بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد خسارة الإسلاميين للانتخابات .. المشهد الليبي إلى أين ؟
نشر في حقائق أون لاين يوم 03 - 08 - 2014

تزامن الإعلان عن نتائج الانتخابات الليبية، التي مني فيها التيار الإسلامي – الإخوان والجماعات المتشددة التي تدور في فلكهم - بهزيمة مذلة، مع انفجار غير مسبوق في الأوضاع الأمنية. له أكثر من دلالة، فقد كشف بصفة مبكرة عن مصير الحراك والانتقال السياسي، الذي أصبح مهددا، تحديدا على ضوء خسارة الإسلاميين، وذلك بالنظر لصعوبة ترويض هذا التيار، من أجل القبول بنتائج الصندوق. التي ستجعل موقفه ضعيفا في حكم ليبيا الجديدة، كما ستنمي مخوف أنصاره من استنساخ الأنموذج المصري الذي حصل مع المرشد وإخوانه. ولعل هذا ما يفسر لجوئهم الى تصعيد موجة العنف حول مطار طرابلس، وفي عاصمة الشرق بنغازي، لخلق واقع جديد على الأرض، قبل بداية عمل المجلس النيابي الذي أفرزه الاستحقاق الانتخابي الأخير.
سيمات الوضع الراهن
يبدوا المشهد العام في ليبيا يتجه نحو تعقيد أكثر، بعد الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات. فقد أصبح أقرب الى الانفجار منه إلى الاستقرار والتعايش. برغم وجود عملية سياسية جارية منذ سقوط نظام معمر القذافي. تمثلت أبرز عناوينها في تنظيم استحقاقات انتخابية في مناسبتين. لكنها ترافقت مع تضارب مصالح الفاعلين السياسيين، وصراع دائر بينها حول التفرد ب "الغنيمة" –الثروة البترولية – والتنازع حول "شرعية" من يحكم ليبيا وخلافة النظام السابق. ما وفر البيئة المناسبة لتنامي المخاطر الأمنية ، التي استفادت من انتشار غير مسبوق للأسلحة والعتاد الحربي. الأمر الذي ساهم في تصاعد أنشطة الجماعات الدينية المتشددة، التي من الممكن أن تحول الأراضي الليبية إلى "مركز" حاضن لأنشطة هذه الارهاب في المنطقة، على غرار ما حصل في الصومال وافغانستان. خصوصا وأن هذه الجماعات لا تخفى ارتباطها بتنظيمات دولية، في اطار ما أصبح يعرف ب "عولمة الارهاب". فهي تجد دائما في حالة الفوضى، وغياب سلطة الدولة المركزية على أقاليمها ومؤسساتها، مناخا مناسبا للتوطن ثم التوسع لاحقا.
يبرز من خلال العناصر المكونة للمشهد الليبي الحالي، أن العوائق التي تقف دون تواصل واستمرار مسار الانتقال السياسي السلمي في ليبيا هي الطاغية. وبالتالي ترجيح سيناريو الدفع نحو المزيد من "الفوضى"، وفي المحصلة مزيد تفكيك الدولة الليبية المفككة أصلا. كما لا يستبعد أن يمتد خطر الوضع الليبي الراهن، ليرمي بضلاله خاصة على دول شمال افريقيا، تحديدا تونس ومصر والجزائر. وفي هذا السياق احتضنت تونس في 15 يوليو "مؤتمر دول الجوار الليبي"، الذي دعا في بيانه الختامي الى التأكيد "على ضرورة احترام وحدة ليبيا وسيادتها وسلامتها الترابية ووقف كامل العمليات العسكرية"، إضافة الى دعوة "كافة الأطراف السياسية في ليبيا إلى حل خلافاتها عبر الحوار وانتهاج مسار توافقي
".
كما نص بيان تونس على "ضرورة مساهمة دول جوار ليبيا في الاجتماعات والمؤتمرات التي تتناول الشأن الليبي ودعم كافة الجهود الهادفة الى توفير أفضل الظروف لعقد مؤتمر الحوار الوطني الليبي ومساندة المبادرات العربية والإفريقية
".
