هل ستكون الانتخابات البرلمانية الليبية التي جرت يوم 25 جوان 2014 نقلة نوعية في الحياة السياسية بليبيا، والتي سيعلن عنها رسميا يوم 21 جويلية 2014 باعتبارها تتويجا للمرحلة الانتقالية الأخيرة التي سيعقبها إصدار دستور جديد؟ وما هي تداعيات قصف الإسلاميين لمطار طرابلس؟ هذه التساؤلات وتساؤلات اخرى حملنها الى الباحث والخبير في الجماعات الإسلامية علية العلاني بقراءته للواقع والدلالات السياسية والأمنية للانتخابات الليبية وفيما يلي فحواها I. القراءة الأولية للانتخابات: تؤكد 3 أشياء حسب الأخبار شبه الرسمية فإن النتائج المعلن عنها تباعا تفيد: أولا: أن التيار الليبرالي كان الرابح الأكبر إذ كانت نسبته في البرلمان حوالي 3 مرات نسبة الإسلاميين. ثانيا: أن الإسلاميين كانوا الخاسر الأكبر حيث لم يتحصلوا على أكثر من 14 % من مقاعد البرلمان وربما تصل النسبة إلى 15 بالمائة إذا أخذنا بعين الاعتبار الدوائر التي لم يقع بعدُ فيها إجراء الانتخابات مثل درنة وغيرها وعددها 12 مقعدا، يضاف إليها 4 مقاعد سيعاد الانتخاب فيها من جديد لمخالفتها لقانون العزل السياسي أي أن جملة المقاعد التي سيتم عرضها للتصويت تبلغ 16 مقعدا من أصل 200 مقعدا وهذا لا يغير كثيرا من المشهد الانتخابي الجديد الذي تشكل بعد 25 جوان 2014، والمتصف بسيطرة كبيرة للتيار الليبرالي والمستقلين على البرلمان القادم في ليبيا. ثالثا: أن المستقلين هم الشريحة الأكبر في البرلمان الجديد بنسبة 40 % أما أنصار الفيدرالية فلا يتجاوزون 13 %. إذن لم يبق سوى 16 مقعدا سيتم إجراء انتخابات تكميلية لها في غضون الأيام القادمة وذلك في درنة التي تسيطر عليها القاعدة وأنصار الشريعة وبعض دوائر في الجنوب وفي منطقة الجميل بالجنوب الغربي لطرابلس. II. أبرز الانعكاسات السياسية والأمنية لما بعد الانتخابات الليبية 1. الانعكاسات السياسية: يمكن القول أن ليبيا مقبلة على مشهد سياسي جديد يختلف جذريا عن المشهد الحالي حيث ستكون الكتل النيابية البرلمانية المهيمنة هي الليبرالية والديمقراطية وهو ما سينعكس على تركيبة الحكومة التي يصعب أن يتواجد الإسلاميون فيها، وإن تواجدوا فبشكل رمزي محدود جدا. كما أن هيئة صياغة الدستور ستعمل مستقبلا في ظروف أفضل لتحديد ملامح النظام السياسي الجديد ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية. وفي هذا الإطار نشير إلى أن هناك توافقا ضمنيا بين أغلب التيارات السياسية على توزيع مؤسسات السيادة على ثلاث مدن تاريخية في ليبيا مما يساهم في دعم الوحدة الوطنية. فطرابلس مقر الحكومة. وبنغازي يمكن أن تصبح مقر البرلمان ولو أن الإخوان المسلمين معترضون على هذا الاختيار لكن الأغلبية مصممة على أن تصبح بنغازي مقر البرلمان ومدينة البيضاء تؤوي حاليا لجنة صياغة الدستور وهى المدينة التي لها تاريخ حافل في حركة التحرر الوطني أيام النظام الملكي وتفيد المؤشرات الأولية أن البرلمان الجديد ربما يعيد النظر في قانون العزل السياسي إما بالإلغاء الكامل أو تخفيف شروط العزل إلى أقصى حد، وهو ما سيسمح لعديد الضباط ومنهم حفتر بإعادة تشكيل المؤسسة العسكرية على أسس جديدة بعيدا عن التجاذبات السياسية والحزبية. وفي صورة إلغاء قانون العزل السياسي فإن حفتر يصبح الرئيس المرتقب لأركان الجيش. هذه المتغيرات السياسة للمشهد الانتخابي أدخلت الرعب في صفوف التيارات الجهادية مثل أنصار الشريعة ومختلف الكتائب الإسلامية المتحالفة معها، فكان رد الفعل هو عملية الهجوم على مطار طرابلس يوم 13 جويلية 2014 وما خلفته من خسائر ثقيلة جدا في صفوف الطائرات والمباني سيدفعها الشعب