في هذه اللحظة التاريخية، وبعد انتفاضة دامت أقلّ من شهر، انطلقت بشرارة قدحها محمّد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر 2010، رحل الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، بعد أن واجه انتفاضة شعبه السلميّة بالرصاص الحيّ الذي أطلق على الصدور العارية والمواطنين العزّل وبعد أن أحرق عددا من المحتجّين اجسادهم وانتحر البعض الآخر بصعق أنفسهم وبأشكال أخرى من الانتحار الاحتجاجي على القهر والظلم. فبعد الخطاب الذي وصفه الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بالتاريخي ليلة الثالث عشر من جانفي الماضية، أعلن بن علي إقالة الحكومة وذلك على إثر خروج مئات الآلاف من المتظاهرين ضدّ بن علي يطالبون بإقالته ومحاسبته في عديد مدن البلاد، الأمر الذي دفعه إلى الفرار حسب مصادر رسمية أفادت أن طائرته مرت فوق مالطة في اتجاه الشمال وعلى الأرجح فرنسا،و التي أعلنت مصادر إعلامية أن ساركوزي رفض استقباله في باريس مما اضطره للاتجاه نحو إحدى الدول الخليجية يرجح أن تكون الإمارات العربية المتحدة أو العربية السعودية في حين أفادت مصادر إعلامية أن أفرادا من عائلة الطرابلسي قد وقع إيقافها. ولم يخف المراقبون تخوّفهم من الالتفاف على ما وصف بالإنجاز التاريخي لإرادة الشعب التونسي، وذلك بناء على بلاغ الوزير الأول الذي تولى الحكم بموجب الفصل 56 من الدستور الذي لا ينصّ على التعذّر النهائي لرئيس الدولة عن القيام بمهامه وإنما على التعذّر المؤقّت مما يؤشّر إلى إمكانية عودة بن علي بعد أن تستقر الأوضاع، كما أن هذا الفصل يضمن حسب خبراء القانون الحصانة لبن علي من المحاكمة. ويزيد من مخاوف المعارضين والنشطاء ما رافق هذا الإعلان من إجراءات حظر جولان منذ الخامسة مساء حتى الخامسة صباحا وحضر التجمّعات لأكثر من 3 والسماح لقوّات القمع بإطلاق النار على المواطنين في حالة عدم الامتثال لأمر التوقّع. وكانت معطيات واردة من مختلف الجهات أفادت أن عصابات النهب تشكّلت من مجرمين سابقين ومن مساجين وقع تسريحهم يوم الخميس من بعض السجون وأنها تهاجم البيوت وتقوم بعمليّات النهب والسلب. ويرى المراقبون أن وجود عبد الله القلال وزير الداخلية السابق ورئيس مجلس المستشارين الذي عرف خلال فترة توليه الوزارة بقمعه الشديد وتقتيله للمعارضين، مؤشّر سيّء. كما يخشى المراقبون أن يقوم الغنوشي بالالتفاف على إرادة الشعب بشكل أو بآخر خاصّة وأنه لم يقدّم أي بوادر لإعادة الثقة إلى الشارع التونسي. وكان عشرات الآلاف من الجماهير خرجت للشوارع واعتصمت أمام المقرّات السياديّة للمطالبة بمحاربة بن علي. وفي الوقت الذي حاولت مليشيات الحزب الحاكم الاعتداء على التحرك الاحتجاجي السلمي وعلى من ساهموا فيه، وبعد سقوط عشرات الضحايا، أفادت مصادر مطّلعة أن بعضهم بلغ عددهم في العاصمة وحدها حسب مصادر مطّلعة 18 اليوم، بعد أن واصل رصاص القمع حصد الأرواح، وبعد أن تمسّك المتظاهرون بسلمية تظاهرهم في الوقت الذي واصلت ميليشيات الحزب الحاكم نهبها للمتلكات العامة والخاصّة واعتداءها على المتظاهرين والمعتصمين في حماية قوّات البوليس كما حدث في صفاقس، راجت أنباء متقاطعة ومتواترة عن فرار بن علي وعائلته وأصهاره خارج تونس، وأعلن الجيش حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية وحرم التونسيّون من حقّهم في التظاهر السلمي بعد أن ناضلوا لأجل هذا الحق وقدّموا شهداء يتجاوز عددهم المائة حسب بعض التقديرات خلال الأحداث الأخيرة. وكان مئات الآلاف من المتظاهرين قد خرجوا في كلّ أنحاء البلاد للمطالبة بسقوط الديكتاتور بن علي وعصابته، ففي تونس اعتصم جمهور بلغ حسب بعض التقديرات بمائتي ألف أمام وزارة الداخلية للمطالبة برحيل الدكتاتور وفي صفاقس خرج عشرات الآلاف من المواطنين في مسيرات جماهيرية حاشدة لرفع نفس المطالب قبل أن يعتصموا أمام مقرّ الولاية، ولم تشهد في صفاقس حالات تجاوز أو اعتداء من قبل المحتجّين المعتصمين أمام الولاية بل قام المتظاهرون بحماية السيارات التي كانت تمرّ بكلّ أمان