بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة الشاهد وديناميات المشهد السياسي التونسي

عرف مسار مبادرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي يقودها يوسف الشاهد في تونس، جدلًا واسعًا بين أغلب مكونات الطيف السياسي، لكن المسار انتهى بمنح الثقة للحكومة الجديدة التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية كبيرة تهدد الاستقرار الاجتماعي، والنموذج السياسي الذي تم التوصل إليه بعد الثورة.
ملخص
يشير تعاقب الحكومات في تونس إلى أنها لم تحقق بعد الاستقرار السياسي الكامل. وقد منحتِ الثقةَ لحكومة يوسف الشاهد أحزابُ الأغلبية البرلمانية وأحزاب غير ممثلة في مجلس الشعب، أو ممثلة في المجلس دون أن يكون لها منصب في الوزارة، رغم احترازها على بعض الأسماء المرشحة في حدِّ ذاتها. بالمقابل، رغم تباين المرجعيات الفكرية والسياسية لبعض الأحزاب فقد توحدت رؤاها حول رفض حكومة الشاهد؛ إذ نزعت عنها صفة الوطنية سواء بسبب التزامات ثقيلة تجاه المؤسسات المالية، أو نتيجة ما تصفه بالترضيات القطاعية والمحاصصة الأيديولوجية التي تقول إن الشاهد اعتمدها في اختياره للوزراء.
وتواجه حكومة الشاهد تحديات كبيرة اقتصاديًّا حيث هنالك عجز في الميزانية وفي الميزان التجاري، وتراجُع قيمة العملة الوطنية، وارتفاع نسبة المديونية، وتدني نسبة النمو، وارتفاع كتلة الأجور والبطالة. وكذلك على المستوى الأمني الذي يتمثل في مجابهة العنف وإمكانية تزايده.
يُعرَّف عدم الاستقرار السياسي بأنه "إخفاق النظام السياسي في التعامل الناجح مع الأزمات التي تواجهه، وإدارة الصراعات المجتمعية"، ومن أهم مؤشراته تغير الحكومات في فترات متقاربة. غير أنه يمكن التفريق بين نوعين من عدم الاستقرار السياسي؛ حيث يتميز النوع الأول بأنه ممتد في الزمن وفي طبيعته وفي أبعاده التي تكون عادة متداخلة، ما يفرز انعكاسات وتداعيات خطيرة
أما الثاني فهو مؤقت ويتميز بمحدودية مؤشراته، وقصر المدى الزمني لتأثيراته وهو ما تعرفه عادة بعض الدول التي تعتمد النظام البرلماني، وخاصة تلك التي تعيش تعقيدات مراحل الانتقال الديمقراطي، كما هي حال تونس التي يعرف فضاؤها السياسي والاجتماعي العام دينامية هادئة أحيانًا وهائجة أحيانًا أخرى، تمسُّ أغلب زوايا هذا المشهد والفاعلين فيه، وهو ما انعكس على أداء السلطة التنفيذية وخاصة مؤسسة الحكومة التي عرفت منذ الثورة عدم الاستقرار سواء نتيجة ضغط الشارع في محاولة لإبعاد رموز النظام القديم (حكومة الغنوشي الثانية) أو نتيجة أحداث جسام مثل (اغتيال المناضليْن السياسييْن: شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي)، أو نتيجة الاستحقاقات الانتخابية ( انتخابات المجلس التأسيسي ومجلس نواب الشعب) التي أفرزت بدورها واقعًا سياسيًّا جديدًا، أو بفعل عدم رضى الأغلبية البرلمانية عن أداء الحكومة وسحب الثقة منها، كما كانت الحال مع حكومة الحبيب الصيد التي مهَّدت لتشكيل حكومة يوسف الشاهد الحالية. فما أبرز خصائص السياقات التي مهَّدت لميلاد هذه الحكومة؟ وكيف تفاعلت معها أهم المكونات الحزبية والنقابية؟
سياق ميلاد حكومة الشاهد
يشير تعدد الحكومات إلى أن تونس لم تحقق بعد الاستقرار السياسي الكامل، غير أن ذلك لا يمنع القول بأنها ما زالت تسير نحو تحقيق هذا الهدف في ظل مناخ داخلي معقد ووضع إقليمي مضطرب، تبدو انعكاساته حادة أحيانًا على تلك المسيرة. وقد باشرت حكومة الائتلاف الرباعية، التي قادها رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، بعد نتائج الانتخابات التشريعية السلطة لنحو تسعة عشر شهرًا، وواجهت عدَّة انتقادات لفشلها في معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بالإضافة إلى ارتباك أداء أغلب عناصرها نتيجة الضغوطات السياسية والحزبية المختلفة، ولفقدان رئيسها الجرأة في اتخاذ القرارات الصائبة وانعدام الانسجام والتضامن بين أعضائها، وهو أمر أكَّد جزءًا منه رئيس الدولة وبرَّر به مبادرته لتكوين حكومة وحدة وطنية تنبثق عن حوار ومشاورات بين الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والشخصيات المستقلة.