. وفي محاولة لوضع خطة عملية للمساهمة في حل الأزمة الليبية أقر اجتماع تونس "تشكيل فريقي عمل برئاسة وزير الشؤون الخارجية التونسي بالتعاون مع المبعوثين الخاصين لجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي الى ليبيا، أحدهما أمني على مستوى الخبراء الأمنيين تتولى الجزائر تنسيق أشغاله، والثاني سياسي على مستوى كبار الموظفين تتولاه مصر
".
و سيضطلع فريقا العمل بإعداد تقارير ورفعها خلال الأسبوع الأخير من الشهر الحالي الى وزير الشؤون الخارجية التونسي الذي يقوم بدوره برفع تقرير شامل في الغرض الى اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا الذى اقترحت مصر استضافته خلال النصف الأول من شهر أغسطس 2014
.
كما أقر المشاركون تشكيل لجنة وزارية من دول الجوار تزور ليبيا خلال وقت قريب للقاء الحكومة والأطراف الفاعلة والمؤثرة على الساحة الليبية والتعبير عن تضامن دول الجوار مع ليبيا والتشجيع على الحوار الوطني الشامل بين فرقائها السياسيين
.
التواصل والقطيعة مع ارث نظام القذافي
عجزت النخبة السياسية في ليبيا، بعد سقوط "جماهيرية القذافي" عن إيجاد أرضية وطنية مشتركة للحوار والتوافق الوطني، تؤسس لنظام سياسي جديد يعيد بناء مؤسسات الدولة وعلاقتها بالمجتمع، وذلك عبر تجاوز هنات الممارسة السياسية السابقة للثورة، وحالة "الانفلات" بعد 17 فبراير والتي زادت في إضعاف الدولة لصالح إما عودة بني تقليدية مثل القبيلة، أو صعود النزعات المناطقية، إضافة إلى تخطيط التيار الإسلامي –بكل مكوناته وتلويناته خاصة الاخوانية والسلفية- الى الهيمنة على ليبيا الجديدة، من خلال تحالف أصبح اليوم واضحا مع "دولة قطر" - وبدرجة أقل تركيا - التي كانت سباقة الى "استثمار" ورقة "الإخوان" حتى قبل سقوط حكم القذافي.
فمن الواضح أن قطر قد خططت لبديل "إسلامي/اخواني" في ليبيا، وقد قوبل هذا "البديل القطري" بنكسة وردت مقدماتها من خلال عمليات على الميدان، لعل أبرزها حركة "الكرامة" بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر. أما في المستوى السياسي فان كل من التيار "المدني" و "اليبرالي" مثل حجرة أمام تقدم مشروع "أخونة" ليبيا. كما كان لسقوط حكم الإخوان في مصر، وإجبار "النهضة" في تونس على ترك الحكم، وقع الصدمة على الحركة الإسلامية في ليبيا، فتهاوت وتراجع تأثيرها حيث قوبلت سوسيولوجيا برفض مجتمعي كبير، بعد افتضاح نواياها في استهداف تغيير النمط المجتمعي، وكذلك عجزها عن خدمة الناس بدل وعظهم، وهو ما أكدته نتائج الانتخابات الأخيرة التي لم يتجاوز عدد المقاعد التي تحصلوا عليها 23 مقعدا.
على خلاف ما حصل في كل من تونس ومصر، حيث كانت الثورات هناك سلمية، نظرا لوجود حد أدنى لمقومات حياة سياسية ولتجربة حزبية وحيوية للمجتمع المدني وخاصة الجمعيات الحقوقية، إضافة إلى تواتر الحركات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح وخاصة السياسي. ومن هنا فان افتقاد المجتمع الليبي ل "بنية تحتية" تتمثل في أحزاب ومجتمع مدني وحركات احتجاج منظمة. إلى جانب الطبيعة "الدموية" للنظام السياسي زمن القذافي، التي تجلت من خلال تعاطيه مع بداية الانتفاضة في مدينة بنغازي – مهد الثورة-، اذ اختار النظام الحل الأمني والقمعي، وبالتالي لم يترك أي خيار أخر أمام "الثوار" الذين أجبروا على الرد عليه بنفس خياره أي المقاومة المسلحة، وهو ما جعل الثورة الليبية "دموية" بالمقارنة مع كل من تونس ومصر.
