مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    صفاقس...حالة استنفار بسبب سقوط جزء من عمارة بقلب المدينة ... غلق الشارع الرئيسي... وإخلاء «أكشاك» في انتظار التعويضات!    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    في أقل من أسبوع.. أعاصير مدمرة وفيضانات اجتاحت هذه الدول    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    اتفاقية تمويل    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تجمع نقابي لاتحاد عمال تونس وسط استمرار احتجاج الباعة المتجولين    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    تونس تعرب عن أسفها العميق لعدم قبول عضوية فلسطين في المنظمة الأممية    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' تستهدف الحسابات المصرفية لمستخدمي هواتف ''أندرويد''..#خبر_عاجل    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«تونسيون في شبكات الجهاد العالمي» : أفغانستان أيام البدايات
نشر في حقائق أون لاين يوم 05 - 03 - 2015

أواخر العام 1979 دخلت القوات السوفياتية إلى العاصمة الأفغانية ،كتيبتان من القوات الخاصة السوفياتية هما «ألفا» و«زينيث»، قامتا باحتلال الأبنية الحكومية والعسكرية والإذاعية في كابول، بما فيها القصر الرئاسي، حيث تخلصوا من الرئيس حفيظ الله أمين. وكتيبة «فايتبسك» المظلية احتلت مطار بغرام. وأمّا عملاء «كي جي بي» فقد أحكموا السيطرة على مراكز الاتصالات الرئيسية في العاصمة، وشلوا بذلك القيادة العسكرية الأفغانية. (1)
هذا الحدث الذي كان يمكن أن يمر دون أن يثير أي ضجة في العالم،خاصة و أن أحداثا أخرى ذات أهمية كانت تشغله،تحديدا الصراع في الشرق الأوسط و الحرب الباردة على جبهات أخرى في التسلح و الطاقة و الفضاء.تحول إلى ذريعة اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي وقتها،جيمي كارتر،لخوض حرب غير مباشرة مع غريمها السوفياتي و إيقاع الهزيمة به،بتحويل الصراع في أفغانستان إلى قتال بين "الكفر" و "الإيمان" و "الإسلام" و "الإلحاد". و ساعدها في ذلك وجود الظروف الموضوعية في دول العالم الإسلامي ،رسميا و شعبيا.أيضا كانت الولايات المتحدة تخشى الهيمنة السوفياتية على المنطقة،خاصة بعد أن خسرت في نفس الفترة حليفا مهما هو شاه إيران،في أعقاب انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الخوميني،و إعلان الأخير العداء للسياسات الأمريكية.
في 27 ديسمبر 1979، انعقد مجلس الأمن القومي الأميركي في «مبنى إيزنهاور» المقابل للبيت الأبيض. ضمّ الاجتماع كلّاً من الرئيس كارتر، ونائبه والتر موندل، ومستشار الأمن القومي بريجنسكي، ووزير الخارجية سايروس فانس، ووزير الدفاع هارولد براون، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ديفيد جونز، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ستانسفيلد تيرنر، وبعض المستشارين المتخصصين المرافقين لأعضاء المجلس. دام ذلك الاجتماع أربع ساعات. واتفق فيه على جملة من القرارات تصب في خدمة هدفين اثنين هما:يجب على الولايات المتحدة أن تردع الاتحاد السوفياتي بكل وسائلها، كي لا يطمع قادته أو يفكروا فيما وراء أفغانستان.أما الثاني ،فبعد التأكد من تحقق الهدف الأول، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل لدحر السوفيات في أفغانستان نفسها، حتى يخرجوا منها مهزومين غير منتصرين. (2)
في هذه الأثناء أعلنت قيادات القبائل الأفغانية و الأحزاب الإسلامية "الجهاد ضد الاحتلال الروسي"،لتلتقط الإدارة الأمريكية هذا الحدث و تحاول من خلال إنفاذ مشروعها أنف الذكر.في العام 1980 انطلقت الولايات المتحدة في تنفيذ المشروع بعد أن أقنعت الرئيس المصري السادات به و بدعم مالي كبير من المملكة العربية السعودية،التي كانت ترى في "الاتحاد السوفياتي الملحد خطرا كبيرا على الإسلام".في هذا السياق وفرت مصر ميناء بور سعيد و مطار قنا كمنطلق للأسلحة نحو كراتشي الباكستانية في طريقه إلى المجاهدين الأفغان،حتى أن الرئيس السادات صرح في ذلك الوقت للصحافة قائلاً: «إننا على استعداد بأسرع ما يمكن لكي نساعد في أفغانستان وأن نتدخل لنصرة إخواننا المجاهدين هناك، سواء طلبوا منا المساعدة أو لم يطلبوها!» (3).كما تعهدت السعودية بدفع تمويلات ضخمة في مجالات التسليح و الإغاثة و النقل و الإعلام.
