وسائلُ الإعلامِ الرسميّة الإيرانيّة أكاذيبَ رفسنجاني الحاقدة ضدَّ دولةٍ كانت الوحيدة خاصّة حين كان هذا المسعور رئيساً لجمهورية إيران الإسلامية من آب/أوت 1989 حتى آب/ أوت 1997 ،التي تقف إلى جانب إيران عندما كانت تتجرَّع سُمَّ الهزيمة منبوذةً مَعْزولَة (سلاماً ياجدّنا المُتنبّي لِقَولكَ : إنْ أنتَ أكْرمْتَ اللئيمَ تَمَرَّدَ) ولا يُخَفِّفُ مِن خطورةِ كلامِ رفسنجاني المَسْموم أنْ يكون قد خَضَعَ للرقابةِ لاحِقاً وتمَّ تعويضَهُ بما يُعَدِّلُ مِن عدوانيّتِه ، فإن كانَ صاحبُ هذا الخطاب الغادِر خَرِفاً فلماذا مازال على رأسِ "مجلِس مصلحةِ تشخيصِ النِّظام" ؟، وهل يُعْقَل أن يَصدرَ تصريحٌ على هذا القدر من الحقْدِ غير المُبَرَّر والغَدْر والتَّنَكُّر تِجاه حليفٍ مُجَرَّب في مروءتِهِ ونُبْلِه كالنظام الوطني السوري لأنّه يمرّ في لحظةٍ قاسيةٍ وصَعْبة لا يخفى على أحَد أنَّ إصرارَه على عَدَمِ فكِّ تَحالُفِهِ مع "الحليف" الإيرانيّ أحَد أسبابها الرئيسة؟ . ثُمَّ هل مِن مَصلَحتِنا الوطنيّة أنْ نَضَعَ مصيرَ بلادِنا في مَهبِّ مزاجِ وتَقَلُّباتِ "مصلحةِ النظام" الإيراني ، خاصّة في حال ضعْف الجناح الذي مازال يعتمدُ خطاباً لم تُغادِرْهُ بَعْدُ مفرداتُ "المُقاوَمَة" و"التَّشَدُّد" إزاءَ الغَرْب والكيان الصهيوني؟ . ولكن هذا لا يعني أنْْ نَخْرجَ على تحالُف المُقاوَمَة والمُمانَعَة لأنهما جزء مِن خيارنا وثقافتِنا ، مثلما بقيَت سوريا "قلبَ العروبة النابض" كما وصَفها القائدُ الراحل جمال عبد الناصر على الرَّغْم مِن تكسُّر نِصالِ خناجِر الأعرابِ على نِصالِ الصّهاينةِ والإمبرياليين في ظهرها ، لذلك سنبقى حريصين على أفضَلِ العلاقاتِ النديّة والمتكافئة – والحَذِرَة – مع إيران وغيرِها ، مازالَ ذلكَ مُمكِناً.
وهذا لايَعْني أيضاً أنّ "سوريا ستعود مِن بعيد لتتزَعَّمَ المنطِقةَ بأسْرِها " كما يُعَبِّرُ سؤالُكَ ، فنحنُ لاتُساوِرُنا إطلاقاً أيّ نزعَة هَيْمَنَة أو وِصاية على أحَد بما في ذلكَ لبنان كما يتَخَرَّصُ المَوْتُورُون.
إنَّ سوريا التي تُواجِهُ بعنفُوان قَدَرها التراجيديّ ستخرج مِن هذه الأزمة وهي في أمَسِّ الحاجة إلى فترةِ نقاهة تطُولُ نسبياً أو تَقْصُر هذا عائد إلى عزيمة الشعب بمُختَلَف مُكَوِّناتِه و شرائحه الإجتِماعيّة وقواه السياسيّة الوطنيّة الحيّة وإلى الدّولة بمُخْتَلَف مؤسساتِها المدنيّة والعسكريّة- وبالتالي ستكون حاجتنا ماسّة إلى مِظَلَّةِ حِماية نوويّة ومِظلّة حِماية اقتِصاديّة وأخرى سياسيّة ودبلوماسية نُعَوِّلُ في تأمينِها جميعاً على روسيا ودول البريكس صاحبة أسرع نموّ إقتصادي في العالم(البرازيل،روسيا،الهند، الصين،وجنوب أفريقيا) و الدول التسع الأعضاء في التحالف البوليفاري لشعوب أمريكا (ألبا)الذي أسسته فنزويلا وكوبا ، بدونِ نسيان دُول صديقة ككوريا الديمقراطية أو إقصاء الدور الإيراني المقبول في هذا السياق.
وإذا كان مِن مصلحةِ سوريا الوطنية أن تكون جزءاً من منظومة إقليميّة أو دوليّة إقتِصاديّة أو عسكريّة فإن الذي يُناسبها حقا كي تبقى مُصانة كدولة وطنية علمانيّة مستقلة سيّدة على ترابها ومقدّراتها وقرارها السياسي ، ومُحافِظة على دورها كقلعة مقاومة وممانعة في وجه المشروع الصهيوأمريكي وأدواته الإخوانية الوهابية الخليجية الأعرابيّة السلجوقيّة ، وعلى بقائها أبداً قلبَ العروبة النابض ، فإنّ الجبيرة التي تُجْبر كسورها والضمادة التي تُلئمُ جراحاتها حسب المُعطَيات الرّاهنة هي انضمامها إلى منظومة شنغهاي بأهدافها المُعلَنَة (مكافحة الإرهاب ومُواجَهة التطرُّف والحركات الإنفصاليّة والتصدّي لتجارة الأسلحة والمخدّرات) فتكون سابع دولة في هذه المنظومة التي تضمّ حاليا الصين ، روسيا، كازاخستان، قرغيزيا،وجنوب أفريقيا)، كما تكون رابعَ دولة في الإتحاد الإقتصادي الأوراسي الذي يضمّ حالياً روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان مادامَ هذا الإتحاد كما يُعَبِّر اسمُه يضمّ دولا من قارتَيّ أوربا وآسيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.