تشكيلة العين الإماراتي ضد يوفنتوس الإيطالي    الخارجية الإيرانية.. قادرون على مواجهة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    ترامب.. لم أتخذ بعد قرارا نهائيا بشأن إيران    مصر.. الشرطة تحبط مخططا واسعا لتهريب أسلحة نارية إلى البلاد    لجنة الاشراف على الجلسات العامة والمنخرطين بالنادي الافريقي - قبول القائمة الوحيدة المترشحة برئاسة محسن الطرابلسي    بدء الموجة 13 من عمليات "الوعد الصادق 3".. إطلاق صواريخ ثقيلة    تونس – مصر : نحو شراكة معززة في قطاع الصحة    نابل...وفاة طفلة غرقا    وزارة التعليم العالي تفتح مناظرة لانتداب 225 عاملا..التفاصيل..    اليوم انطلاق مناظرة ''النوفيام''    صندوق الضمان الاجتماعي ينفي    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الهلال السعودي و ريال مدريد    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    الإعلاء    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    معهد باستور: تراجع مبيعات لقاح السل وتوقف بيع الأمصال ضد لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وداء الكلب    البطل ياسين الغربي يتألق ويهدي تونس ذهبية 400 متر في صنف T54    شركة "إيني" الإيطالية تعزز استثماراتها في قطاع المحروقات بتونس    لقاء بوزارة الصناعة حول تعزيز التكامل الصناعي التونسي العماني    بطولة العالم لكرة اليد تحت 21 عاما - المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره السويسري 31-41    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    مدير عام الامتحانات: استكمال إصلاح اختبارات البكالوريا    وزارة الفلاحة تدعو كافّة شركات تجميع الحبوب إلى أخذ كلّ الإحتياطات اللاّزمة والإستعداد الأمثل للتّعامل مع التقلبات الجوية المرتقبة    بنزرت: العثور على جثة طفل ملقاة على الطريق    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    وزارة الداخلية: تنفيذ 98 قرارا في مجال تراتيب البناء ببلدية تونس    عاجل/ تهديد جديد من المرشد الأعلى الإيراني..    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    بطولة برلين للتنس: "أنس جابر" تواجه اليوم المصنفة الخامسة عالميا    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    كأس العالم للأندية 2025 : فوز ريفر بلايت الأرجنتيني على أوراوا ريدز الياباني 3-1    واشنطن قد تدخل الحرب وطهران تتوعد    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع في ليبيا:أبعاده وتداعياته على تونس


تقديم عام:
تُبرز المراجعة الدقيقة لتاريخ كل من ليبيا وتونس، في مختلف الحقب والمراحل التاريخية، تأثيرا متبادلا وانعكاسات مؤكدة لأحداث أيّ من البلدين على البلد الآخر، وخاصة عند الأزمات، سواء أكانت طبيعية كالجفاف مثلا أو اجتماعية كالصراع بين القبائل أو اقتصادية أو سياسية؛ وذلك بحكم المقومات المشتركة للشعبين (تاريخية وجغرافية واجتماعية وحضارية زادتها المحن والشدائد صلابة،)وبحكم تكامل اقتصادي مفترض قابل للتحقّق إذا توفرت الإرادة السياسية.
و جدد المسار العاصف الذي عرفته "الثورة الليبية" ضد نظام القذافي لُحمة هذا التضامن والتآزر بين الشعبين بعد أن احتضن التونسيون أكثر من 800 ألف لاجئ ليبي، ناهيك عن آلاف اللاجئين من عرب وأجانب، بالإضافة للآلاف الجرحى الذين تم علاجهم في المصحات التونسية، دون الحديث عن تزويد السوق الليبية بكل ما كانت تحتاجه من منتوجات وبضائع أساسية...
كما سمحت حكومة الباجي قائد السبسي،بعد الثورة، بمرور السلاح للمعارضين الليبيين عبر الأراضي التونسية الأمر الذي ساهم في حسم المعركة على الأرض لصالح الطرف المناهض للعقيد...
