عاجل/ يهم هؤولاء..وزارة التربية تعلن عن بشرى سارة..    5 ٪ زيادة في الإيرادات.. الخطوط الجوية التونسية تتألق بداية العام الحالي    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    عاجل/ استشهاد 3 أشخاص على الأقل في قصف صهيوني لمبنى تابع للصليب الأحمر في غزة..    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    القيروان: تسجيل حالات تعاني من الإسهال و القيء.. التفاصيل    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    العاصمة: وقفة احتجاجية لعدد من اصحاب "تاكسي موتور"    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    صدور قرار يتعلق بتنظيم صيد التن الأحمر    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    مهرّبون متورّطون مع أصحاب مصانع.. مليونا عجلة مطاطية في الأسواق وأرباح بالمليارات    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمدّد "داعش" في بلاد المغرب الإسلامي: تونس أنموذجا
نشر في حقائق أون لاين يوم 20 - 03 - 2015


تمهيد
تمدّد "داعش" في بلاد المغرب الإسلامي، ليس مجرد خبر للاستهلاك الإعلامي بل هو واقع ماثل على الأرض منذ فترة، فهذه المنطقة تعد من أهم المناطق المصدرة للإرهابيين ذوي الميولات "الداعشية" حتى قبل بروز ما يسمي بتنظيم "دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف بمسمى "داعش"، والتي تحولت لاحقا إلى دولة الخلافة تحت اسم "الدولة الإسلامية"، بخارطة جديدة وطموحات جديدة، من أبرز عناوينها توسع "داعش" في أقاليم جديدة خارج دائرة نفوذها الحالي –الشام والعراق – لعل أبرزها إقليم شمال إفريقيا أو بلاد "المغرب الإسلامي".
وهي هنا تستعد لتوظيف "الخزان" أو الاحتياطي القتالي المتوفر لديها في هذه المنطقة، خصوصا المقاتلين الوافدين من تونس. والذي تشير كل التقارير الإعلامية والاستخباراتية إلى كثرة عددهم وكذلك وحشيتهم و "بطشهم" في القتال وبالتالي إصرارهم على طلب "الشهادة" لنصرة "دولة الخلافة". فهل أن "داعش" بصدد الاستفادة من حالة "الرخوة" الأمنية التي تمر بها البلاد التونسية، للتمدد بها ثم التخطيط لاحقا للانتشار في بلاد المغرب؟ و ما مدى قدرة "داعش" على الاستفادة سواء من خبرة وعدد "المقاتلين التونسيين"، الذين قاتلوا تحت رايتها في سوريا والعراق، ومن غياب الدولة وسيطرة المليشيات والجماعات المتشددة، على جزء هام من الأراضي الليبية، لوضع موطأ قدم "استراتيجي" لها في تونس وفي المنطقة ككل؟
أنصار الشريعة" في تونس يبايع "داعش"
كشفت معلومات استخباراتية، عن اتفاق تم التوصل إليه بين جهاديين من ليبيا ينتمون لأنصار الشريعة وعناصر من تنظيم “داعش”، يقضي بترحيل المقاتلين المنتمين لدول المغرب العربي إلى شمال إفريقيا، لدعم نشاط أنصار الشريعة المتواجد في ليبيا وتونس. والتي أعلنت قياداتها عن انضمامها لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف اختصارا ب “داعش” وخروجها عن بيعتها السابقة لتنظيم القاعدة. وفي هذا السياق أعلن الناطق الرسمي باسم أنصار الشريعة في تونس عن مبايعتهم لتنظيم "الدولة الإسلامية". وهنا تتأكد النوايا المعلنة ل "داعش" في التمدد في بلدان المغربي العربي /ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب/، مثلما تم تضمينه في الخريطة التي وزعها التنظيم لدولة الخلافة، والتي تجعل من "المغرب الإسلامي" أحد أقاليمها الرئيسية، بل أنها تضعه خطوة رئيسية للوصول إلى "الأندلس"، إدراكا منها بأنها إقليم يعد امتدادا طبيعيا لبلاد المغرب، مثلما كان الحال زمن الخلافة الإسلامية قبل سقوط أخر الإمارات الأندلسية.
سبق لتنظيم "أنصار الشريعة" في تونس إعلان تمرده على الدولة، عبر تبنيه لاغتيال قوات الأمن والجيش في جبل الشعانبي، على الحدود مع الجزائر والذي تتحصن فيه جماعات متشددة دخلت منذ أشهر في حرب استنزاف مع الجيش التونسي. وجاء هذا التحول في نشاط التنظيم بعد فترة هدنة، يرجح أنها كانت "تكتيكية" خلال فترة حكم حركة "النهضة" الإسلامية. التي يذهب كل المراقبون إلى التأكيد على أنها تعاملت بليونة وصلت حد "التواطؤ" مع التيارات المتطرفة وخاصة تنظيم "أنصار الشريعة". من ذلك أنها وفرت له الأرضية المناسبة ل "الدعوة" لأفكاره حتى عبر تجاوز القانون، سواء قانون المساجد التي حولها التنظيم إلى مراكز للتدرب على الإرهاب، ونشر الدعوة إليه وبث الأفكار الدينية المتشددة، أو عبر تمكينهم من النشاط بحرية داخل "الفضاءات العامة"، التي جعلوا منها "خيمات دعوية" وساحات لانتداب الشباب، وإلحاقه ب "الجهاد" في بؤر التوتر وخاصة في ليبيا والعراق وسوريا.
تونس، بلد مصدر للإرهابيين
شهدت تونس خلال سنتي 2012 و2013 عمليات انتدابات واسعة، شملت ألاف الشباب من الذين تم تسفيرهم في رحلات منظمة للجهاد. تمت هذه العملية بمشاركة قيادات سلفية تنتمي لحركة "النهضة" الإسلامية الحاكمة آنذاك. وقد ضمت هذه "القوافل الجهادية" أيضا، تسفير أعداد كبيرة من الفتيات، ضمن ما أصبح يعرف ب "جهاد النكاح". وفي هذا السياق أكدت دراسة قام بها المعهد البريطاني للدفاع «آي.اتش.اس جينز» /1/،وهي عبارة عن بحث ميداني، أعتمد فيه على إجراء لقاءات مع مسلحين يقاتلون في سوريا إلى جانب تقديرات استخبارية متنوعة ، أن المسلحين المتشددين من المنتمين للتنظيمات الجهادية، يشكلون نصف عدد المسلحين الذين يقاتلون في سوريا.
