ملف "التسفير": أحكام بالسجن بين 18 و36 سنة والمراقبة الإدارية لخمسة أعوام    المنصة الرقمية الخاصة بالشرّكات الأهليّة: هذه أبرز أهدافها    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    وزير الشباب والرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    أكودة.. منحرفان يقتلان شابا ويصيبان شقيقه    تدخل تونس موفى 2025: تقنية جديدة قادرة على تشخيص وعلاج سرطان البروستات    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    قسم طب وجراحة العيون بالمستشفى الجامعي بدر الدين العلوي بالقصرين سينطلق قريبًا في تأمين عمليات زرع القرنية (رئيس القسم)    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    تونس.. زيادة في عدد السياح وعائدات القطاع بنسبة 8 بالمائة    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    القيروان: انتشال جثة طفل جازف بالسباحة في بحيرة جبلية    "نائبة بالبرلمان تحرّض ضد الاعلامي زهير الجيس": نقابة الصحفيين تردّ.. #خبر_عاجل    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    تعزيز مخزون السدود وتحسين موسم الحبوب والزيتون في تونس بفضل الأمطار الأخيرة    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    البنك المركزي : معدل نسبة الفائدة يستقر في حدود 7،50 بالمائة خلال أفريل 2025    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ حوثي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان وخصومهم في الخارج.. من يتآمر على من؟
نشر في الصباح يوم 16 - 07 - 2013

بعد أن استجاب الجيش المصري للمطالب الشعبية الكاسحة التي تدعو إلى عزل الرئيس محمد مرسي، وإسقاط الحكومة، وحل مجلس الشعب، وإعادة صياغة الدستور...
كثر الحديث عن المؤامرات والتدخلات الخارجية التي ساهمت في سقوط الإخوان. ولا يمكن تناول الموضوع من زاوية واحدة باعتبار أن سقوط الإخوان في مصر كان إنجازا شعبيا داخليا تضافرت له الجهود من طرف قوى سياسية وشعبية وشبابية ومدنية. ومن أبرز البلدان التي كثر الحديث عن مساهمتها في إسقاط إخوان مصر، هي الإمارات والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
1- أسباب تجعل "التآمر" على الإخوان أمرا طبيعيا مشروعا
ما يُعرف عن التيار الإخواني أنه يدور في فلك ذلك المحور المدعوم أمريكيا وأطلسيا، والمتمثل في الثالوث الشهير قطر-تركيا-الإخوان. ومن بين الأهداف الإستراتيجية التي يتشدق بها الإخوان هي توحيد "الأمة" أو إقامة "الوحدة الإسلامية" . ويعتمد الإخوان على الإيديولوجية القطبية التكفيرية التي تقوم على إثارة التناقضات والتكفير عبر تقسيم المجتمع إلى محور خير (إخواني) ومحور شر (غير إخواني). ويتميز التيار الإخواني بالعالمية، فهو يسعى لإقامة فروع في عديد البلدان من أجل خلق التناقضات والتوغل في مفاصل الدول والمجتمعات سعيا للانقضاض على السلطة عبر مراحل (التمكين). وقد تسبب وصول الإخوان إلى الحكم في كل من تونس ومصر إلى إثارة تشنج في العلاقات مع عديد البلدان التي لا تستسيغ المشروع الإخواني على غرار السعودية والكويت والجزائر وبالأخص الإمارات. ومن ناحية أخرى يقوم المشروع الإخواني على تقديم الولاء الأعمى والإنبطاحي للولايات المتحدة واللوبي الصهيوني، وذلك بالتنسيق مع عديد المنظمات التي تعمل بالوكالة على غرار مركز دراسة الإسلام والديمقراطية ومنظمة آيباك الإسرائيلية-الأمريكية، هذا مقابل الحصول على الضوء الأخضر للحكم مع الحفاظ على كراس شروط أمريكي إسرائيلي.
