عندما تم الإعلان عن مشاركة الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، في برنامج في إحدى القنوات التلفزيونية التونسية الخاصة، بدا وكأن الأمر لا يتجاوز مجرد الترفيه والسخرية بإثارة الضحك من ردود أفعال الضيوف، في ظل كاميرا خفية، حيث يتقمص كوميدي شخصية بن علي، ليتحدّث بلسانه. غير أن تواتر الحلقات كشف عن خلفياتٍ أخرى أشد خطورةً، وأكثر تعقيداً، إذ كان غالبية الضيوف هم من أنصار النظام البائد، وقاموا باستغلال الفرصة من أجل شتم الثورة وتحقيرها، والبكاء على أطلال زمن الطاغية، ومدحه بما ليس فيه. ولأن الخطاب الذي تقدمه الشاشات ليس من قبيل عفو الخاطر، أو مجرد كلمات تُقال وتمضي، وإنما الغاية هي التأثير وإعادة تشكيل الرأي العام، فإن متابعة البرنامج، وما أثاره من جدل، يكشف عن أهدافٍ مضمرة لدى أصحابه. ففي المرحلة الحالية، حيث تحاول قوى مؤيدة للاستبداد أن تتموقع من جديد، وتقنع عامة الجمهور أن وضع ما قبل الثورة أفضل بكثير، وأن الثورة كانت أشبه "بلحظة طيش"، فَقَد الناس بعدها امتيازات وإنجازات كثيرة، فأصحاب القناة ومعدّو البرنامج يدركون، قبل غيرهم، أن المخلوع بن علي انتهى سياسياً، وأنه لا مجال لعودته واقعاً، فإن الغاية، هنا، تصبح ترويج فكرةٍ تستهدف التحول السياسي الحاصل في البلد، وتصويره خطيئةً. والمعتاد أن إثارة أشكال من الحنين إلى الماضي هو أحد أساليب الثورة المضادة لاستعادة مواقعها، باعتبار أنها تعمد إلى إحداث مقارناتٍ بين الماضي والحاضر الذي يبدو سيئاً في نظر بعضهم، خصوصاً ممن هم قصيرو الذاكرة الذين نسوا، أو تناسوا، المعاناة زمن الحكم المنهار. ويتزامن بث البرنامج مع حصول أنصار المخلوع على تأشيرة حزبٍ سياسيٍّ، ولا ندري طبيعة القيم أو المبادئ السياسية التي يمكن أن يبشر بها، وهو الذي يعتبر الاستبداد أفضل أشكال الحكم، والطاغية هو الحاكم النموذجي الذي ينبغي استعادة زمنه بأي صورة، مستفيداً، ويا للمفارقة، من الوضع الديمقراطي الحالي للدعوة إلى الانقلاب عليه.