أكد أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد أن مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي قدمه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في إطار المجلس الوزاري، المنعقد أمس، للمصادقة عليه، وعرضه فيما بعد على مجلس نواب الشعب، يتعارض مع الفقرة التاسعة من الفصل 148 الذي ورد تحت عنوان "الاحكام الانتقالية" الذي ينص على أنه لا يعتدّ لا بتقادم ولا بقوة حجية الشيء المقضي به. وتساءل سعيد، في تصريح لحقائق أو ن لاين، اليوم الاربعاء 15 جويلية 2015، كيف يمكن أن يعتدّ بعفو هو بالتأكيد مخالف لهذه الفقرة التاسعة من الفصل 148 من باب الاحكام الانتقالية من الدستور، معتبرا أن متبنيي مشروع المصالحة الوطنية المصادق عليه من قبل مجلس الوزراء وضعوا العدالة في ميزان السياسة وتناسوا البؤساء والفقراء والمحرومين الذين لا يتذكرونهم إلاّ لتعبئة صناديقهم الفارغة، وفق تقديره. وعن دستورية تقديم رئيس الجمهورية لمقترح يتعلق بالعدالة الانتقالية من عدمه، أكد محدثنا أن للسبسي الحق في المبادرة التشريعية ولطرح مشاريع القوانين، علاوة على أن لهذه المشاريع الصادرة سواء عن رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أولوية النظر فيها وفق ما ينص عليه الدستور. أما عن تقييمه لمحتوى المشروع المذكور، فقد أراد الأستاذ قيس سعيد في البداية أن يذكر بالمقترح الذي قدمه بتاريخ مارس 2012 في ما يتعلق بالصلح الجزائي في إطار العدالة الانتقالية، وذلك عن طريق دائرة خاصة يتم إحداثها في اطار العدالة الانتقالية للنظر في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مع العلم وأن عدد المعنيين بالأمر يومئذ كان بحسب تصريحات رسمية 460 شخصا، أما المبالغ المطالبون بإعادتها فبحسب مصدر عالي المستوى في الحكومة فكان يتراوح بين 10 آلاف و 13.500 مليار مليم. واقترح المختص في القانون الدستوري قيس سعيد آنذاك أن يتم إبرام صلح جزائي باعتباره مؤسسة معروفة في القانون التونسي على غرار ما هو موجود في التشريعات المتعلقة بالديوانة أو مجلة الغابات أو بنصوص قانونية أخرى، "ويكون ذلك في إطار الدائرة المذكورة بناء على تقارير الخبراء وعلى رؤوس الملأ لا تحت جنح الظلام ولا خلف الستائر والأبواب المغلقة، كما تم الترويج لذلك حينها للتصدي لهذا المقترح"، حسب قول مخاطبنا. وتابع بالقول: "وإثر إبرام هذا الصلح الجزائي يتم ترتيب المعنيين بالمصالحة ترتيبا تنازليا من الأكثر تورطا إلى الأقل تورطا بحسب المبالغ المحكوم بها ، ويتم بصفة موازية ترتيب المعتمديات في تونس وعددها 264 معتمدية ترتيبا تنازليا من الاكثر فقرا إلى الأقل فقرا وهو ترتيب متوفر لدى الإدارة التونسية منذ السنوات الثمانين من القرن الماضي.. ويجب أن ينص الصلح الجزائي على ان يتعهد كل رجل أعمال متورط أو اثنين منهم بالمشاريع التي يطالب الاهالي في المعتمديات بتحقيقها، والاكثر تورطا أو أكثرهما تورطا يتعهد أو يتعهدان بالمشاريع في المعتمدية الأكثر فقرا، وتصبح العملية بالتالي في صالح الشأن العام من خلال تحسين البنية التحتية أو بناء مؤسسات استشفائية وتربوية وتوفير بيوت للسكن.. ويكون كل ذلك تحت إشراف هيئة جهوية تتولى المراقبة