أثارت المبادرة في حدِّ ذاتها الكثير من النقاش حول طريقة تقديمها ومضمونها وأسباب دعوة أحزاب بعينها دون غيرها. ورفضت أحزاب أخرى المسار برمته، على غرار الجبهة الشعب التي أرادها الموقِّعون كقاعدة (برنامج) تضمنت الأولويات التي ستعتمدها الحكومة الجديدة التي أُطلق عليها حكومة "الوحدة الوطنية".
وبعد إصرار الحبيب الصيد على عدم الاستقالة عقد مجلس نواب الشعب جلسة للنظر في استمرار الحكومة أو سحب الثقة منها، وانتهت المداولات برفض 118 عضوًا من أعضاء المجلس تجديد الثقة في حكومة الصيد واحتفاظ 27 نائبًا بصوته وتصويت ثلاثة نواب فقط لفائدة تجديد الثقة، بما سمح لرئيس الجمهورية بإصدار أمر يقضي بأن تتحول حكومة الحبيب الصيد، إلى حكومة تصريف أعمال، إلى حين تنصيب الحكومة الجديدة وصولًا لاقتراحه يوسف الشاهد، وذلك بعد مشاورات مع عدد مهم من ممثلي الأحزاب والمنظمات الوطنية وبعض الشخصيات الوطنية. وعرف مسار مشاورات تشكيل هذه الحكومة العديد من التجاذبات والمناورات حول نصيب كل طرف من الأطراف من الحقائب الوزارية (وكتابات الدولة) أو حول أسماء الوزراء أو ماضيهم السياسي أو مواقعهم الحالية، وصولًا لانسحاب بعض الأحزاب السياسية من المشاورات؛ الأمر الذي تطلَّب تدخل رئيس الجمهورية للحسم في اختيارات محددة دون أخرى. كما تم تأجيل الإعلان عنها بسبب الضغوطات التي مارسها البعض والابتزاز الذي مارسه البعض الآخر؛ مما أدى ب"الفاعلين" إلى تضخيم حجم الحكومة من 30 عضوًا كما وعد المكلَّف بتشكيلها إلى 40 عضوًا.
تشكيلة الحكومة ومواقف الأحزاب والتنظيمات منها
المؤيدون
وافقت أحزاب الأغلبية البرلمانية وأحزاب غير ممثلة في مجلس الشعب أو ممثلة في المجلس دون أن يكون لها منصب في الوزارة على تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية، رغم احترازها على بعض الأسماء المرشحة في حدِّ ذاتها أو لتعارض اختصاصها العلمي أو المهني مع الوزارة التي تم تكليفها بها، أو مؤازرة مشروطة بتجسيد "وثيقة قرطاج"، أو حول منهجية عمل الحكومة وعدم إطلاعها المسبق على تركيبتها والعلاقة التي تجمع مكوناتها.