الإخوان يسوّقون مصطلح الأمة كمفهوم هلامي غامض لا حدود ولا معنى له على مستوى الزمان والمكان والبنية الاجتماعية والعرقية والإيديولوجية، فهم لا يؤمنون بمفاهيم الدولة القومية والهوية الوطنية التي تُعتبر أساسا لأي تقارب أو "وحدة" بين شعوب لها قواسم مشتركة قد تستغلها للتكتل وتأسيس اندماجات اجتماعية- اقتصادية ثقافية حضارية. ففي أوروبا مثلا وقع تقديم الاقتصاد والقواسم المشتركة على الإيديولوجيات والعرقيات والتنوع الديني والعقائدي. فالوحدة الأوروبية كانت انطلاقا من دول قطرية-قومية تجاوزت العرقيات والأديان نحو الاقتصاد والمشترك الثقافي والحضاري.
2- دور الإمارات والسعودية
هذه الأساليب الإخوانية الأخطبوطية التي تقوم على إثارة التناقضات والاختراقات في عديد البلدان، تجعلنا نتوقع رد فعل منطقي ضدّ المشروع الإخواني. ولعل أبرز البلدان التي لا تستسيغ الإخوان هي الإمارات العربية المتحدة التي تعرضت لعديد الاستفزازات من طرف الإخوان عبر التهجم الإعلامي، وتمويل ودعم مجموعات إخوانية - إرهابية - سرية في الإمارات للقيام بالتجييش و الشحن عبر تسويق الخطابات العقائدية التكفيرية. وقد رفض الرئيس مرسي دعوة وجهها له رئيس الإمارات وراح يتخبط في زيارة عشوائية لإيران، متجاهلا عمق العلاقة مع الدول الخليجية والعربية. وكان الدعم الإماراتي لحركة تمرد المصرية واضحا من خلال احتضان العديد من رموز المعارضة ودعمهم ماديا وإعلاميا. وتعيش الإمارات حربا باردة مع قطر التي تُمثل الحضن الدافئ للتيار الإخواني. وحسب التحركات الديبلوماسية، فإن الإمارات تبارك سقوط الإخوان، وعازمة على توطيد العلاقات التعاونية مع مصر بعد هذا السقوط. ولم تكن السعودية خارج فلك الإمارات من حيث دعمها ومباركتها لإسقاط إخوان مصر من خلال تقديم الدعم الإعلامي، والسياسي المتمثل في حزب النور السلفي الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة نسبيا، ومن غير المستبعد أن يكون الجيش المصري قد لعب دورا في عملية إسقاط الإخوان عبر التنسيق مع السعودية باعتبار العلاقات العسكرية المتينة بين السعودية ومصر، فالسعودية كانت طيلة السنتين الفارطتين تدعم الجيش المصري الذي وحسب تقدير الخبراء يسيطر على حوالي رُبع الاقتصاد المصري.
3- دور أمريكا وإسرائيل
ساد الحديث عن مؤامرة أمريكية - صهيونية لإسقاط التيار الإخواني في مصر، لكن هذه الإدعاءات تبقى بعيدة عن المنطق باعتبار أن التيار الإخواني يبقى هو المناسب للولايات المتحدة وإسرائيل، لأنه طيّع وليّن في التعامل مع الأجندات الأمريكية والصهيونية، ولأنه يضمن تعميق النفوذ الأمريكي وعدم الانزلاق نحو الشرق أو نحو محاور أخرى، هذا بالإضافة إلى ضمان تحويل وجهة التناقض مع الجماعات الجهادية نحو العمق الإسلامي على غرار ما يقع في سيناء وبدرجة أقل في تونس، هذا دون أن ننسى الطابع الإخواني الرجعي الذي يضمن بقاء الشعوب في نمط متخلف بعيد عن التغيير والبحث عن آفاق جديدة. وقد بان تحسّر الولايات المتحدة وإسرائيل واللوبي الصهيوني على سقوط الإخوان من خلال تصريحات قادة سياسيين إسرائيليين وأمريكان.
