في سنة 2011 انفجرت ظاهرة ما يعرف بالحرائق ذات الطابع "الإجرامي" وهي من علامات فقدان الدولة لسلطتها، وقد توصّل أعوان الغابات خلال سنة 2012 إلى استنتاجٍ أكثر خطورة وهو تفاقم عدد هذه الحرائق. قامت الإدارة العامة للغابات بالإحصائيات اللازمة بعد صيف مشحون وقد تبيّن حسب الإحصائيات الأولية التي تمكنّا من الحصول عليها أنّ عدد الحرائق بلغ 300 حريق أتت على مساحة تفوق 2000 هكتار. وقد توزعت هذه الحرائق حسب أهميتها على ولاية جندوبةسليانة والكاف وباجة. تجدر الاشارة إلى أنّ أهم الحرائق التي تم تسجيلها خلال الصائفة الفارطة حريقين تسرّبا بفعل الرياح من الغابات الجزائرية. و في إطار المقارنة مع ما تمّ تسجيله خلال موسم 2011 (موفّى 31 أكتوبر) والمتمثل في نشوب 155 حريق أتت على 1700 هكتار ، فإنّ عدد الحرائق خلال سنة 2012 قد تضاعف مع العلم أن المعدل الذي تم تسجيله خلال العشريّة الفارطة في حدود 140 حريق على مساحة 1400 هكتار. و في هذا السياق، أوضح السيد الصحبي بالضياف مهندس اول بالإدارة العامة للغابات أن سنة 2012 سنة ممطرة وبالتالي فإنّ الموازنة المائية للغابات تكون مرتفعة وهو ما يفترض انخفاضا في عدد الحرائق. من ناحية أخرى، إِذَا اعتبرنا أن 60 بالمائة من الحرائق في تونس تصنَّف ضمن الحرائق مجهولة الأسباب فإنّ أعوان الغابات خلال هذه الصائفة لهم أكثر من سبب للاشتباه في الصبغة "الإجرامية" فقد تمّ الاعتداء على بعض رؤساء مراكز الغابات أثناء تدخلهم لإطفاء الحرائق كما تمّ في بعض الأحيان تعطيل تدّخل شاحنات الإطفاء من طرف بعض المجموعات إضافة إلى تتالي نشوب نفس الحريق في عدّة مناطق متفرّقة دون أن يتمّ التوصل إلى الفاعل الحقيقي نظرا إلى صعوبة التحقيقات التي تتمّ في الغرض ويتوقّع مهندسوا الغابات أن 4 من 5 حرائق قد تكون بفعل فاعل". لو أخذنا مثال حريق "عين يونس"، يقول السيد سمير بالحاج صالح، كاهية مدير المحافظة على الغابات، الذي نشب في بداية شهر أوت المنقضي (2012) والذي تمّت السيطرة عليه إلاّ أنه اندلع عدّة مرات أخرى واستمرت عمليات إطفاءه أسبوعا كاملا فإن الصبغة الإجرامية مفروغ منها، إلاّ أنه يستحيل توجيه اتهامات للأشخاص معينين خاصة وأن حراس الغابات امتنعوا عن الإدلاء بأيّة شهادات خوفا ممّا قد ينجرّ عن ذلك من تداعيات. كما أن أعوان الغابات ليست لهم الصّلاحيات لتعميق الأبحاث والذي يبقى من اختصاص الشرطة والحرس الوطني. و يكمن الإشكال حسب الملاحظين في التباطئ الذي يعرفه سير الأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع والتي لم تؤدي في أغلب الأحيان إلى العثور على الفاعل الحقيقي. أمّا فيما يتعلّق بوزارة الداخلية فإن جميع المحاولات التي قمنا بها للحصول على بعض الإحصائيات المتعلقة بجرائم حرق الغابات فإنها لم تؤدي إلى أي نتيجة. ومثلما تمّت الإشارة إليه آنفا، فإنّ الأعمال الإجرامية التي تلحق بالغابات والتي عرفت تزايدا كبيرا، لها خلفيّات وأهداف اقتصادية وهي في أغلب الأحيان تُرْتَكَبُ من طرف أصحاب ووَرثة العقارات الخاضعة لنظام الغابات والتي لا يمكنهم استغلالها في البناء أو في الفلاحة ويريدون بذلك إجبار الإدارة التخلي عن هذه الأراضي أو تجريفها أو تكسيرها بصفة عشوائية أو بحرقها. وتتعرّض الغابات الساحليّة إلى أهم الاعتداءات وأخطرها نظرا لكونها محاذية لمناطق سياحية مهمّة وبالتالي فإنّ التهديدات التي تعرفها الغابات التونسية كبيرة وقد تؤدي إلى اندثارها في صورة عدم قدرة الإدارة على فرض القانون خاصة وأنّ أعوان الغابات يؤكّدون أن إعادة إحياء الغابة وإرجاعها إلى حالتها الطبيعية يتطلّب ما بين ال 70 و ال100 سنة، كما أنّ الأنظمة البيئيّة لعدّة مناطق طبيعيّة أصبحت مهدّدة إمّا بزحف الكُثبان الرّملية أو باختلال التوازن المائي الذي تساهم المنظومات الغابية في المحافظة عليه.