أبو مصعب السوري،أحد أبرز قيادات التيار الجهادي و الأفغان العرب،يعترف بحقيقة هذا المشروع الأمريكي في أفغانستان إذ يقول: «
أشرفت أمريكا على صناعة حلف عالمي لمواجهة الروس وحلف وارسو في أفغانستان فجرت وراءها حلف الناتو ودوله كاملة, دول أوروبا الغربية وكذلك حلفاءها الاقتصاديين الكبار مثل كندا وأستراليا واليابان, لتكوين حلف سياسي إعلامي اقتصادي داعم لها في هذه الحرب, ووضعت سياسة مالية تقضي بحصة من المساعدات المالية المقررة بملايين الدولارات على كل دولة من تلك الدول, وساهم الجميع بذلك
.
ولكن الجانب الأهم من الحلف الذي كونته أمريكا لدعم الجهاد الأفغاني كان من دول العالم العربي والإسلامي, و التي كان في طليعتها وأهمها دورا (السعودية) و(باكستان) و(مصر) ودول (مجلس التعاون الخليجي) . فقد ساهمت السعودية ودول الخليج بالقسط الأكبر من الدعم المالي لتلك الحرب سواء بشكل رسمي حكومي أو من خلال التشجيع والسماح لسيل التبرعات الأهلية للجهاد في أفغانستان أن تصل إلى المجاهدين الأفغان كما لعبت السعودية بمرجعيتها الدينية بحكم سيطرتها على الحرمين, وبمؤسساتها الدينية العلمية دورا إعلاميا بارزا. و أشرف على برنامجها وأداره رئيس استخباراتها آنذاك الأمير تركي بن عبد العزيز.
كما لعبت الباكستان الدور الرئيسي ميدانيا, فقد امتدت حدودها مع أفغانستان لأكثر من (2200) كيلومتر, وحوت عشرات المعابر الرئيسية لوصول الإمدادات ومختلف أشكال الدعم للجهاد الأفغاني ولعبت استخباراتها العسكرية
(ISI)
والتي رئيسها آنذاك الجنرال (حميد كل), دورا رئيسيا في ترتيب الأحزاب الجهادية والإشراف على تشكيل وتوزيع المساعدات المالية والسلاح بينها, وبتقديم الخدمات ( اللوجستية) ومختلف أنواع الدعم الميداني , الذي كان يصل أحيانا لحد مشاركة الجيش الباكستاني عمليا في القتال والإسناد بالأسلحة الثقيلة في المعارك الحدودية, وقد رأيت ذلك ميدانيا في معارك جلال أباد (1989) ..أما مصر فقد كان من أبرز مشاركتها,الاتفاق مع الأمريكان على سداد جزء من ديونها لهم على شكل صفقات سلاح أرسلتها إلى أفغانستان عن طريق باكستان. وكذلك شهدت هذا, فقد كان مألوفا لدينا فتح بعض صناديق الذخيرة والسلاح وعليها شارة الجيش المصري, وذلك أن أنور السادات كان قد أتخذ قرارا باعتماد التسليح الأمريكي للجيش المصري وبدأ بتصفية الوجود الروسي في مصر فيما عرف بسياسة الإنفتاح.فكان مفيدا له أن يتخفف من مخزون سلاح وذخائر لم يعد لازما له آنذاك أواخر السبعينات
.