وأظهرت نفس الدراسة أن عدد المسلحين في سوريا يقدر بحوالي 100 ألف مسلح موزعين على حوالي ألف مجموعة مسلحة، قدموا من 83 دولة، من بينها الدول العربية عدا جيبوتي.‏ وأضافت الدراسة إن نحو عشرة آلاف من هؤلاء، يقاتلون ضمن جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، فضلا عن ما يزيد عن 30 ألف مسلح آخرين يقاتلون في مجموعات متشددة أخرى.‏ وقال «شارلز ليستر» المشرف على الدراسة، أن الحديث عن مجموعات علمانية تتولى قيادة المعارضة لا صحة له مؤكدا في نفس الاتجاه أن جموع المقاتلين ببلاد الشام جاءوا من أكثر دول العالم عبر شبكات منظمة تتولى استقطاب المحاربين سواء من المرتزقة أو من المغرر بهم بدعوى الجهاد ونصرة الإسلام والمسلمين من نظام كافر. ويمثل المقاتلون العرب في هذه الحرب قرابة 40 ألف مقاتل أكثرهم قدموا من السعودية بأكثر من 8 آلاف محارب ثم العراق ب 6 آلاف مقاتل وليبيا وتونس ومصر بأكثر من أربعة آلاف رجل.
وأبرزت الدراسة من خلال الأرقام المنشورة، أن عدد المقاتلين التونسيين في سوريا اليوم يتراوح عددهم بين 3 و4 ألاف مقاتل قتل منهم 983 ولا يزال 1270 منهم في عداد المفقودين و يعتقد أن جزءا غير هين منهم إما في السجون السورية أو قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية مجهولة الموقع.
تنامي أعداد التونسيين المجندين للقتال في سوريا وغيرها من بؤر التوتر في العالم، حيث أشارت العديد من التقارير الإعلامية والاستخباراتية الى أن أعدادهم في ارتفاع، ما يجعل من تونس "بلداً مصدراً للإرهابيين".
في هذا الإطار أكدت دراسة قام بها المعهد البريطاني للدفاع أن عدد المقاتلين التونسيين في سوريا يتراوح عددهم بين 3 و4 آلاف مقاتل.
وأحدث تنامي أعداد الشباب التونسي المنخرط في الجماعات الجهادية، جدلا واسعا في تونس، برغم أن انخراط التونسيين في التنظيمات الجهادية في العالم ليس بجديد ولكنه اتخذ منحى تصاعدياً منذ سقوط نظام بن علي بعد ثورة 14 يناير 2011. و هذا الانخراط في جبهات متعددة للتنظيمات الجهادية في العالم على غرار الجزائر وليبيا واليمن العراق وسوريا، تعاظم بعد إطلاق سراح المئات من الجهاديين بمقتضى العفو التشريعي العام الذي وقع في تونس في السنة الأولى من الثورة سنة 2011، إذ أفرغت السجون التونسية من كل المساجين المتورطين في أعمال إرهابية، حيث اعتبرتهم حكومات ما بعد الثورة مساجين سياسيين. كما أن ما يلفت الانتباه، ويرتقي لدرجة المفارقة يتمثل في نوعية الجهاديين التونسيين، كونهم جاؤوا من أحد البلدان الأكثر انفتاحاً وتسامحاً في العالم العربي، ولكنهم يوصفون في التنظيمات الجهادية التي ينشطون فيها بكونهم الأكثر شراسة وغلظة. أبعد من كل ذلك كشفت الأعداد الكبيرة للتونسيين الذين يقاتلون في سوريا أن تونس أصبحت فعلاً بلداً مصدراً للإرهابيين. اللافت للانتباه، أن هذا التسونامي الجهادي التونسي الذي انخرط في التنظيمات الإرهابية في العالم لا يقتصر على التونسيين الذين وُلدوا وتربوا في تونس ولكنهم يشمل الجيل الثاني والثالث من التونسيين الذين نشئوا في المهاجر الأوروبية. /2/.
كما لم يتوقف التجنيد ل "الجهاد" في تونس، الذي يخطط له أن يتحول إلى قنبلة موقوتة لا في بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا فقط بل أيضا في تونس، خاصة بعد عودة الجهاديين، الذي بدؤوا فعلا ومنذ أشهر في التخطيط للانقضاض على مؤسسات الدولة وتغيير النمط المجتمعي الحديث لتونس. اذ لم يتوقف ذلك على الشباب من الذكور فقط، بل شمل أيضا الفتيات ضمن ما أصبح يعرف ب "جهاد النكاح"، الذي خلف صدمة أخلاقية ومجتمعية في تونس. وبين بوضوح "حيوية" الجماعات الدينية المتشددة التي تستعد لتأسيس إمارة تابعة ل "الدولة الإسلامية" –"داعش"- في تونس، وهي التي وجدت مناخا ملائما للنشاط والتحرك، مستفيدة سواء من الفراغ المؤسساتي والأمني بعد الثورة، أو من التحالف مع قادة النهضة – من الذين يلتقون معهم في الانتماء الى مرجعية عقدية واحدة - والذين حكموا تونس أكثر من سنتين كانتا مناسبة لانتشار وتنظم الحركات السلفية المتشددة.
فقد أعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، في سبتمبر 2013 –قبل سقوط حكومة النهضة الثانية - أن فتيات تونسيات سافرن الى سورية تحت مسمى "جهاد النكاح"، ثم عدن إلى تونس حوامل من مقاتلين أجانب من دون تحديد عددهن. وقال بن جدو خلال جلسة مساءلة أمام المجلس التأسيسي (البرلمان) إنه يتناوب عليهن جنسياً "عشرون وثلاثون ومائة مقاتل، ويرجعن إلينا يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم جهاد النكاح، ونحن ساكتون ومكتوفو الأيدي".. وأضاف وزير الداخلية التونسي أن الوزارة منعت منذ آذار/مارس 2013 ستة ألاف تونسي من السفر إلى سورية، واعتقلت 86 شخصاً كوّنوا "شبكات" لإرسال الشبان التونسيين الى سورية بهدف "الجهاد"، معرباً عن تفاجئه من احتجاج "منظمات حقوقية تونسية على منع وزارة الداخلية تسفير مقاتلين إلى سورية.".
وتابع بن جدو "شبابنا يوضعون في الصفوف الأمامية في الحرب الدائرة في سورية ويعلمونهم السرقة ومداهمة القرى".. وكان مفتي الجمهورية التونسية السابق الشيخ عثمان بطيخ أعلن في 19 نيسان/ابريل 2013 ان 16 فتاة تونسية "تم التغرير بهن وإرسالهن الى سورية من أجل "جهاد النكاح"".. واعتبر بطيخ، الذي أقيل من مهامه بعد مدة وجيزة من هذه التصريحات، ان ما يسمى "جهاد النكاح" هو "بغاء" و"فساد أخلاقي" وأن "الأصل في الأشياء أن البنت التونسية واعية وعفيفة، تحافظ على شرفها وتجاهد النفس لكسب العلم والمعرفة".
