لو تحرّك الإعلام التونسي ضدّ بن علي مثلما تحرّك ضدّ حكومة الشعب والشرعيّة منذ إعلان نتائج انتخابات أكتوبر لسقط الطاغية في أشهره الأولى وما كان له أن يتجاوز جانفي 1988 لكنّه إعلام مبرمج على عداء الشعب وقد كان وفيّا لذلك حيث ساند الجنرال وناصب العداء للثورة ولما انتصر الشعب وانتخب قياداته ساند الفلول ودخل في عداوة طاحنة مع الإرادة والشرعيّة. سؤال يفتعل الحيرة وجوابه في غاية الوضوح ما فتئت تطرحه عقليّات ظنّت أنّها احتكرت المعلومة وأطبقت عليها إلى الأبد حتى برز لها مارد يمتص الأخبار من فرنها، مارد ترك الإعلام الحداثي يقتات على "البايت" ، سؤال يتسكّع فوق منابر إعلاميّة "تايوان" مفاده "من أين جاء هذا الفايس بوك الإمبريالي وما علاقته بإعلامنا "الوتنيييي".
سؤال مفتعل ومحشو بمخلّفات الهزيمة، سؤال منبعث من عقليّات لا هي جافّة ولا مبتلّة.. عقليّات "ضربتها الندوة وعشش فيها الروماتيزم"، سؤال تطرحه فلول ما فتأت تتجمّع من أجل تخليق المشاكل وخلق فرص أوفر للفشل، فلول قادها استنتاجها إلى أنّ نجاحها لا يمكن أن يمرّ عبر بوابة الجماهير، إنّما وكخيار وحيد يمرّ عبر زراعة الفشل السقوي وليس البعلي، المزيد من البطالة، المزيد من ترحيل المصانع والرساميل بعيدا عن هنا، المزيد من التبرّع بالاستثمار إلى دول الجوار، المزيد من الفقر، المزيد من الاعتصامات العابرة للوطن والقاطعة للطرقات والحارقة للمؤسسات..
إنّ المشروع النموذجي للفلول يستهدف تشويه وتسويد وطمس ثلاث محطات رئيسيّة وهامّة في تاريخ تونس وهي17 - 14 و 23 لابد للشعب من الندم على هذه المحطّات وعليه أن يصل إلى اليوم الذي يعضّ فيه يده على ما اقترفته في حقّ الجنرال، مخططا تعدّه "تملس فيه" الفلول عنوانه الكبير إعادة الدفء لعلاقة الشعب بشهر نوفمبر ثم اختصار السنة في تسعة شهور وشطب ديسمبر وجانفي وأكتوبر، هذه الشهور الحمقاء يجب أن تختفي من التقويم لأنّها ساعدت البدو على الوصول إلى سدّة الحكم.
هذا إعلام وذاك إعلام، يتقاسمان القليل ويختلفان في الكثير والقاسم المشترك بينهما بين الفايس بوك والإعلام الحداثي هو أنّ كلاهما سبّب أرقا لفرنسيي الدرجة الثانية فمشكلة هؤلاء مع الإعلام المحدث هي عجزهم على حصر تزكياته ومناشداته وحصر محاولاته المتكررة والفاشلة لإسناد الجنرال المخلوع بعد أن رفض الجيش الوطني القيام بهذهالمهمّة القذرة، كما أنّ كلاهما نزل إلى الميدان واشتغل بهمّة خلال الأيام العشرة الحاسمة لمداولات الثورة حيث كان الفايس بوك حاضرا لتزكية الدم المسفوح وتثمينه والإشادة بطهره وكان الإعلام الحداثي حاضرا لتلويثه وطمسه والتشكيك في طهارة الجسد النازف منه، كان الفايس بوك يوقّع على الدم بعبارة الشهادة، وكان إعلام الفلول يوقّع بعبارة الخيانة.
أما مشكلتهم مع الفيسبوك فهي عجزهم عن فهم مسيرته الإعلاميّة وما حقق خلالها من إشعاع ، وكيف نجا من محرقة السابع من نوفمبر، وكيف تمكّن من العيش بسويعات يقتطعها الطلبة من دراستهم ومراجعاتهم يعرون فيها إعلاما ضخما محشوا بالحوافز والمنح والأوراق النقديّة السميكة، يتقبّلون عائدات عمالتهم ويتلهفون لعمولتهم القادمة، أقلام تعيش على آلام الشعوب وتتفنن في تثبيت مصاص الدم وتفتح له ثغرات أخرى في الجسم كي يرضي شراهته التي لا ترضى.