ولقد لعبت تلك الدول بالإضافة لأكثر دول العالم العربي والإسلامي, بل والغربي وتابعيه, دورا إعلاميا بالغ الأهمية في دعم الجهاد الأفغاني, والترويج له وحض كل من شاء وحتى بعض من لا يشاء على المساهمة». (4)
و يضيف السوري في شهادته طرفا أخر في هذا الحلف التاريخي ضد السوفيات و هو الجماعات الإسلامية،إذ يقول: «
وأما الحليف الثالث الذي أدخلته أمريكا - أو بالأحرى - سمحت بدخوله على خط تأييد الجهاد الأفغاني . فقد كان ( الصحوة الإسلامية ) بكامل طيفها وحركتها . فقد جاشت العواطف في صفوف الصحوة قيادات وقواعد بشكل تلقائي, وبفعل التعاطف الدين مع أخوة الدين والعقيدة الذين يتعرضون لحرب إبادة واحتلال غاشم, من قوة تمثل قمة الكفر والإلحاد من منظور الإسلام والمسلمين . وهكذا انتقل الضوء الأخضر من أمريكا (...) لحكومات العالم العربي والإسلامي, لتشعله بدورها أمام الحركات الإسلامية, لتشارك في هذا الحلف العريض غير المباشر الذي التقت فيه الأغراض والمصالح .. وكان للدول العربية والإسلامية مصالح في هذا الضوء الأخضر . وهي تلميع سمعتها بمساعدة المسلمين. وفتح باب الهجرة للصحوة وكوادرها, ولاسيما السياسية و الجهادية فيها لتنفس عن رغباتها ومشاعرها الأصولية بعيدا, هناك على بعد آلاف الكيلومترات . ولعلها تلقى بغيتها في الشهادة في سبيل الله, ويستريح الحكام من ضوضائها في بلادهم
وهكذا وباشتعال الضوء الأخضر أمام الصحوة .اشتعلت خطب الجمعة والمحاضرات والمؤتمرات, والمهرجانات والمنشورات والمؤلفات والصحف, وكل وسائل التعبير والدعاية في أوساط الصحوة , تروج للجهاد الأفغاني وتنادي (يا خيل الله اركبي ) ». (5)
في هذا المخاض،برزت شخصية الجهادي الفلسطيني عبد الله عزام كأول الأفغان العرب،و الذي مثل على مدى سنوات الحرب الأفغانية المحرض و المساهم الأكبر في حشد المقاتلين العرب و قد افتتح من أجل ذلك مكتبا لاستقبلهم في مدينة بيشاور الباكستانية القريبة من الحدود الأفغانية سماه "مكتب خدمات المجاهدين".
ولد عبد الله عزام في قرية تابعة لبلدة جنين في فلسطين عام 1941. وهنا تنشأ المفارقة التي طاردته طوال السنوات التسع التي خاض فيها المعركة الأفغانية حتى عام 1989 إذ كيف يكون فلسطينيا ويقوم بكل هذا الجهد من أجل أفغانستان، بينما بلده محتل ويخوض معركة قاسية من أجل التحرير.الشيخ عزام لم تكن لديه ميول دراسية دينية واضحة منذ البداية، فبعد أن تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس طولكرم حصل على دبلوم زراعي، قبل أن يعمل مدرسا في مدرسة زراعية قروية بالأردن، لكنه بعد ذلك سافر إلى دمشق وحصل على الليسانس من كلية الشريعة في عام 1966 ثم هاجر إلى الأردن بعد هزيمة 1967. حيث بدأ أولى عمليات الاشتراك في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفترة وجيزة.في غضون ذلك أصبح عبد الله عزام مدرسا في جامعة الأردن، ثم سافر إلى مصر، حيث نال الماجستير في «الشريعة» من جامعة الأزهر، ثم عاد إلى الأردن، وما لبث أن كوفئ بمنحة دراسية أخرى إلى الأزهر، حيث نال درجة الدكتوراه في «أصول الفقه». وحين رجع إلى الأردن لم يقض وقتا طويلا وسرعان ما انتقل إلى السعودية، حيث أصبح أستاذا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة». (6)
و يرى أبو مصعب السوري ،أن «التأريخ للجهاد العربي في أفغانستان يبدأ عمليا, منذ 1984 عندما تفرغ عزام كليا للجهاد الأفغاني ميدانيا, بعد أن عمل مدة مدرسا في كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية في أسلام أباد و عمل على محاور عديدة في هذا الشأن بينها ،تأسيس (مكتب الخدمات) الذي تولى تقديم ونقل المعونات والتبرعات للمجاهدين والمهاجرين الأفغان
.و تأسيس مجلة الجهاد التي كانت منبره الرئيسي للدعاية للجهاد الأفغاني
.
