تونس (الشروق) تنام العاصمة التونسية باكرا ولا تسهر على غرار جل العواصم العالمية والمدن السياحية التي تعيش على وقع نشاط ليلي متواصل فتفتح المحلات التجارية والمطاعم ومقاهي وسائر الخدمات رغم انها كانت قبلة للأسر وسياح في السبعينات وكانت حركيتها مضربا للامثال. يأمل التونسي ان يرى عاصمة بلاده السياحية ليلا حية ومليئة بالحركية التجارية والثقافية والترفيهية على غرار ما عاشته خلال السنوات الخوالي والى حدود التسعينات. لكن ما ينغص عليه حلمه هو ان رواد العاصمة ليلا جلهم من السكارى والمنحرفين الذين لا يترددون في افتعال المشاكل والشجار. ولعل ما ساهم في هذا الوضع نوعية العروض التي تقدمها ملاهي العاصمة والتي تخلو في الغالب من الجانب الثقافي والفرجوي لتحل محله الرداءة والبذاءة. كما ان جل قاعات السينما اغلقت وتغير روادها بدورهم فلم تعد مقصدا للعائلات. بين الماضي والحاضر كل هذه العوامل جعلت العاصمة تنام باكرا ويحرم أهلها من ان تكون بها حركية على غرار العديد من البلدان السياحية الاخرى منها شارع الحمرا بلبنان الذي لم تنقطع حركيته ليلا حتى زمن الحرب وعدة مناطق في مصر لا تعرف النوم وفي دبي ومدن كثيرة أخرى تنشط بالليل أكثر من نشاطها في النهار. كان شارع الحبيب بورقيبة ليلا يعرف حركية لا تهدأ وتنتقل الاسر فيه بين قاعات الشاي والمقاهي والمطاعم ومحلات بيع الزهور والمثلجات والمرطبات لكن هذه الحركة شلت في السنوات الاخيرة بسبب تغير نوعية رواده من مثقفين ورجال أعمال وباحثين عن الفرجة والترفيه الى سكارى ومنحرفين وتحوّل ثقل الراغبين في السهر الى أحياء أخرى محروسة في الضواحي الشمالية. برنامج ترفيهي ويعتبر بعض الخبراء ان للإرهاب دور في تقليص اشعاع العاصمة وعزوف أهلها على السهر لكن في الحقيقة هناك عدة عوامل متداخلة لعلّ أقلها الارهاب فالتونسي اثبت انه يحب الحياة وكثيرا ما تحدى الارهاب لكن الاشكال في غياب البرامج الترفيهية وغياب الاجراءات التي تساهم في التشجيع على احياء العاصمة عبر فتح المتاجر والفضاءات الثقافية وتوفير الأمن والنقل. ولتنشيط السياحة وتقليص الضغط المسلط على التونسي يقترح عديد المراقبين ان يتم إحياء العاصمة ليلا من خلال فتح المقاهي والمطاعم ومحلات الصناعات التقليدية، وإرجاع حركة السوق التقليدية على غرار سوق الشاشية والبلاغجية وفضاءات الصناعات التقليدية. ويبدو أن وزير السياحة الجديد رينيه الطرابلسي يسير في هذا الاتجاه اذ وعد مؤخرا تجار المدينة بخلق حياة جديدة لانعاش الصناعات التقليدية وإعادة النبض الى قلب العاصمة. والجدير بالذكر أن الحرفيين استبشروا ببرنامج عمل جديد اقترحه عليهم الوزير يتمثل في تنشيط المدينة العتيقة ليلا من خلال فتح المطاعم والمقاهي والمحلات الصناعية التقليدية لا سيما في فترات الربيع والصيف. بالاضافة الى تنظيم التظاهرات الثقافية والسياحية على مدى كامل أيّام الأسبوع بما في ذلك الفترات المسائية. هوية يعتبر المختصون في علم الاجتماع ان غياب الحياة في المدن ظاهرة غير صحية ويعتبرون انه عندما يتوقّف فضاء عمراني عن الحياة المكثّفة فذلك يعني أنه فقد هويته بسبب عجز المؤسسات عن تطوير حركية المدن، وهو ما ينطبق على العاصمة التونسية التي لم تعد قادرة على تمكين اهلها من الترفيه عن النفس ومن المشاركة في الحياة الثقافية فحتى التظاهرات الثقافية على غرار ايام قرطاج السينمائية تم حصرها في مدينة الثقافة ولم تخلق حياة تذكر في قلب العاصمة. ولعل اكثر ما جعل التونسي منكمشا ولا يقبل بكثافة على السهر غرقه في مشاغله اليومية واللهث وراء وتوفير متطلبات العيش وتعليم الابناء...لكن كيف لتونس ان تنافس سائر الدول السياحية ومدنها الرئيسية بلا برامج ترفيهية وتنشيطية وكيف تفرض ذاتها وسط منافسة قوية من دول عديدة لا تنام. رضوان بن صالح مهني ورئيس سابق لجامعة النزل تغيّرت نوعية الحرفاء قال رضوان بن صالح مهني ورئيس سابق لجامعة النزل «صحيح ان تونس بلد سياحي لكن نسق الحياة تغير في عاصمتها فقد خرجت الحياة من قلب العاصمة الذي كان نابضا في السنوات القليلة الماضية الى بعض المناطق الراقية في الاحواز. اما الاسباب فهي امنية ولا نقصد بذلك العمليات الارهابية بل الجرائم والمشاكل التي تحدث ليلا بسبب العلب الليلية التي يغلب على جلها جانب الميوعة على حساب العروض الثقافية وكثيرا ما تستقطب هذه النوعية السيئة من العروض حرفاء من طالبي الجنس ومستهلكي الكحول والمخدرات وغيرها من الممنوعات وهو ما جعل نوعية الحرفاء تتغير عن السابق اذ كانت هناك في العاصمة فضاءات راقية منها مطاعم ومقاهي عائلية وترفيهية نذكر منها مقهى باريس وكانت النخبة ترتاد شارع الحبيب بورقيبة جلها من رجال الاعمال والمثقفين والموظفين اما اليوم فان كل الفئات ترتاد هذا الشارع وهو حق مشروع لكل مواطن لكن هذه الفئات ليس لها امكانيات لتحريك دور السينما والمطاعم والمقاهي ذات الكلفة الباهظة التي كانت منتصبة في قلب العاصمة وهو ما جعل جزءا هاما منها يضمحلّ وللإشارة لم تكن العاصمة فقط تسهر ليلا بل بعض المناطق الاخرى المتاخمة منها باب سويقة التي لقيت نفس المصير وكذلك المدن السياحية التي لا يجد السائح فيها برامج ترفيهية خارج النزل. ولإعادة احياء العاصمة والمدن السياحية يعتبر محدّثنا ان هناك عدة عراقيل تحول دون ذلك على رأسها الترتيبات الامنية والجانب المهني في تشغيل العمال في المتاجر ليلا وما يترتب عنه من حقوق نقابية للعاملين في القطاع وأضاف صحيح ان الامر ليس مستحيلا ففي بيروت لم يهدأ شارع الحمرا ولم يقف نبضه حتى خلال الحرب وهو ما يعني ان الارادة السياسية ان توفرت فسوف يتم تذليل الصعاب. ودعا محدّثنا الى تأهيل مكوّنات السياحة في تونس من نقل وحانات وفضاءات ترفيه ومحلات تجارية وتنشيطية.