وسنرى أن هذا "الخيار" المسلح، استمر بل اشتد عوده بعد سقوط نظام القذافي، وأصبح هو القاعدة لحل الخلافات بين الفرقاء، برغم وجود واجهة لحياة سياسية تمثلت أساسا في تنظيم موعدين انتخابيين، فشل الأول وخلف المزيد من العنف، ويواجه الثاني تحديات قد تحكم عليه أيضا بالفشل. وهنا وفي ملاحظة مهمة، نجد أن الفاعلين السياسيين الجدد في ليبيا أعادوا إنتاج نفس الثقافة السياسية لنظام القذافي، القائمة على الحسم عبر العنف والإقصاء والانتصار للحل عبر قوة السلاح لا قوة الحجة. وهو ما يكشف عن وجود أزمة هيكلية أو بنيوية لدي هذه النخب، التي استمرت في تبنى نفس الإرث السياسي السابق لثورة 17 فبراير، لتكشف عن عجزها في بناء ثقافة سياسية جديدة، وهو وضع زاد في تعقيده التدخل الخارجي، والصراع حول الثورات التي تزخر بها البلاد.
كما لم تقطع القوى الجديدة التي أفرزتها الثورة مع مظاهر الفساد الذي شمل كل مظاهر الحياة، وكذلك غياب العدالة في توزيع الثروات، وحالة التخلف الذي تعيش فيها ليبيا رغم ثرائها بالنفط، فضلا عن تواصل ثقافة "القمع الأمني" عبر المليشيات التي عوضت اللجان الثورية الذراع الذي حكم به القذافي طيلة أربعة عقود.
معركة المطار .. الإسلاميون وصراع المليشيات
على الأرض، ومنذ سقوط حكم القذافي والى الآن، نشاهد بأن الأوضاع لم تتغير في اتجاه سيطرة الدولة على مختلف مجالات الحياة، خاصة في بعدها الأمني والمتمثل في "احتكار" ما نطلق عليه ب "العنف الشرعي"، اذ أن سلطة الدولة ما تزال غائبة، وهو وضع ينسحب على كافة مناطق ليبيا وعلى المنشات الحيوية للبلاد التي ما تزال تحت تصرف وادرة الميليشيات. كل هذا وسط دعوات جدية للانفصال عن السلطة المركزية. ولعل معركة السيطرة على مطار طرابلس الدولي تكشف بوضوح ما يجري عي الأرض وتعطي فكرة عن تداعياته في المستقبل. هذه المعركة التي انطلقت خلال النصف الثاني من شهر يوليو 2014 في طرابلس بين ميليشيات دينية متشددة وكتائب الزنتان التي تسير المطار منذ قيام الثورة
.
وأشارت التقارير الى سقوط 47 قتيلا في المعركة المستمرة للسيطرة على مطار طرابلس، إضافة إلى تدمير 21 طائرة بقيمة وصلت إلى نحو ملياري دولار
.
ويرى المراقبون للوضع الليبي
أن معركة المطار، وهي الاشتباكات الأعنف والأكثر دموية منذ سقوط نظام القذافي، "تأتي في خضم حالة الاستقطاب الحادة التي باتت تعانيها ليبيا، سيما مع تزايد التدهور الأمني وارتفاع معدلات الاغتيال والخطف والاستهداف، وغموض مصير عملية الكرامة العسكرية التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي التي تهدف إلى تخليص ليبيا من الجماعات الإسلامية".
