اتهمت "الهيئة الوطنية للمحامين" في تونس، وزير العدل نور الدين البحيري ب"خرق مبادئ القانون"، وذلك على خلفية قراره بعزل 82 قاضيًا من مواقعهم بداية من السبت 26 مايو الحالي، فيما قالت الهياكل الممثلة للقضاة، إن" الجهة الوحيدة التي يمكنها إصدار مثل هذه القرارات هي رئاسة الحكومة"، فيما اعتبرت وزارة العدل أن القرار يأتي في إطار "استرجاع ثقة العامة في المنظومة القضائية، ووضع حد لآثار وإفرازات نظام الاستبداد والفساد". ونشرت "هيئة المحامين" بيانًا بعد صدور أمر الإعفاء مباشرة، قالت فيه:" مثل هذه المبادرة تتضمن خرقا واضحا لمبادئ القانون، ما من شأنه الإضرار بالوحدة المفترضة والمطلوبة لإنهاء الفترة الانتقالية بنجاح، استنادًا إلى آليات أساسها التشاور والتوافق". بدوره قال رئيس "المرصد التونسي لاستقلال القضاء" أحمد الرحموني، إن "التيار المستقّل في الجهاز القضائي كان من أوّل من نادى بالتطهير، وكنّا ضدّ بيان وزارة العدل الذي نفت فيه مؤخّرا وجود فساد في الجهاز القضائي للدولة". وأوضح الرحموني: "هذا القرار كان مفاجئا، ونحن نستغرب أن يصدر من قِبل وزير العدل في حين أنه كان من المفروض صدوره عن رئيس الحكومة"، لافتًا إلى أنه "لا يوجد حسب القانون الأساسي للقضاة ما ينص على أن قرار الإعفاء يصدر عن طريق وزير العدل، وإنما يصدر بمقتضى أمر من رئيس الحكومة، وذلك تطبيقا لمقتضيات القانون المنظّم للسلطات العمومية، والذي أحال اختصاص رئيس الجمهورية في قرار الإعفاء إلى رئيس الحكومة". وشدّد الرحموني، على أن "القضاة لا يعلمون قائمة المعزولين، لكن يجب الإشارة إلى أنّ حالات الإعفاء هي حالات فردية ولا يمكن أن تتمّ بطريقة جماعية"، مبيّنا أنّه "من الضروري أن تكون قرارات الإعفاء مستندة إلى مسببات". من جانبها قالت أول رئيس لنقابة القضاة التونسيين روضة العبيدي إن:"هذا الإجراء باغت الوسط القضائي"، معبرة عن رفضها ما أسمته "آلية الإعفاء التي لا تخول فتح ملفات الفساد لمن خالف القانون كما لا تخول من تم إعفاؤه من مهمة الدفاع عن نفسه مثل أي مواطن تنسب له أفعال مخالفة للقانون". وأوضحت العبيدي، أنّ "قرار الإعفاء من المفروض أن يكون مبنيا على أساس نسبة جرائم مالية أو أخلاقية لمن تم إعفاؤهم، وفي هذه الحال، لا بد أن يُحال هؤلاء الأشخاص على التحقيق لفتح ملفات بشأنهم مثلهم مثل أي مواطن تونسي، إلى جانب توفير سبل الدفاع لهم"، مضيفة:" أما إذا نسبت لهم إخلالات مهنية ففي هذه الحال تتم إحالتهم إلى مجلس التأديب". من جانب آخر أعربت رئيسة "جمعية القضاة التونسيين" كلثوم كنّو عن خشيتها من أن يشكل القرار حلقة من حلقات "الحياد بمسار الجهود الرامية إلى ضمان استقلالية القضاء". وقد قالت وزارة العدل في بيان لها إنّ "قرار الإعفاء جاء عملا بأحكام الفصل 44 من القانون رقم 29 لسنة 1967، المتعلق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة دون أن يمنع ذلك من إحالة بعض الملفات إلى القضاء متى توفرت في حق المعنيين شروط ذلك". وعللت الوزارة قرارها بكونه يأتي "انطلاقا من حرصها على مواصلة تحقيق برنامج إصلاح المنظومة القضائية"، مؤكدة أن "إعلاء مكانة السلطة القضائية وتحقيق استقلاليتها واسترجاع ثقة العامة فيها يحتاج إلى وضع حد لآثار وإفرازات نظام الاستبداد والفساد، وذلك برد الاعتبار للقضاة الشرفاء الذين عانوا من الظلم والإقصاء والتهميش ومساءلة المشتبه في ارتكابهم تجاوزات أخلت بحسن سير المرفق وشرف القضاء ومست من اعتباره ومكانته". وقالت الوزارة: "بعد أن ثبت بما لا يدع مجالا للشك وبعد أبحاث مستفيضة أن هناك من تمادى وللأسف الشديد في الخطأ، وتجاهل ما وهبته له الثورة من فرصة لمراجعة نفسه أضحى من الضروري إنهاء هذا الوضع الشاذ ووضع حد لكل ما يمكن أن يمس من شرف القضاء وهيبته ونزاهته ويضع مصداقية القضاة ومؤسسات الدولة بصفة عامة موضع شك وريبة". وأضافت الوزارة في بيانها:"إن وزارة العدل إذ تنتهز الفرصة لتحيي كل القضاة والمحامين ومساعدي القضاء الشرفاء الذين كانوا وما زالوا عنوان العطاء والتضحية من أجل تونس، فإنها تؤكد التزامها بالعمل مع كل ذوي العزائم الصادقة من أجل بناء سلطة قضائية مستقلة تحمي الحقوق والحريات، وتضمن علوية القانون، كما تتعهد بالتصدي بكل موضوعية بعيدا عن كل الحسابات لكل مظاهر الزيغ والانحراف".