و تأسيس معسكر صدى قرب الحدود الأفغانية, داخل الأراضي الباكستانية في منطقة القبائل من أجل تدريب الشباب العربي. والقيام بأسفار ورحلات دعائية ألقى خلالها عشرات الخطب في دول عديدة من أجل الحشد للجهاد الأفغاني, وحث الشباب على الرحيل إليه والاستفادة منه وأداء فريضة الجهاد . ثم نشر كتاب "الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان" الذي أفتى فيه بالفرض العين على جميع المسلمين من غير ذوي الأعذار للذهاب للجهاد في أفغانستان.واستطاع الحصول على أكثر من 80 توقيعا من كبار العلماء والدعاة في العالم الإسلامي وعلى رأسهم كبار العلماء في السعودية بينهم الشيخ ابن باز. وكذلك من بعض مشايخ الأزهر. وبعض الكبار من قيادات جماعة الإخوان المسلمين من أقطار عديدة. وكذلك من بعض علماء الباكستان وسواهم» . (7) لاحقا و في العام 1986 جاء زعيم تنظيم القاعدة،أسامة بن لادن للمشاركة في الجهاد الأفغاني و أسس مركزا عسكريا بالتعاون مع جماعة الجهاد المصرية التي كان يقودها يومها،الطبيب المصري أيمن الظواهري.
كان هدف عزام و من ورائه التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين،يومها،هو استغلال الساحة الأفغانية المدعمة أمريكيا و الممولة خليجيا،في تدريب أقصى ما يمكن من الشباب العربي الذين سيعودون يوما إلى بلدانهم و يقيمون "الدولة الإسلامية"أو ما يسمى في أدبيات الجهاديين "
عسكرة شباب المسلمين".أوفد التنظيم قياديا كبيرا في صفوفها إلى الساحة الأفغانية لتنسيق العمل مع عزام،هو كمال السننانيري،الذي توفي لاحقا في السجون المصرية.و حضرت أغلب فروع التنظيم في باكستان للإشراف على عناصرها المقاتلة هنا،من مصر و الجزائر و الأردن و العراق و كردستان و دول الخليج.غير أن أعدادا كبيرة من الشباب الذي انخرط في القتال تأثر بخليط الأفكار الذي وفد على الساحة الأفغانية و لم يجاري كثيرا المشروع الاخواني،فنشأ تيار جديد جمع بين كل التيارات الموجود في الساحة،سيكون له في السنوات اللاحقة شأن كبير.
تواجدت في الساحة الأفغانية خلال الحرب ثلاثة تيارات إسلامية كبرى هي،المدرسة التقليدية السلفية السعودية،جماعة الإخوان المسلمين،المدرسة الجهادية المصرية من خلال في جماعة الجهاد و الجماعة الإسلامية.يروي أبو مصعب السوري الذي عايش تلك الفترة،شهادته حول هذا الخليط الفكري واصفا إياه بالمخاض الفكري, والتصادم والإحتكاك بين مختلف التيارات الفكرية.يقول السوري
:
«كان الحضور الفكري والمنهجي لتنظيم الجهاد المصري , بارزا ونوعيا في الساحة العربية وكذلك كان حضور الجماعة الإسلامية بمصر, وبصرف النظر عن الفوارق المعروفة في منهج الجماعتين.. إلا أنهما لعبتا - ولاسيما في القاسم المشترك من أفكارهما الجهادية- دورا مؤثرا . كما كان لحضور بعض طلاب العلم وبعض الدعاة السلفيين, وبعض (السروريين) من السعودية وغيرها دورا في ترويج فكر الحاكمية والولاء و البراء وعموميات الفكر الجهادي في الأوساط العربية. »
و يتابع السوري
:
«صارت بيشاور و مضافاتها ومعسكرات التدريب في باكستان وأفغانستان وتجمعاتها مراكز للتواصل والحوار والتماس الفكري والصدام في كثير من الأحيان بين مختلف تلك الطروحات. وهكذا وجد التيار الجهادي , ومن يمثله في ساحة الجهاد العربي في بيشاور ومعسكرات أفغانستان أنفسهم يصطدمون مع جبهتين رئيسيتين،الأولى هي جبهة الإخوان المسلمين والفكر الديمقراطي السياسي الذي كان أصحابه يروجون له عبر أبحاث ودراسات ومحاضرات كانوا يدعون إليها وحتى في بعض المعسكرات التي يستطيعون الحركة فيها
.