لقد استطاع تنظيم "أنصار الشريعة" أن يجند ألاف من الشباب التونسي وهم الآن يمثلون "خزان" يهدد الأمن والاستقرار، خاصة بعد إعلان التنظيم عن مبايعته ل "داعش" التي أصبحت تحمل اسم "الدولة الاسلامية" في تحالف عضوي ومعلن مع "أنصار الشريعة" بيليبيا. ويذكر أن هذا التيار الذي كان يتمسك في خطابه بأن تونس "ارض دعوة" قد أعلن منذ فترة عن تبنيه لعمليات الاغتيال التي طالت قوات الأمن والجيش في تونس والتي ذهب ضحيتها حوالي 50 جنديا وأمنيا. وكان جبل الشعانبي – على الحدد مع الجزائر - أهم مسرح لها. أخرها قتل ما لا يقل عن 14 جنديا تونسيا – رمضان 2014- في كمين نصبته كتيبة "عقبة بن نافع" التابعة تنظيميا ل "أنصار الشريعة"، وهو ما أكدته الكتيبة في بيان صادر عنها. وحصل الهجوم في جبل الشعانبي قرب الحدود مع الجزائر وهو أسوأ هجوم دموي تشهده البلاد منذر ثورة 11 يناير 2011.
تمدّد المتشدّدين خلال حكم "النهضة"
لقد تمكن تنظيم "أنصار الشريعة"، خلال السنة ونصف الأولى من حكم "النهضة" الإسلامية، من إعادة بناء تنظيمه وتوسيع قاعدة المنتمين له وأيضا من تخزين الأسلحة ومن التنسيق مع الجماعات الدينية المتشددة والإرهابية في الجزائر وفي الصحراء.. كل ذلك تم في إطار استفادة ميدانية ولوجيستيكية، من داخل الأرض الليبية. التي تحول إليها زعيم هذا التيار أبو عياض فارا من تونس، بعد تصنيف "أنصار الشريعة" تنظيما إرهابيا /3/، استجابة لضغوطات واملاءات خارجية قوية على حكومة "النهضة". وذلك بعد تورطهم في الهجوم على السفارة الأمريكية في 14 مارس 2013. وهي الحادثة التي كانت بمثابة إيذان عن بداية نهاية حكم الإخوان في تونس، وهو ما تم فعلا، بقبول أو الأصح طوعا، وذلك خوفا من إعادة إنتاج السيناريو المصري.
يحتفظ التونسيون، بتصريح شهير للشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، قال فيه: "إن الشباب السلفي يذكرني بشبابي"، وهو هنا يلخص حقيقة موقف الرجل من التيار السلفي بكل مكوناته وأطيافه، كما يبرز التقاطع الفكري والعقدي وحتى التنظيمي بين مختلف تيارات وروافد الحركة الإسلامية في تونس.
وانطلاقا من هذا الفهم لطبيعة العلاقة مع مختلف مكونات الساحة الإسلامية، حرصت قيادة النهضة وبصفة مبكرة على "احتواء" التيار السلفي بمكوناته –العلمية والجهادية- . برز ذلك من خلال مشاركة قيادات الصف الأول في الأنشطة والمؤتمرات التي دعت إليها التيارات الجهادية. من ذلك مشاركة رئيس الحركة السابق وأحد المحسوبين على النهج السلفي الصادق شورو /نائب في المجلس التأسيسي/ في لقاء «مشائخ التيار السلفي» الذي عقد بتونس العاصمة في ماي 2011، وخصص لتداول موضوع "مستقبل أبناء الصحوة الإسلامية»، حيث وقع التركيز على تدارس "كيفية تنظيم الصفوف". في محاولة الهدف الظاهر منها هو إقناع أتباع السلفية الجهادية بالانخراط في العمل العلني و " والعمل القانوني".
لكن، هذه الزيجة لم تعمر طويلا، بعد تمسك التيار الجهادي ممثلا في "أنصار الشريعة"، بالسعي الى التمرد على الدولة. وهو ما أحرج حكومة "النهضة" التي سارعت إلى التبرؤ منهم، من خلال إعلانهم "جماعة إرهابية". قبلها كان زعيم "أنصار الشريعة" سيف الله بن حسين المكنى ب "ابو عياض" قد خطب في مسجد الفتح بالعاصمة في أنصاره وأعلن بأن «حركة النهضة تسعى إلى تدجين أبناء الصحوة الإسلامية» وأنها «تشجع على العمل في ظلّ قانون وضعي» وهو ما يرفضه التنظيم الذي بات يتحدث عن مفاهيم» البراءة والولاء».
هذه القطيعة بين "النهضة" و "أنصار الشريعة" جاءت متأخرة جدا، بعد أن سمحت للتيار الجهادي بالتنظيم وبناء صفوفه وإعداد العدة للمرور من "الدعوة" إلى "الجهاد". معلنا عن أن تونس لم تعد أرض دعوة بل أصبحت أرض جهاد. ما يشير إلى تعميق الاتهامات التي وجهها خصوم "النهضة" بأن علاقتها بالجهاديين تكشف عن حصول "تواطؤ" ميز فترة حكمها مع هذا التيار. ولعل ما يدعم مثل هذا المنحى، هو مواصلة استماتة قيادات نهضوية في الدفاع عن التيار الجهادي. ورفض تصنيفه كجماعة إرهابية، معتبرين ذلك خضوعا لاملاءات خارجية وتحت ضغط "قوي التغريب" في الداخل.
بعيدا عن منطق "المؤامرة"، أو اتهام النهضة بالتواطؤ مع التيار الجهادي، الأمر سمح له بإعادة بناء نفسه، والمرور إلى مواجهة المجتمع والدولة. فان الصحفي والباحث الإسلامي صلاح الدين الجورشي، يشير إلى نقص فهم من قبل راشد الغنوشي زعيم "النهضة" للتحولات التي شهدتها الساحة الإسلامية، خلال العشريتين اللذان قضاهما في منفاه في لندن. كتب الجورشي في مقال له بعنوان:"هذا ما جناه السلفيون الراديكاليون على النهضة" /صدر في 4 جانفي 2014 / قائلا: "قبل حوالي سبع سنوات من كتابة هذا المقال، التقيت على غير ميعاد بالأستاذ راشد الغنوشي بأحد فنادق العاصمة السويسرية جنيف. وفي أثناء الحديث، بادرني بالاستفسار عن رأيي فيما وصفه ب"الصحوة الدينية الثانية" التي اجتاحت تونس في تلك الأيام. وكان يقصد بذلك الإقبال المفاجئ لآلاف التونسيين على المساجد، وبالأخص الشباب منهم، وذلك بالرغم من استمرار هيمنة نظام بن علي على كل ما له صلة بالمجال الديني. وكانت الفرضية التي اعتمد عليها رئيس حركة النهضة يومها، قوله بأن الشعب التونسي "يشعر بعقدة ذنب، لأنه عندما تعرض الإسلاميون للاضطهاد والقمع الواسع، لم يقف إلى جانبهم أو يدافع عنهم". ولهذا علل هذه "الصحوة" بكونها "تكفير عن ذلك الإحساس بالتقصير في حق الحركة الإسلامية". /4/.