إذن، الولايات المتحدة وإسرائيل تفضلان التيار الإخواني في مصر لأنه لا يوجد أي نظام بديل يمكن أن يكون أكثر انبطاحا، وذلك لعدة اعتبارات تاريخية وإيديولوجية وعقائدية يطول شرحها. فالقاعدة الشعبية للإخوان تتعامل مع السلطة بمنطق الولاء والبيعة في إطار زماني ومكاني غير محدود، على عكس ما هو متعارف عليه في القواعد الديمقراطية الحديثة حيث تستمد الأنظمة مشروعيتها انطلاقا من تفويض مدني يقوم على أساس البرامج والكفاءة والمردود السياسي والإداري. ومن جهة أخرى يتميز التيار الإخواني بقابلية عجيبة للانبطاح وتقديم التنازلات في جميع المجالات من خلال الخصخصة العشوائية والتفويت في المقدرات القومية الإستراتجية، وهذا يعود إلى التكوين الإيديولوجي الإخواني الذي يقوم على أساس الحشو بمفاهيم متعالية خارجة عن الإطار الزماني والمكاني بحيث يفتقد السياسي الإخواني إلى النظرة الموضوعية على محيطه القومي والعرقي والتاريخي والحضاري التراكمي المتنوع والمركب. فالحشو النظري بمفاهيم ميتافيزيقية لا تأخذ بعين الاعتبار البعد القومي والوطني والهوياتي يجعل التيار الإخواني يلهث وراء سراب "الأمّة" بمفهومه الهلامي الغامض الذي لا يخضع للمنطق والضوابط الزمانية والمكانية، ولا يأخذ بعين الاعتبار سنن البشر والتاريخ. فالسياسات الإخوانية مهما بان عليها من لين و تطوّر فإنها تدور في فلك الهوس الإيديولوجي بمفهوم "مشروع الأمة" الذي تُرتكب في سبيله عديد الجرائم في حق الوطن وذلك باسم فقه التقيّة. وهذا ما يجعل الشعوب الرازحة تحت وطأة الحكم الإخواني منسلخة عن ذاتها الحضارية والقومية وغارقة في التخلف والضياع والرجعية والتبعية للشعوب الأخرى.
4- آفاق ما بعد الإخوان
رغم أن الدعم الخارجي موجود، إلا أن إسقاط الإخوان في مصر كان إنجازا شعبيا له أسبابه الموضوعية التي جعلت الشارع ينفجر في وجه التيار الإخواني الذى كان مهوسا بالتمكين وأخونة الدولة والمجتمع أكثر من السعي لتحقيق المطالب الشعبية التي رُفعت شعاراتها أيام الثورة على نظام حسني مبارك. ويبقى سقوط الإخوان فرصة تاريخية أمام الشعب المصري، ولما لا الشعب التونسي في مرحلة لاحقة، للخروج من لعبة المحاور التي تساهم في تشنج العلاقات الخارجية في المحيط الإقليمي والعالمي. فلقد آن الأوان للتخلص من السياسات الإنبطاحية الخارجة حتى عن إطار النظام العالمي الجديد وما يشهده من تغييرات على مستوى العلاقات الدولية، خاصة بعد بروز تكتلات وأقطاب اقتصادية صاعدة. فالوصول إلى الحكم ليس مثلما يتصور الإخوان على أنه يجب أن يكون عبر الدخول في لعبة المحاور، والانبطاح للولايات المتحدة واللوبيات الصهيونية الفاعلة. لقد آن الأوان لمصر وتونس أن تبنيا سياسات وطنية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الحيوية والأمنية والإستراتيجية بعيدا عن الهوس بضرورة الانبطاح للماكينة الأمريكو-صهيونية التي وبالرغم من قوتها وفاعليتها إلا أن الخروج من جلبابها سيكون مربحا ومفيدا لشعوب ترغب في بناء ذواتها القومية والحضارية، والاندماج في التنمية الشاملة الحقيقية على جميع المستويات الثقافية والعلمية والاقتصادية.
