تعتبر الزّكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفرض من فرائضه، تضافرت الأدلّة على وجوبها من الكتاب والسنة والإجماع، ولئن قلّ في هذا الزّمان من يحرص على آدائها، وقلّ من يدرك أحكامها وضوابطها، وجب التذكير بأبعاد هذه الفريضة وتقديم فكرة عن سبل حسن استغلال مواردها. أجمع الفقهاء على مصارف الزّكاة الثّمانية الواردة في الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، وفي تفصيل هذه الآية نجد: 1. الفقير: هو الذي لا يجد قوت يومه دون حدّ الكفاف "الذي لا شيء له ولا يجد ما يكفيه من الطّعام واللّباس وسائر الحاجات على الرّاجح" 2. المسكين: هو الذين ليس عنده ما يكفيه من الحاجات الضّروريّة، وهناك اختلاف بين الفقهاء حول تفسير أيّهما أشدّ فقرا، ومجمل القول كلاهما دون حدّ الكفاية 3. العاملين عليها: هم الذين يقومون بعمل من أعمال تجميع وتخزين وحراسة وتوزيع أموال الزّكاة على مصارفها الشرعيّة وكذلك القيام بالأعمال الإداريّة والمحاسبيّة والدعويّة الخاصّة بالزّكاة "ويُعْطى لهم أجرهم ولو كانوا أغنياء حتّى يُحْفَظ عليهم دينهم". 4. المؤلّفة قلوبهم: – الكفّار "الذين يرجى إسلامهم"، فيعطى لهم من الزكاة لحثهم ودفعهم إلى الإسلام مثلما فعل الرّسول صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أُميَّة وكان يومئذ كافرا – كفّ شرّ غير المسلمين عن إيذاء المسلمين – مسلمون دخلوا الإسلام حديثا لتثبيتهم وعونهم – من دخل الإسلام وكان زعيما في قومه وله نظراء مازالوا كافرين لتثبيتهم – من فتر إيمانهم وخشي ارتدادهم بسبب الفقر وذلك لتثبيتهم. 5. في الرّقاب: الغاية من هذا المصرف عتق المسلم من مال الزّكاة، "عبدا كان أو أمة" حتّى يكون ولاؤهم لمن أعتقهم أي يكون ولاؤهم للإسلام وهذا نموذج حيّ من نماذج تحرير الإنسان من العبوديّة إلاّ لله. ويشمل هذا المصرف أيضا فكّ أسرى المسلمين والمعتقلين في سبيل الله والإنفاق على ذويهم. 6. الغارمين: الغارم هو من استدان في غير معصية، وتعذر عليهم سداد دينه، ومن غرم في صلح مشروع "الذين تحمّلوا أعباء بسبب الإصلاح بين النّاس" أو الذين أصابتهم جائحة (كارثة) ضيّعت أموالهم. 7. في سبيل الله: ما ينفق لجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين والمشركين والملحدين السّفلى وهذا على رأي الموسّعين في تفسير مصرف "في سبيل الله"، ولقد اختلف الفقهاء في نطاق حدود هذا المصرف. 8. ابن السّبيل: المسلم المسافر الذي ضاع ماله أو نفذ خلال السفر (في أرض ليس له فيها مال)، فيعطى ما يحتاجه من الزّكاة حتّى يصل إلى بلده (الغني يأخذ هذا المال على سبيل القرض الحسن ويردّه عند عودته إلى وطنه، والفقير لا يردّه باعتباره من الفقراء والمساكين). كما يدخل في هذا المصرف اللاجئين والمهاجرين بسبب الحروب وطلبة العلم الغرباء الذين انقطعت بهم السّبل. اختلف العلماء والفقهاء حول نطاق أو حدود كلّ مصرف، فمنهم المضيّق، ومنهم الموسّع، ولكلّ منهم أدلّته في ضوء الظّروف والأحوال التي تتغيّر من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، وكلّهم على فقه ورشد في الاجتهاد، ولكن الرأي الأرجح هو المعنى الموسّع في ضوء الأولويّات الإسلاميّة "الضّرورات والحاجات" فالغاية السّامية وراء هذا التّفصيل هي: – رعاية الفرد: حيث توفّر له حاجاته الأساسيّة