وأضاف الجورشي "لقد فوجئت فعلا بتعليل الظاهرة من قبل شخصية خبيرة في شؤون الحركات الإسلامية بحكم الانتماء والتأسيس، ووجدت نفسي مضطرا لأشرح له المسألة من زاوية مختلفة. فأشرت له بأن البلاد بدأت تمر مع نهاية تسعينيات القرن الماضي، بتحول نفسي وثقافي ملموس، وأن هؤلاء الشبان الذين أقبلوا على التدين لا يعرفون الشيء الكثير عن حركة النهضة، ولم يطلعوا على أدبياتها، ولا يعرفون قياداتها، بل منهم من هو ناقد للحركة، ورافض لخطابها، وساحب منها شرعية التحدث باسم الإسلام. وختمت حديثي بالقول: "إنه التدين السلفي الذي قد تعاني منه الحركة كثيرا في مستقبل الأيام"../5/.
مقاتلي تونس نواة "داعش" المغاربية
بعد مبايعة تنظيم "أنصار الشريعة" ل "الدولة الإسلامية" /"داعش"/، تشير أغلبية التقارير إلى أن التنظيم في كل من تونس وليبيا يخططان للعمل بالنيابة لفائدة مشروع إقامة الخلافة الذي يقوده الخليفة "الداعشي" أبو بكر البغدادي". وكشفت تقارير أمنية تونسية، أن أمير جماعة أنصار الشريعة التونسية، سيف الله بن حسين، الملقب ب"أبوعياض"، أشرف على سلسلة اجتماعات مع قيادات "داعش" التونسيين والليبيين، العائدين من سوريا، بحضور قيادات من جماعة أنصار الشريعة الليبية، لتأسيس ما يسمى ب"دامس" في المغرب العربي. /6/
وحذر الخبير الأمني في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، توماس ساندرسون، من أن نفوذ "داعش" يهدد دول شمال أفريقيا، في إشارة إلى تشكيل التنظيم الجديد على غرار تنظيم دولة الإسلام في الشام والعراق. وقال الخبير ساندرسون، "إن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تحاول تجنيد مقاتلين في أكثر من 80 بلدا في جميع أنحاء العالم، محذرا أن التهديد يمس بالدرجة الأولى الجزائر، تونس و ليبيا، و دول الساحل الصحراوي". /7/. وحسب مصادر أمنية تونسية متطابقة، فقد اجتمعت في منطقة درنة الليبية في عديد المناسبات، قيادات من "داعش" و أخرى من أنصار الشريعة بشقيه الليبي والتونسي، بهدف تأسيس جماعة "داعشية" مغاربية.
ونقلت تقارير اعلامية تونسية، أن الأجهزة الأمنية، توصلت إلى معلومات موثوقة تؤكد أن كلا من أمير جماعة أنصار الشريعة التونسية سيف الله بن حسين، الملقب ب"أبوعياض"، و أبو بكر الحكيم القيادي السابق في "الجماعة الليبية المقاتلة"، أشرفا في ليبيا، على سلسلة الاجتماعات مع قيادات داعش، بحضور نظرائهم من جماعة أنصار الشريعة الليبية، حيث تركزت الاجتماعات حول تأسيس جماعة واحدة تحمل اسم "الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي" تحت مسمى "دامس"، تعمل تحت إمرة "داعش" الأم، وتكون مهمتها الأولى توحيد مختلف الجماعات الجهادية في بلدان المغرب العربي على أن يكون مركز القيادة في ليبيا. ويتوقع المراقبون أن يعلن تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي "دامس" قريبا.
وأفادت تقارير إخبارية، أن أبا عياض التونسي يلعب دورا محوريا في التواصل مع قياديي "داعش" لتشكيل قيادة موحدة للجماعة الإسلامية. يشار إلى أن تنظيم أنصار الشريعة في تونس نشر في شهر يونيو الماضي، رسالة منسوبة لأبي عياض زعيم التنظيم أشاد فيها بما قال: “بطولات المجاهدين بالعراق”، داعيا إلى حوار توافقي بين “الفصائل الجهادية”.
وجاء في الرسالة التي عنونت ب”من وحي فتوحات العراق”: “ندعو كل المتعاطفين ومشايخ وجنود التيار الجهادي إلى حُسن استغلال هذه “الفتوحات” في “تقريب وجهات النظر بين جميع الفصائل الجهادية التي تقاتل إعلاءً لكلمة التوحيد وسعيًا لتمكين الشريعة الإسلامية من أن تسود الأرض”. وتأكيدًا لولائه لتنظيم القاعدة، دعا أبو عياض، أيمن الظواهري وأبو محمد الجولاني، إلى “أن يُعجّلا بمباركة تلك الفتوحات وما منّ الله به على إخوانهم في الدولة الإسلامية في العراق والشام، والفصائل الجهادية والعشائر السنية، وأن يثمر ذلك أمرا من قيادات التنظيمات المتقاتلة بوقف الاحتراب والصراع فيما بينها”.
وفي هذا السياق، تطرق الخبير والكاتب السويدي آرون لوند الذي ألّف عدة دراسات حول مشهد المقاتلين في سوريا، الى الخلافات بين كل من "القاعدة" و "داعش"، فأشار الى أنه " قبل شهر نيسان/ أبريل 2013، كانت جماعة أبو بكر البغدادي تعرف باسم "الدولة الإسلامية في العراق" وكانت تعتبر على العموم جزءاً من تنظيم القاعدة. ولكن البغدادي لم يكن يريد حصر جهاده ضمن العراق. لقد اتَّسع نطاقه في عام 2011 في الخفاء، وذلك من خلال تأسيسه جماعة جبهة النصرة في سوريا. ثم قام في شهر نيسان/ أبريل 2013 بتحويل اسم جماعته وبشكل ملفت للنظر إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وطالب جبهة النصرة بالانضمام إليه". /8/
ويضيف لوند بأن طلب البغدادي "قوبل طلبه هذا بالرفض من قبل الكثيرين من زعماء جبهة النصرة الذين أعلنوا ولاءهم لأيمن الظواهري، الذي يعدّ أعلى أمير في تنظيم القاعدة وقد رفض قرار أبي بكر البغدادي. وهذا الرفض يعود إلى أسباب كثيرة، بما فيها خلافات شخصية وإيديولوجية. ولكن في الحقيقة، على الأرجح أنَّ الطرفين يتنافسان وبشكل أساسي على دخول الحرب في سوريا، وهذه الحرب مرتبطة بموارد طبيعية وبالمقاتلين الأجانب وبالأسلحة وبمكانة كبيرة في حركة الجهاد العالمية". /9/.ويشير لوندن الى أنه "وفي آخر المطاف أدَّى هذا النزاع إلى قطيعة تامة بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، وفي بداية عام 2014، حينما بدأ تنظيم داعش وجبهة النصرة مقاتلة بعضهما البعض في سوريا، كانت جميع محاولات الوساطة بينهما قد تحوّلت إلى جزء من الماضي". /10/