والتنسيق". كما يقترح المشروع الذي قدمه الأستاذ قيس سعيد منذ سنة 2012 أن لا يتم إبرام صلح نهائي إلا بعد أن يقدم المعني بالأمر للدائرة المذكورة ما يفيد قيامه بالمشاريع بالمعتمدية التي تولى إنجازها فيها، ولاقى هذا المقترح، حسب ما اكده صاحبه، صدى إيجابيا لدى عدد كبير من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بتصريحات علنية مازالت إلى حد اليوم منشورة، بل لاقى استحسانا حتى عند الخبراء الدوليين لبرنامج الأممالمتحدة للانماء، إلا أنه لاقى في المقابل تشويها وصدا من قبل الكثيرين من الذين ارتأوا ان مثل هذا المقترح ستستفيد منه جهات سياسية معينة و نسوا وتناسوا ألام الشعب والمفقرين والمحرومين وغلبوا حسابات السياسة، حسب تعبيره. وجاء بعد هذا المقترح قانون العدالة الانتقالية الذي يعتبر محدثنا أنه أتى متأخرا باعتباره وجد بعدما حصل ما يسمى بالانتقال السياسي، متسائلا: "كيف يمكن أن يحصل مثل هذا الانتقال في حين أن الملفات مازالت مغلقة؟"، وتابع قائلا: "ولكن وصفت الانتخابات بأنها انتقال نحو الديمقراطية، ومازالت العدالة التي يفترض أن تكون مقدمة للانتقال متعثرة تواجه التوازنات الجديدة التي أفرزتها الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014.. ومنذ ذلك التاريخ بدأ الحديث عن مشروع قانون يتعلق بالمصالحة الوطنية التي كان ينبغي أن تكون تتويجا لمسار لا انطلاقة له". وفي حديثه عن المشروع الذي قدمه السبسي قال قيس سعيد: "بعد ذلك تم عرض مشروع قانون مصالحة وطنية في المجالين المالي والاقتصادي على مجلس الوزراء بتاريخ أمس الثلاثاء 14 جويلية 2015، على أن تترك المسائل السياسية لهيئة الحقيقة والكرامة. ويتعلق هذا المشروع في صنفه الأول بالموظفين الذين قاموا باعمال قد تدخل تحت طائلة القانون لكنهم لم يستفيدوا منه، أما الصنف الثاني فيتعلق بالمواطنين الذين استفادوا من العهد السابق على ان يتم النظر في ملفاتهم على أساس إعادة الاموال وإجراء الصلح ثم تبرئة ذممهم بالرجوع عن التتبعات، ثم الصنف الثالث الذي يتعلق بمخالفات الصرف بحيث للسلطة الحق في كل وقت بإجراء الصلح حتى ولو صدر حكم في الغرض". واعتبر سعيد في هذا السياق، أن "ما قيل عن الاصناف الثلاثة أمس سواء في شكل تصريحات أو بلاغات متتالية عن جهات سياسية معينة فيه مس بالعدالة الموصوفة بالانتقالية، فكأن هذا القانون إذا تمت المصادقة عليه سيؤدي إلى تعديل للقانون المتعلق بمسار العدالة الانتقالية، ثم لم يقع الحديث عن صلح جزائي بل عن صلح فقط وكان الأمر مقصودا وليس من قبيل الصدفة التي لا تعرف لها أسباب.. ثم يتم الصلح أمام لجنة سيتم إحداثها برئاسة الحكومة ولا يكون ذلك إلا بناء على طلب من المعني بالأمر.. وإذا تم إبرام الصلح يتم إيداع الاموال بصندوق الودائع والأمانات للقيام بمشاريع في الجهات المحرومة". وفي هذا الإطار، طرح سعيد العديد من الأسئلة على غرار: "لماذا لم تقم الدولة بإنجاز المشاريع باعتبار الاموال مرصودة ولم يتم صرفها؟ أم أن صندوق الودائع والأمانات سيكون صندوقا لصكوك الغفران أو صندوقا للمدائح والأذكار للمسؤولين الذين أعطوها وأمضوها؟ ثم كيف يتم الصلح في غياب معرفة الحقيقة والعدالة لا يمكن أن تقوم إلا على الحقيقة؟