الليبي والاقتصاد الليبي ولا تزال المعارك تدور بشراسة إلى اليوم، وتحدثت عديد التقارير عن استنجاد التيار المتشدد بمقاتلين ليبيين وعرب في سوريا للقدوم إلى ليبيا وحسم المعركة لصالحها، لكن هناك تقارير من الداخل أن الشعب الليبي ليس كالشعب السوري والعراقي الذي تحكمه المكونات الطائفية، وبالتالي لن يسمح لأصحاب المذاهب الدينية الوافدة على ليبيا (من إخوان وتيارات تكفيرية) وهي تيارات غريبة عن إسلامه المحلي، بالسيطرة على المجتمع والدولة، وأن ما حصل بعد الربيع العربي لن يتكرر ثانية في هذا البلد الذي دُمرت ثرواته واهتز أمنه. والغريب في الأمر أن الحكومة لم تستطع أن تحرك ساكنا سوى طلب التدخل الدولي في إشارة ضمنية لرفض عملية الكرامة التي يقودها حفتر. ونسيت هذه الحكومة أنها ستغادر خلال أقل من شهر عندما يتم تنصيب البرلمان الجديد لتخلفها حكومة تحظى بدعم الكتل الجديدة للمجلس النيابي 2. الانعكاسات الأمنية: لا شك أن بناء جيش وطني قوي هو أحد أولويات الحكومة والبرلمان المقبل. وتكوين هذا الجيش لن يكون على أساس المحاصصة والترضيات مثلما كان مطروحا في عهد حكومة الإسلاميين إذ كان التمشي هو انخراط كل الكتائب التي قاتلت القذافي في صلب الجيش، وهذا لا يعين على إنشاء جيش حرفي محايد، باعتبار أن إقحام كتائب مؤدلجة سيؤدي إلى فرقعة المؤسسة العسكرية من الداخل. إن ما يحصل من اغتيالات لنشطاء سياسيين في الفترة الأخيرة، وما حصل من هجوم على مطار طرابلس من طرف كتائب إسلامية يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الخاسرين في الانتخابات سيلجأون إلى ورقة الفوضى الأمنية الشاملة خوفا من استرجاع الدولة لنفوذها وهيبتها مما سيزيد من تهميشهم. ولا شك أن الاجتماع الأمني حول ليبيا بمشاركة دول الجوار الذي انعقد بتونس في 13 – 14 جويلية 2014 وضع سيناريوات لمقاومة الإرهاب وأسس لذلك لجنة أمنية تترأسها الجزائر للنظر في حاجيات ليبيا من حيث تطوير القطاع الاستخباراتي وربما تدريب بعض الكوادر، ولجنة سياسية برئاسة مصر للبحث في مخارج سياسية للأزمة علما وأن مصر منشغلة جدا بتسرب السلاح من ليبيا لفائدة الجهاديين المصريين والذي تسبب في في قتل العديد من الجنود المصريين آخرها عملية يوم 19 جويلية 2014 التي راح ضحيتها 21 جنديا مصريا إن إصلاح المؤسسة الأمنية والعسكرية سيكون أحد أولويات الحكومة والبرلمان الجديد، باعتبار ذلك مدخلا أساسيا للسيطرة على الانفلاتات الأمنية، خاصة بعد إعلان القاعدة وأنصار الشريعة وبوكو حرام مساندتهم لداعش بل وعزمهم على توطين خلايا داعشية بالمغرب العربي وإفريقيا. وفي الحقيقة فإن حظوظ تمدد داعش إلى شمال إفريقيا لا يغير كثيرا من معطيات الوضع القائم بالمنطقة لأن الداعشيين الجدد هم أنفسهم المنتمون لأنصار الشريعة والفصائل الجهادية الأخرى. إن تصعيد العنف مؤخرا في ليبيا يوحي بأن التيار الجهادي وحلفائه لم يعد لهم من دور يلعبونه سوى العمل بأقصى جهودهم على تعفين الوضع وتوتير الأجواء. وبقيت لهم ورقة أخيرة يلعبونها تتمثل في رفض تجريد كتائبهم من السلاح، وهنا فإن الحكومة الجديدة ستركز على حل هذه المعضلة، ربما بالتعاون مع الفصائل الكبرى كالتي يقودها حفتر. ولا شك أن التزام وزراء خارجية بلدان الساحل الإفريقي في مؤتمر تونس بتكثيف الرقابة على حدودهم والتعاون الاستخباراتي سيساهم في احتواء الظاهرة الإرهابية في ليبيا. ويتوقع بعد رمضان أن تشتد المعارك وأن يسقط العديد من الضحايا من الطرفين لكن الغلبة ستكون للتيار الديمقراطي ولأنصار الإسلام الوسطي النابع من الأرض الليبية وليس الوافد من خارج الحدود .