كان الرهان في تونس، وربما في ليبيا أيضا، أن تتجه العلاقات بين البلدين، في ظل نظامين جديدين يتقاسمان الكثير من القيم والرؤى السياسية المشتركة ،نحو آفاق جديدة ،تقطع مع الأساليب القديمة التي تميزت بالارتجال والفوضى والمحسوبية في التعامل... ورغم محاولات السلطات في كلا البلدين لتجاوز الصعوبات والعراقيل التي تقف أمام تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين غير أن راهن العلاقة بين الطرفين قد خيّب آمال قطاع واسع من السياسيين ورجال أعمال بل ومن عامة الشعب في كلا البلدين.لذلك يومكن القول ان تونس كانت جزء من المشكل الذي عاشته ليبيا وباستمراره تواصل تداعيات الازمة الليبية على البلاد التونسية
اولا: مظاهر واسباب الصراع في ليبيا:
تمر ليبيا بأزمة عميقة وصراعا مفتوحا تدفع باتجاه استمراره عوامل داخلية وأخرى خارجية ( )الامر الذي يهدد مصير الدولة ووحدتها ومن مظاهر هذا الصراع واسبابه:
1. الصراع بين النخب الجديدة والعناصر الداعمة للنظام السابق
2. الصراع بين الإسلاميين وخصومهم السياسيين
3. الصراع القبلي والجغرافي(الجهوي): اقتتال في شرق البلاد وغربها وبنسبة أقل في جنوبها
4 انهيار الدولة الليبية
5 .سيطرة المليشيات: التي يتراوح عددها بين 170 «مليشيا» و 300 ميليشيا، مختلفة التسليح والأعداد وعلى رأسها فجر ليبيا و تنظيم أنصار الشريعة المرتبط بعلاقات بفرع تونس بالإضافة إلى تنظيم داعش الذي حقق مؤخرا تقدم عسكريا وتمدد على مناطق جديدة خاصة بعد عودة مجموعات هامة من المقاتلين الليبيين من سوريا، وتمكنه من فرض هيمنته على مدن كاملة،ومنها مدينة درنة يتقاطر المقاتلون الأجانب، ومعظمهم جزائريون ومصريون وسودانيون وتونسيون، للتدرب في ستة معسكرات تدريب أنشأت عند ضواحي المدينة".( )
وقبل ايام مدينة سرت و مطارها و مقر إذاعة المدينة والاستيلاء على حقل المبروك النفطي جنوب مدينة سرت ... وأعلنت مصادر ليبية أن تنظم "داعش" بدأ يتحرك من سرت باتجاه منطقة الجفرة، وسط ليبيا، والتي تسيطر عليها ميليشا "فجر ليبيا".وأضافت المصادر أن التنظيم أصبح على بعد 30 كيلومترا فقط من مدينة هون، عاصمة الجفرة.
