** رسخت الطفولة في أذهاننا عبر النصوص والمحفوضات والشعرو الدواوين الممرضة المثال التي تكون شفاء قبل الدواء، فهي الملاك الطاهر بميدعتها البيضاء وابتسامتها الشافية للمريض المنهوك. ** لكن في واقعنا اليومي الممارس مع كل أسف لا تسمع ولا ترى اليوم الا روايات عن بعض ممرضات وأرجو أن تكون قلة في مجتمعنا ،إذ تكون تصرفاتهن مشبوهة ،و خاصة معاملاتهن مع المريض والتي تكون غالبها بالشتم وقلة الأدب وأحيانا بالتنكيل بالمريض. ** أردت في الواقع أن أسرد هذه المقدمة لأنني بعد ضياع الصورة النصية المثالبة التي رسمت في ذاكرتي عهد الطفولة عن الممرضة والتي بعثت عنها طوال عقود، قد وجدتها فعلا .نعم وجدتها أمامي لعما ودما .وجدتها في مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس،قسم الجراحة العامة . نعم هي الممرضة التي كانت ابتسامتها لا تفارقها ،هي الممرضة التي تسكن آلامنا بحظورها،هي الممرضة التي تدخل بين أحاسيسك والامك ،هي الممرضة الشافية للجروح،هي الممرضة التي يطاوعها الدواء بين أناملها، بين الوخزة والدواء ابتسامة فسؤال فابتسامة،فتنتهي الوخزة دون أن تشعر بانتهائها. هذه هي الممرضة المثال تماما مثل ما وضعوها في الذاكرة. ** سألتها عن اسمها قالت أنا منال ، إلتقطت صورتها اثناء العمل لما تركت في نفسي من انطباع لم اقدر كتمانه. لم اكن لوحدي بهذا الشعور مما زادني وثوقا بانها هي التي كنت ابحث عنها في الخيال. بل كان اغلب المرضى يتمنون ان يمرَضوا عن طريقها حسب شهادتهم. ** بعد اتمامها حصتها الصباحية اقبلت زميلتها بنفس القسم نحوي وفي يدها ابرة الشفاء او الوخز وفي اذنها الهاتف تمسكه بكتفها واخذت يدي ووخزتني وخزة لن انساها, كانت يداها تشتغل انما تفكيرها وشعورها وعيناها وكلامها كلهم مشغولون في الهاتف. فشكرا لك يا منال! ومن منبري هذا فراش المستشفى اطالب كل السلطات وكل الجمعيات التي ترجع اليها بالنظر تكريم هذه العاملة وترقيتها وابراز مهاراتها وجعلها مثالا يقتدى به للاجيال القادمة, فهي مدرسة وجب النسج على منوالها. هكذا تبنى المجتمعات الراقية, فالبذرة الطيبة وجب المحافظة عليها وزرعها في حقولنا. ** اطالب اذن وزيرة المراة بتكريم هذه المرأة واطالب وزير الصحة بتكريم هذه الممرضة واطالب وزير الوظيفة العمومية بتكريم هذه الموظفة واطالب الاتحاد العام التونسي للشغل والهياكل النقابية التابعة لها ان تكرم هذه العاملة. ومن منبري هذا اطالب كل هذه الهياكل المسؤولة اعطاء كل ذي حق حقه بالتكريم والترقية حسب شهادات تنبع من واقع المجتمع. اطالب بتكريمها وترقيتها وجعلها قدوة يقتدى بها فإن لم يكن, فقد كرمها الله عز وجل وجعلها بارزة أمام أعين المرضى, فتحية إكبار لك يا منال الممرضة المثالية.