في مقال له نحت عنوان: " نتائج الانتخابات.. ومعركة السيطرة على طرابلس..!"، يشير الباحث الليبي كامل عبد الله الى أن "ما يجري الآن في طرابلس، يمكن اعتباره بمثابة الجولة الثانية من الصراع بين حلفاء ثورة 17 فبراير 2011 في غرب ليبيا الزنتان ومصراتة، هذه المرة من أجل إقصاء أحد القطبين من التواجد في العاصمة ونزع أي نقاط تمركز فيها وهو ما يمكن تفهمه من مغزى الصراع الدائر الآن من أجل السيطرة على مطار طرابلس الدولي، الذي تسيطر عليه تشكيلات مسلحة محسوبة على مدينة الزنتان الجبلية، التي تتهمها نظيرتها من مدينة مصراتة الساحلية بأنها تضم بقايا من مقاتلي اللواء 32 معزز ولواء محمد المدني الذين كانوا يقاتلون ضد الثوار إبان الحرب على نظام القذافي في 2011." /1/. مع العلم وأن "ثوار مصراتة" في تحالف مع التيار الإسلامي.
نلاحظ أن تفجر الوضع الأمني والصراع بين المليشيات المناطقية في علاقة عضوية بالأزمة السياسية التي تفجرت بسبب الموقف من "المؤتمر الوطني" الذي يسيطر عليه التيار الاسلامي، الذي دخل في صراع مع بقية القوي "المدنية" و"الليبرالية" التي رفعت شعار نهاية فترة "المؤتمر الوطني". و"
يذكر أنه منذ سقوط العاصمة في يد الثوار المعارضين لحكم القذافي باتت خاضعة لسيطرة نفوذ كل من مدينة مصراتة ومعها مدينة الزنتان، التي أصبحتا على طرفي نقيض بعد مرور ثلاث سنوات من الثورة على نظام القذافي". وهو وضع مرشح للاستمرار حتى بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الثانية، وهو ما ستعمل القوى الإسلامية التي خسرت الانتخابات على تكريسه في الواقع. فمن الأكيد أن الفصائل اختارت الاحتكام للقوة في فصل الخلافات التي بينها.
نتائج الانتخابات تربك حسابات الإخوان
أعلنت مفوضية الانتخابات الليبية، عن النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب في ليبيا، والتي كانت ثاني انتخابات برلمانية تجري في البلاد منذ سقوط نظام القذافي عام 2011
.
وأظهرت النتائج المعلنة خسارة فادحة للإخوان ومن يدور في فلكهم من تنظيمات الإسلام السياسي، حيث لم يحصدوا أكثر من 23 مقعدا من أصل 200 مقعد. وتوزعت المقاعد المتبقية بين التيارات المدنية الليبرالية والفيدراليين والمستقلين والانفصاليين
.
ويشهد مجلس النواب الجديد دخول شخصيات فيدرالية ليبية لأول مرة في الجسم التشريعي، مما يعطيهم دفعة قوية في مطالبهم المتمثلة في إلغاء المركزية واعتماد النظام الفيدرالي للحكم في ليبيا
.
ومن المزمع أن يبدأ مجلس النواب، جلساته قريبا ليستلم السلطة من "المؤتمر الوطني" ، وسيكون مقره بمدينة بنغازي بشرق ليبيا كنوع من الدعم لهذه المدينة التي تشهد عمليات اغتيال وتفجير وانتشار لجماعات وتنظيمات إرهابية فيها، وهي حركةرمزية للمدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة على نظام القذافي. ويعد انعقاد مجلس النواب في بنغازي تحديا كبيرا للسلطات الأمنية.
