جمع المكتوب بين أسد وذئب وثعلب في رحلة صيد. كانت الرحلة قانونية لأن رخصة الصيد ممضاة في البيت الأبيض الذي لا تخرج قراراته الا سوداء ومصادقا عليه في الكنغرس لأن الصيد سيكون على أراض عربية ولأن عدد الضحايا سيكون محدودا جدا. وعاد ثلاثتهم بحمار وغزال وأرنب. وهناك على منصة التتويج برم الأسد شاربيه وداعب ذقنه في خبث ظاهره ديمقراطية وقال للذئب: اقسم بيننا وكن عادلا فإنه ما تجمّع نفط في الخليج الا بعدل جبّار السماء وما دخل ريعه الجيوب الأمريكية الا بعدل جبابرة الأرض. قال الذئب الفنسي الهوية: الأمر في غاية البساطة. الحمار لك، والغزال لي والأرنب للثعلب. ولم يكد المسكين يتم لامه حتى عالجه الأسد بضربة كسرت رجله وأطارت برجا من عقله مزمجرا قائلا، ألا تعلم أن القرار وما بعده يقول بصراحة ما بعدها صراحة أنه لا فرق بين الأممالمتحدة والولايات المتحدة؟! بكي الذئب في صمت ودعا على الأسد في صمت «اللهم كسّره كما كسّرني». صاح الأسد في الثعلب: «قم وأرنا كيف يكون العدل في قسمة الغنائم». قال الذئب البريطاني بعد تلاوة عبارات الثناء والولاء: «يا صاحب العين الحمراء والناب الأزرق والذراع التي لا تُلوى: خذ الحمار لغدائك والغزال لعشائك وكل الأرنب فيما بين ذلك، بالعربي الفصيح سعادتنا أن نشاهدك تأكل ونحن نتلذّذ وندعو لك بالصحة والعافية». ناداه الأسد والارتياح باد عليه وبعد أن وعده بمنصب أهمّ قال له: «من علّمك القسمة؟ قال الثعلب: رجل الذئب المكسورة». قمت أجري نحو خارطة العالم العربي. فقد صار دأبي منذ نجاح هذا البوش الصغير أن أبسطها أمامي وأتفرّس فيها كالمودّع وأقول: «على من ستدور الدائرة؟ بمن سيتعشّى الرجل، الى أية أرض سيشير بإصبعه لتصبح في لمح البصر أرضا حلّت عليها النقمة؟ هذه الليلة بالذات أخذت القلم اللبدي الغليظ وقلت كالمخاطب نفسه: «هذه خريطتنا قبل اكتشاف أمريكا، يوم كنا عربا باللون والرائحة والطعم واللغة واللباس والمشية. يوم كنا نخطط في هدوء تحت العمامة فلا يذاع لنا سر. يوم كان شرف الأرض من شرف المرأة. الليلة بالذات قررت أن أشطب الأراضي التي لم تعد عربية. وبدأت رحلة التصحيح من فلسطين وشطبتها بأكملها بما في ذلك الضفة والقطاع فما فائدة جيوب في قميص يرتديه شارون. وقلت مشيرا اليها بإصبع الشهادة... وداعا يا أولى القبلتين ويا ثالث الحرمين لقد عشت عقوداموضوعا للخطب الرنانة ومآدب العشاء، فاز بك رجال بنسبة ، رفعتهم ووضعوك، كبّرتهم وصغّروك، كنت لنا قضيّة ألهبتنا ثم خدّرتنا ثم صارت شاهدا على زمن الخيبة، لن ننساك يا فلسطين لأننا عشقناك قبل أن نراك وسنموت دون أن نراك. وأنت أيها السودان الخصب، يروّجون أنك أرض الميعاد: مهبط عيسى عليه السلام ويقدّمون على ذلك الأدلة والبراهين ويحدّدون الجنوب بالذات لهذه العودة لذلك هم يرحّبون بارنق ومن معه من الارنات ويغدقون عليهم المال والسلاح وبعد ست سنوات سيصير نصفك أمريكيا يا سودان وعندئذ نترحم عليك ونقول: الله جاب، الله خذ، الله عليه العوض وبالتونسي: ربي يخلف، وبالسعودي: خيرها في غيرها. وشطّبت نصف السودان. وتراني أقف عند مصر لأزور الجامعة العربية فقد بلغني أنها ترقد في غرفة الانعاش، بين الحياة والموت، وأنها تفيق بين الحين والآخر لتطلب ماء ولتسأل عن أبنائها، أين هم؟ هل أفاقوا من الصدمة؟ لماذا لم يزوروها باستثناء سي عمر، الفارس بلا جواد، الجامعة تدعو علينا وتقول باللهجة المصرية «أنا متبرّية منكم ليوم الإيامة» وعلى كل بلد أن يترجم ذلك الى لهجته الأصلية. أردت أن أدخل الى جانب سي عمر فمنعني ضابط أمريكي وقال: «لا أدري ما سر تعلقكم بزيارة المقابر؟! أجبت: «لأنها تذكّرنا بنهاية الدنيا» أو «لأن بيوتنا صارت لنا مقابر». عدت الى رشدي ومسحت دموعي وشطبت الجامعة العربية. أجهشت باكيا عند أبواب العراق وذكرت بغداد والبصرة والكوفة والموصل و.. و.. وقلت فتيات شريفات عفيفات انضممن الى موكب السبايا، الى القدس وحيفا وأريحا والقائمة تطول والقائمة مازالت مفتوحة وفي رأس بوش كما في رأس شارون مخططات للأمركة والتهويد وفي رأس العرب مخططات للخلاف والتنازل. قريبا يتوجه الرافدان الى تل أبيب يرافقان أنبوب النفط وتخرس المآذن وتنطق النواقيس وتصبح الصلاة يوم الأحد فقط ويصبح الصوم على مدار السنة. لم تطاوعني يدي على شطب العراق ولكن صوت بريمر يزمجر عبر العمائم العربية: أشطب يا. «أظن أنه قال: يا كلب» فهو الاسم الجديد الذي صار يطلق على كل عربي يحترم نفسه. قلت بعفوية: حاضر يا تاج رأسي ولو أردت جنّدت نفسي في صفوفكم وقاتلت العرب بلا هوادة وصرت لكم دليلا على هؤلاء المجهولين». «فأنت يا سيدي جئت تفرغ حقول النفط وتملؤها ديمقراطية. فالنفط بدون ديمقراطية قد أحرقنا حتى تفحّمنا وقد نصير لكم فحما. وقرأت الفاتحة عليك يا عراق ثم نظرت في الخريطة فإذا معتمديات أمريكية لباسها الرسمي عربي ولسانها عربي وضميرها عربي وحرسها أمريكي شطبتها وأضفتها الى بريمر وأوصيته بها خيرا. ثم طويت الخريطة مخافة أن أصبح بلا وطن وعزمت على تعلم الانليزية عساني احتاج اليها يوما لأنفي عن نفسي تهمة الارهابي. تحركت زوجتي فتظاهرت بالنوم: قالت تركت فراشك وانبطحت على الأرض: قلت الانبطاح لنا. فإذا كانت الأرض ليست أرضي فكيف يكون ذلك الفراش فراشي.