6. وضع اقتصادي ومالي شديد التدهور فليبيا كما يشير مبعوث الأمم المتحدة على شفا انهيار اقتصادي ومالي كبير، فهي محرومة حاليا من الإيرادات الداخلية، والدخل الأساسي وهو النفط( )
7. تمزّق النسيج الاجتماعي الليبي الذي كان يتميز بتماسك واسع نسبيا على أسس تقليدية
8. عدم قدرة النخبة السياسية على إيجاد مخارج عملية لإنهاء الأزمة
9. دور بعض الدول العربية في تأجيج الصراع في ليبيا من ناحية وتقاعس الدول الغربية والأمم المتحدة علي التدخل السياسي لإيقاف الصراع( )
فما انعكاسات وتداعيات الواقع الليبي هذا على تونس؟قبل ذلك علينا ان نستعرض مستوى العلاقات التي كانت بين البلدين قبل تحولات سنة 2011 حتى نتمكن من الوصول الى استخلاصات علمية
ثانيا: العلاقات التونسية الليبية قبل الأزمة الليبية:
لتحديد ذلك يجب ان نقدم بعض المعطيات حول العلاقات بين البلدين ومستوى التفاعل الاجتماعي والاقتصادي حتى نتمكن من تحديد التداعيات:
تميزت العلاقة الاقتصادية بين البلدين الجارين بتكاملها و توازنها النسبي و وبأبعادها الاجتماعية والتاريخية و دون أن تكون لصالح طرف على حساب الآخر.ولم تتردّد تونس،في تلبية حاجيات ليبيا عند الأزمات والشدائد أو دونها و مثلت ليبيا، قبل الثورة، أهم شركاء تونس اقتصاديا:
1. كانت أول شريك على الصعيد المغاربي والعربي(ارتفعت آخر سنة 2009 القيمة الجملية للمبادلات الى 1.25 مليار دولار وهو ما يقارب 2 مليار دينار تونسي وقد امتصت ليبيا 6.9 ٪ من جملة الصادرات التونسية وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الثانية كشريك تجاري لتونس بعد الاتحاد الأوروبي.
2. والخامسة على المستوى الدولي(بعد فرنسا وايطاليا وألمانيا وإسبانيا).
3. وكانت ليبيا تعدّ رابع مستثمر عربي في تونس ويبلغ عدد المشاريع الاستثمارية اكثر من 30 مشروعا ليبيا تم انجازها في قطاعات الصناعة والخدمات، مكنت من احداث 3 آلاف موطن شغل في المقابل بلغت الاستثمارات التونسية في ليبيا 2 مليار دينار وقد توقفت بسبب الازمة ثلاثة مشاريع تونسية بصدد الانجاز، وهو ما سبّب خسارة هامة للمستثمرين التونسيين.
4. بلغ عدد المؤسسات التونسية التي كانت تصدر منتوجات متنوعة (غذائية و خدمات بترولية وصناعية و مواد بناء وقطع غيار ومواد التعليب والملابس والسلع الحرفية وغيرها...)الى ليبيا نحو 2800 مؤسسة تونسية تصدر لليبيا
5. ولتونس عقود عمل في ليبيا تناهز 13 ألف مليار إلى درجة ان بعض الشركات التونسية قد خصصت جزءا هاما من إنتاجها، حسب طلب السوق الليبية...( )
6. وبلغت قيمة الصادرات التونسية إلى ليبيا حوالي 1000 مليون دولار، وهو تقريبا نفس قيمة الواردات من ليبيا التي تمثل نحو 90 في المائة من المحروقات بالإضافة إلى بعض المواد الأولية البتروكيمياوية التي يقع استغلالها في الصناعات التحويلية مثل الصناعة البلاستيكية وغيرها...
7. وحسب ما جاء في دراسة قام بها البنك الأفريقي ( )فان حجم المبادلات التجارية بين البلدين خلال العشرية الأخيرة يعتبر الأهم على مستوى أفريقيا الشمالية اذ سجلت هذه المبادلات رقما قياسيا خلال الفترة 2000 2010 بنسبة معدل (نمو سنوي للمبادلات بلغ 9 ٪ علما وان معدل نسبة النمو السنوي العالمي تساوي 6 ٪).( )
ثالثا: تداعيات الصراع في ليبيا على تونس:
كان من المفترض أن تتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتتعز نحو التكامل في جميع الميادين بعد نجاح الثورتين على خلفية المقومات المشتركة الصلبة للشعبين و تبعا للوعود المغرية التي أطلقتها المعارضة الليبية للحكومات التونسية المتتالية و لحاجة كل قُطر إلى الآخر...