وتحفَّظ "مجلس شورى حزب حركة النهضة" على التمثيلية المسنَدة للحركة التي لم تحظَ بحجم أكبر يتماشى مع وزنها. وأعرب المجلس عن عدم قبول أشخاص في هذه الحكومة في الوقت الذي تحوم حولهم شبهات فساد أو عُرفوا بموقفهم الإقصائي. أما حزب "الاتحاد الوطني الحر" فقد ناور رئيسه حتى اللحظات الأخيرة للمشاورات، ليختار عدم المشاركة في حكومة الشاهد، ثم قَبِل في آخر لحظة منحها الثقة.
وجدَّد الاتحاد العام التونسي للشغل التأكيد على التزامه ببرنامج "وثيقة قرطاج" دون سواها، وأعلن أنه سيقيِّم أداء الحكومة الجديدة بحسب التزامها بهذا البرنامج لإنقاذ الوضع الاقتصادي والحالة الاجتماعية. كما اعتبر أن الحكومة ضمَّت كفاءات لا خلاف حولها، لكنها في نفس الوقت خيارات لم تَخْلُ من الترضيات الحزبية وضمَّت بعض الأسماء التي لا علاقة لها بطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، وهو ما قد يمثِّل عائقًا في الالتزام بالبرنامج المتوافَق حوله في إعلان قرطاج.
الرافضون
رغم تباين مرجعياتها الفكرية والسياسية فقد توحدت رؤى بعض الأحزاب حول رفض حكومة الشاهد؛ إذ نزعت عنها صفة "الوطنية" سواء بسبب "التزامات ثقيلة تجاه المؤسسات المالية"، أو نتيجة "الترضيات القطاعية والمحاصصة الأيديولوجية" التي اعتمدها الشاهد في اختياره للوزراء و"الترضيات الحزبية والشخصية والعائلية". لذلك فهي تمثِّل "استجابة للنزوات الشخصية والمصالح العائلية والفئوية على حساب البلاد ومقدَّراتها"؛ ومن ثَمَّ اتهامها ب"الاستنجاد بعديد من الأسماء التي خدمت الاستبداد والديكتاتورية زمن ابن علي" وببعض وجوه المعارضة "الكرتونية من نقابيين سابقين"، بل اعتبر البعض أن "وجود نقابيين ضمن الوزراء يمثِّل خرقًا لقيم الجمهورية" وهي أخيرًا "حكومة الاستسلام للوبيات المحلية وللمؤسسات المالية الدولية". لذلك لن تكون إلا "حكومة تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية". وقد اعتبر حزب التكتُّل أن "الهدف من المبادرة إعطاء عذرية جديدة للائتلاف الحاكم بعد فشله الذريع عبر ترحيل غير لائق للحبيب الصيد وإجراء تحوير وزاري واسع مطعَّم ببعض الأسماء اليسارية والكفاءات والنساء من جهة، وبعض رموز منظومة الاستبداد والفساد من جهة أخرى.
التداعيات على الأحزاب السياسية
كان المسار الذي قطعته مبادرة الرئيس، الباجي قايد السبسي، وجميع مراحلها محلَّ نقاش وحوار وخلاف واختلاف بين الأحزاب من ناحية، وأصحاب المبادرة والمؤيدين لها وبين الأحزاب في ما بينها من ناحية أخرى. وبلغ هذا الحراك السياسي والفكري الذروة بعد الإعلان عن تركيبة حكومة الشاهد، وأدى ذلك إلى تداعيات مختلفة سواء داخل الأحزاب أو في ما بينها. وكان حزب "حركة نداء تونس" الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة المكلَّف، أول الأحزاب التي اهتزت جرَّاء تركيبة حكومة الشاهد؛ إذ لوَّح تسعة عشر نائبًا بالاستقالة تعبيرًا عن غضبهم واحتجاجهم على تركيبة حكومة الوحدة الوطنية، وعدم قبولهم ببعض الأسماء التي رأوا أنها جاءت مفروضة وفاقدة للكفاءة، مع إقدام إحدى نائبات الحركة على تقديم استقالتها من مجلس نواب الشعب من الحزب احتجاجًا على "إقصاء رأي الكتلة البرلمانية، ولضم الحكومة بعض الأسماء التي لا تتمتع بالكفاءة المطلوبة" حسب تقديرها، وقدَّم الأمين العام للحزب الوطني الحر استقالته على خلفية ما اعتبره التأخر الكبير بخصوص اتخاذ الحزب لقرار مساندة حكومة الشاهد من عدمها، بما أسهم في إرباك المشهد السياسي، معتبرًا أنه لا يرغب في أن يكون "عنصر تعطيل" لعمل الحزب.
