1 - بالعَوْدَةِ إلى خرائط "برنارد لويس" المتعلقة بإقامة الشرق الأوسط الكبير يلفتنا أنّ تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات : سنيّة ، شيعيّة ، وكرديّة . يَعْني أنَّ المسيحيين وأقليات دينيّة أخرى لا مَكان لهُم في العِراق المُقَسَّم بإرادة أمريكيّة - صهيونيّة. ولذلك لم يَتَحَرَّكْ الغَرْبُ إزاءَ ماتَعَرَّضَ له مَسيحيّوا العِراق في المُوصل إبّان استباحَتِها مِن قِبَلِ تنظيم "داعش" المُوكَل إليه مهمَّة التَسريع بتقسيمِ العِراق بَعْدَ أنْ أوْقَفَ الجيشُ العربيّ السوريّ زَحْفَهُ الظلاميّ فلم يستطع التقدّم من محافظتَيّ الرقّة ودير الزور إلى حلب وإدلب واللاذقية وبقيّة المحافظات السورية.أي لم يَسْعَ الغَرْبُ إلى بقاء مسيحيي العراق في وطنهم بل كلّ ما فَعَلوه انسجاماً مع خطّتهم هو استعداد باريس لقبولهم مهاجرين إليها واستيعابهم في حدود فرنسا الجغراسياسيّة. وإذا كانَ البعضُ يتساءل عَن مَعْنى دَعْم الولاياتالمتحدة وأدواتها التركية والخليجية لتنظيم "داعش" في سورية ، وإقدام سلاح الجوّ الأمريكي على توجيه ضربات محدودة لقوات "داعش" بعد اجتياح قرى سنجار وارتكاب المجازر وجرائم السَّبْي في حقِّ رجال ونساء وأطفال الطائفة الإيزيديّة ، فليس لأنّ "أوباما" استجابَ لصرخة النائبة الإيزيدية "فيان دخيل" كما ادّعى هذا "المُعْتَصِم" الكاذب ، بل لأنَّ هذه الطائفة تنتمي إلى عرْقٍ كرديّ ، ولأنّ "داعش" جاوزَت خرائط "برنارد لويس" باختِراق حدود الدويلة الكردية المزمَع إقامتها والتي يقع جبلُ سنجار ضمنها فاشتَبَكَ "الدواعِش" مع البشمركة الكرديّة. 2 - ولِقائلٍ أن يقول : لماذا إذَنْ لم تتحَرَّك واشنطن عندما اشتبكَ تنظيمُ "داعش" مع القوى الكرديّة السوريّة على الرغم مِن أنَّ المناطق الكرديّة السورية تقع ضمن خريطة الدويلة الكردية التي رسمها "برنارد لويس" لتشمل الشمالَ والشمالَ الشرقيََّ حوْلَ المُوصِل ، فتقوم على أجزاءٍ مِن الأراضي العراقية والإيرانية والسورية والتركية و"السوفياتية". فَجَوابنا ببساطة هُوَ أنّ القوى الكرديّة السورية التي قاتلت "داعش" ، وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي برئاسة "صالح مسلم محمد" ترفض الانسلاخَ عن الجغرافيا السياسية للجمهورية العربية السورية وغير متورّطة كما هو حال حزبيّ البرزاني والطالباني في مُخَطط تقسيم العراق وسوريا وغيرها من دول المنطقة التي تستهدفها خطة "برنارد لويس". 3 - إنّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يعرف بداعش ظَهَرَ في عام 2013 ، بتعاوُنٍ بين أجهزة مخابرات الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة والكيان الصهيوني كما أكّدَ "إدوارد سنودن" الذي أوْضَحَ أيضاً أنَّ أبا بكر البغدادي " تلقى تدريبات على أيْدي الموساد لمدَّة عام وتعلَّمَ فنَّ الخطابة وعلْمَ اللاهوت"، وذلك بهدفِ تنفيذِ مشروع الشرق الأوسط الكبير وتقسيمِ المنطقة على أساسٍ مذهبيٍّ وعرْقيٍّ لحمايةِ أمْنِ "دولة إسرائيل اليهوديّة"، حسب ما جاء أيضاً في كتاب "الخيارات الصعبة" لهيلاري كلينتون الذي يُحاول أحدُ عملاء المخابرات الأمريكيةالتونسيين نَفْيَه!. وواقعُ الحال أنَّ تأسيسَ "داعش" جاء بعدَ أن فشلَ "الإخوانُ المسلمون" في تنفيذِ خِطّة "لويس" خاصّة بَعْدَ انهيار حكم "الإخوان المسلمين" في مصر ووقوع الآمال التي علّقها المشروع الصهيو-أمريكي عليهِ في تنفيذ خطة "لويس"بشأن تقسيم مصر وإقامة دويلة غزة الإسلاميّة في سياق إقامة دويلاتٍ فاشلة على أسُسٍ دينية وطائفية وعرْقية تدور في فلك الكيان الصهيوني ، ويكون وضعُ "دولة إسرائيل اليهوديّة" ليس فقط "طبيعياً" بل ومُمَهِّداً لإقامة "دولة إسرائيل الكبرى مِن الفرات إلى النيل" مُسْتَقبلاً. ولذلك علينا أن لا نستخفّ بما وردَ مِن معلوماتٍ مَفادها أنّ "داعش" وعَدَ الطرف التركي بأنه لن يَتسبَّبَ بأيِّ أذى مُتعَمَّد للآثار اليهودية في مناطق سيطرتها شمال غرب العراق ، بعد أن انتزعت "أنقرة" تعهُّداً مماثلا بخصوص قبْر "سلمان شاه" ، أحد أجداد العائلة العثمانية، المقبور في ريف حلب الشمالي الشرقي. وقد نفَّذ "داعش" تعهده ، وامتنع عن نبْش القبر كما كان قد هدد سابقا، رغم أنه فجَّر و نبش حتى قبور الصحابة في محافظة الرَّقة! وبما أنَّ الموصل ونينوى تعجَّان بالآثار والمواقع اليهودية التي يعود بعضُها إلى زمن السَّبْي البابلي ، كما يزعمون . وإذا أخذنا في الحسبان أن الكيان الصهيوني باشرَ منذ الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 شراء عقارات ومساحاتٍ كبيرة من منطقة الموصل ونينوى بأسماءِ إسرائيليين من أصول عراقية ، كرديّة وعربية ( يهود عرب وأكراد)، جرى استخراجُ بطاقاتِ إقامة لهم من كردستان بالاتفاق مع إدارة الإقليم، خصوصا عائلة البرزاني، وبعض مافيات الحكومة المركزية في بغداد، فإننا نُلامِسُ خُطُورَة مايُبَيَّت للمنطقة وخاصّةً العِراق وسوريا التي مِن السّذاجة أن نطمئنّ إلى مقولات أنَّ الحربَ عليها على وشك الإنتهاء. 4 - لاشكّ أنَّ مؤامَرة "الربيع العربي" التي "تمخّضت عن خريف إسلامي بغيومٍ صهيونيّة" قد دَخَلَتْ طَوْراً جديداً ، ذلكَ أنَّ استمرار "حزب العدالة والتنمية" استمر في حكم أنقرة ووصل "أردوغان" إلى رئاسة الجمهورية في تركيا واستطاع "الإخوان المسلمون" في ليبيا أن يفرضوا أنفسهم بقوّة السلاح على الرّغم مِن أنّ الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في ليبيا أقصَتْهُم ، كما أنّ حركة النهضة في تونس مازالت المُهيمنة على المشهد السياسي، وحركة "حماس" تمكنت مِن فكِّ عزلتِها نسبياً في الحرب الأخيرة على غزّة ، وبالتالي فقد قررتْ الإدارةُ الأمريكيّة إعادةَ تكليف "الإخوان المسلمين" بلَعِبِ دَوْرٍ في المَرحلة "الداعشيّة" التي مثَّلَ فيها تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" دَوْراً جاوَزَ العصابات الصهيونية (الهاغانا، شتيرن، والأرغون) في دمَويّتِهِ وَوَحْشيّتِهِ، بِمَعْنى أنّ تاريخَ "الإسلام السياسي" كما قدَّمَته تنظيماتٌ ك"جبهةِ النصرة" و"داعش" وسِواهما جَبَّ تاريخ اليهوديّة الصهيونيّة الذي عرفته فلسطين في بداياتِ القَرْنِ المُنْصَرِم.أي أنَّه حتى النشأة الدمويّة الإجراميّة للكيانِ الصهيونيّ ستصبح "طبيعيّة" مُقارَنَةً بنشأةِ الدويلات الدينية والطائفيّة والعرقيّة التي تشهد المنطقة ولاداتها القيصريّة بدءا بدويلة جنوب السودان. 4 - إزاء هذا الواقِع الكارثيّ والصَّيرُورة المأساويّة تتصَرَّفُ الدُّوَلُ "العربيّة" التي تحسَبُ أنّها في مَنأى عن هذا "التسونامي" الإخواني - الداعشي (كما هوحال الكيانات الخليجية والكيان الهاشمي بالخصوص) تَصَرُّفَ "حِمار عزيزنيسين" ، ذلكَ الحِمار الذي شاهَدَ الذئبَ يَنهب الأرْضَ صَوْبَه ولم يُصَدِّق أنّه ذئبٌ وأنّه يَقصدُه وسيأكله إلّا عندَما انقَضَّ عليهِ وبدأ ينهَشُ لَحْمَهُ الحَيّ . هذا هُوَ حالهم جميعاً، وخاصّة حال الكيان السعوديّ الذي استَقبَلَ مملوكُهُ مؤخَّراً مأمورَ قَطَر لِتَنسيق الدّور الإخوانيّ الدّاعشيّ في المَرحلة القادِمَة مِن المؤامَرة المُستمرّة، غاضّين الطَّرف عَن ما بينهما مِن خِلافاتٍ ، بأمْر سيّدهِما الأمريكيّ.