وتجدر الاشارة الى أن المرور للانتخابات الثانية منذ الثورة، أول عنوان للمرحلة الانتقالية الثالثة، التي خرجت من رحم صراع سياسي مرير بين حزبي "العدالة والبناء" الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، وبين حزب "تحالف القوى الوطنية" بقيادة محمود جبريل ، وذلك على خلفية جدل دستوري يتعلق بانتهاء ولاية المؤتمر الوطني العام. وبناءا عليه من الصعب أن يقبل الإسلاميين بالنتائج المترتبة عن الاستحقاق الانتخابي. والأرجح أن يسعى الإخوان وحلفائهم إلى تأبيد المشهد الحالي المتسم أساسا ب "التفكك" و "فوضى السلاح" مع التخطيط للمزيد من "التقسيم". وتبرز صورة ليبيا حاليا على النحو التالي:
*** في الشرق: استمرار الصراع في بنغازي بين قوات حفتر الذي يقود معركة "الكرامة" مع قوى رافضة لحركته ولعل أبرزها جماعة أنصار الشريعة وبقية التيارات المتشددة.
*** في الغرب والعاصمة: تشير أغلب التقارير الى وجود توازن في "الرعب" أي في العتاد العسكري، بين مليشيات مصراتة وغريان والزاوية وتاجوراء وسوق الجمعة المتحالفة مع الاخوان، و ميلشيات "القعقاع" و"الصواعق" المدعومة من قبائل زنتان، والتي يقال عنها أنها أذرع مسلحين لحزب "تحالف القوى الوطنية"، وهو ما سيؤخر الحسم ولعل معركة المطار بينت صعوبة انتصار طرف على أخر على الأقل في المنظور الحالي.
*** في الجنوب: في الجنوب هناك صراع مختلف عن الشرق والغرب الليبيين، ويتعلَّق بمحاولة السيطرة على منافذ التهريب بين ليبيا ودول جوارها؛ مثل: تشاد، والنيجر، والجزائر؛ حيث تشتعل في تلك المناطق صراعات على تجارة المخدرات والسلاح والهجرة غير الشرعية؛ كما أنها مناطق تشهد تمركز جماعات دينية متشددة مرتبطة تنظيميا بالقاعدة. وقد سبق وأن أكد وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان في إبريل/نيسان الماضي "أن جنوب ليبيا تحوَّل إلى "وكر أفاعٍ للمتشدَّدين الإسلاميين"، وأن "الطريقة الوحيدة للتعامل معه هي من خلال تحرُّك جماعي قويٍّ من الدول المجاورة".
الإخوان وسياسة "الأرض المحروقة"
ولعل الفريق الخاسر في الانتخابات، أي الاخوان، أصبح من مصلحته استمرار المشهد الحالي. الذي تسيطر عليه دعوات التقسيم والانفصال خصوصا بعد أن صعد من يمثلها في البرلمان الجديد. ومن هنا عمد الاخوان الى استباق التسوية السياسية، عبر الاستمرار في سياسة التحالف مع التيارات المتشددة في الشرق والجنوب، مع التركيز على "التمكين" في العاصمة. والعمل على مزيد اغراق البلاد في حالة من الفوضى والتقاتل، برز هذا السيناريو في "غزوة" مطار طرابلس الدولي، وفي شدة الصراع والتقاتل بين الفصائل المسلحة، التي تقف ورائها تيارات سياسية وقبلية وكذلك نزعات مناطقية. لكن اللاعب الرئيسي فيها هم "الاخوان" وحلفائهم. الذين ثبت من خلال التجربة المصرية، أنهم يختارون سياسة "الأرض المحروقة" كلما خرجوا من الحكم.
مثلت أحداث المطار مؤشرا لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع على الميدان خلال الفترة القادمة، حيث يبدوا أن الجميع اختار تغليب لغة السلاح على الحوار السياسي الذي هو طريق التعايش والوحدة الوطنية. هذا المشهد الأمني المتفجر، ستكون له تداعياته على مستقبل تقدم التسوية السياسية التي بات واضحا أن الإخوان غير متحمسين لإتمامها على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، التي خرجوا منها أيتاما ولا يتوقع على ضوئها أن يكون لهم نصيب في إدارة البلاد وفي شغل المناصب العليا للدولة.