و الثانية هي ،جبهة مدرسة الفقه السعودي الرسمي , الذي كان يدعو لنبذ فكر الحاكمية , وإلى اعتبار الحكام أولياء أمور شرعيين. ويدعوا إلى احترام العلماء الرسميين ولاسيما في السعودية ودول الجزيرة وهو ما يسمى بالمدرسة (الجامية) ثم (المدخلية).
وبدا جليا مع هذا المخاض الفكري, والتصادم والإحتكاك بين مختلف التيارات الفكرية المكونة لطيف الصحوة الإسلامية ،أن الفكر الجهادي الحركي ممزوجا بالمؤثرات السلفية الجديدة قد بدأت تطغى على الساحة وتكتسح قواعد آلاف الشباب العربي من الذين قدموا لساحة الجهاد الأفغاني رغم أن غالبيتهم لم ينضموا في عضوية عشرات التنظيمات الجهادية القديمة والجديدة, والتي صار لها في باكستان والمناطق الحدودية من أفغانستان مضافاتها ومعسكراتها »(8)
تونسيون في «الجهاد الافغاني»
على خلاف بقية مكونات الأفغان العرب التحق التونسيون متأخرين بالساحة.إلى حدود أواخر الثمانيات كان أغلب الشباب المتأثر بالأفكار الإسلامية ينتمي لحركة الاتجاه الإسلامي،التي كانت منشغلة في الصراع مع السلطة،و لم تكن تعطي أولوية لإرسال عناصرها إلى الساحة الأفغانية.لا حقا و مع توتر العلاقة مع السلطة بداية من العام 1989 بدأت الحركة الإسلامية في تسهيل خروج شبابها إلى "الجهاد" هربا من الملاحقات الأمنية التي طالت بعضهم.و لكن قبل ذلك و في منتصف الثمانينات التحقت مجموعة صغيرة من التونسيين بالأفغان العرب كأفراد متطوعين لا ينتمون إلى أي تنظيم،و بينهم مهاجرين في فرنسا تأثروا بالدعاية التي كانت تنشره الجماعات الإسلامية هناك،و خاصة جماعة التبليغ و المراكز الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
***
في العام 1988 تأسست ،الجبهة
الإسلامية التونسية،
كتنظيم سياسي سري يحمل أفكارا سلفية حركية،تجمع بين العقيدة السلفية التقليدية و أفكار الاخوانية القطبية القائمة على "الحاكمية" و "الجهاد" و تعمل من أجل إقامة الدولة الإسلامية.و كانت مقربة من "الجبهة الإسلامية الجزائرية للإنقاذ".
تولى مؤسسها، محمد علي حراث، مسؤولية العلاقات الخارجية، مما مكن العديد من عناصرها من المغادرة إلى الجزائر ومن ثم إلى بيشاور في باكستان و الالتحاق بمكتب خدمات المجاهدين.ولد حراث في العام 1964 ، و في العام 1990 غادر تونس هربا من حملة المداهمات والاعتقالات التي طالت رموز التيار الإسلامي بمختلف فصائله آنذاك سيرا على الأقدام إلى الجزائر ثم سافر إلى باكستان ومنها إلى يوغسلافيا وألمانيا قبل أن يستقر به المقام في العاصمة البريطانية بعد أن هرب معه نحو 200 من قيادات الجبهة الإسلامية معظمهم موجودون في الدول الأوربية .
وكان حراث قد بدأ حياته الدراسية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ليعود سنة 1987 ليقع اعتقاله في شهر مارس بتهمة التدرب على السلاح في إيران بنية تغيير أمن الدولة، ولكن انقلاب بن علي في العام 1987أدى إلى حفظ القضية سنة 1986 (9) من طرف القاضي لعدم كفاية الأدلة وفي سنة 1989 أعيد اعتقاله من قبل أمن الدولة بتهمة إيواء الليبيين الفارين من السلطات الليبية، بينهم القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة ،خالد الشريف، وكذلك عبد الحكيم بلحاج زعيم الجماعة المقاتلة سابقا،و الذين كانوا في طريقهم إلى أفغانستان.
لاحقا،استقر حراث في لندن،كلاجئ سياسي،
فيها أشرف على الإدارة التنفيذية لقناة – إسلام شانل - التي تمولها جهات سعودية وهي قناة ناطقة بالانقليزية والتي اتهمتها مؤسسة كوليام البحثية لمكافحة التطرف الديني بأنها : تروج لقيم التعصب الديني و تبث مواقف رجعية ضد المرأة وتروج لعدم التسامح والتعصب تجاه الطوائف والأديان. بالرغم من أن حراث كان يعمل لد الشرطة البريطانية مستشارا في شؤون التطرف الإسلامي.
