الظاهر أن الإخوان في العدالة والتنمية لم يستوعبوا بعد أنه في السياسة «ما يدوم لا طاس ولا يدو، ولا الخادم اللي يشدو»، وأن رياح الربيع العربي التي هبت بما تشتهيه سفنهم والرتبة الأولى التي يتبجحون باحتلالها والمليون صوت التي يتباهون بالحصول عليها في الانتخابات، كل ذلك لا يكفي لتبرير «البلوكاج» الذي حصل لهم ولحلفائهم في الحكومة وحال دون تطبيقهم وعودهم الانتخابية التي بفضلها نالوا ثقة المواطنين، خاصة بعدما تبين اليوم أن كل تلك الشعارات التي سحرت المغاربة لم تكن سوى تخمة سياسية عابرة على مائدة الربيع العربي. والآن، بعدما أمضت حكومة بنكيران نصف ولايتها تحارب طواحين الهواء، لا شك أنها فطنت أخيرا إلى أن «اللي زرع حبة ديال العار كايحصدها بالقنطار»، وأن طواحين الفساد والريع هي، في المقابل، تعمل بكيفية أحسن من تلك التي كانت تعمل بها قبل سنين، بشهادة المنظمات الدولية، وحتى الخارجية الأمريكية فإنها رصدت، في آخر تقرير لها، أن حكومة بنكيران «متناقضة»، وأن الحكومة لم تتمكن من ترجمة ما جاء به الدستور المغربي الجديد من مقتضيات قوية على أرض الواقع، مما يعني أن البيت الأبيض استشعر أخيرا أن بنكيران وحكومته يعيشان في عالم الخيال، أي باختصار «اللي كاتحوم وكاطوف ما تغزل صوف». وحتى الآن فإن الأداء الحكومي لم يسفر عن حصيلة نتائج إيجابية تسجل في حسابه، خاصة وأن سياسة «الشفوي الله يداوي» التي اعتمدتها حكومتنا لم تقنع المنظمات الدولية التي تتابع أداءها وترصد منجزاتها. وإذا كانت الخارجية الأمريكية تهتم أساسا بالممارسات المتبلورة على أرض الواقع والداخلة في نطاق ترجمة مقتضيات الدستور الجديد، فإن «مردود» حكومة بنكيران في نسختيها الأولى والثانية لم يكن يخرج عن مقولة «فمو وسع من كتافو»، وهكذا فبينما تنشغل الخارجية الأمريكية ب«اللي عندو الكتاف»، لم تظهر حكومتنا قدرة حتى الآن سوى في مجال «تقرقيب الناب». ليس بغريب، مع علمنا بأن «سخونية الراس كاترجع على مولاها برودة»، أن نشاهد كيف أن حكومة بنكيران أخذت في المدة الأخيرة تبحث عن «السلاكة»، خاصة بعد أن استبدل بنكيران شعار «مامسوقش»، الذي دخل به إلى الحكومة وهو في كامل لياقته، بنداء «تكايسو علينا»، بعدما أحس بأن الطريق الذي سلكته حكومته لن يوصله سوى إلى باب مكتوب عليه «راه راه والغوت وراه»، بفعل هجمة الحكومة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة ورفعها يدها عن دعم المواد الأساسية والمحروقات تنفيذا لمخططات وإملاءات صندوق النقد الدولي، لتبين اليوم بالملموس أن برنامج الحكومة لم يعد هو محاربة الريع والفساد وخلق فرص الشغل والاستثمار، وإنما أصبح يقتصر فقط على شعار «كملو من عندكم». وآخر شيء كان يتوقعه المغاربة هو أن تسعى الحكومة جاهدة وراء إرضاء صندوق النقد الدولي عوض إرضاء الشعب وتنفيذ الوعود التي من أجل رؤيتها تتحقق صوت الناخبون على بنكيران وإخوانه، وحتى الرشوة التي قطع «البيجيدي» على نفسه وعد القضاء عليها، توجد اليوم بكامل عنفوانها، وها هي منظمة «ترانسبرانسي» الدولية تفيد في آخر تقرير لها بأن المغرب تراجع بثلاث نقاط في ظرف سنة واحدة، واتضح أن كل تلك الملصقات التي علقتها الحكومة في الإدارات لم تُؤت أكلها، بعدما اعتقدت أن الفساد «عندو علاش تحشم»، وأنه سيختفي فجأة من المغرب بمجرد أن تعلق في وجهه ملصق «وياكم من الرشوة». هكذا انتهت تجربة الحكومة الحالية في نصف ولايتها «بحال مول الفران، وجهو للنار وظهرو للعار»، بعدما اعتقد بنكيران أن بإمكانه إرضاء الشعب وصندوق النقد الدولي معا، وفوق ذلك الحفاظ على شعبية حزبه، في حين أن الواقع الذي نقلته الخارجية الأمريكية في آخر تقرير لها عن المغرب يفيد بشيء آخر مخالف تماما، لأن «خاتم وحدة ما تروم لجوج صباع». جريدة المساء المغربية بتاريخ 10 مارس 2014