وفي هذا السياق أكدت تقارير اعلامية " أن الشعب الليبي قد حسم أمره لجهة رفض جماعة الإخوان والأحزاب والتنظيمات الدائرة في فلكها التي تسببت في إدخال ليبيا في نفق مظلم بعد أن حوّلتها إلى وكر للإرهابيين، ومرتع للتنظيمات التكفيرية والإرهابية التي مازالت تنشط في عدة مناطق ليبية"
.
كما أشارت الى أن "هذه الجماعة التي تتميز بازدواجية الخطاب السياسي، ليست في وارد التسليم بهزيمتها على مستوى صناديق الاقتراع، وبالتالي القبول بنتائج هذه الانتخابات، حيث تجددت الاشتباكات المُسلحة في محيط مطار طرابلس الدولي، وفي مدينة بنغازي شرق البلاد، وذلك في تطور لافت أطاح بالمساعي التي بذلتها فعاليات سياسية وقبلية لوقف المعارك".
كما أوضحت مصادر محلية ليبية أن عناصر تنظيم “أنصار الشريعة” هاجمت مناطق متفرقة من مدينة بنغازي بالصواريخ، وذلك بعد ساعات قليلة من الإعلان عن نتائج الانتخابات. ودفعت هذه التطورات القوات الموالية للواء خليفة حفتر الذي يقود عملية “كرامة ليبيا” منذ منتصف شهر مايو/أيار الماضي، إلى الرد على مصادر القصف باستهدافها بالطائرات التي شنت عدة غارات جوية
.
وكان لافتا تزامن تجدد هذه الاشتباكات مع الإعلان عن نتائج الانتخابات، ما دفع العديد من الأوساط السياسية إلى القول إن جماعة الإخوان دخلت في سباق مع الزمن للسيطرة على العاصمة طرابلس بهدف خلق موازين قوى جديدة تُمكّنها من تغيير قواعد المعادلة السياسية التي ستفرضها نتائج الانتخابات
.
وتُريد جماعة الإخوان من خلال هذه المعارك فرض واقع جديد تستبق به بدء عمل البرلمان الليبي المنتخب، وبالتالي محاولة شل تحركاته وإفشال قراراته التشريعية المرتقبة التي لا تنسجم مع توجهاتها
.
ويخشى إخوان ليبيا أن يُسارع البرلمان الليبي الجديد إلى اتخاذ جملة من القرارات لترسيخ أسس الدولة الديمقراطية الحديثة، بما يتعارض ويتناقض مع مشاريعهم التي تبيّن، أنها لا تخدم المصالح الليبية بحكم ارتباطها بأجندة قطرية- تركية تستهدف إبقاء ليبيا رخوة وهشة حتى يسهل استنزاف ثرواتها
.
في المستوي السياسي، يتخوف التيار الاسلامي من أن يجد الليبراليون " الفرصة سانحة لإجراء انتخابات رئاسية لتقديم محمود جبريل مرشحهم ذي الشعبية الكبيرة داخل ليبيا؛ وذلك بعد إزاحة قانون العزل السياسي من طريقه؛ سواء أكان ذلك بحكم تصدره الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بعدم دستورية قانون العزل المطعون فيه أمامها؛ أو أن تتشكَّل كتلة برلمانية كبيرة داخل مجلس النواب معارضة لقانون العزل؛ فتخفِّف من غلوائه وتفتح الطريق أمام جبريل، أو أن تنسفه من أساسه هيئة الستين لكتابة الدستور حال إنجازه".