- أقامت حكومة الترويكا،في تونس، بقيادة حزب النهضة علاقة وثيقة مع المجلس الوطني الليبي السابق والحكومة التي تلته، وكانت تراهن على صعود الإسلاميين في ليبيا إلي السلطة للمساهمة في حلّ مشاكل تونس الاقتصادية و والاجتماعية... و تعددت الزيارات بين مسؤولي البلدين على أعلى مستوى وتواصلت الوعود الليبية بأنواعها المختلفة دون أن يتلمسها المواطن التونسي أو تتجسّد في الواقع إلى أن أعلنت الحكومة الليبية أنها ستقدم 200 مليون دولار إلى تونس منها 100 مليون دولار في شكل هبة و100 مليون دولار في شكل قرض دون فوائض..غير ان تزامن ذلك مع تسليم الحكومة التونسية رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي لطرابلس، رغم الانتقادات والضغوط الشديدة التي مارسها المجتمع المدني في تونس ومن خارجها، دفع البعض إلى اعتبار ما قدمته ليبيا إلى تونس هو بمثابة الرشوة..
- ويعتبر الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن ما قدمته ليبيا إلى تونس،آنذاك، لا يبدو ناجعا ولا يساهم في حلّ المشاكل التي يتخبّط فيها الاقتصاد التونسي والناتجة جزئيا عن الأزمة في ليبيا التي أثرت سلبيا على الاقتصاد التونسي وأدت إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة على تونس( )
فما هي ابرز التداعيات؟
I. التداعيات الاقتصادية للازمة الليبية على تونس: ذات ابعاد متعددة ومنها:
1. التجارية:
- تراجع المبادلات التجارية الثنائية بنسبة تزيد عن %75 وفق تقرير لوزارة التجارة التونسية نتيجة التوقف الكامل للأنشطة أكثر من مائة شركة تونسية كانت تعمل حصريا على السوق الليبية.
- توقف حوالي 1300 شركة تونسية تصدر إلى ليبيا. (وتتراوح قيمة معاملاتها من 5 آلاف مليون دينار الى أكثر من 100 ألف مليون دينار).
- كما اضطرت شركات أخرى يفوق عددها الألف إلى إعادة برامجها التصديرية والإنتاجية التي كانت عادة موجهة إلى طرابلس.بسبب الفوضى التي تشهدها الأراضي الليبية وغياب جهاز منظم قادر على تسيير المبادلات التجارية هذا بالإضافة الى اغلاق الموانئ والمطارات وتدميرها بصفة تكاد تكون كلية ( ).
2. التداعيات على الطاقة:
ترتكز الواردات التونسية من ليبيا أساسا على البترول الذي يمثل 92 ٪ من الواردات الجملية و يتم تأمين 25 ٪ من الحاجيات التونسية من السوق الليبية بأسعار تفاضلية ( )أما بعد الأزمة فأصبحت تونس مضطرة لإيجاد مصادر أخرى للتوريد مع خطر دفع أسعار أعلى حسب مقتضيات السوق العالمية وقد أدى ارتفاع البترول إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية و أثر بالتالي على الاقتصاد التونسي ككل إذ ارتفعت أسعار المنتوجات الفلاحية لمستويات تقارب الأرقام القياسية المسجلة في 2007 و2008 ولا توجد توقعات بانخفاضها على المدى القريب.كما ادى ان ارتفاع اسعار البترول الى ارتفاع في تكاليف النقل بنحو ب 18 ٪.
3. تأثير الأحداث على القطاعين السياحي:
- أ- تضرر الخطوط الجوية التونسية:
تمثل السوق الليبية أول سوق للخطوط الجوية التونسية من حيث المردود المالي كما تمثل السوق الثانية الثاني بعد السوق الفرنسي من حيث عدد المسافرين حيث يبلغ عدد رحلات الخطوط التونسية إلى المطارات الليبية 66 رحلة في الأسبوع وتمثل الوجهة الليبية أول أسواق هذه الخطوط من حيث المردودية المالية للشركة كما تسير ما لا يقل عن خمس(5) رحلات في اليوم الى طرابلس إلى جانب ما توفره أيضا الشركة الفرعية للخطوط من رحلات نحو ليبيا سواء من مطار تونس قرطاج أو من مطاري المنستير وصفاقس.
