طارق أيوب ماذا عسانا نقول لك في زمننا الرمادي ، ماذا يمكن لنا أن نضيف لك في زمننا الدموي وعصرنا الفوضوي… ماذا نستطيع أن نكتب لك هنا في زمننا العبثي، في زمننا القهري… طارق أيوب ماذا يمكننا أن نسجّل في أعمدتنا المتناثرة هنا وهناك في جغرافيا الوجع العربي، وفي مساحات عطبنا الفكري… فكل أحاديثنا بلا معنى وكل أشيائنا بلا رائحة، سوى رائحة النهب الحضاري والاجتياح البربري… ماذا عسانا نقول حين تتهاوى إيديولوجيات التوحّد العربي، وتسقط كل شعارات ومقولات التغنّي بأحزاب البعث، والانبعاث والنهوض وكل الرسوم التي تحيلنا على الانسداد العربي… طارق أيوب ماذا نحكي لك هنا وبأي الكلمات نكتب عن واقعنا الفوضوي… لم تعد نصوصنا قادرة على فكّ اشتباكنا النفسي، لم تعد بلاغة الخطب تبدّد غضبنا الأبدي… طارق أيوب ماذا نقول لك حين يصبح فنّ الميكروفون عنوان اللحظة، وتصبح تحاليلنا تقديراتنا حواراتنا وكل برامجنا شطب ولكمة… كنت طارق تحمل على كتفك كاميرا المحنة، وبين يديك ميكروفونا يلتقط الأحداث جملة بجملة…. كنت تقبض بيديك على مجامر الكلمة، لتنقل لنا كل التصريحات كل الأقوال كل الصور وكل فصول المظلمة… ثم كانت أعمارنا رحلة تنقل تاريخنا ألف نقلة، ليختلط الحزن بعطش الفرات ودماء دجلة… كنت يا طارق تطرق بيوتنا في اليوم والليلة، لتكشف لنا بشاعة الاجتياح وكل عنوانين الحرية المدمّرة، وكنت تخبرنا لحظة بلحظة عن بشاعة المجزرة… فماذا نقول لك وكل أحاديثنا صارت بلا جدوى، وكل تصريحاتنا اكتشفنا بعد سقوط بغداد أنها كانت فصولا مزوّرة… قد تكون يا طارق وأنت تحمل همومنا المصوّرة، لم تكتشف بعد أننا احترفنا بيع أسلحتنا في أسواق المعركة، لتسقط بغداد دون مقاومة ودون حركة، لنجد أنفسنا من جديد مصابين بمليون نكبة… فماذا نقول وأي معنى للحديث بعد هذه الزلزلة… قد كنت يا طارق تنقل الحديث ما بين الرصاص والقنبلة، وكنا نلتقط صوتك بين السهر الطويل، بين النعاس والأحلام واليقظة، ونتابع مشاهد كل تلك الصور المرعبة… ثم كانت أعمارنا رحلة تنقل تواريخنا ألف نكسة، لنجد عيوننا تتلاطم في صحاري أحلامنا المقفرة… طارق أيوب هل كنت مثلنا لا تدري، كما نحن لا نعرف تفاصيل المزاد ولا صفقات بيع دروعنا ومتاحفنا وكتبنا ونهب ثقافتنا المزدهرة… كنت يا طارق تفرّجنا على أجسادنا وهي عارية مبعثرة، لم تستطع أن تكسوها جيوشنا المنتشرة ولا أسلحتنا المكدّسة.. أكيد يا طارق وأنت في ساحة المعركة، كنت تحلم كما نحلم نحن بأن لا يفرّ الفرسان من ساحة المعركة، وأن لا يبيعون دروعهم مهما كانت الوعود مغرية… لا شك يا طارق وأنت هناك تقتنص الخبر والجملة، كنت تعرف مأساة أولئك الشباب الذين غادروا أوطانهم والتحقوا بالمعركة، أولئك الذين قدّموا أرواحهم فدية لعراق الحضارات، بيد أنهم طعنوا من الخلف ألف طعنة… ثم كان العمر رحلة ينقل أحلامنا المتضررة في متاحف الهزائم المتكررة… طارق أيوب لا شك أن صوتك أزعج كل القنابل المدويّة، وكان أبلغ من ضرب الرصاص ومن الصواريخ المدمّرة، فقد كنت يا طارق ولا زلت ملتصقا بروح التاريخ المنتفضة، ورغم إلغائك عمدا من المعركة ستظل عنوانا للذاكرة المستيقظة…. …………………………………………………………….. (1) « طارق أيوب » مراسل قناة الجزيرة من بغداد، استشهد يوم الثامن من أفريل ( نيسان) 2003، على إثر قصف صاروخي أمريكي على مكتب الجزيرة ببغداد. ▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪ نُشِرَ في : ◄جريدة القدس العربي ← / 10 – 6 – 2003 ◄ موقع بوابة العرب ← 6 – 12 / – 2003 ◄موقع تيسير علوني ← / 15 – 6 – 2005 ◄ مجلة مرايا – باريس – / صيف 2005