يظهر ان هناك مساع لتدخل عسكري غربي (الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا) منفردا أو بدعم إسلامي (التحالف الإسلامي ضد الإرهاب) محتمل خلال النصف الأول من العام القادم للقضاء على تنظيم "داعش" الذي تعززت قدراته البشرية وتضاعفت بعد لجوء أعداد كبيرة من المقاتلين العرب والأجانب إلى ليبيا منذ التدخل الجوّي الروسي الكثيف في سوريا وتقدم الجيش العربي السوري واسترجاعه للعديد من المناطق بالإضافة إلى هزائم التي عرفها التنظيم في العراق. ويظهر أن هذا التدفق من المقاتلين التكفيريين على الأراضي الليبية سيزداد في الأيام والشهور القادمة الأمر الذي سيساعد تلك المجموعات للتمدد جغرافيا والسيطرة على مزيد من المناطق في ليبيا باعتبار عدم وجود قوى رادعة وقادرة (حكومية أو غير حكومية) للتصدي لتلك المجموعات التي تملك أيضا قدرات قتالية تبدو متميزة.. ولذلك قد تتحول ليبيا إلى منطقة جذب لشباب الدول المحيطة بليبيا إما افتتانا ب"بطولات" تلك المجموعات المقاتلة أو اقتناعا أو لمصلحة ما أو لهروب من واقع اجتماعي ونفسي ومادي قاهر... ولا شكّ، تحول ليبيا إلى بؤرة أو منطقة تجمع للمقاتلين التكفيريين من داعش وأتباعها سيهدد في العمق مصالح عدة دول وخاصة دول الاتحاد الأوروبي المطلة على المتوسط أو حتى البعيدة عنه ومنها تحديدا فرنسا وإيطاليا، وبريطانيا لعوامل تاريخية واقتصادية واستراتيجية وأمنية... وبالرجوع للتخطيط العسكري (بكل أبعاده) المعتمد لتجربة هذه التنظيمات في كل من العراقوسوريا نلاحظ أنها إضافة لعمليات الترهيب والتخويف والترويع التي تمارسها ضد السكان أحياء وأمواتا (التمثيل بالضحايا) تستهدف تلك المجموعات حقول النفط فتسيطر عليها وتديرها ثم تسيطرة على خطوط النقل الدولية حتى تتمكن من الحصول على موارد مالية ضخمة تمكنها من التسليح وإعالة مقاتليها وإغراء الشباب للانخراط في صفوفها بوسائل مختلفة... واعتبارا لكل ذلك (يالاضافة لغياب الدولة بجميع أجهزتها الردعية..) تمثل ليبيا موقعا جغرافيا متميزا ومغريا وجاذبا لهذه المجموعات، خاصة بعد تراجعاتها في كل من سورياوالعراق في انتظار هزيمتها كليا، إذ أنها: * تضم ثروة بترولية وغازية ضخمة ذات جودة عالية و تكلفة استخراج متدنية مقارنة بنفط منطقة الشرق الأوسط. * ان ليبيا تَحِدّ عدة دول افريقية(6 دول منها 4 دول عربية إضافة إلى التشاد والنيجر و اغلبها يعاني من عدة مشاكل)ما يعني ان بإمكان هذه المجموعات زعزعة الأمن الاقتصادي و ربما السياسي والأمني كما أن تلك الدول تشكل أهمية للغرب عامة وفرنسا خاصة والاهم ان تضخم وجودها الى ليبيا وسيطرتها عليها قد تشكل قاعدة آمنة لزعزعة امن المنطقة ككل ودول المتوسط الأوروبي منها باعتبار: * امتلاكها أطول ساحل بين الدول المطلة على البحر المتوسط إذ يبلغ حوالي 1.955كلم. لهذه الأسباب وربما غيرها ستعمل تلك الدول على ضمان مصالحها الإستراتيجية والطاقية (قد تكون فرنسا أكثر اهتماما ب"إقليم فزان" جنوب ليبيا، الذي كانت تسيطر عليه فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية ويغرف اكتشاف حقول نفطية ضخمة) وتعمير ليبيا بعد 5 سنوات من التدمير المنظم للإنسان والمكان دون أي تدخل إنساني كما كان الحال زمن معمر القذافي. كما ترغب تلك الدول في تعزيز وجودها العسكري في العمق الإفريقي لمواجهة المجموعات المتشددة دينيا والحفاظ على مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية أمام تقدم الصين وإيران وتركيا بتفاوت (ماليأفريقيا