وكان للإجراء الأخير الذي اتّخذته السلطات التونسية المتمثّل في قرار إعادة غلق المجال الجوي أمام الطائرات الليبية بناء على احتياطات أمنية لحماية أراضيها في ظلّ تفاقم القتال بليبيا كلفة باهظة على مستثمري البلدين الذين باتوا يواجهون مصاعب في التعامل والتواصل و أصبحوا يعانون من عراقيل كثيرة خلال التنقل إلى تونس من أجل مواكبة سير أعمالهم ونشاطاتهم الاقتصادية والقيام باتصالاتهم المباشرة مع مزوديهم بالخدمات والسلع في تونس.( )
كما أثّر ذلك بشكل مباشر على توافد المرضى الليبيين للعلاج بالمصحات التونسية الخاصة بالإضافة للمعاناة الكبيرة التي يعرفها الليبيون المتوافدون برّا باتجاه تونس عبر معبر راس جدير، وكذلك معبر الذهيبة في الجنوب، مفيدا بأن طول طوابير السيارات المتوقفة أمام المعابر البرية يصل إلى العشرات من الكيلومترات.
ب‌- تضرر السياحة:
تمثل تونس منذ سنة 2003 الوجهة المفضلة للسياح الليبيين فهي تجذب ما معدله 1.5 مليون سائح كل سنة.وعلى عكس السائح الأوروبي فان 2 ٪ فقط من الليبيين الزائرين لتونس يقيمون بالنزل وتفضل الأغلبية كراء الشقق والفيلات القريبة عموما من مراكز الأعمال والتجارة والمناطق السياحية والمصحات ويمتلك بعض رجال الأعمال والمستثمرين محلات إقامة ثانوية في تونس
و يقدر الخبراء معدل الإنفاق المواطن الليبي المقيم في تونس مدة أسبوع تتراوح بين 200 الى 400 دينار تونسي (دون اعتبار الخدمات الصعبة) وبالاعتماد على هذه الفرضية يقدر معدل الإنفاق الجملي للسياح الليبيين في تونس ب 540 مليون دنيار(نحو 240 مليون دولار). كما يدخل في الأيام العادية من السنة ما بين 300 و400 ليبي( ).
بلغ عدد الليبيين المقيمين بتونس حسب إحصائيات المعهد الوطني التونسي للإحصاء نحو 87720 شخصًا في حين اعلن وزير الخارجية التونسي ان عدد الليبيين المقيمين في تونس هو مليون و900 ألف ليبي ( ).
كما تضررت السياحة الاستشفائية التي تعتبر احد أهم الأنشطة الاقتصادية في السياحة التونسية بما انها تحقق نحو 5 ٪ من عائدات صادرات تونس كما تمثل 24 ٪ من رقم معاملات المصحات الخاصة استقبلت المصحات الخاصة سنة 2014 نحو 400 ألف أجنبي أنفقوا في تونس 1060 مليون من العملة الصعبة منهم أكثر من 60 ألف أوروبي فيما الأغلبية نحو 78 ٪ من ليبيا الشقيقة. .( )و بعد تصاعد القتال بليبيا وتمزقها بين سلطتين أصبح من الصعب على الليبيين الحصول على الأموال اللازمة للعلاج بالخارج و توقفت الجهات الرسمية الليبية التي تكفل المرضى(وكذا السفارة الليبية) على ضمان خلاص تكاليف المصاريف الصحية( )الأمر الذي أدى إلى مراكمة ديون ضخمة متخلدة بذمة الجهات الرسمية الليبية(الدولة ومؤسسات التامين) لفائدة المصحات التونسية والتي بلغت 100 مليون دينار(50 مليون دولار) ممّا تسبب في صعوبات للعديد من المصحات.( ).
