يعتبر شارع الحمراء الشهير في العاصمة اللبنانية بيروت واحدا من أبرز الشوارع التي تختزن ذاكرة كبيرة لدى اللبنانيين عامة والعرب خاصة. فهذا الشارع كان قبل فترة إندلاع الحرب الأهلية، وحتى خلالها وبعدها مقصدا للمثقفين والكتاب والشعراء وكبار الإعلاميين الذين يلتقون في مقاهيه العديدة والشهيرة كالمودكا والويمبي والهورس شو…أو يجتمعون في المنتديات الثقافية والفنية المنتشرة على أطرافه؛ إضافة إلى وجود غالبية دور السينما والمسرح التي اختفت في زماننا وتحولت إلى محلات تجارية ومطاعم "فاست فوود" أو ما يعرف بالوجبات السريعة. شارع الحمراء شهد في شهر أيلول/ سبتمبر 1982 عملية عسكرية نوعية خلال الاجتياح الإسرائيلي؛ إذ أقدم خالد علوان أحد كوادر الحزب القومي السوري الاجتماعي على إطلاق النار على ضابط اسرائيلي و جنود وارداهم قتلى قبل أن يستشهد في عين المكان على أيدي باقي الفرقة الإسرائيلية. هذا الشارع الأثري التاريخي الذي غنت فيه النجمة فيروز في قصر البيكاديلي والذي لعب على خشبات مسارحه أهم الفنانين العرب والأجانب أصبح اليوم يئن ويشكو غياب ظاهرة الثقافة التي اندثرت بشكل عام في كل أرجاء الوطن، بعدما تحول الكثير منها إلى كتل مطاعم ومحلات تجارية وهو كان اصلا مقصدا للأثرياء العرب وخصوصا الخليجيين الذي يتبضعون منه كل موسم "ما لذ وطاب" من الماركات العالمية الفارهة والفاخرة. اليوم؛ وبعد الأحداث التي تشهدها البلاد من تداعيات الأزمة الاقتصادية بات هذا الموقع الشهير يعاني..فعندما تتجول في أروقته تلفت انتباهك المحلات التجارية المغلقة والواجهات الخالية وقد علقت عليها عبارة "للايجار" إذ أن غالبية التجار يعانون ضيق الحال وارتفاع باهظ في بدل الإيجارات ولاسيما بعد الصعود الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، الأوضاع باتت تنذر بأمور لا تحمد عقباها على طريقة المغني الشهير وائل كفوري في أغنية "لملم جراحك عالهدا"…هكذا يتنفس شارع الحمراء ما تبقى من الأوكسيجين إذ أن حياته الليلية لم تعد كما السابق والحركة شبه مشلولة ليلا ترقبا لأي طارئ أمني بعد موجة سابقة من تكسير المصارف والمحلات.. باختصار المشهد الأخير مؤلم كما حال البلد بشكل عام بإنتظار هبوط الفرج والإنفراج..