وبحماية الممتلكات ومنع كلّ تجاوز، في غياب كلي لقوّات الامن في حين انتشرت في بقيّة أرجاء المدينة عصابات النهب المنظّمة التابعة للحزب الحاكم. وفي المنستير شهدت المدينة مسيرة حاشدة ضمت عاملي الصحة و المحامين وانظم إليها المواطنون رفعوا فيها شعارات تندد بكذب بن علي و تطالبه بالرحيل و قد جابت المسيرة الشوارع الرئيسية للمدينة انطلاقا من المستشفى الجهوي فطومة بورقيبة. من جهة أخرى تواصلت عمليات التخريب و النهب في كل أنحاء الولاية حيث تم إحراق مركز الأمن و منع المواطنون المحتجين من تدمير المراكز العمومية والممتلكات الخاصة ، وفي مدينة بنبلة و جمال و قصيبة و الساحلين تواصلت أعمال نهب مماثلة ما زالت متواصلة رغم إعلان حالة الطوارئ و قد سمع إطلاق نار متفرق كما شهدت ولاية قفصة مسيرة شعبية جابت الطرق الرئيسية لوسط مدينة قفصة كانت انطلاقتها من أمام مقر الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة المسيرة التي كانت سلمية تخللتها مناوشات مع اعوان الامن المرابطين امام مقر منطقة الشرطة مدججين بالسلاح. المشاركون في المسيرة كانت لهم وقفات عديدة أمام مقرات الولاية والمحكمة الابتدائية واذاعة قفصة وقد ردد المتظاهرين شعارات تطالب بضرورة تنحي بنعلي. وقد شهدت مدينة سوسة منذ الصباح الباكر مسيرة حاشدة لأعوان و إطارات الصحة التحمت بمسيرة قادها المحامون و انظم إليها ألاف المواطنون وجابوا عددا من الشوارع الرئيسية ثم اعتصموا أمام مقر ولاية سوسة و أمام تهديدهم باستعمال الرصاص واصل المحتجون مسيرتهم في شوارع سوسة منادين برحيل بن علي و مطالبين بمحاسبة سارقي أموال الشعب. وقد استعملت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع بكثافة. ومباشرة إثر إعلان الغنّوشي توليه الرئاسة بالنيابة انتشرت عصابات نهب في أغلب المدن تقتحم البيوت والمحلاّت وتروّع المواطنين من جهة، في حين خرجت عديد المسيرات الاحتجاجية في البلاد ترفض ما وصفته بالانقلاب على إرادة الشعب من قبل الفريق الحاكم. وحسب آخر الأنباء التي وصلت أثناء إعداد النشرة فإن المواطنين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا على ما اعتبروه غدرا بانتفاضتهم وبإرادتهم في العاصمة التونسيّة، وقالت ذات المصادر أن صوت الرصاص قد سمع في حيّ الخضراء وفي وسط العاصمة. في حين أحرق الجمهور الغاضب مراكز أمن وحرس بقابس حيث وبعد الإعلان مباشرة عن مغادرة الرئيس بن علي البلاد وتعيين الوزير الأول "محمد الغنوشي" رئيسا مؤقتا للبلاد خرج آلاف المواطنين في قابس إلى الشوارع رغم إعلان حالة الطوارئ ورفعوا شعارات طالبت بضرورة تنحي كل أفراد مجموعة بن علي عن الحكم ومحاسبة أصهاره و تزامنت هذه الشعارات مع قيام مجموعات غريبة عن المدينة بحرق إقليمي الشرطة والحرس والمركز التجاري "ياتو" وذكر شهود عيان لراديو كلمة أنه لا يوجد أي أثر لعناصر الشرطة والجيش منتشر بكثافة في المدينة مع محاولة تهدئة المواطنين دون تنفيذ إجراءات خرق حالة الطوارئ ضد المواطنين . وفي سوسة سجّلت حالات نهب و تخريب تقوم بها عصابات نهب و تخريب غريبة وقد تم إحراق عدد من المنشات في مدينة حمام سوسة مسقط رأس الرئيس السابق. وتستمعون إلى مراسلة من الناشط رياض الحوار. وفي قفصة، قال مراسلنا أن أعيرة نارية أطلقت في منطقة لالة وكانت مسيرة احتجاجية قادها المحامون رغم حظر الجولان للاحتجاج على انقلاب الغنوشي على إرادة الشعب، انفلت عقالها وقام بعض المحتجّين بحرق مركز أمن. وتستمعون إلى الحوار الذي أجريناه مع مراسلنا هناك. أمّا في صفاقس فقد تلقينا أنباء مؤكّدة أن عصابات النهب تجوّل ليلا في الشوارع الكبرى، في حين سمع السكان صوت إطلاق نار في كل من منطقة الناصرية وحيّ الحدائق أين نزل الناس يحتجّون على قرار الغنوشي ومنزل شاكر. ومن المؤكّد أن حالة الاحتجاج على قرار الغنوشي الملتفّ على إرادة الجماهير شهدتها عديد مناطق الجمهورية، غير أنه من المتعذّر حاليّا في ظلّ حظر الجولان والواقع الأمني المنفلت التحرّي من الأنباء المتواترة من كلّ الجهات.