4. التكلفة الاقتصادية لتدفق الليبيين كبيرة:
لا شكّ ان ارتفاع عدد الليبيين في تونس قد ساهم في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية المدعمة وغير المدعّمة من قبل الحكومة، إضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات، وهو ما ادى الى ارتفاع نسبة التضخم ونسبة العجز. غير الليبيين ساهموا دون شك في تنشيط الدورة الاقتصادية انطلاقا من سوق العقارات والمطاعم والمقاهي والنزل والنقل والتجارة بصفة عامة
II. التداعيات الاجتماعية:
بلغ عدد التونسيين المسجلين بسفارة تونس بليبيا سنة 2012 نحو 83633 الفا لكن عدد التونسيين المتواجدين بليبيا هو بالتاكيد اكثر من ذلك بكثير، خصوصا وان زيارة ليبيا لا تتطلب تأشيرة دخول او جواز سفر، كما يشير ذلك ايضا الى ان الكثير منهم لهم عمل غير قار. وقد غادر اغلب التونسيين الأراضي الليبية بعد تطور الاحداث وتصاعد الازمة بعد 2012 وبعد غلق اغلب المؤسسات الإنتاجية التونسية والليبية الأمر الذي ضاعف من حجم عدد العاطلين عن العمل وبالتوازي مع ذلك عرفت التحويلات المالية للعاملين التونسيين في ليبيا انخفاضا حادا بسبب عودة المهاجرين التونسيين إلى بلادهم و تراجع إنفاق الليبيين في تونس..
III. التداعيات على المستوى الأمني
حذر قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) من تحول ليبيا ل"بؤرة جاذبة"للمجموعات المتشددة دينيا التي تمارس الارهاب المنظم( ).
ولا شكّ ان تنامي وتمدد نفوذ ونشاط هذه التنظيمات الى تهديدات جدية لاستهداف القطاعات الاقتصادية الحيوية الموجودة على الحدود، حقول النفط إضافة الى اختطاف المواطنين(وهو ما حصل مؤخرا) والسياح الأجانب كرهائن، الأمر الذي يمكن أن يحول دول المنطقة إلى دول طاردة للاستثمارات بسبب حالة عدم الاستقرار التي تواجهها.
كما هناك خطورة نقل مجال «ردّ الفعل» تجاه الغرب الى تونس، عبر استهداف مقرات البعثات الدبلوماسية، وهو خطر سبق وحذّرت منه تقارير استخباراتية اثر عملية اعتقال «أبو انس الليبي» في 2013 من قبل قوات خاصة أمريكية..
اما الخطر الثاني فهو ان تتحول ليبيا نقطة انطلاق لاستهداف «الداخل» التونسي من قبل تنظيمات جهادية ك«انتقام» من العمليات الأمنية الأخيرة التي تستهدف «تنظيم أنصار الشريعة التونسي المحظور منذ2013، لاسيما وان عددا من قيادة التنظيم «فرّوا» الى ليبيا وفق ما أعلنت عنه وزارة الداخلية في وقت سابق. وهو ما لم تستبعده وزارة الدفاع التي قال المتحدث باسمها أن الوضع المتدهور في ليبيا سيفسح المجال أيضا أمام عناصر إرهابية لمحاولة التسلل الى تونس وإدخال أسلحة والقيام بعمليات ارهابية وربما توفير دعم لوجستيكي لأنصار الشريعة بتونس وتهريب أسلحة وتوفير معسكرات لتدريب عناصر تابعة لهذا التنظيم
كما تخشى السلطة التونسية من ان تتحول ليبيا إلى «مركز إقليمي» لتجارة السلاح مما سيساعد شبكات التهريب بين الجزائر وتونس وليبيا على النشاط اكثر ونقل السلاح للجماعات المسلحة المحلية.