وقد أثر هذا الخلاف على الجماعات المتشددة التي كانت في السابق تتبع تنظيميا ل "القاعدة"، مثل تنظيم "أنصار الشريعة" في تونس بزعامة أبو عياض ، الذي أعلن عن فك بيعته مع "القاعدة" لصالح "داعش" ثم "الدولة الإسلامية"، كما سبق أن أشرنا اليه، وهو يعمل على لم شمل التنظيمات الجهادية في تونس وفي كامل البلاد المغاربية تحت غطاء البيعة ل "الدولة الإسلامية". وهو في مسعاه هذا يعمد الى توظيف الانتصارات التي تحققها "الدولة الإسلامية"، خاصة في اقناع المنتدبين الجدد من الشباب "الجهادي". وهنا "يرى مراقبون أن فكرة "افتتاح" فرع ل"داعش" في المغرب العربي قابلة للتجسيد بالنظر إلى وجود مقاتلين لتنظيم داعش من دول تونس والمغرب والجزائر وليبيا، فضلاً عن انتشار تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي ك"علامة" (براند)، وهو يلقى شعبية كبيرة لدى المتأثرين بأفكار التطرف، خصوصاً لدى فئة الشباب والمراهقين، وهي الفئة التي تستعمل بإفراط مواقع التواصل الاجتماعي". /11/.

