"كلام الناس" برنامج تحتار ضمن أي نوع من البرامج تصنفه . يمكنك أن تقول عنه انه برنامج حواري، يقوم بتقديمه الاعلامي نوفل الورتاني مساء كل أربعاء على قناة التونسية بمساعدة كل من مايا القصوري وحاتم بالحاج بصفة معلقين . يجتمع في هذا البرنامج سياسي برباعي من الفنانين والممثلين والشعراء، خليط لا بأس به من المثقفين يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم برهة ويشاركون في تقديم رأي في موضوع ما يطرحه مقدم الحصة عليهم تارة أخرى، وأحيانا يستطيع المتفرج مواكبة "عركة" بكل ما للكلمة من معنى بين ضيوف الحلقة على المباشر... مقدّم في دور ضبابي! لعل ميزة النقد الطريف التي تميز بها الاعلامي نوفل الورتاني من خلال برامجه الإذاعية أو الطابع الهزلي الذي تعود عليه المشاهد التونسي في برنامجه "لاباس" على نفس القناة "التونسية"، تكون من الأسباب التي جعلته يكرر نفسه في برنامج "كلام الناس" دون أي إضافات تُذكر، سوى أن الحصة يؤثثها معلقان يمدحان تارة ما يروق لذوقيهما ويهاجمان ما يعارض رأييهما في برنامج من المفروض أن يعبّر عن آراء الناس بالنظر إلى ما يحمله عنوانه من معنى. وإذا أردنا ان نغض الطرف عن مخالفة الشكل للمضمون، لا نستطيع أن نتجاهل دور المقدم الذي يفترض فيه أن يمسك بزمام الأمور في كل مرة يحيد فيها الحوار بين طرفين أو أكثر عن مساره، إضافة إلى أنه المتحكم الأول والاخير على الأقل أمام الجمهور في تنظيم طريقة سير الحوار بين "الكرونيكور" أو المعلق والضيف خاصة عندما يتحول في أغلب الأحيان إلى ضوضاء لا تسمن و لا تغني من جوع ، ولا تؤدي إلى معرفة الصواب من الخطأ أو المحق من المضلل... تعليق ذاتي لا موضوعي والمثال في هذا السياق ليس ببعيد في الزمان، حيث عُرضت مساء أمس الأربعاء 11 ديسمبر 2013 حلقة كان فيها الناطق الرسمي للحزب الجمهوري عصام الشابي يؤثث مكان الضيف السياسي، عندما بدأت الاعلامية والمحامية مايا القصوري في القيام بدورها ك"كرونيكور" وهاجمت من الكلمة الأولى ضيفها باتهامات أثارت غضبه وجعلتهما يتكلمان في آن واحد كمن يتشاجران في سوق الخضر فلم يحظ المشاهد بشيء سوى وجع في الدماغ. والأكثر غرابة في المسألة أن السيدة القصوري لم تُشر في خطابها بأي عبارة توحي بأنها تنقل آراء الناس بما أنها تعمل في برنامج يحمل عنوان "كلام الناس"، بل طغى على كلامها أنا رأيت، أنا قرأت، أنا أرى، أنا أتصور... وكان حضور الفنان حسان الدوس في حصة البارحة مثيرا بدوره للانتباه. فحتى من لم يتابع أغنيته المصورة على طريقة "الفيديو كليب"، والتي انتشرت مؤخرا في صفحات التواصل الاجتماعي وحصدت تعليقات مختلفة منها الايجابية و منها السلبية، يستطيع ملاحظة تلك الطاقة الفنية والغنائية الرهيبة التي يتمتع بها الشاب. ورغم إثناء الحاضرين على موهبته إلا أن الحوار كالعادة لم يكن في المستوى المطلوب، حيث بنى الضيوف انتقاداتهم تجاهه بطريقة أفضل مما قام به الثلاثي مسير الحصة حسب اعتقادي فكان الورتاني في دور المحايد لم يشكر أو حتى يذم . أما مايا وحاتم فكانا سلبيين بطريقة أثارت حتى المخرج نجيب بالقاضي الذي أخذ حيزا من الكلام أكثر حتى من مقدم البرنامج. في النهاية لا يستطيع المرء أن ينكر المجهود الذي يحاول فريق "كلام الناس" بذله في إعطاء صورة مميزة للبرامج الحوارية المتطورة على الطريقة العالمية، أو ما تسعى إليه قناة التونسية من تطوير المشهد السمعي البصري في تونس بصفة عامة، إلا أن النقائص تفرض نفسها ولا يمكننا التغاضي عنها.