تحدث الدكتورعبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة منوبة عن تداعيات الأزمة الليبية على الأوضاع في تونس.. وكشف خلال لقاء علمي نظمته جمعية البحوث والدراسات لاتحاد المغرب العربي أمس بمقر الأرشيف الوطني بالعاصمة تراجعا لافتا في المبادلات التجارية بين البلدين بسبب الانفلاتات الأمنية.. وبين الجامعي أن ليبيا كانت في عهد المخلوع الشريك الاقتصادي الأول لتونس عربيا وإفريقيا والحريف الخامس لتونس عالميا من حيث المبادلات التجارية والاستثمار والسياحة.. وبلغت المبادلات التونسية مع ليبيا سنة 2010 نسبة 2 فاصل 6 بالمائة من جملة مبادلات البلاد مع الخارج منها 4 فاصل 5 بالمائة صادرات وواحد فاصل 3 بالمائة واردات.. وقدرت قيمة المبادلات الثنائية بنحو 1500 مليون دينار سنة 2010.. منها 1100 مليون دينار صادرات ونحو 400 مليون دينار واردات جلها بترول خام.. كما أن مستوى المبادلات التونسية الليبية يسجل منذ نحو خمس أو ست سنوات النسق نفسه. أما بعد الثورة التونسية ونتيجة للانفلات الأمني بالتوازي مع أحداث ليبيا التي انطلقت منذ 17 فيفري فقد سجل التبادل الاقتصادي تراجعا حادا وسجلت الصادرات التونسية باتجاه السوق الليبية خلال الشهرين الأولين من سنة 2011 تراجعا بنسبة 22 فاصل 5 بالمائة وبلغت ما يفوق 115 مليون دينار مقابل 149 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2010 أي بتراجع قدره 34 مليون دينار. وتعتبر مؤسسات الخدمات وأساسا الناشطة في المقاولات الأكثر تضررا.. وتنشط بليبيا أكثرمن أربعين شركة تونسية موزعة على قطاع المقاولات والبناء والصناعات الغذائية كما يوجد حوالي 1300 شركة تونسية مصدرة إلى ليبيا. وأشار الجامعي إلى أن أصحاب الشركات التي تنشط في ليبيا يبدون قلقا متزايدا وتخوفات على مستقبل استثماراتهم ومشاريعهم في ظل تدهور الوضع الأمني في ليبيا. واضطرت إحدى الشركات إلى سحب نحو 1500 عامل تونسي يعودون بالنظر لها في ليبيا بعد توقف نشاطها. وتواجه هذه المؤسسات مشكلا في سداد قروضها باعتبار توقف أعمالها لأنها مطالبة في إطار الصفقات بدفع ضمان مسبق يقدر بنحو 15 بالمائة من قيمة العقد فضلا عن وجود معداتها المتفاوتة القيمة بليبيا.. ومقابل ذلك تقلصت صادرات عدة منتوجات بلغت قيمتها نحو 85 مليون دينار مثل الأسمنت (11 مليون دينار) والبناءات المعدنية (9 مليون دينار) في حين ارتفعت صادرات مجموعة أخرى من المنتوجات على غرار الأجبان بقيمة 51 مليون دينار. وأشار الدكتور عبد اللطيف الحناشي إلى أن العلاقة الاقتصادية مع ليبيا تكتسي بعدا اجتماعيا وبين أن عدد المؤسسات التونسية المصدرة باتجاه ليبيا يتجاوز الإحصائيات الرسمية إذ توجد العديد من المؤسسات الصغيرة والعائلية التي تتعامل مع السوق الليبية. كما تضرر القطاع السياحي والترفيهي والإستشفائي الأمر الذي أدى إلى تراجع مداخيل النزل والمصحات الخاصة خاصة بجهة صفاقس وقابس وتونس وبالتالي تراجع للعملة الصعبة.
تداعيات اجتماعية وأمنية
بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية للأزمة الليبية على الأوضاع في تونس تحدث الدكتورعبد اللطيف الحناشي عن تداعيات اجتماعية وأمنية وإستراتيجية.. وتتمثل التداعيات الاجتماعية في استفحال البطالة جراء عودة أكثر من 60 ألف تونسي من ليبيا إلى تونس ووصلت نسبة البطالة حاليا 19 بالمائة.. كما تتمثل في تدفق اللاجئين من الليبين الفارين من مناطق المعارك ويقدر عددهم بنحو 20 ألف إضافة إلى بقية الجنسيات.. وتطرح مسألة اللاجئين بدورها مشاكل اقتصادية واجتماعية وأخلاقية. وبالنسبة للتداعيات الأمنية بين الجامعي أن سكان المناطق الحدودية يعيشون أوضاعا تتسم بالقلق والخوف من رد فعلي قوي للقذافي بهدف استرجاع هذا المعبر الواقع بين ذهيبة التونسية ووازن الليبية خاصة بعد أن خرقت قوات القذافي الحدود التونسية وقصفتها بحجة ملاحقة الثوار. وتحدّث الحناشي أن انتشار الجيش الوطني على الحدود مع ليبيا ولحراسة أهم المواقع السيادية تسبب في نقص التواجد الأمني على الحدود الجزائرية الأمر الذي استغلته بعض الجماعات الإرهابية. أما على مستوى التداعيات الاستراتيجية فالدول الغربية وقيادة الناتو ترغب في اشراك تونس في حملتها ضد القذافي لكن تونس رفضت ذلك. وقدم الجامعي احتمالا مفاده أن تكون للأزمة الليبية انعكاسات قد تستغل كمبرر لإقامة قواعد عسكرية في المنطقة باسم مكافحة الارهاب في الصحراء ومنطقة الساحل الإفريقي وعبر عن تخوفه من تحول ليبيا إلى عراق جديد أو أفغانستان جديد ويسبب ذلك في عسكرة المنطقة ومحاصرة الثورتين التونسية والمصرية في إطار مخطط شامل.