مع دخول بطولة كأس العالم لمرحلة نصف النهائي تزداد أهمية المدربين في هذا الدور الهام، ويدور صراع مختلف عن صراع أقدام اللاعبين فوق أرضية الميدان، يتمثل بصراع الأدمغة أو العقول بين المدربين ولا مجال للحسابات الخاطئة. هولنداوالأرجنتين يقودهما مدربان متشابهان بأشياء ومختلفان بأخرى، ويعكف فان غال مدرب هولندا لاستغلال خبرته ورغبته برد الاعتبار لنفسه من كارثة عدم التأهل لمونديال 2002 مع هولندا، فيما يسعى سابيلا الى إعادة الأرجنتين لمكانتها العالمية في بطولة كأس العالم. فان غال.. ومرونة غير معهودة ربما المقارنة بين المدربين كأرشيف وسجِل تاريخي غير عادلة، فالهولندي فان غال أيقونة تدريبية في الكرة الأوروبية والعالمية، حقق انجازات عديدة وكثيرة مع أندية عريقة مثل أجاكس وبرشلونة وألكمار وبايرن ميونخ، واكتشف نجوما عالمية أصبحت أساطير بلادها مثل تشافي وانييستا. الاتحاد الهولندي أراد استغلال حافز فان غال لرد اعتباره مع منتخب هولندا وكان قد صرح من قبل:" لا أتخيل نفسي أعتزل التدريب دون مسح عار عدم التأهل لمونديال 2002" وجاءته الفرصة وها هو يسير بشكل سليم. واستلم فان غال المنتخب الهولندي بعد نهاية جيل جميل خاض نهائي كأس العالم 2010 بلاعبين مخضرمين ولكن عددا من هؤلاء اعتزلوا لتقدمهم بالسن مثل فان بوميل، ووجد نفسه أمام جيل هولندي شاب يفتقد للخبرة، باستثناء بعض اللاعبين مثل روبن وفان بيرسي ودي يونغ وشنايدر. فان غال يعرف بالصرامة وقوة الشخصية وقلة الابتسام ويصفه البعض بأنه متزمت في قراراته وأفكاره كما أنه صاحب منهجية لعب واضحة من خلال منح الأولوية للعب الهجومي ولا يعطي اهتماما وأولوية كافية للدفاع. لكن في هذا المونديال فوجئ الجميع بفان غال مختلف يدافع في أوقات كثيرة ويلتزم بالواقعية و يتمتع بمرونة وهدوء غير معهود وغير من أسلوب هولندا صاحبة الكرة الشاملة الهجومية طوال المباراة. ولعل عبقرية فان جال تجلت بالتبديل الغريب أمام كوستاريكا حينما دفع بحارسه كرول في الدقيقة الأخيرة فتصدى لركلتي جزاء وقاد منتخبه لنصف النهائي ليثبت صحة قرار مدربه. هولندا عادت بالنتيجة أمام إسبانيا واستراليا والمكسيك مما يؤكد مدى تأثير خطط فان غال على نتائج فريقه. سابيلا الواقعي على الجانب الآخر العمر التدريبي لسابيلا قصير للغاية فرغم تقدمه النسبي في السن إلا أنه بدأ التدريب في عام 2009 حينما استلم فريق استوديانتيس فقاده إلى كأس ليبرتادوريس ولقب الدوري الختامي في 2010 فأصبح آنذاك مرشحا قويا لتولي مهام المنتخب الأول. واعتبر الاتحاد الأرجنتيني أنه وجد ضالته في هذا الرجل، فسارع للتعاقد معه خاصة بعد الإخفاق في بطولة كوباأمريكا والخروج المخيب أمام أوروغواي. واختلفت الآراء حول سابيلا حتى اللحظة فإذا كان البعض اعتبر أنه استطاع لملمة صفوف الأرجنتين بعد تجارب عديدة فاشلة في البطولات الأخيرة وأعادها لكوكب الواقعية وتحقيق سلسلة انتصارات جيدة إلا أن آخرين يعتقدون أنه يمتلك منتخبا أكبر من قدراته وإمكانياته التدريبية وكان بالإمكان التعاقد مع مدرب آخر بطموح وأمل وإمكانيات الأرجنتين. وبغض النظر عن هذه الآراء المتناقضة، فان الأرجنتين تسير بشكل جيد حتى الآن في بطولة كأس العالم، رغم أنها واجهت صعوبات لاسيما أمام سويسرا وحاجتها إلى 119 دقيقة كي تحقق الفوز. يحسب لسابيلا أنه أظهر ليونيل ميسي بشكل أفضل مع الأرجنتين وان لم يكن بالشكل المتوهج مع برشلونة، لكن ميسي يسجل ويصنع ويحقق المطلوب منه بل ولعب دور المنقذ في أكثر من مباراة بتسجيل الأهداف أو بصناعتها. ولعب سابيلا مع الأرجنتين في البطولة بأكثر من طريقة تكتيكية ودخل كل مباراة بتشكيلة مختلفة عن الأخرى فانقسمت الآراء مجددا حوله ففي حين اعتبرها البعض مرونة وإعطاء كل مباراة حقها وظروفها الخاصة قال آخرون ان ذلك من شأنه ان يشتت المنتخب ويضعف تركيزه لكن سابيلا يحقق الأهم وهو الفوز بغض النظر عن الأسلوب. وسائل الإعلام قالت ان سابيلا استجاب لرؤية ميسي حول طريقة اللعب والخطة، لكن ميسي نفسه يؤدي أدوارا دفاعية في الملعب يطلبها منه المدرب مما يعني نسبيا أن المدرب يفرض رؤيته وشخصيته على الفريق. ويحسب لسابيلا أن فريقه يتحسن دفاعيا من مباراة لأخرى ونجح في الخروج أمام بلجيكا بشباك نظيفة وإن قال البعض ان بلجيكا سهلت المباراة على الأرجنتين حينما أظهرت "براءة" هجومية ولم تلعب على نقاط قوتها. سابيلا سيدخل مباراة هولندا في اختبار سيضع الأرجنتين على المحك كأقوى امتحان له في هذه البطولة حيث لم يواجه حتى الآن منتخبا كبيرا ذا أسلحة حادة وما يزيد من صعوبة هذا الاختبار هو إصابة دي ماريا وأغويرو، وهي فرصة لمعرفة إلى أي مدى يتمتع المدرب بحلول وأفكار إبداعية.