ويرشح الباحث السويدي آرون لوند أن تكون الخلافات بين "القاعدة" و "داعش" تعود الى صراع أجيال والى تباينات ايديولوجية. اذ يقول أنه "مبدئيًا من الممكن وجود نوع من صراع الأجيال في داخل الحركة السلفية الجهادية. فعلى أية حال يبلغ عمر الظواهري 64 عامًا، وعمر البغدادي 43 عامًا، ومعظم رجال الدين الكبار في السن أيّدوا الظواهري. صحيح أنَّه لا يتعيَّن إعطاء الاختلافات الحالية حجمًا كبيرًا، ولكن يبدو وعلى نحو ما أنَّ تنظيم داعش يجسِّد العقيدة الجهادية المتطرِّفة، التي انبثقت عن الحرب في العراق والدعاية الجهادية على الإنترنت، في حين أنَّ تنظيم القاعدة لديه جذوره في أفغانستان وفي تلك الشبكات الإرهابية الصغيرة والمنضبطة، التي تعمل في الخفاء وتعود إلى الثمانينيات والتسعينيات". /12/.

تونس بيئة طاردة ل "داعش"

بالعودة الى تحليل البيئة السوسيولوجية، التي سمحت وساعدت على انتشار "داعش" في العراق. من ذلك استناده إلى التركيبة التقليدية للمجتمع، القائمة على العشيرة في المقام الأول. حيث استطاع هذا التنظيم، مثلما أشار المختص في الجماعات القتالية في العراق آرون لوند، الذي أوضح أن "داعش " عرف كيف يستغل التركيبة الاجتماعية المحافظة في العراق " بصورة جيدة من خلال تحالفاته مع زعماء العشائر. ..و من المعروف أنَّه حيثما توجد العشائرية، هناك وجود أيضًا لتنظيم داعش". /13/. كما استغل "داعش" نفور أهل السنة، من الظلم الذي مارسه عليهم النظام المركزي الطائفي في بغداد – الشيعي والموالي لايران- ليكسب ودهم بل تحالفهم معه، بعد أن أصبح لهم عدو واحد، ولعل ما حدث من سقوط وانهيار سريع لمحافظة الموصل خير دليل على حصول التقاء بين "عشائر العراق" و تنظيم "داعش". لكن هذا التحالف مهدد بالانهيار، بعد سقوط حكومة المالكي في بغداد، وبروز سيناريو تشريك السنة في الحكم.

إن هذه التناقضات السياسية في العراق وسوريا، إضافة الى التركيبة التقليدية المحافظة التي تعامل معها "داعش" في العراق، غير متوفرة في بلد مثل تونس، الذي يغلب عليه الانسجام والوحدة الاثنية والثقافية وحتى الطبيعية. إضافة إلى تجذر عملية التحديث، التي تعود الى حركة الإصلاح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي تعمقت أكثر مع تاسيس الدولة الوطنية بعد الاستقلال، بزعامة الحبيب بورقيبة. وهي كلها مقومات طاردة لكل فكر متشدد. ولعل فشل حكم حركة "النهضة" برغم أنها تحسب على الإسلام المعتدل، يعود إلى حصول رفض مجتمعي كبير، من قبل النخب والطبقة الوسطى، لإدخال أي تعديل على النمط المجتمعي الحديث لتونس. وبناءا عليه فان حظوظ "تمدد" التيارات المتشددة في تونس يبقي أمرا صعبا بل مستحيلا.

ولعل فرضية انتشار "داعش"، تبقي ممكنة في مجتمع مثل ليبيا. حيث ما تزال البنية التقليدية –القبلية والعشائرية- هي المهيمنة والمسيطرة. وهي بذلك تمثل بيئة حاضنة، لمثل هذه التنظيمات. كما أن الفراغ المؤسساتي وانهيار الدولة، زيادة عن انتشار السلاح والميلشيات والجماعات المتشددة وخاصة تنظيم "أنصار الشريعة"، كلها عوامل مساعدة على إمكانية "توطين" هذه الجماعات فيها. وبالتالي تحويلها إلى "قاعدة" لنشاطاتها. على غرار ما حصل في الصومال وأفغانستان. وفي هذا الإطار تشير التقارير إلى تمركز "داعش" في ليبيا. التي قد تتحول إلى دولة "فاشلة"، وتخطيطه للمرور نحو تونس وبقية أقطار المغرب الاسلامي. وهذا ما نبه اليه وزير خارجية ليبيا محمد عبد العزيز، الذي قال " إن طرابلس ستطلب من الولايات المتحدة دعما عاجلا يشمل التعامل مع التطورات الليبية بجدية قبل أن تتحول بلاده إلى دولة فاشلة." /14/
وأضاف الوزير في لقاء مع قناة "الحرة" "إنه يدعو إلى انخراط دولي في ليبيا أكثر فعالية وتوسيع بعثة الأمم المتحدة لتكون بعثة استقرار وبعثة بناء مؤسسات، مجددا تحذيره من أن بلاده تمشي في اتجاه الدولة الفاشلة وليس في اتجاه بناء دولة المؤسسات. كما أووضح بأن ليبيا في طريقها إلى التحول إلى “إمارة إسلامية” تسيطر عليها التنظيمات المتشددة في حال عدم إنقاذها.
وقال إن عناصر القاعدة والأشخاص الذين ينتمون إلى المقاتلين على اختلافهم موجودون داخل الأراضي الليبية، متهما إياهم بالوقوف أمام المسار الديموقراطي وبناء دولة المؤسسات والقانون.
وأكد أن القضية الليبية واضحة تتمثل في عدم قدرة الدولة على مواجهة المجموعات المتطرفة، مشيرا إلى أن طرابلس ليست لديها الآليات لتمكنها من مواجهة تلك التحديات، ما يستدعي دعما دوليا لتمكين الدولة الليبية من تسيير المؤسسات.
وقال إن ليبيا لا يمكنها مواجهة تلك المجموعات في غياب الجيش والشرطة وجهاز استخباراتي فاعل، مشيرا إلى أن الوضع الأمني في ليبيا ليس مسؤولية ليبية فقط بل مسؤولية إقليمية ودولية.
وأوضح الوزيرعبد العزيز من جهة أخرى أن المعلومات المتوفرة تشير إلى احتمال تدفق المقاتلين من سورية والعراق على ليبيا في إطار الرسالة التضامنية بين الجماعات المقاتلة. وقال إن المجموعات المقاتلة في شرق ليبيا بالدرجة الأولى إذا كانت في خطر فإن الجماعات المنتشرة في العراق وسورية حتما ستتضامن معها. /15/.

