«لأن الفنانة هند صبرى تونسية الأصل فلا يحق لها أن تشارك فى أى عمل فنى ينتقد أى سلبيات فى مصر». تخيلوا أن البعض يكتب ويجاهر بهذا الكلام العنصرى والشعوبى الكريه والبغيض، لمجرد أن دور هند صبرى فى مسلسل «إمبراطورية مين» ينتقد بعض السلبيات فى المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير. أن يتحدث بعض الجهلاء بهذا الأمر فى صفحات محدودة على الفيس بوك، فهذا أمر يمكن تفهمه، بسبب المناخ المحموم والاستقطابى، لكن أن يدعو إليه بعض ممن يقولون عن أنفسهم إنهم فنانون ونخبة فهذا أمر كارثى، لأن هؤلاء يفترض أن يعبروا عن نزعة انسانية شاملة. تخيلوا لو طبقنا شعار أنه لا أحد يحق له انتقاد السلبيات فى مصر إلا إذا كان مولودا لأبوين مصريين، ولا يوجد فى عائلته أى دم أجنبى حتى الجد العاشر مثلا!. بهذا المنطق المتخلف علينا أن نحاكم أمير الشعراء أحمد شوقى لأن بعض أشعاره العظيمة انطوت على نقد سلبيات كثيرة فى المجتمع المصرى، فى حين أن أصول شوقى كردية، وبالمنطق نفسه سيكون مطلوبا منا أن نهدم القلعة لأن الذى بناها هو القائد الكبير صلاح الدين والمصادفة أنه كردى أيضا وليس مصريا أو حتى عربيا. لو طبقنا نفس القاعدة فعلينا أن نحرق العديد من الأعمال الفنية الانتقادية التى شارك فيها فنانون غير مصريين مثل صباح وعبدالسلام النابلسى وفريد الأطرش واسمهان واستيفان روستى الذى ينحدر من أصول نمساوية ورواد المسرح المصرى وبعضهم من لبنان وسوريا. ولو خرجنا من الفن إلى الثقافة والإعلام سنجد نفس المشكلة فاللذان أسسا الأهرام شاميان هما سليم وبشارة تقلا وكذلك مؤسسة دار الهلال وروزاليوسف وكثيرون غيرهم. قيمة مصر ودورها وعظمتها أنها فتحت أبوابها للجميع خصوصا من محيطها العربى، وقوتها الناعمة ما كان يمكن أن تكون بدون هذا الامتزاج والتسامح والسمو. من العار أن ننتقد هند صبرى لأنها تونسية، هى تعيش وسطنا ومتزوجة من مصرى ولها ابنة مصرية جميلة. يمكن أن ننتقدها كما نشاء على أدائها وليس على جنسيتها. ومن المشين أن يحاسب البعض بلال فضل لأن أصوله يمنية، رغم أن والدته مصرية وعاش طوال عمره فى هذا البلد ولم يعرف بلدا غيره. نتغنى ليل نهار بالعروبة والقومية العربية وإذا كنا صادقين فعلا، فإنه مثلما يحق لي أنا المصري انتقاد أي سلوك خاطئ فى أي دولة عربية فمن حق أخيالعربيأن يفعل الأمر نفسه. كيف نهلل عندما يتضامن معنا الأشقاء العرب فى أفراحنا ونحزن ونغضب إذا انتقدوا بعض السلبيات لدينا؟ وكيف نقبل مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات من البلدان العربية الشقيقة ولا نقبل بعض الانتقادات منهم؟!. هذه النعرة الشعوبية العنصرية الضيقة والمقيتة ينبغي ان تتوقف فورا لأنها تسيء إلى مصر وإلى سمعتها ومكانتها وإنسانيتها، وتظهرنا باعتبارنا مجموعة نازية صهيونية لا تقبل انتقاد من أي احد. كنا نغضب من بعض المفكرين الذين قالوا إن مصر فرعونية وليست عربية. هؤلاء كانوا يجادلون فى قضية فكرية، الآن انحدر بنا الوضع إلى هذه الصورة الكريهة التي تحرم أي شخص سواء كان مصريا أو عربيا ان يتحدث عنا بأي سوء. المطلوب فقط طبقا لهذا المفهوم العجيب أن يمدحنا الآخرون فقط. ترك هذا المناخ ينتشر يعني أن لدينا أزمة عقلية كبيرة. المصدر: جريدة الشروق المصرية بتاريخ 7 جويلية 2014