لا يمكن المرور على سقوط الإخوان في مصر دون الحديث عن التبعات الإستراتيجية والاقتصادية التي قد يمتد تأثيراتها إقليميا ودوليا. فمن المتوقع أن تشهد مصر خروجا من المحور التركي القطري الذي يتميز بالارتباط الوثيق بالولايات المتحدة، نحو محاور أخرى أكثر انفتاحا وتوازنا، وبالأخص عن طريق الإمارات العربية المتحدة التي تتميز سياستها الاقتصادية الخارجية بالتوازن بين الشرق والغرب وبالانفتاح على الصين والهند خصوصا، وهذا ما يفسر الانزعاج الأمريكي الإسرائيلي من سقوط الإخوان في معقلهم الروحي، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التبعات قد تمتد نحو عديد البلدان العربية والإفريقية، فمصر تبقى قلبا نابضا في الشرق الأوسط وبالتالي فتخلصها من المحور الإخواني الأطلسي قد يجعلها تبحث عن عمق استراتيجي أكثر توازن نحو الشرق وإفريقيا والعالم العربي والصين والبلدان الآسيوية، وهذا ما قد يساهم في ميل الشرق الأوسط وجزء من إفريقيا نحو الشرق مع الانسلاخ رويدا رويدا من الهيمنة الأمريكية الغربية، وبالتالي محاصرة إسرائيل استراتيجيا وفقدان أملها في لعب دور ريادي في شرق أوسط جديد تحلم به صحبة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية...
��%���(ܪ��ئيل

ساد الحديث عن مؤامرة أمريكية - صهيونية لإسقاط التيار الإخواني في مصر، لكن هذه الإدعاءات تبقى بعيدة عن المنطق باعتبار أن التيار الإخواني يبقى هو المناسب للولايات المتحدة وإسرائيل، لأنه طيّع وليّن في التعامل مع الأجندات الأمريكية والصهيونية، ولأنه يضمن تعميق النفوذ الأمريكي وعدم الانزلاق نحو الشرق أو نحو محاور أخرى، هذا بالإضافة إلى ضمان تحويل وجهة التناقض مع الجماعات الجهادية نحو العمق الإسلامي على غرار ما يقع في سيناء وبدرجة أقل في تونس، هذا دون أن ننسى الطابع الإخواني الرجعي الذي يضمن بقاء الشعوب في نمط متخلف بعيد عن التغيير والبحث عن آفاق جديدة. وقد بان تحسّر الولايات المتحدة وإسرائيل واللوبي الصهيوني على سقوط الإخوان من خلال تصريحات قادة سياسيين إسرائيليين وأمريكان.
إذن، الولايات المتحدة وإسرائيل تفضلان التيار الإخواني في مصر لأنه لا يوجد أي نظام بديل يمكن أن يكون أكثر انبطاحا، وذلك لعدة اعتبارات تاريخية وإيديولوجية وعقائدية يطول شرحها. فالقاعدة الشعبية للإخوان تتعامل مع السلطة بمنطق الولاء والبيعة في إطار زماني ومكاني غير محدود، على عكس ما هو متعارف عليه في القواعد الديمقراطية الحديثة حيث تستمد الأنظمة مشروعيتها انطلاقا من تفويض مدني يقوم على أساس البرامج والكفاءة والمردود السياسي والإداري. ومن جهة أخرى يتميز التيار الإخواني بقابلية عجيبة للانبطاح وتقديم التنازلات في جميع المجالات من خلال الخصخصة العشوائية والتفويت في المقدرات القومية الإستراتجية، وهذا يعود إلى التكوين الإيديولوجي الإخواني الذي يقوم على أساس الحشو بمفاهيم متعالية خارجة عن الإطار الزماني والمكاني بحيث يفتقد السياسي الإخواني إلى النظرة الموضوعية على محيطه القومي والعرقي والتاريخي والحضاري التراكمي المتنوع والمركب. فالحشو النظري بمفاهيم ميتافيزيقية لا تأخذ بعين الاعتبار البعد القومي والوطني والهوياتي يجعل التيار الإخواني يلهث وراء سراب "الأمّة" بمفهومه الهلامي الغامض الذي لا يخضع للمنطق والضوابط الزمانية والمكانية، ولا يأخذ بعين الاعتبار سنن البشر والتاريخ. فالسياسات الإخوانية مهما بان عليها من لين و تطوّر فإنها تدور في فلك الهوس الإيديولوجي بمفهوم "مشروع الأمة" الذي تُرتكب في سبيله عديد الجرائم في حق الوطن وذلك باسم فقه التقيّة. وهذا ما يجعل الشعوب الرازحة تحت وطأة الحكم الإخواني منسلخة عن ذاتها الحضارية والقومية وغارقة في التخلف والضياع والرجعية والتبعية للشعوب الأخرى.