ولا شك أن تطور الأحداث في ليبيا نحو الأسوأ وتوسع المعارك بعد ان تضخّم عدد الدواعش وتمددهم سيحتمل نزوح او هجرة موجات كبيرة من الليبيين وربما الاجانب والعرب المقيمين في ليبيا الى تونس كما حصل ذلك ابان بداية الصراع في ليبيا وقصف الناتو لليبيا سنة 2011، و قد تكون هذه الموجات «مدخلا» لتسلل جهاديين .كما تخشى السلطات التونسية من تجدد عمليات اعتقال واختطاف التونسيين العاملين او المقيمين في ليبيا
IV. ظاهرة التهريب وأثره على الاقتصاد والامن
وفي موازاة ذلك تفاقمت ظاهرة تهريب السلع من تونس إلى ليبيا وبالعكس، نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يعيشها البلدين وتشتت مسؤولية القوى الأمنية والعسكرية، في تونس خاصة، في ضبط الأمن داخل المدن والحواضر ومحدودية إمكانيتها البشرية للسيطرة الكلية على الحدود الليبية خاصة (500 كلم) بالتوازي مع التقنيات المتجددة التي لا يتردد المهربون في استنباطها لتفادي المراقبة الأمنية الحدودية خاصة في ظل أزمة البلدين و ارتفاع معدل البطالة في المناطق الحدودية بسبب انعدام المشاريع التنموية بالإضافة إلى ما يحققه المهربون، من الفارق في الأسعار بين البلدين،من أرباح تبدو خيالية أحيانا.
وتشمل عمليات التهريب تلك كل أنواع السلع والبضائع:الغذائية والمحروقات والمواد الكيميائية الخاصة بالزراعية..و تهريب البشر والأسلحة والمخدرات والخمور.وان تتمثل تلك العمليات حلاّ وقتيا لتلك المجموعات غير أنها تلحق أضرارا فادحة باقتصاد البلدين وخاصة بالنسبة إلى تونس إذ أنها تؤدي تنتج اختلالا كبيرا على توازن السوق التونسية المحلية ... و تبدو عملية التصدي لهذه الظاهرة بالطرق الأمنية ذات نجاعة محدودة خاصة أمام إصرار المهربين على مواصلة نشاطهم كنتيجة لانسداد أبواب الرزق والعمل أمامهم ... ومنذ سنة 2013، يبدو أنّ التّحالف بين مهرّبي الأسلحة والمخدّرات وبين الخلايا الجهادية المسلّحة قد تدعّم كثيرا في المناطق الحدوديّة. وإنّ شبكات التّهريب الكبرى تغذّي العنف على الحدود الذي سرعان ما يوصف "بالإرهاب" وإنّ هذه الشّبكات يمكن أن تتعاظم بدرجة خطيرة إذا أدّى إحتداد الصّراع في ليبيا إلى تأثيرات اقتصادية وسياسيّة جدّية( ).
خاتمة:
كان من المفترض أن تتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتتعز نحو التكامل في جميع الميادين بعد نجاح الثورتين على خلفية المقومات المشتركة الصلبة للشعبين و تبعا للوعود المغرية التي أطلقتها المعارضة الليبية للحكومات التونسية المتتالية و لحاجة كل قُطر إلى الآخر...غير ان عدم توافق النخب الليبية حول مستقبل ليبيا أدى إلى استفحال الصراع السياسي الذي تطور الى عنف متبادل وازدواجية السلطة الأمر الذي ضاعف من وجود المتشددين الإسلاميين الليبيين وتحول ليبيا الى بؤرة متقدمة لتجمّعا للسلفيين التكفيريين(ليبيين وغير ليبيين) الأمر الذي يهدد امن الإقليم على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي وتبدو تونس(باعتبار الظروف الجغرافية والاجتماعية) أكثر دول الإقليم تضرّرا من الصراع في ليبيا.
*أ.د عبد اللطيف الحناشي:
أستاذ التاريخ السياسي المعاصر و الراهن بجامعة منوبة تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.