أما لقاء النائب عن الجبهة الشعبية، المنجي الرحوي، برئيس الحكومة المكلَّف الذي دعاه للمشاركة في حكومته فقد أثار جدلًا واسعًا صلب الجبهة الشعبية وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد. غير أن نفس النائب قد احتفظ بصوته أثناء التصويت في مجلس نواب الشعب، مخالفًا بذلك موقف الجبهة الشعبية التي صوَّتت ضد حكومة الشاهد. كما أربك وجود المنسق العام للمسار الديمقراطي، سمير بالطيب إضافة لمسؤولين نقابيين سابقين، الساحة النقابية واليسارية، بل النخبة السياسية عامة كلًّا من زاوية نظره.
التحديات المتزايدة التي تواجه حكومة الشاهد
ضمَّت حكومة الوحدة الوطنية 26 وزيرًا و14 كاتب دولة (موظف حكومي برتبة وزير) ومنح 167 (عدد النواب الحاضرين 194 من أصل 217) نائبًا ثقتهم في حكومة الشاهد، واعترض 22 نائبًا آخرون، فيما احتفظ 5 نواب فقط بأصواتهم. وتواجه هذه الحكومة التونسية الجديدة تحديات متداخلة:
التحديات الاقتصادية
ويرتبط التحدي الاقتصادي بعجز الميزانية وفي الميزان التجاري، وتراجع قيمة العملة الوطنية (الدينار)، وارتفاع نسبة المديونية التي قُدِّرت ب61 بالمئة؛ حيث إن الجزء الكبير منها موجَّه للاستهلاك وليس للمشاريع الإنتاجية المشغلة، وتدني نسبة النمو (قُدِّرت ب 1.5%) ، وارتفاع كتلة الأجور من 6.7 مليارات دينار سنة 2010 إلى 13.4 مليار دينار عام 2016.
التحديات الاجتماعية
تتمثل التحديات الاجتماعية في مشكلة البطالة ومعاناة سكان المناطق الداخلية من الفقر والتهميش. ومن أهم التحديات وأخطرها تمدد وتضخم ظاهرة الفساد وعجز الصناديق الاجتماعية.
التحديات الأمنية
وتتمثل في مجابهة التطرف العنيف وإمكانية شنِّ عمليات إرهابية ضد مؤسسات سياحية أو استهداف رجال الأمن والجيش مع احتمال عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر.
فكيف تبدو حظوظ نجاح حكومة الوحدة الوطنية أو فشلها في معالجة هذه التحديات؟
تبدو عوامل نجاح هذه الحكومة في تجاوز تلك التحديات متوفرة وممكنة، كما أن عوامل الفشل كذلك متوفرة بنفس القدر.
عوامل الفشل
انعدام الانسجام بين الفريق الحاكم الذي يتميز بالتنوع الفكري والسياسي.
دور اللوبيات السياسية والمالية التي ترفض الإصلاح، وتشجع على الفساد.
تدخُّل الأحزاب في شؤون رئاسة الحكومة والوزراء وطرق تسييرهم.
عدم القدرة على اتخاذ القرارات في وقتها.
استمرار الأزمة الليبية وتداعياتها على الوضع الداخلي.