4- آفاق ما بعد الإخوان
رغم أن الدعم الخارجي موجود، إلا أن إسقاط الإخوان في مصر كان إنجازا شعبيا له أسبابه الموضوعية التي جعلت الشارع ينفجر في وجه التيار الإخواني الذى كان مهوسا بالتمكين وأخونة الدولة والمجتمع أكثر من السعي لتحقيق المطالب الشعبية التي رُفعت شعاراتها أيام الثورة على نظام حسني مبارك. ويبقى سقوط الإخوان فرصة تاريخية أمام الشعب المصري، ولما لا الشعب التونسي في مرحلة لاحقة، للخروج من لعبة المحاور التي تساهم في تشنج العلاقات الخارجية في المحيط الإقليمي والعالمي. فلقد آن الأوان للتخلص من السياسات الإنبطاحية الخارجة حتى عن إطار النظام العالمي الجديد وما يشهده من تغييرات على مستوى العلاقات الدولية، خاصة بعد بروز تكتلات وأقطاب اقتصادية صاعدة. فالوصول إلى الحكم ليس مثلما يتصور الإخوان على أنه يجب أن يكون عبر الدخول في لعبة المحاور، والانبطاح للولايات المتحدة واللوبيات الصهيونية الفاعلة. لقد آن الأوان لمصر وتونس أن تبنيا سياسات وطنية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الحيوية والأمنية والإستراتيجية بعيدا عن الهوس بضرورة الانبطاح للماكينة الأمريكو-صهيونية التي وبالرغم من قوتها وفاعليتها إلا أن الخروج من جلبابها سيكون مربحا ومفيدا لشعوب ترغب في بناء ذواتها القومية والحضارية، والاندماج في التنمية الشاملة الحقيقية على جميع المستويات الثقافية والعلمية والاقتصادية.
لا يمكن المرور على سقوط الإخوان في مصر دون الحديث عن التبعات الإستراتيجية والاقتصادية التي قد يمتد تأثيراتها إقليميا ودوليا. فمن المتوقع أن تشهد مصر خروجا من المحور التركي القطري الذي يتميز بالارتباط الوثيق بالولايات المتحدة، نحو محاور أخرى أكثر انفتاحا وتوازنا، وبالأخص عن طريق الإمارات العربية المتحدة التي تتميز سياستها الاقتصادية الخارجية بالتوازن بين الشرق والغرب وبالانفتاح على الصين والهند خصوصا، وهذا ما يفسر الانزعاج الأمريكي الإسرائيلي من سقوط الإخوان في معقلهم الروحي، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التبعات قد تمتد نحو عديد البلدان العربية والإفريقية، فمصر تبقى قلبا نابضا في الشرق الأوسط وبالتالي فتخلصها من المحور الإخواني الأطلسي قد يجعلها تبحث عن عمق استراتيجي أكثر توازن نحو الشرق وإفريقيا والعالم العربي والصين والبلدان الآسيوية، وهذا ما قد يساهم في ميل الشرق الأوسط وجزء من إفريقيا نحو الشرق مع الانسلاخ رويدا رويدا من الهيمنة الأمريكية الغربية، وبالتالي محاصرة إسرائيل استراتيجيا وفقدان أملها في لعب دور ريادي في شرق أوسط جديد تحلم به صحبة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية...