و من مؤسسي الجبهة الإسلامية أيضا،السجين التونسي السابق في معتقل غوانتنامو،عبد الله الحاجي.
و لد في تونس العام 1956 من و غادرها سنة 1990 إلى أفغانستان للالتحاق بالجهاد الأفغاني .في عام 1995 أدانته محكمة عسكرية تونسية غيابيا بالانتماء إلى منظمة إرهابية تعمل خارج البلاد بعد إفادة قدمها إلى الشرطة احد المتهمين التسعة عشر في قضية للجبهة عام 1993 والتي أكد فيها أن الحاجي كان يتولى مركزا قياديا في الجبهة الإسلامية وذلك أثناء وجوده في باكستان.استر في بيشاور حتى العام 2002 مشتغلا بالتجارة،عندما أعتقل من قبل الأمن الباكستاني في بيشاور و الذي سلمه للولايات المتحدة الأمريكية ليتم إيداعه بمعتقل غوانتنامو حيث قضى خمس سنوات وفي 18 جوان 2007 تم ترحيله إلى تونس. مثل أمام المحكمة العسكرية في باب سعدون بالعاصمة والتي وجهت له تهمة وضع النفس على ذمة منظمة إرهابية زمن السلم وفقا لقانون الإجراءات والعقوبات العسكرية وقد سبق لهذه المحكمة أن أصدرت عليه حكما غيابيا بالسجن ثماني سنوات من أجل التهمة نفسها .
نشطت الجبهة بشكل مكثف في تجنيد الشباب التونسي للقتال في أفغانستان و البوسنة و في دعم الحركات الجهادية في الجزائر،خاصة الجيش الإسلامي للإنقاذ،و لاحقا الجماعة الإسلامية المسلحة،بل إن عناصر تابعة للجبهة اشتركت في عملية نفذتها الجماعة المسلحة الجزائرية في شتاء العام 1995،
و استهدفت
مركز سندس الحدودي في منطقة الجريد بالجنوب الغربي التونسي أدى إلى مقتل سبعة عناصر من جهاز الحرس الوطني.(10)
ربطت الجبهة علاقات متينة مع الحزب الإسلامي الأفغاني و زعيمه قلب الدين حكمتيار،الذي كان يتلقى دعماً مباشراً من باکستان والمملکة العربية السعودية. إذ تشير وثائق معتقلي غوانتنامو التي سربها موقع ويكيليكس في العام 2011 إلى وجود علاقة بين المعتقل التونسي عبد الله الحاجي القيادي في الجبهة الإسلامية،و أحد عناصر حزب حكمتيار كان يعمل لصالح المخابرات الأفغانية.كما لعب عناصر الجبهة في تونس و بيشاور دورا كبيرا في تنسيق و تسهيل وصول العشرات من الشباب التونسي و المغاربي إلى ساحات الجهاد الأفغاني.
