عندما هرب الغنوشي من تونس ولجأ إلى السوادن إثر تعرض إخوان تونس إلى القمع من طرف نظام بن علي، ألقى خطبة شهيرة وصف فيها الولاياتالمتحدة بالشيطان الأكبر الذي يجب ضربه. بعد أن تحركت الماكينة الإخوانية وأقامت علاقات مع الولاياتالمتحدة ليتم فتح المجال أمام الإخوان لتولي الحكم في تونس تماشيا مع استراتيجية أمريكية لا داعي للدخول في تفاصيلها، غير الغنوشي من خطاباته وأصبح يصف الولاياتالمتحدة بالصديق والشريك الاستراتيجي كما أصبح ضيفا مبجلا لمنظمة آيباك الصهيونية. قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 زار حمادي الجبالي الولاياتالمتحدة ليقدم للفاعلين السياسيين الأمريكيين موقف إخوان تونس من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، فلقد أشار الجبالي إلى أن الولاياتالمتحدة ستكون شريكا استراتيجيا لتونس كما أشار إلى أن إسرائيل تمثل نموذجا رائعا للديمقراطية الدينية. اليوم، وبعد أن تعرض التنظيم الإخواني إلى الضغط، صرح راشد الغنوشي من خلال خطاب ألقاه في إطار مؤتمر اتحاد العلماء المسلمين الإخواني، بأن العدو الصهيوني هو الإرهاب بعينه. عندما كان حكم الإخوان في تونس ومصر متزامنا مع العدوان الإسرائيلي على غزة، وقع إقرار هدنة لوقف إطلاق النار بسرعة وسهولة نوعا ما رغم أن المكاسب السياسية للفلسطينيين كانت منعدمة. عندما كان العدوان الإسرائيلي على غزة متزامنا مع الانقلاب على إخوان مصر، والكشف عن فضائح فساد في نظام أردوغان ، والحملة الانتخابية لأردوغان، تغيرت الأمور وأثبتت حماس صمودا وإصرارا في المقاومة. وهنا نشير إلى أننا نساند الفلسطينيين في كفاحهم ومطالبهم المشروعة. لكن نشير أيضا إلى التأثيرات السلبية للمتاجرة بالقضية الفلسطينية ومحاولة الحيف بها لخدمة محور وجماعة ايديولوجية معينة، وهذا ما يعقد القضية الفلسطينية التي بقيت تدور في حلقة مفرغة. من خلال هذه النقاط نستنتج أن الخطاب والموقف الإخواني يقومان على ازدواجية تعود لاعتبارات سياسية متمحورة حول الضغط والمناورة والمساومة من أجل فسح المجال أمام الإخوان ومشتقاتهم لتولي الإدارة السياسية في أكثر عدد ممكن من البلدان. وبالإمكان استخراج عينات من المواقف الإخوانية التي تقوم على الثنائيات وتصنيفها حسب ما يتعرض له الإخوان من تضييق أو تبجيل : - أثناء التضييق على الإخوان وأردوغان : الولاياتالمتحدة الشيطان الأكبر ؛ العدو الصهيوني هو الإرهاب بعينه ؛ حماس تصر على المقاومة. - أثناء حكم الإخوان ودعمهم من طرف الولاياتالمتحدة : الولاياتالمتحدة ستكون شريكا استراتيجيا لتونس ؛ إسرائيل نموذج رائع للديمقراطية الدينية ؛ الغنوشي ضيف مبجل لدى منظمة آيباك الصهيونية ؛ هدنة بين إسرائيل وحماس رغم انعدام المكاسب للفلسطينيين. ما يمكن استنتاجه أن المشروع الإخواني يساهم في تبليد الخارطة الاستراتيجية للدول العربية بإدخالها في حالة تخبط ودوائر مفرغة. وهذا ما يساهم في إعاقة سبل التقدم والتطور والتقارب بين الشعوب العربية، هذا بالإضافة إلى تعقيد القضية الفلسطينية وإخراجها من عمقها العربي والأممي وإدخالها باب المساومة والتكتيك الايديولوجي الركيك.