المغرب العربي.. مستقبل "دامس"


جاء في تقرير نشرته "بوابة الحركات الإسلامية"، تحت عنوان: "حلفاء "داعش" في الغرب العربي يستعدون لتأسيس "دامس"..وتعاون أمني لمواجهتها"، أن "داعش" تسعى لتعويض "أنصار الشريعة" تحت اسم "دامس" بعد توحيد الفصائل الجهادية في كل من تونس والجزائر وليبيا. وهذا ما أكدته شهادات مقاتلين تونسيين عائدين من القتال في سوريا. حيث أكدوا أن تنظيم "داعش" ينوي التوسع الى منطقة شمال افريقيا والساحل، والتي يري فيها بؤرة خصبة لفرض افكاره المتطرفة، في محاولة للم شمل التنظيمات الجهادية. كما أشارت الى انعقاد اجتماعات لممثلين عن تنظيم "داعش" ببعض قيادات "أنصار الشريعة" الليبي ونظيره التونسي المحظور في العديد من المناسبات، للبحث في امكانية تأسيس فرع مغاربي ل "داعش" يحمل اسم "دامس". /16/

هذا ما يكشف أن منطقة المغرب العربي، أصبحت تحت مرمى الجماعات الدينية المتشددة، التي بدأت تتوحد ضمن تنظيم "الدولة الاسلامية". خصوصا وأن أحدث التقارير الأمنية تشير الى وجود أكثر من 5 ألاف مقاتل من المغرب والجزائر وتونس ينشطون في "داعش". وتشكل عودة هؤلاء المقاتلين تحديا امنيا لدول المنطقة وكذلك لأوربا أيضا. وقد حذرت مؤسسة ”الرائد” الأمريكية، من تخطيط ”داعش” لنقل أنشطته نحو منطقة المغرب العربي. وقد أصدرت المؤسسة تقريرا ركزت فيه على الإرهاب في شمال إفريقيا ونصحت بتكثيف التنسيق الأمني بين الإدارة الأمريكية ودول شمال إفريقيا لمواجهة تحركات التنظيمات المتطرفة، ومن بينها مخططات ”داعش” في المنطقة. /17/
وركز التقرير على الإرهاب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، " فبالإضافة الى ليبيا وضع الجزائر في خانة الخطر الدائم بسبب قربها من مراكز التوتر في الحدود مع ليبيا وتونس والنيجر ومالي، بينما جاء المغرب في خانة أقل خطر مقارنة مع باقي الدول العربية". وينصح التقرير الإدارة الأمريكية برفع التنسيق الأمني مع الجزائر لمواجهة مخاطر الإرهاب في مجموع المغرب العربي بحكم أن العديد من الحركات الإرهابية مثل القاعدة في المغرب العربي تتموقع على تخوم الحدود الجزائرية. /18/
يجمع أغلبية المحللين الأمنيين، على أنه "سيترتب عن حضور “داعش” في نسختها المغاربية وهي “دامس”، تطورات مقلقة على أمن المنطقة ويمكن إجمالها في: احتمال مواجهات بين “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” و”دامس”، وستكون امتدادا للمواجهات التي تجري بين التنظيمين الأم “داعش” و”النصرة” في سوريا. وفي الوقت ذاته، احتمال تنافس بين التنظيمين في تنفيذ عمليات إرهابية نوعية من باب الظهور بمظهر الريادة في المنطقة.
كما يرى البعض أن تاخر اعلان "دامس" في المغرب العربي، ليس الا رهين ترتيبات تنظيمية لا غير، وأن القرار أتخذ وسيعلن عنه في التوقيت المناسب. وهو ما أكد عليه الضابط السابق في الجيش الجزائري أنور مالك في حوار مع جريدة "الصباح الأسبوعي التونسية" –الصادرة، الاثنين 18 أوت 2014 – عندمل قال "أن التأخر القائم في الاعلان عن ميلاد تنظيم الدولة الاسلامية في المغرب الاسلامي "دامس" يعود لأسباب تنظيمية وتكتيكية حيث أن الجماعات الارهابية تريد أن يكون لما ستعلنه الصبغة المغاربية، مضيفا ان المشكلة القائمة تتعلق بالمنطقة فتنظيم الدولة يختلف عن تنظيم القاعدة إذ يحتاج إلى رقعة جغرافية على عكس تنظيم القاعدة الذي يتمركز في الجبال والادغال. /19/
وعن تقييمه لأداء التنظيمين الارهابيين "داعش" و"القاعدة"، اعتقد مالك، في تصريح لصحيفة الصباح الأسبوعي الصادرة اليوم الاثنين 18 اوت 2014، أن "القاعدة" بدأت تلفظ أنفاسها وحان وقت طي صفحتها الذي بدأ بالاعلان عن مقتل زعيمها أسامة بن لادن، مشيرا إلى ان "بعبع الارهاب" الذي خدم القوى الغربية مازال في حاجة لوجود تنظيمات اخرى أكثر تشددا من "القاعدة" وفق تقديره. وفي هذا الإطار، رأى انور مالك أن سيناريو "داعش" هو الفصل الجديد من هذا "البعبع" الذي يخدم مصالح أمريكا وحلفائها في ترويض الثورات وإيقاف مدّ الربيع العربي وإعادة رسم خارطة المنطقة من خلال خريطة جديدة تبدأ بعد مرور قرن على اتفاقية "سايس بيكو" لسنة 1916. /20/
وأضاف قائلا: "بلا شك توجد جماعات إرهابية تابعة "للقاعدة" على الحدود بين تونس والجزائر.. وهناك مخطط إرهابي استراتيجي لدى "القاعدة" يتمثل في توسيع دائرة نشاطها على مستوى المغرب الكبير.. وقد كانت حرب ليبيا هدية نزلت عليهم من السماء وأنقذتهم من النهاية المحتومة، وبعدما كانوا بقايا جماعات عادت لهم قوة كبيرة وخطيرة.. وتوجد معلومات استخباراتية ان هذه التنظيمات بصدد تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي "دامس" وسيبايعون البغدادي كخليفة لهم. /21/
مثلما أعاد "داعش" توزيع بل بعثرة الأوراق في بلاد الشام والعراق، بعدما استحوذ على أراض شاسعة من سوريا والعراق، وأصبح يمثل خطرا محدقا بالخليج العربي وحتى إيران. فان نفس السيناريو ذاته، مرشحا للحدوث في بلاد المغرب الإسلامي – ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب-، بعد أن أعلنت "الدولة الإسلامية"، عن نواياها في التوسع في الإقليم المغاربي. عبر تأسيس كيان جديد تابع ل "الدولة الإسلامية"، وهو الدولة الإسلامية في بلاد المغرب الإسلامي أو "دامس".
من هنا، لم يبقى أمام الدول المغاربية، إلا أخذ هذه تهديدات "داعش" بجدية، تفترض اليقظة ودعم التنسيق الأمني والاستخباراتي في المقام الأول. خاصة بعد التحذيرات التي وجهتها لهم وكالة الاستخبارات الأمريكية، والتي أشارت فيها الى" القوة المتزايدة لتنظيم «داعش»، مشيرة في تقرير لها إلى "أن التنظيم يعتمد طرقًا متطورة في نقل المقاتلين من منطقة إلى أخرى رغم المراقبة الأمنية الجوية المشددة". ما يجعل هذه الدول مطالبة بتجاوز خلافاتها الثنائية، والتوحد لمواجهة عدو واحد، والعمل بالليل والنهار على إثناء الشباب عن مبايعة قائد الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، والمراقبة اللصيقة للجهاديين العائدين إلى أوطانهم، خشية عملهم ك "أقمار صناعية" لمن نصب نفسه "خليفة للمسلمين".