الوسطى..) لكل تلك الاعتبارات يبدو تدخل هذه الدول شبه حتمي دون ان تكون بحاجة الى مبررات فهي قادرة على استحضار عناوين مختلفة خاصة انها تملك تفويضا يتمثل في "قرار مجلس الأمن رقم 2214" الذي "يطلب من جميع الدول محاربة الإرهاب فى ليبيا"، وهو تفويض واضح يتطلب فقط إبلاغ الحكومة الليبية المنتظرة مسبقا والتنسيق معها. ولكن هل يحسم التدخل الجوي المعركة أمام تمدد المجال الليبي من ناحية وعدم وجود جيش بري وطني كما الحال الجيش العربي السوري وحلفائه؟ وهل تتجرأ تلك الدول لتدخل بريّ مع ما ينجر عن ذلك من قتلى وجرحى في صفوف قواتها؟ لا نعتقد ذلك فليبيا ليست مالي لذلك نرجح احتمالين اما تدخل جوي غربي مكثّف دون أن يحقق النتائج المرجوة أو تدخل جوي غربي مسنود بتدخل بري يتطلب دعم دول الجوار الليبي والعربي خاصة.. والحال أن أهم الدول العربية ذات العلاقة رفضت التدخل العسكري الغربي سابقا وقد ترضى الآن لاعتبارات متعددة (خوفا على أمنها أو نتيجة الإغراءات أو الاثنين معا) بذلك لكن دون أن تكون طرفا مباشرا ودون أن تعترض وقد تشارك بعض الدول في تلك العملية إما في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب او في اطار التحالف الإسلامي ضد الإرهاب (أو في إطار التحالف بين الحلفين). فهل ستكون تونس أحد أطراف هذا التدخل باعتبارها جزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب والتحالف الإسلامي ضد الإرهاب أيضا؟ وما هي تداعيات هذا التدخل، إن حدث، على تونس؟ بادية لا بد من الإقرار بان تداعيات ما يجري في ليبيا على تونس منذ انطلاق الأحداث إلى الآن ضخم ومتعدد الأشكال ونعتقد انه يبكون جسيما وضخما ومتعدد ومتنوع ما بعد التدخل سواء كانت تونس طرفا في تلك العملية، بأي شكل من الأشكال، أو لم تكن طرفا باعتبار العوامل الجغرافية اولا ولطبيعة وأهداف الجماعات السلفية المقاتلة ثانيا ولوجود عدد هام جدا من التونسيين المقاتلين على الأراضي الليبية ثالثا... أما التداعيات في حال حصول تدخل عسكري غربي فهي متعددة ومتنوعة: * اولا: احتمال عودة ما تبقى من التونسيين في الأراضي الليبية وخاصة من المناطق التي تجري على أرضها المعارك وهو ما يضاعف الازمة الاجتماعية عدد العاطلين عن العمل في تونس.. * ثانيا: إمكانية لجوء آلاف الليبيين إلى تونس هربا من عمليات القصف ومن انتقام المجموعات التكفيرية المقاتلة وهو ما قد يضاعف من تعقيد الأوضاع الاقتصادية والأمنية اذ تصعب عملية فرز هؤلاء وأهداف لجوؤهم. * ثالثا: إمكانية "هروب"أو "لجوء"مئات من المقاتلين التكفيريين التونسيين او الأجانب من ساحات القتال بعد اشتداد القصف و الضغط عليهم الى مناطق الجنوبالتونسي وقد يشكل هؤلاء خطر حقيقيا على البلاد حتى وان استسلموا للسلطات التونسية. * رابعا:وقد تتخذ قيادات هذه المجموعات قرارا بالزحف على تونس بعد اشتداد القصف والضغط عليها إما لتحويلها كقاعدة لانطلاق عملياتها إلى الداخل الليبي أو الداخل التونسي سواء لاستهداف تونس أو استهداف بعض المؤسسات الأجنبية ذات العلاقة بالحلف المعادي لتلك المجموعات.. ومهما كان الأمر فإن تونس مستهدفة بتدخل عسكري جوي أو بري أو الاثنين معا والأخطر من كل ذلك أن هذا التدخل، وإن حصل، قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى والتوتر، وتعميق الانقسام في الداخل الليبي ولكنه يؤثر بعمق على الداخل التونسي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والسياسي ايضا (على المستوى السياسي وربما الحزبي).