ion:� { u(ܪ��di:embed'الإخوان وخصومهم في الخارج.. من يتآمر على من؟

بقلم: يوسف بلحاج رحومة
بعد أن استجاب الجيش المصري للمطالب الشعبية الكاسحة التي تدعو إلى عزل الرئيس محمد مرسي، وإسقاط الحكومة، وحل مجلس الشعب، وإعادة صياغة الدستور... كثر الحديث عن المؤامرات والتدخلات الخارجية التي ساهمت في سقوط الإخوان. ولا يمكن تناول الموضوع من زاوية واحدة باعتبار أن سقوط الإخوان في مصر كان إنجازا شعبيا داخليا تضافرت له الجهود من طرف قوى سياسية وشعبية وشبابية ومدنية. ومن أبرز البلدان التي كثر الحديث عن مساهمتها في إسقاط إخوان مصر، هي الإمارات والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
1- أسباب تجعل "التآمر" على الإخوان أمرا طبيعيا مشروعا
ما يُعرف عن التيار الإخواني أنه يدور في فلك ذلك المحور المدعوم أمريكيا وأطلسيا، والمتمثل في الثالوث الشهير قطر-تركيا-الإخوان. ومن بين الأهداف الإستراتيجية التي يتشدق بها الإخوان هي توحيد "الأمة" أو إقامة "الوحدة الإسلامية" . ويعتمد الإخوان على الإيديولوجية القطبية التكفيرية التي تقوم على إثارة التناقضات والتكفير عبر تقسيم المجتمع إلى محور خير (إخواني) ومحور شر (غير إخواني). ويتميز التيار الإخواني بالعالمية، فهو يسعى لإقامة فروع في عديد البلدان من أجل خلق التناقضات والتوغل في مفاصل الدول والمجتمعات سعيا للانقضاض على السلطة عبر مراحل (التمكين). وقد تسبب وصول الإخوان إلى الحكم في كل من تونس ومصر إلى إثارة تشنج في العلاقات مع عديد البلدان التي لا تستسيغ المشروع الإخواني على غرار السعودية والكويت والجزائر وبالأخص الإمارات. ومن ناحية أخرى يقوم المشروع الإخواني على تقديم الولاء الأعمى والإنبطاحي للولايات المتحدة واللوبي الصهيوني، وذلك بالتنسيق مع عديد المنظمات التي تعمل بالوكالة على غرار مركز دراسة الإسلام والديمقراطية ومنظمة آيباك الإسرائيلية-الأمريكية، هذا مقابل الحصول على الضوء الأخضر للحكم مع الحفاظ على كراس شروط أمريكي إسرائيلي.
الإخوان يسوّقون مصطلح الأمة كمفهوم هلامي غامض لا حدود ولا معنى له على مستوى الزمان والمكان والبنية الاجتماعية والعرقية والإيديولوجية، فهم لا يؤمنون بمفاهيم الدولة القومية والهوية الوطنية التي تُعتبر أساسا لأي تقارب أو "وحدة" بين شعوب لها قواسم مشتركة قد تستغلها للتكتل وتأسيس اندماجات اجتماعية- اقتصادية ثقافية حضارية. ففي أوروبا مثلا وقع تقديم الاقتصاد والقواسم المشتركة على الإيديولوجيات والعرقيات والتنوع الديني والعقائدي. فالوحدة الأوروبية كانت انطلاقا من دول قطرية-قومية تجاوزت العرقيات والأديان نحو الاقتصاد والمشترك الثقافي والحضاري.
