تلك التي أسالت الكثير من الحبر ولا زالت إلى اليوم تمثل لغزا وهاجسا للكثيرين… الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه الحاكم بأمره والمقرب من الأمريكان ورفعت شعار "الموت لأمريكا الشيطان الأكبر" … الثورة التي تمكنت من تحويل البلد إلى قوة نووية… وأصبحت رقما صعبا في المعادلة الجيو إستراتيجية في المنطقة… الثورة التي أصبحت لها أطماع في التوسع على حساب المنطقة… بعد أن كشفت عن وجهها الطائفي البغيض…خاصة بعد أن تمكنت من التطبيع مع الغرب وبالذات مع شيطانه الأكبر.. والأكيد والمعروف لدى الجميع أن الأنظمة العربية برمتها توجست خيفة من هذه الثورة ومن تمدد شررها إلى داخل المنطقة…. منذ اندلاع شرارتها الأولى فوقفت منذ البدء موقفا عدائيا منها…خاصة أن كل الأنظمة العربية في المنطقة كانت تتبنى النهج الاستبدادي العلماني الشمولي- رغم ما كانت ترفعه من شعارات التقدمية والديمقراطية والحداثية …. والأكيد أنه كان على رأس تلك الأنظمة المعادية لتلك الثورة الدينية التي أعطت الحكم إلى أصحاب العمائم الأنظمة ذات المرجعية اليسارية أو القومية الاشتراكية أو العلمانية الأتاتوركية أو الملكية الإيديولوجية … فكل هذه الأنظمة كانت ترفض هيمنة رجال الدين على السلطة وترفض تدخل الدين في الشأن العام وترى أنه من المحرمات…فحسب رأي هؤلاء رجل الدين المهتم بالشأن العام ما هو إلا متاجر بالدين.. فالدين عندهم لا يجب أن يحكم الدولة بل على العكس من ذلك تماما فالدولة هي من يجب أن تحدد المجالات التي يمكن للدين أن يتحرك خلالها بعيدا عن السياسة والشأن العام وفقط في المربعات التي تحدده له السلطة. . . لقد كانت تيارات الإسلام السياسي أكبر كابوس ترتعد له فرائص الماسكين بالحكم في المنطقة.. لذلك جندت الأنظمة العربية على تنوعها إمكانيات ووسائل رهيبة لمحاربة الإسلام السياسي وبطبيعة الحال كانت محاربة النظام الأوتوقراطي في إيران على رأس أولويات تلك الأنظمة … إن الأنظمة العربية التي رفعت شعار التقدمية والحداثة خاصة بعد موجة التحرر والاستقلال التي عرفاها المنطقة العربية آن ذاك كانت ترى أن العودة إلى نظام الحكم الذي يعتمد على التشريع الديني والذي عرفته المنطقة طوال قرون ..رجعية وعودة إلى الماضي وسيرا في الاتجاه المعاكس للتطور البشري… وقد حاربت تلك الأنظمة كل الأحزاب التي حاولت التنظم على أساس ديني (خاصة إسلامي) وجعلت ذلك من المحرمات وقامت بمحاربة كل من يخالف ذلك القرار وعملت على بناء مجتمع علماني متحرر ينظر إلى الدين وأصحابه بريبة وازدراء… فرجل الدين أو الشخص المتدين إما أن يكون متاجرا بالدين.. أو مشعوذا أو جاهلا أو متخلفا أو إرهابيا…. هذه هي الصورة النمطية التي عملت الأنظمة طيلة النصف قرن الماضي على زرعها في عقول أجيال من المواطنين عبر المدارس ووسائل الإعلام وعبر المؤسسات والبرامج الثقافية …. ولكن وعند أول اختبار بعد موجة الثورات التي عرفتها المنطقة سقطت العديد من الأقنعة وبان زيف الكثير من مقولات تلك الأنظمة التي بانت حقيقتها الانتهازية الأنانية التي لا هم لها سوى البقاء في الحكم ولو بالتحالف مع الشيطان الذي كانت تدعو الناس إلى رجمه بالأمس ألا وهو الإسلام السياسي… فما نراه من تحالف بين حركة نداء تونس الحزب العلماني والذي أغلب قياداته من اليسار السياسي؟؟؟ (الذي وصل إلى الحكم من خلال تخويف الناس من شرور الإسلام السياسي ) مع حركة النهضة ذات المرجعية الدينية وما نراه من ارتماء للنظام السوري البعثي الاشتراكي التقدمي في أحظان النظام الإيراني الأوتوقراطي الصفوي الطائفي وما نراه من تعاظم لدور المليشيات الطائفية في العراق "الحشد الشعبي" بمباركة النظام إلا أكبر دليل على أن الجميع كان يتاجر بما يرفع من شعارات التقدمية والحداثة من أجل الفوز بمغانم الحكم لا غير…. إن ما نراه من تغلغل للنفوذ الإيراني الطائفي التوسعي في المنطقة وخاصة في سورياوالعراق وبطلب من الأنظمة التقدمية العلمانية الحداثية في هذين البلدين العربيين المحوريين وسط صمت رهيب يشيه صمت القبور من منظري تلك التيارات العلمانية التقدمية الداعمة والمدافعة عن تلك الأنظمة وخاصة في سوريا (والذين لم يكن لهم هم طيلة العقود الماضية سوى شتم وتحقير ومحاربة كل شكل من أشكال التدين وخاصة إن كان في المجال السياسي ) يكشف كل الكذب والنفاق والانتهازية التي يتعامل بها هؤلاء مع شعوب المنطقة…. فالتطام الإيراني الديني الطائفي التوسعي المعادي للمنطقة وشعوبها يصبح مرحبا به عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الحاكم المستبد الدكتاتوري من المحاسبة والمحاكمة ومن الإطاحة…. أما النظام صاحب المرجعية الدينية الذي انتخبه الشعب في مصر فإنه خطير وإرهابي ومجرم وكان لزوما العمل على الإطاحة به ؟؟؟ اليوم نظام أصحاب العمائم الإيراني الطائفي يحتل بقوة الفعل العديد من الأراضي والمناطق العربية من العراق إلى سوريا إلى اليمن إضافة إلى ولاء العديد من القوى السياسية والعسكرية في المنطقة لهذا النظام… وهذا بمباركة الأنظمة التقدمية الحداثية في المنطقة…. والغريب أن تلك الأنظمة تدعي أنها تقوم بكل ذلك لحماية شعوبها وأوطانها من غول الحكم الديني الإرهابي…. إيران تتغلغل وتتوسع بالمنطقة يوما بعد يوم بنظامها الطائفي الاستئصالي الإجرامي…. ونحت تهلل ونطبل لأنظمة الكذب والفساد التي أدت بنا إلى هذا الوضع الكارثي الذي تعيشه المنطقة… فمتى نفيق من أوهامنا ونرى الأمور على حقيقتها ونعرف أن كل الإيديولوجيات التي لا تجعل الإنسان وكرامته وحريته على أول درجة من سلم أولويتها إنما تبيع الأوهام مهما كانت شعاراتها وخلفياتها براقة ورنانة… عبد العزيز الرباعي