تذهب تونس الى دور ثان من الاتنخابات الرئاسية في مناخات من التحشيد السياسي وحتى الايديولوجي يعكس في النهاية صراع مشاريع عدة.. حداثي، ماضوي... ثوري، ثورة مضادة.. ديمقراطية، استبداد... مع اقتتال على كل ما يمثل راسمالا رمزيا للتونسيين. لذلك فان اي موقف هو في النهاية انحياز لقراءة ومشروع..هذا واذا كان الحزب الجمهوري قد ترك الخيار لأعضائه لاختيار مرشحهم فاني اعلنت سريعا مساندتي للمرزوقي، فلماذا المرزوقي؟... رغم تحول الثقل الانتخابي النيابي من حركة النهضة الى حركة نداء تونس فان الشعب التونسي اختار، في مواصلة لخيارات دولة ما بعد الاستعمار، التصويت لقوى اليمين (اليمين المحافظ واليمين الليبرالي) في تدليل واضح على ان الانتخابات التشريعية الاخيرة حكمها الهاجس الامني والايديولوجي اكثر منه التطلع للحرية والعدالة الاجتماعية اي القيم التي تعبر عنها اساسا قوى اليسار بتنويعاتها الارتوذكسية والديمقراطية لذلك فان انتخاب المرزوقي ليس فقط من اجل تحقيق التوازن مع حركة نداء تونس الممثل الاكثر رسمية، من الناحية البنيوية لنظام ما قبل الثورة، وانما مع جميع قوى اليمين بما في ذلك حركة النهضة والتي اعتقد انها في اطار اللقاء التاريخي المنتظر ستتحالف مع حركة نداء تونس بعد تحقيق مجموعة من الشروط السياسية والنفسية. لذلك فان المرزوقي سيكون الممثل الاخير لقوى اليسار وان كان صعوده الممكن للرئاسة في مفارقة غريبة سيكون باصوات المنتمين والقريبين من حركة النهضة الذين يمثلون اساسا المفقرين والمضطهدين (بروليتاريا غيبية) الذين تحملوا سياسات قادتها في بداية التسعينات وصدمتهم سياساتها بعد الوصول للحكم والذين ظلوا يصوتون لها في اطار حالة الخوف السياسي التي تطبع السلوك السياسي العام للجسم الانتخابي حيث يستفيد جناحا اليمين من الخوف المتبادل لاقتسام الناخبين حتى وان كانوا في تركيبتهم الطبقية اقرب الى التعبيرة اليسارية.. انه نفس الخوف الذي يدفع الاسلاميين لمساندة المرزوقي احتماء بالديمقراطية بعد ان خسرت القبيلة الايديولوجية، حركة النهضة، الانتخابات.. يبدو الاصطفاف السياسي اليوم في تونس ملتبسا من منظور عام الاجتماع السياسي اذ ان الطبقات الفقيرة والفئات المثقفة تصوت لليمين في اطار استقطاب يقوم على الاختيار بين السيئ والاسوأ.. مما يعني ان الانتخابات الرئاسية قد تكون فرصة لاعادة تنظيم الناخبين سياسيا وفق المشاريع السياسية والاجتماعية وفي هذا الاطار فان المرزوقي يمثل الخيار اليساري.. انها فرصة، على مستوى الوعي، لاستعادة الطبقات والفئات الاجتماعية التي اختطفها اللاشعور السياسي المهووس بالهوية لفائدة حركة النهضة واختطفتها جماعات الضغط المالي والاعلامي لفائدة نداء تونس في تحالف موضوعي مع ضعف قوى اليسار.. ان سيطرة اليمين وبالذات احد احزابه على جميع مؤسسات الدولة سيمثل خطرا على الديمقراطية الهشة.فالاستبداد اثبت انه لا يرتبط بالايديولوجيا وانما بالنظام القيمي والذهني العربي الاسلامي وهو ما يجعلنا في حاجة الى زمن طويل لتفكيك البنية الثقافية للاستبداد لذلك فان النص الدستوري لن يكون كافيا لوحده لحماية الحريات مما يتحتم معه محاولة ايجاد توازن داخل اجهزة الدولة بانتخاب رئيس من لون سياسي مختلف تكون مهمته الاساسية الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة والخاصة.. بهذا المعنى لن نحتاج الى رئيس بصلاحيات تقليدية... وانما الى مواطن برتبة رئيس دولة... في هذا الاطار أختار المرزوقي........