2- دور الإمارات والسعودية
هذه الأساليب الإخوانية الأخطبوطية التي تقوم على إثارة التناقضات والاختراقات في عديد البلدان، تجعلنا نتوقع رد فعل منطقي ضدّ المشروع الإخواني. ولعل أبرز البلدان التي لا تستسيغ الإخوان هي الإمارات العربية المتحدة التي تعرضت لعديد الاستفزازات من طرف الإخوان عبر التهجم الإعلامي، وتمويل ودعم مجموعات إخوانية - إرهابية - سرية في الإمارات للقيام بالتجييش و الشحن عبر تسويق الخطابات العقائدية التكفيرية. وقد رفض الرئيس مرسي دعوة وجهها له رئيس الإمارات وراح يتخبط في زيارة عشوائية لإيران، متجاهلا عمق العلاقة مع الدول الخليجية والعربية. وكان الدعم الإماراتي لحركة تمرد المصرية واضحا من خلال احتضان العديد من رموز المعارضة ودعمهم ماديا وإعلاميا. وتعيش الإمارات حربا باردة مع قطر التي تُمثل الحضن الدافئ للتيار الإخواني. وحسب التحركات الديبلوماسية، فإن الإمارات تبارك سقوط الإخوان، وعازمة على توطيد العلاقات التعاونية مع مصر بعد هذا السقوط. ولم تكن السعودية خارج فلك الإمارات من حيث دعمها ومباركتها لإسقاط إخوان مصر من خلال تقديم الدعم الإعلامي، والسياسي المتمثل في حزب النور السلفي الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة نسبيا، ومن غير المستبعد أن يكون الجيش المصري قد لعب دورا في عملية إسقاط الإخوان عبر التنسيق مع السعودية باعتبار العلاقات العسكرية المتينة بين السعودية ومصر، فالسعودية كانت طيلة السنتين الفارطتين تدعم الجيش المصري الذي وحسب تقدير الخبراء يسيطر على حوالي رُبع الاقتصاد المصري.
3- دور أمريكا وإسرائيل
ساد الحديث عن مؤامرة أمريكية - صهيونية لإسقاط التيار الإخواني في مصر، لكن هذه الإدعاءات تبقى بعيدة عن المنطق باعتبار أن التيار الإخواني يبقى هو المناسب للولايات المتحدة وإسرائيل، لأنه طيّع وليّن في التعامل مع الأجندات الأمريكية والصهيونية، ولأنه يضمن تعميق النفوذ الأمريكي وعدم الانزلاق نحو الشرق أو نحو محاور أخرى، هذا بالإضافة إلى ضمان تحويل وجهة التناقض مع الجماعات الجهادية نحو العمق الإسلامي على غرار ما يقع في سيناء وبدرجة أقل في تونس، هذا دون أن ننسى الطابع الإخواني الرجعي الذي يضمن بقاء الشعوب في نمط متخلف بعيد عن التغيير والبحث عن آفاق جديدة. وقد بان تحسّر الولايات المتحدة وإسرائيل واللوبي الصهيوني على سقوط الإخوان من خلال تصريحات قادة سياسيين إسرائيليين وأمريكان.
إذن، الولايات المتحدة وإسرائيل تفضلان التيار الإخواني في مصر لأنه لا يوجد أي نظام بديل يمكن أن يكون أكثر انبطاحا، وذلك لعدة اعتبارات تاريخية وإيديولوجية وعقائدية يطول شرحها. فالقاعدة الشعبية للإخوان تتعامل مع السلطة بمنطق الولاء والبيعة في إطار زماني ومكاني غير محدود، على عكس ما هو متعارف عليه في القواعد الديمقراطية الحديثة حيث تستمد الأنظمة مشروعيتها انطلاقا من تفويض مدني يقوم على أساس البرامج والكفاءة والمردود السياسي والإداري. ومن جهة أخرى يتميز التيار الإخواني بقابلية عجيبة للانبطاح وتقديم التنازلات في جميع المجالات من خلال الخصخصة العشوائية والتفويت في المقدرات القومية الإستراتجية، وهذا يعود إلى التكوين الإيديولوجي الإخواني الذي يقوم على أساس الحشو بمفاهيم متعالية خارجة عن الإطار الزماني والمكاني بحيث يفتقد السياسي الإخواني إلى النظرة الموضوعية على محيطه القومي والعرقي والتاريخي والحضاري التراكمي المتنوع والمركب. فالحشو النظري بمفاهيم ميتافيزيقية لا تأخذ بعين الاعتبار البعد القومي والوطني والهوياتي يجعل التيار الإخواني يلهث وراء سراب "الأمّة" بمفهومه الهلامي الغامض الذي لا يخضع للمنطق والضوابط الزمانية والمكانية، ولا يأخذ بعين الاعتبار سنن البشر والتاريخ. فالسياسات الإخوانية مهما بان عليها من لين و تطوّر فإنها تدور في فلك الهوس الإيديولوجي بمفهوم "مشروع الأمة" الذي تُرتكب في سبيله عديد الجرائم في حق الوطن وذلك باسم فقه التقيّة. وهذا ما يجعل الشعوب الرازحة تحت وطأة الحكم الإخواني منسلخة عن ذاتها الحضارية والقومية وغارقة في التخلف والضياع والرجعية والتبعية للشعوب الأخرى.