وتحفظ له دينه وعقله ونفسه وعرضه وماله، وهذا بدوره يؤثّر في استقرار البيت من حيث توفير مقوّمات الحياة الكريمة. – رعاية المجتمع: حيث تساهم في إيجاد المجتمع الفاضل، والمتكامل، والمتضامن، والقويّ، والعزيز والحرّ. تحكم عملية احتساب أموال الزكاة جملة من الضوابط الشرعية والتي وجب الاقتداء بها، وأمام غياب المعلومة والمعرفة، نجد أن البعض من التونسيين غير قادرين على احتساب زكاة أموالهم وممتلكاتهم، والبعض الآخر يزكي على ممتلكات لا تجب فيها الزكاة وغير ذلك كثير من الحالات. من جهة أخرى عرف التونسي بتراحمه وتآزره منذ عقود طويلة وكثيرا ما يقوم التونسي بتقديم أموال زكاته لجمعيات خيرية أو لأفراد أو مجموعات، ظن أنهم يندرجون صلب المصارف الثمانية للزكاة. عقب التغييرات السياسية سنة 2011، انتشرت الجمعيات التي تجمع أموال الزكاة وتقوم بصرفها على الفقراء والمساكين، وقد نجحت الكثير من هذه الجمعيات في تحقيق جزء من أهدافها، بيد أن النتائج الملموسة لم تتغير كثيرا أمام تزايد التدهور الاقتصادي وعزوف العديد من المزكين عن إخراج زكاتهم لهذه الجمعيات نتيجة بعض الحملات التي تعرضت لها ونتيجة نقص المعرفة بأيسر السبل لتحقيق الرقية النوعية وتحقيق أحد أبرز مقاصد الزكاة ألا وهو إغناء الفقير حتى لا يسأل الناس من جديد، وفي هذا الصدد أصدرت دار ميارة للنشر والتوزيع كتاب دليل بعث المشروعات من أموال الزكاة، من إعداد الباحث علي سعيد "باحث ومؤلف في المالية الإسلامية، صدر له مجموعة من الكتب ونشر عدة مقالات بمجلات علمية ودولية، المشاركة بورقات بحث علمية في ملتقيات دولية، المشاركة بالتنظيم والحضور في عدة دورات تدريبية وندوات علمية"، تقديم للدكتور سامر مظهر قنطقجي "رئيس جامعة أريس الأمريكية، رئيس مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية، رئيس تحرير مجلة الاقتصاد الإسلامي العالمية" ومراجعة قانونية للأستاذ العجمي العشي المحامي، ويهدف الكتاب إلى: – التعريف بمفهوم الزكاة وبمختلف ضوابطها ومزاياها – تقديم أمثلة عملية عن طرق احتساب الزكاة – تقسيم الحالات الاجتماعية والمعطلين عن العمل إلى ثلاث فئات "فئة غير قادرة عن العمل لعجز يمنع ذلك، فئة من يحتاج للتكوين لإيجاد فرص عمل وفئة من يسعى لبعث مشروع صغير ويحتاج للدعم والتمويل" – تقديم خارطة عمل متكاملة تهدف إلى حسن استغلال أموال الزكاة لمساعدة الفقراء والعاطلين عن العمل على بعث مشاريع صغرى، وتشمل خارطة العمل تصور متكامل يجمع بين التدريب والتكوين والتمويل والمراقبة والإحاطة وغير ذلك بما يضمن نجاح المنتفع – تقديم مقترحات عملية لمختلف أركان الخطة العملية ومقترحات لعقود قانونية تستجيب للقوانين التونسية الكتاب متوفر حاليا في الأسواق وثمنه 6 د.ت، هذا ويمكن استغلال أموال الزكاة في عدة مواطن أخرى ك: – دعم صندوق مكافحة الإرهاب ويندرج ذلك ضمن سهم في سبيل الله والغاية من ذلك هي حماية الدولة التونسية من آفة الإرهاب التي تريد بالبلاد والعباد السوء والدمار – التكفل بخلاص ديون العائلات المعوزة ويندرج ذلك صلب سهم الغارمين مع وجوب التأكد من الشروط المعلومة – مساعدة الحالات المعوزة على الزواج، المعالجة، المسكن، وغير ذلك من الحاجيات الأساسية دون إفراط ولا تفريط – مساعدة الأرامل واليتامى ممن تتوفر فيهم الشروط على العيش الكريم