في نفس السياق ساعدت حركة النهضة بعض الشباب على مغادرة تونس نحو أفغانستان،هربا من الملاحقة الأمنية أولا و خدمة لمشروع التنظيم العالمي في مقام ثاني.كما ساعدت عناصر التيار الإسلامي الليبي على الوصول إلى بيشاور.ففي مطلعا العام 2013 كشف مقاتل سابق في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، «عن دعم تلقاه من زعيم حركة النهضة ، راشد الغنوشي، ولعدد من رفاقه وكيف سهل لهم عملية دخول أفغانستان للقتال بعدما فروا من قبضة معمر القذافي عام تسعة وثمانين. و أضاف ناصر الورفلي، إن القبضة الأمنية التي فرضها نظام القذافي على الجماعة المقاتلة، أجبرتهم على التوجه إلى تونس للقاء راشد الغنوشي، الذي يعتبرونه بمثابة الملهم والمنقذ، الذي أمن لهم المسكن والإقامة بعيداً عن أعين النظام التونسي آنذاك.وفي معرض حديثه، قال الورفلي، إن صعوبات واجهته ورفاقه في الحصول على التأشيرة اللازمة للسفر إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان، حيث الوجهة المقصودة، مشيراً إلى أن وساطة الغنوشي مكنتهم من تأمين التأشيرات اللازمة من خارج تونس، حيث كان من المفترض أن يحصلوا عليها من بلدهم الأصلي ليبيا، وبعد حصولهم على التأشيرات دخلوا باكستان ومنها إلى ساحات القتال في أفغانستان.وأردف الورفلي قائلاً "إن ما يعرف بدار الأنصار، التي كانت تحوي المقاتلين العرب، كانت محطتهم الأولى في أفغانستان، حيث التقى بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وغيره ممن يعرفون بالأفغان العرب»(11)
إلى جانب المشاركة في القتال ضد القوات السوفياتية حاول الجهاديون التونسيون في أفغانستان إنشاء جماعة جهادية،إذ يكشف أبو مصعب السوري في شهادته عن ذلك بالقول
:
«فقد أدى وصول بعض الشباب الجهادي التونسي إلى ساحة أفغانستان في آخر الثمانينات ومطلع التسعينات إلى محاولة بعضهم تشكيل نواة لتجمعات جهادية , فقامت محاولات فاشلة متكررة لضم تلك المجموعات الصغيرة في تنظيم موحد على غرار ما فعل الليبيون والجزائريون من الأفغان العرب . وقد فشلت كل تلك المحاولات لعدم وجود كوادر مؤهلة بين أولئك الشباب. » (12)
و يشير السوري في ذات الشهادة إلى أن «فيروس التطرف والتكفير الذي أصاب التونسيين أعاق تلك المحاولات »و في هذا السياق،نشأة جماعة في بداية التسعينات ،تتبنى منهج "التكفير و الهجرة" في بيشاور انتسب إليها عدد من الأفغان العرب و خاصة التونسيين و الجزائريين،و في بداية العام 1992 تم اغتيال شاب تونسي في ضاحية حياة أباد كان ينتمي لهذه الجماعة و انشق عنها.
و قد
«أسفرت التحقيقات - التي قام بها بعض العرب بالإضافة إلى الشرطة الباكستانية - عن وجود تنظيم للتكفير كان التونسي احد أفراده واغتيل قبل يوم واحد من موعد مغادرته بيشاور كما ترك الضحية مذكرة طويلة مع احد المسؤولين العرب يكشف فيها عن ممارسات خاطئة تجري داخل جماعة التكفير ومنها استباحتهم أموال المنظمات الإسلامية التابعة لدول اعتبروها "كافرة".» (13)
______________
(1)- جعفر البكلي - كيف تصنع ال
CIA
جهاداً في سبيل الله؟ - الأخبار ،العدد 2374 الجمعة 22 آب 2014
(2)- المصدر السابق
(3)- المصدر السابق
(4)- أبو مصعب السوري – دعوة المقاومة الإسلامية العالمية ،الجزء الأول،الصفحة 67 – طبعة بدون تاريخ
(5)- المصدر السابق
(6)- عبد الله كمال - «الرايات السوداء القصة الموثقة لدولة أسامة بن لادن والعرب الأفغان» - الحلقة الأولى – جريدة الشرق الأوسط - الأربعاء 1 مايو 2002 العدد 8555.
(7)- أبو مصعب السوري – دعوة المقاومة الإسلامية العالمية
(8)- أبو مصعب السوري – دعوة المقاومة الإسلامية العالمية
(9)- كشف راشد الغنوشي ،رئيس حركة النهضة عن تاريخ تأسيس الجبهة في تصريح أدلى به ل
مجلة « لبوان »
Le Point
الفرنسية « إنٌها تأسست سنة 1986 و هي تتهمنا بأنٌنا ضد العنف ».
(10)- كشف رئيس حركة النهضة،راشد الغنوشي،في تصريحات لمجلة « لبوان»
Le Point
الفرنسية ضلوع إسلاميين تونسيين من الجبهة الإسلامية في العملية.رسالة من القيادي في حركة النهضة سابقا،محمد العماري،إلى راشد الغنوشي،مؤرخة في 8 أوت 1995.أرشيف "المعهد التونسي للعلاقات الدولية".
(11)- حديث لبرنامج "صناعة الموت" على قناة "العربية" – الجمعة 4 يناير 2013
(12)- أبو مصعب السوري – دعوة المقاومة الإسلامية العالمية
(13)- مجلة الوسط اللندنية – العدد 55- تاريخ النشر(م): 15/2/1993


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.