أن يصل التطاحن الانتخابي بين المتنافسين في تونس الى ما تحت خط الفقر الأخلاقي بكثير، فذلك أمر طبيعي في بلد ينتمي الى أمة يحقق فيها الفرد ذاته وجوبا بتدمير ذات الآخر، أما أن يصل سُعار بعض المترشحين ومن والاهم الى حد التحريض على الاحتراب بين أهل البلد الواحد، وذلك بمحاولة تأليب مواطني الجنوب والعزف على وتر حميّتهم الجهوية المتّقدة واستغلالها أملا أخيرا للظفر بالسباق الانتخابي، فذلك هو الاجرام بعينه، وذلك هو السقوط الذي يعري استعدادات البعض لإشعال خارطة البلاد حربا ودمارا في حال خذلتهم الديمقراطية وأحكامها. لا يتردد البعض في الدفع باتجاه تحويل الجنوب التونسي الى أشبه بسيناء مصر أو بشبه جزيرة القرم الأكرانية، رغم يقينه بأن تلك الربوع لا يمكن أن تحتضن من يبيت الشر لوطنه أو ينخرط في مشروع تجزئة على أساس الانتماء الجهوي. كما لا يمكن للبعض فهم طبيعة تركيبة اجتماعية وثقافية عصية عن محاولات الشحن والتحريض الرخيص . يدرك مواطنو تونس من متساكني الجنوب ان الخطاب الذي يحاول استثارة نعرات الانتماء الجهوي لديهم ويتظاهر بالغيرة عليهم هو في العمق خطاب يحاول استغفالهم والاستنقاص من مداركهم، ويسعى الى الزج بهم في أتون نٍطاح سياسي، وهو ترجمة لتفكير بدائي يرى في متساكني الجنوب مجموعات "بافلوفية" تنقاد بسهولة وتنصاع لأي منبه مهما كان مصدره، وأنها مجرد كائنات فوضوية مارقة عن الدولة ولا تؤمن بقانون المواطنة والانتماء للوطن . عند هذه النقطة من التفكير يتضح الوجه القبيح لهذا الصنف من الخطاب السياسي الذي يعبث بالمحاذير والثوابت الوطنية خدمة لهدف انتخابي عابر، وتتكشف استعدادات بعض الأطراف للجوء الى سياسة الأرض المحروقة، ونقل عدوى الفوضى والاقتتال من حدودنا الجنوبية الشرقية الى الداخل التونسي وتقديم متساكني الجنوب كوقود محرقة. هذا الخطاب هو نسخة معاكسة لخطاب اخر لا يقل خطورة وهو خطاب الاستعداء المبطن أو الاستدراج الخبيث لجهة الساحل واقحامها في الرهان الانتخابي، اما بتسويقها كحاضنة لكل القوى التي تلتحف بالرمز الدستوري ومشتقاته، أو باعتمادها من قبل قوى أخرى لتخويف متساكني الجهات الداخلية من عودة "سطوة الساحل" بانتخاب أحد منتوجات السوق الدستورية، وفي كلتا الحالتين تنزلق هذه الخطابات الى دائرة المحظور. مئات الالاف من متساكني الجنوب صوتوا لخصوم الاسلاميين ومثلهم صوتوا للإسلاميين، وفي مدن الساحل صوت مئات الالاف لخصوم الدستوريين وصوت مثلهم لحركة نداء تونس، وهو ما يعد ردا تلقائيا قويا على تهافت الخطاب السياسي الذي يريد تلوين خارطة البلاد بألوان حزبية، ويسعى الى تفتيت المواطنين الى "سواحلية" و"جنوبيين"... المصدر: اخر خبر