4- آفاق ما بعد الإخوان
رغم أن الدعم الخارجي موجود، إلا أن إسقاط الإخوان في مصر كان إنجازا شعبيا له أسبابه الموضوعية التي جعلت الشارع ينفجر في وجه التيار الإخواني الذى كان مهوسا بالتمكين وأخونة الدولة والمجتمع أكثر من السعي لتحقيق المطالب الشعبية التي رُفعت شعاراتها أيام الثورة على نظام حسني مبارك. ويبقى سقوط الإخوان فرصة تاريخية أمام الشعب المصري، ولما لا الشعب التونسي في مرحلة لاحقة، للخروج من لعبة المحاور التي تساهم في تشنج العلاقات الخارجية في المحيط الإقليمي والعالمي. فلقد آن الأوان للتخلص من السياسات الإنبطاحية الخارجة حتى عن إطار النظام العالمي الجديد وما يشهده من تغييرات على مستوى العلاقات الدولية، خاصة بعد بروز تكتلات وأقطاب اقتصادية صاعدة. فالوصول إلى الحكم ليس مثلما يتصور الإخوان على أنه يجب أن يكون عبر الدخول في لعبة المحاور، والانبطاح للولايات المتحدة واللوبيات الصهيونية الفاعلة. لقد آن الأوان لمصر وتونس أن تبنيا سياسات وطنية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الحيوية والأمنية والإستراتيجية بعيدا عن الهوس بضرورة الانبطاح للماكينة الأمريكو-صهيونية التي وبالرغم من قوتها وفاعليتها إلا أن الخروج من جلبابها سيكون مربحا ومفيدا لشعوب ترغب في بناء ذواتها القومية والحضارية، والاندماج في التنمية الشاملة الحقيقية على جميع المستويات الثقافية والعلمية والاقتصادية.
لا يمكن المرور على سقوط الإخوان في مصر دون الحديث عن التبعات الإستراتيجية والاقتصادية التي قد يمتد تأثيراتها إقليميا ودوليا. فمن المتوقع أن تشهد مصر خروجا من المحور التركي القطري الذي يتميز بالارتباط الوثيق بالولايات المتحدة، نحو محاور أخرى أكثر انفتاحا وتوازنا، وبالأخص عن طريق الإمارات العربية المتحدة التي تتميز سياستها الاقتصادية الخارجية بالتوازن بين الشرق والغرب وبالانفتاح على الصين والهند خصوصا، وهذا ما يفسر الانزعاج الأمريكي الإسرائيلي من سقوط الإخوان في معقلهم الروحي، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التبعات قد تمتد نحو عديد البلدان العربية والإفريقية، فمصر تبقى قلبا نابضا في الشرق الأوسط وبالتالي فتخلصها من المحور الإخواني الأطلسي قد يجعلها تبحث عن عمق استراتيجي أكثر توازن نحو الشرق وإفريقيا والعالم العربي والصين والبلدان الآسيوية، وهذا ما قد يساهم في ميل الشرق الأوسط وجزء من إفريقيا نحو الشرق مع الانسلاخ رويدا رويدا من الهيمنة الأمريكية الغربية، وبالتالي محاصرة إسرائيل استراتيجيا وفقدان أملها في لعب دور ريادي في شرق أوسط جديد تحلم به صحبة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.