هوامش وإحالات:
1/
المعهد البريطاني للدفاع: أكثر من 100 ألف إرهابي في سورية، راجع الرابط التالي:
http://www.dampress.net/mobile/?page=show_det&category_id=6&id=31977

2/ منذر بالضيافي،
هل تحولت تونس إلى بلد مُصدر للإرهاب؟، راجع الرابط التالي:
http://www.alarabiya.net/ar/north-africa/tunisia/2014/06/15/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A8%D9%84%D8%AF-%D9%85%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D8%9F.html

3/ أعلن رئيس الحكومة التونسية علي العريض الثلاثاء 27 أغسطس 2013 تصنيف جماعة "أنصار الشريعة" السلفية الجهادية "تنظيما إرهابيا" وإصدار مذكرة جلب دولية ضد مؤسسها سيف الله بن حسين (48 عاما) المكنى ب"أبو عياض" ل"ضلوع" الجماعة في أعمال "إرهابية" بتونس.
وقال وزير الداخلية العريض في مؤتمر صحافي "ثبت لنا أن هذا التنظيم (أنصار الشريعة) غير المرخص له ضالع في العمليات الارهابية التي وقعت في تونس..فهو المسؤول عن اغتيال (المعارضين) شكري بلعيد (في 6 شباط/فبراير الماضي) ومحمد البراهمي (في 25 يوليو الماضي) وكذلك (قتل) شهدائنا من الأمن والجيش الوطنيين".. أضاف ان تنظيم انصار الشريعة "مسؤول عن شبكات لتخزين الأسلحة (في تونس) والتخطيط للقيام باغتيالات أخرى ومداهمات لمراكز أمن ومراكز عسكرية والتخطيط للانقضاض على السلطة".. وقال "اتخذنا..قرارا بتصنيف هذا التنظيم (أنصار الشريعة) تنظيما إرهابيا بما يترتب عن ذلك على المستويات الأمنية والعدلية والإعلامية وعلى مستوى التعاون الدولي".

4/ صلاح الدين الجورشي، هذا ما جناه السلفيون الراديكاليون على حركة النهضة، راجع الرابط التالي:
http://www.mominoun.com/arabic/ar-sa/articles/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D9%85%D8%A7-%D8%AC%D9%86%D8%A7%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%81%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9/8867

5/ المرجع السابق

6/ تأسيس تنظيم "دامس" تحت إمرة "داعش" في المغرب العربي
راجع الرابط التالي"

http://www.akhbarona.com/world/80604.html#ixzz38ffB5EvI

7/ المرجع السابق

8/ الخبير والكاتب السويدي آرون لوند، "
الفرق بين تنظيم القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا "داعش":
بين البغدادي والظواهري...صراع الأجيال في السلفية الجهادية، راجع الرابط التالي:

http://ar.qantara.de/content/lfrq-byn-tnzym-lqd-wtnzym-ldwl-lslmy-fy-lrq-wswry-dsh-byn-lbgddy-wlzwhrysr-ljyl-fy-lslfy

9/ المرجع السابق
10/ المرجع السابق
11/ رمضان بلعمري، "
داعش" في المشرق و"دامس" في المغرب، راجع الرابط التالي:
http://www.alarabiya.net/ar/north-africa/libya/2014/06/12/-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D9%88-%D8%AF%D8%A7%D9%85%D8%B3-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8.html

12/
الخبير والكاتب السويدي آرون لوند،
الفرق بين تنظيم القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا "داعش":
بين البغدادي والظواهري...صراع الأجيال في السلفية الجهادية، راجع الرابط التالي:

http://ar.qantara.de/content/lfrq-byn-tnzym-lqd-wtnzym-ldwl-lslmy-fy-lrq-wswry-dsh-byn-lbgddy-wlzwhrysr-ljyl-fy-lslfy

13/ المرجع السابق

14/ وزير الخارجية: ليبيا في طريقها لتصبح “إمارة إسلامية"، راجع الرابط التالي:
http://www.taqadoumiya.net/%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%87%D8%A7-%D9%84%D8%AA%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%A5/#comment-19736
15/ المرجع السابق

16/ حلفاء "داعش" في الغرب العربي يستعدون لتأسيس "دامس"..وتعاون أمني لمواجهتها، راجع الرابط التالي:

http://www.islamist-movements.com/2935

17/ خطر “داعش” ينتقل الى المغرب العربي التي قد تعلن “الدولة الإسلامية في المغرب العربي” “دامس"، راجع الرابط التالي:
http://alifpost.com/%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D9%82%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A

18/ المرجع السابق

19/ جريدة "الصباح الأسبوعي" التونسية، عدد الاثنين 18 أوت 2014
20/ المرجع السابق
21/ المرجع السابق
*منذر بالضيافي، صحفي وباحث في علم الاجتماع، مختص في الحركات الإسلامية
دراسة صادرة بمركز المسبار للبحوث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.