"فايسبوكيون" يثيرون حيرة البعض في حين أنّ الأمر غير معقد ولا يتطلّب الشروحات المطوّلة، فبعودة سريعة إلى شروط النمو السليم سنتمكّن من بناء المشهد بسلاسة، وإذا ما استدعينا بدايات هؤلاء الشباب سنجد أنّها طبيعيّة واضحة معالمها بائنة حقباتها، فالفايسبوكيين انخرطوا في هذا الفضاء الاجتماعي بتلقائية ثم رتّبت المحن أفكارهم وهذّبت وعاءهم المطلبي ووجدوا أنفسهم أمام شعب تونسيّ نوعيّته من العيار الثقيل، ووجد الشعب أمامه فتيّة أحسنت الرغبة الجامحة للانعتاق تأهيلهم، وقصرت عليهم مسافة الطريق حيث جنّبتهم اللمم الإعلامي ونزّهتهم عن المغالبات الفكريّة الفلكلوريّة، ودفعتهم قُدما لطلب الأفضل والأجدى فبرزت فيهم خصائص البساطة الفاعلة والمُجدية، شباب أحسنوا الطلب وتجنّبوا في تحصيلهم النضالي التكسّر والانثناء وذهبوا قُدما لطلب رأس الطاغية.
وما اللغط الحداثي المشكّك في أداء الفايسبوكيين إلا تعلّات لقيطة مُلقحة على عجل تولّدت من عقول عزباء مشت به وهجّنته وسائل إعلامها، فالفلول التي عاشت متدليّة بين الانتهازيّة الفرنسيّة وإتاوات التحوّل اللذيذة تربى عقلها على القناعة والعفاف، اقتنعت بما قسمه لها الديكتاتور وعفّت لسانها عن الغيبة والنميمة في مسيرة الجنرال وحاشيته، هذه الفلول المشوّهة المخ المنغوليّة المخيخ التي تربّت على مقايضة مساحة الفعل بالتغطية على الجرائم أو المشاركة فيها مازالت تتجاهل وباستمرار أنّ ما حصدته بفضل سياسة خذ وهات مع الجنرال هو نجاح مشوّه أبطل الشعب مفعوله في أول استشارة نزيهة له، وأنّ ما تلبّس عقلها من أنّ النجاح مرادف أزلي للاستسلام والتزلّف هو مجانب مجافٍ للصواب، لأنّ النجاح الحقيقي المستوفي لشروطه هو ذلك الذي حافظ على مكانه في الزحام بين الناس.. بين السواد.. بين الجماهير.. بين الغاشي..
الفلول التي هضمها بن علي واستوعبتها حاشيته وبعد أن تورّطت معه ثم بعد أن أفجعتها الثورة باقتلاعه تحاول اليوم تغيير العديد من المفاهيم وإعادة التسمية وحتى إعادة الترقيم، المهمّ التعتيم وطمس العناوين المؤدية للمفاهيم المتعارف عليها التي قادت ثوّار السنوات الطوال إلى القصبة وقرطاج، فالثورة والسجن والتعذيب والرفض والمغالبة والصبر والثبات والشهادة كلها أسماء خطيرة على الفلول يجب إنهاء صلاحيتها وسحبها فورا من سوق السّياسة واستبدالها بمواصفات تحتكرها مجموعات "العبرة بالمشاركة" هذه المجموعات التي تتعهد الشعب بشطحاتها وما إن تتجشأ شطحة حتى ترادفها بأخرى نذكر أنّها ولمّا مرّت في الأسابيع الأخيرة بفراغ وقلّ منتوجها من تفريخ الإشاعات ادعت أنّها اكتشفت مبطلا من مبطلات التوزير وناقضا من نواقض وزارات السيادة وأخذت الأمر بيدها وتحمّلت مسؤوليّاتها التاريخيّة ورفضت التكتّم وتحت شعار "لا صمت بعد اليوم" ألقت الخبر الصاعقة وأعلنت للشعب التونسي متوكلة على الإليزيه " أنّ رفيق عبدالسلام لا يتقن الفرنسيّة جيدا"... ألم نقل أنّها "شلّة" متغربة تعلّق قلبها بفرنسا تلك التي استهجنتهم واستكثرت عليهم شرف الانتماء لها وبعد ان "بيدقتهم" "حلستهم" إلى مستوى مواطنين درجة ثانية.. ومهما تكن درجاتهم هناك فنحن اليوم هنا أمام دولة فتيّة تواجهها فلول مصابة بتخمة الشر المعتّق.. في تونسنا نخبة شريفة جدا غمها الشرف وشرقت به رأسمالها كرامتها تحالفت مع "تلافز" عفيفات عرضهم نظيف "بنات فاميليا" 100% ماثماش كلام.