عموما، لقد عمقت نتائج الانتخابات من حالة الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين. ويرشح أن يكون السيناريو الأقرب داخل المجلس النيابي القادم وعلى ضوء نتائج الانتخابات " تكوين كتلة برلمانية من التيار المدني تمثِّل غالبية أعضاء البرلمان؛ وبالتالي عدم قدرة التيار الإسلامي على وقف مشاريع سياسية تحت قبة البرلمان يراها إقصائية أولاً لوجوده وفاعليته، وثانيًا تمس ثوابت ثورة فبراير/شباط؛ وذلك مع إحكام سيطرته على الوظائف العليا بالدولة الليبية". وهذا ما دفع اخوان ليبيا وحلفائهم الى اعلان أن " البرلمان الليبي القادم لن يحقق تقدُّمًا على صعيدي التوافق السياسي والتهدئة الأمنية، لا بسبب الشخصيات التي منحها الليبيون ثقتهم بالبرلمان؛ بل يرجع ذلك بشكل رئيس إلى ضعف تجربة النواب القادمين في صوغ تصورات للأزمات الراهنة؛ والمتابع للدعاية الانتخابية لكل المترشحين تقريبًا يرى خلطًا بين دور المؤسسة التشريعية في سنِّ القوانين والرقابة على الحكومة، وبين دور مؤسسة التنفيذ في إحالة برامجها إلى واقع"
.
/2/
.
كما علقت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية على تفاعل الاسلاميين مع نتائج الانتخابات، مشيرة الى أن "ممثلوا الاسلام السياسي بليبيا يحاولون تعويض هزيمتهم"
/3/
. واعتبرت المجلة " أن نتيجة انتخابات مجلس النواب في ليبيا تمثل هزيمة مدوية لممثلي الإسلام السياسي الذين يتنافسون حاليًا للسيطرة على مطار طرابلس الدولي، مشيرة إلى احتمال وجود علاقة بين نتيجة الانتخابات والصراع الذي يجري حاليًا حول المطار".
ورأى مقال للمجلة نشرته على موقعها الإلكتروني بعد الاعلان رسميا عن نتائج الانتخابات "أن الإسلاميين تلقوا هزيمة ثقيلة في صندوق الانتخابات وأنهم يواجهون الآن خطرًا حقيقيًا يهدد وجودهم؛
مما دفعهم إلى محاولة تعطيل عمل اللجنة العليا للانتخابات بكل طريقة ممكنة لتأجيل إعلان النتائج، وأنهم لجأوا إلى النزاع المسلح بمهاجمة المطار لمنع البرلمان الجديد من الانعقاد".
وأضاف كاتب المقال أن "قوى الإسلام السياسي تخشى أن يوفر البرلمان الجديد الدعم المالي والسياسي لحملة حفتر العسكرية ويتخذ بعض الإجراءات التشريعية مثل قوانين الإرهاب وإلغاء قانون العزل السياسي، مما قد يقوض تأثير الإسلاميين على المسرح السياسي الليبي".
ويسعى الإسلاميون، بحسب "فورين بوليسي"، إلى تحقيق صفقة لضمان دور مستقبلي على الساحة السياسية، كما صرح قادة جماعة الإخوان المسلمين في اجتماعهم مع دبلوماسيين أوروبيين أنهم سينهون عملياتهم في المطار في حالة توقفت عملية حفتر العسكرية، إذ يريدون الحصول على ضمانات من البرلمان القادم والمجتمع الدولي مقابل قبول نتيجة الانتخابات واحترام رغبة الشعب الليبي والتوقف عن استغلال الجماعات المسلحة للتأثير في العملية السياسية، وفقًا للمقال
.
وشدد المقال على ضرورة اجراء حوار فعال وضم عناصر وسطية في البرلمان الجديد لتكوين جبهة قومية ضد التطرف الذي يشكل تهديدا حقيقيا للتحول الديمقراطي. وأن على البرلمان أيضا الابتعاد عن سياسة الاقصاء وتبني عقلية العمل الجماعي لتحقيق طموحات الشعب الليبي.
المصدر: العربية دراسات
احالات:
/1/- كامل عبدالله، نتائج الانتخابات..ومعركة السيطرة علي طرابلس، راجع الرابط التالي:
http://studies.alarabiya.net/reports/%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3
/2/- هشام الشلوي، المشهد السياسي الليبي بعد انتخابات المؤتمر الوطني
، راجع الرابط التالي:

http://studies.aljazeera.net/reports/2014/07/2014710185150721511.htm
/3/- بوابة الوسط..صوت ليبيا الدولي، راجع الرابط التالي:
http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/28490/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.