عوامل النجاح
لا شك أن مجرد تشكيل ائتلاف حكومي من سبعة أحزاب بمساندة المنظمات المهنية والنقابية الأساسية في البلاد، يمثِّل تجاوزًا للحواجز النفسية والابتعاد ولو نسبيًّا عن التمترس الأيديولوجي بين الأطراف السياسية، وهوما يُعَدُّ سابقة في تاريخ تونس السياسي ويجسِّد نواة حكومة وحدة وطنية في حدِّها الأدنى؛ لذلك تبدو عوامل وحظوظ نجاح هذه الحكومة متوفرة خاصة مع:
تجسيد "وثيقة قرطاج" على أرض الواقع واتخاذ إجراءات سريعة تُعطي المواطن والنخبة السياسية بعضًا من الاطمئنان.
استمرار الغطاء السياسي والنقابي الواسع للحكومة ومواصلة التنسيق والتشاور بين الأطراف الموقِّعة على "وثيقة قرطاج" من أجل دعم الحكومة.
التصدي للضغوطات والتدخلات التي تحاول التأثير على قرارات الحكومة.
تغليب الأحزاب للمصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية الضيقة.
توفر إرادة سياسية قوية لمعالجة الملفات واتخاذ القرارات الضرورية بشكل عاجل.
الحفاظ على الأمن والتصدي للإرهاب باعتبارهما عامليْن رئيسييْن في إعادة الثقة للمستثمرين المحليين.
إنجاح مؤتمر الاستثمار (الذي سينعقد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم) الذي سيمثِّل فرصة لعرض المناخ الاستثماري التونسي وإقناع المستثمرين الأجانب بالاستثمار في تونس.
الإسراع في اتخاذ إجراءات عملية لمحاربة بنية الفساد.
معالجة سريعة لملف الحوض المنجمي ببُعده الاقتصادي والاجتماعي.
المساهمة في رد الاعتبار لقيمة العمل بالتوازي، مع وجود إرادة من الشعب والمجتمع المدني على مساعدة الحكومة للخروج من الأزمة.
إقناع كل الأطراف الاجتماعية بتهدئة المناخ والاتفاق حول خارطة الطريق، ووضع المصالح الاقتصادية العليا للبلاد فوق كل اعتبار دون تهميش الجانب الاجتماعي.
مقاومة التهرب الضريبي ومعالجة قضية الاقتصاد الموازي والعمل على تفعيل كل الآليات المتاحة لإعادة اندماج جزء كبير من الثروة في الدورة الاقتصادية الرسمية(32). ويمكن لهذا أن يتم عبر تفعيل المراقبة الحدودية وإنشاء مناطق حرَّة ورفع القيود الإدارية والبيروقراطية عن المستثمرين الشبان(33).
إن تجاوز الشعب الليبي لأزمته السياسية وعودة الاستقرار لهذا البلد سينعكس إيجابيًّا على الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي في تونس. ولا شكَّ في أن تأكيد الاتحاد الأوروبي عزمه الاستمرار في التعاون الوثيق مع حكومة الشاهد، سيمثِّل عاملًا مهمًّا لنجاح هذه الحكومة.
خاتمة
عرف مسار مبادرة تشكيل "حكومة الوحدة الوطنية" في تونس جدلًا واسعًا بين أغلب مكونات الطيف السياسي، ونظرًا لدقة المرحلة وخطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي على البلاد وتجربتها السياسية فقد حصل هذا التوافق الواسع بين المكونات السياسية والاجتماعية على مضمون "اتفاق قرطاج" ومساندة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الشاهد، وإن كان ذلك بشروط في انتظار أن تحقق هذه الحكومة الاستقرار السياسي والأمني؛ ذلك أن تجاوز كل التحديات يتطلَّب عملًا دؤوبًا تشترك فيه كل منظمات المجتمع المدني والمجتمع السياسي.
مركز الجزيرة للدراسات
* د. عبد اللطيف الحناشي: أستاذ التاريخ المعاصر والآني بالجامعة التونسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.